الباحث القرآني

* (فصل) لما رأى المتيقظون سطوة الدُنْيا بِأهْلِها وخداع الأمل لأربابه وتملك الشَّيْطان وقياد النُّفُوس رَأوْا الدولة للنَّفس الأمارة لجأوا إلى حصن التضرّع والالتجاء كَما يأوي العَبْد المذعور إلى حرم سَيّده سَيّده شهوات الدُّنْيا كلعب الخيال ونظر الجاهِل مَقْصُور على الظّاهِر فَأما ذُو العقل فَيرى ما ووراء السّتْر لاحَ لَهُم المشتهى فَلَمّا مدوا أيدي التَّناوُل بانَ لأبصار البصائر خبط الفخ فطاروا بأجنحة الحذر وصوبوا إلى الرحيل الثّانِي ﴿ياليت قومِي يعلمُونَ﴾ تلمح القَوْم الوُجُود ففهموا المَقْصُود فَأجْمعُوا الرحيل قبل الرحيل وشمروا للسير في سَواء السَّبِيل فالنّاس مشتغلون بالفضلات وهم في قطع الفلوات وعصافير الهوى في وثاق الشبكة ينتظرون الذّبْح وقع ثعلبان في شبكة فَقالَ أحدهما للْآخر أيْن المُلْتَقى بعد هَذا فَقالَ بعد يَوْمَيْنِ في الدباغة تالله ما كانَت الأيّام إلا مناما فليستيقظوا وقد حصلوا على الظفر ما مضى من الدُّنْيا أحْلام وما بَقِي مِنها أماني والوَقْت ضائع بَينهما كَيفَ يسلم من لَهُ زَوْجَة لا ترحمه وولد لا يعذرهُ وجار لا يأمنه وصاحب لا ينصحه وشريك لا ينصفه وعدو لا ينام عَن معاداته ونَفس أمارَة بالسوء ودُنْيا متزيّنة وهوى مرد وشهوة غالبة لَهُ وغَضب قاهر وشَيْطان مزين وضعف مستول عَلَيْهِ فَإن تولاه الله وجذبه إلَيْهِ انقهرت لَهُ هَذِه كلها وإن تخلى عَنهُ ووكله إلى نَفسه اجْتمعت عَلَيْهِ فَكانَت الهلكة لما أعرض النّاس عَن تحكيم الكتاب والسّنة والمحاكمة إلَيْهِما واعتقدوا عدم الِاكْتِفاء بهما وعدلُوا إلى الآراء والقِياس والِاسْتِحْسان وأقوال الشُّيُوخ عرض لَهُم من ذَلِك فَساد في فطرهم وظلمة في قُلُوبهم وكدر في أفهامهم ومحق في عُقُولهمْ وعمتهم هَذِه الأُمُور وغلبت عَلَيْهِم حَتّى رَبِّي فِيها الصَّغِير وهرم عَلَيْها الكَبِير فَلم يروها مكرا فجاءتهم دولة أُخْرى قامَت فِيها البدع مقام السّنَن والنَّفس مقام العقل والهوى مقام الرشد والظلال مقام الهدى والمُنكر مقام المَعْرُوف والجهل مقام العلم والرياء مقام الإخْلاص والباطِل مقام الحق والكذب مقام الصدْق والمداهنة مقام النَّصِيحَة والظُّلم مقام العدْل فَصارَت الدولة والغَلَبَة لهَذِهِ الأُمُور وأهْلها هم المشار إلَيْهِم وكانَت قبل ذَلِك لأضدادها وكانَ أهلها هم المشار إلَيْهِم فَإذا رَأيْت دولة هَذِه الأُمُور قد أقبلت وراياتها قد نصبت وجيوشها قد ركبت فبطن الأرْض والله خير من ظهرها وقلل الجبال خير من السهول ومخالطة الوَحْش أسلم من مُخالطَة النّاس.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب