الباحث القرآني

(فائِدَة) قَوله تَعالى ﴿والَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهم سُبُلَنا﴾ علق سُبْحانَهُ الهِدايَة بِالجِهادِ فأكمل النّاس هِدايَة أعظمهم جهادا، وأفضل الجِهاد جِهاد النَّفس وجِهاد الهوى وجِهاد الشَّيْطان وجِهاد الدُّنْيا. فَمن جاهد هَذِه الأرْبَعَة في الله هداه الله سبل رِضاهُ الموصلة إلى جنته. وَمن ترك الجِهاد فاتَهُ من الهدى بِحَسب ما عطل من الجِهاد. قالَ الجُنَيْد ﴿والَّذين جاهدوا﴾ أهواءهم ﴿فِينا﴾ بِالتَّوْبَةِ ﴿لنهدينهم﴾ سبل الإخْلاص. وَلا يتَمَكَّن من جِهاد عدوه في الظّاهِر إلّا من جاهد هَذِه الأعْداء باطِنا، فَمن نصر عَلَيْها نصر على عدوه. وَمن نصرت عَلَيْهِ نصر عَلَيْهِ عدوه. * (لطيفة) قالَ الأوْزاعِيُّ وابْنُ المُبارَكِ: إذا اخْتَلَفَ النّاسُ في شَيْءٍ فانْظُرُوا ما عَلَيْهِ أهْلُ الثَّغْرِ، يَعْنِي أهْلَ الجِهادِ، فَإنَّ اللَّهَ تَعالى يَقُولُ ﴿والَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهم سُبُلَنا وإنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ﴾. * (فصل) اعلم أن حقيقة الصبر مع الله هو ثبات القلب بالاستقامة معه، وهو أن لا يروغ عنه روغان الثعالب هاهنا وهاهنا، فحقيقة هذا هو الاستقامة إليه وعكوف القلب عليه. وزاد بعضهم قسما آخر من أقسامه وسماه الصبر فيه. وهذا أيضا غير خارج عن أقسام الصبر المذكورة، ولا يعقل من الصبر فيه معنى غير الصبر له، وهذا كما يقال فعلت هذا في الله وله كما قال خبيب: ؎وذلك في ذات الإله وأن يشأ ∗∗∗ يبارك على أوصال شلو ممزع وقد قال تعالى ﴿والَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهم سُبُلَنا﴾ وقال ﴿وَجاهِدُوا في اللَّهِ﴾ وفي حديث جابر: "إن الله تعالى لما أحيا أباه وقال له تمن قال يا رب أن ترجعني إلى الدنيا حتى أقتل فيك مرة ثانية" وقال " ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد" وهذا يفهم منه معنيان أحدهما أن ذلك في مرضاته وطاعته وسبيله وهذا فيما يفعله الإنسان باختياره كما في الحديث "تعلمت فيك العلم" والثاني إنه بسببه وبجهته حصل ذلك وهذا فيما يصيبه بغير اختياره وغالب ما يأتي قولهم "ذلك في الله" في هذا المعنى. فتأمل قوله "ولقد أوذيت في الله" وقول خبيب وذلك "في ذات الإله" وقول عبد الله بن حرام "حتى أقتل فيك" وكذلك قوله ﴿والَّذِينَ جاهَدُوا فِينا﴾ فإنه يترتب عليه الأذى فيه سبحانه. وليست (في) ها هنا للظرفية ولا لمجرد السببية وإن كانت السببية هي أصلها فانظر إلى قوله "في نفس المؤمن مائة من الإبل" وقوله "دخلت امرأة النار في هرة" كيف تجد فيه معنى زائدا على السببية وليست في للوعاء في جميع معانيها فقولك "فعلت هذا في مرضاتك" فيه معنى زيد على قولك "فعلته لمرضاتك" وأنت إذا قلت "أوذيت في الله" لا يقوم مقام هذا اللفظ كقولك "أوذيت لله" ولا "بسبب الله" وإذا فهم المعنى طوى حكم العبارة والمقصود أن الصبر في الله إن أريد به هذا المعنى فهو حق، وإن أريد به معنى خارج عن الصبر على أقضيته وعلى أوامره وعن نواهيه وله وبه لم يحصل. فالصابر في الله كالمجاهد في الله، والجهاد فيه لا يخرج عن معنى الجهاد به وله. والله الموفق.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب