الباحث القرآني
في مُسْنَدِ الإمامِ أحْمَدَ عَنْ عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ: «أنَّهُ صَلّى صَلاةً فَأوْجَزَ فِيها، فَقِيلَ لَهُ في ذَلِكَ، فَقالَ أما إنِّي دَعَوْتُ فِيها بِدَعْواتٍ كانَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - يَدْعُو بِهِنَّ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ بِعِلْمِكَ الغَيْبَ، وقُدْرَتِكَ عَلى الخَلْقِ، أحْيِنِي إذا كانَتِ الحَياةُ خَيْرًا لِي، وتَوَفَّنِي إذا كانَتِ الوَفاةُ خَيْرًا لِي، اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ خَشْيَتَكَ في الغَيْبِ والشَّهادَةِ، وأسْألُكَ كَلِمَةَ الحَقِّ في الغَضَبِ والرِّضا، وأسْألُكَ القَصْدَ في الفَقْرِ والغِنى، وأسْألُكَ نَعِيمًا لا يَنْفَدُ، وأسْألُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لا تَنْقَطِعُ، وأسْألُكَ بَرْدَ العَيْشِ بَعْدَ المَوْتِ، وأسْألُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إلى وجْهِكَ، وأسْألُكَ الشَّوْقَ إلى لِقائِكَ، في غَيْرِ ضَرّاءَ مُضِرَّةٍ، ولا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنّا بِزِينَةِ الإيمانِ، واجْعَلْنا هُداةً مُهْتَدِينَ».
وَفِي أثَرٍ آخَرَ: " «طالَ شَوْقُ الأبْرارِ إلى لِقائِي، وأنا إلى لِقائِهِمْ أشَدُّ شَوْقًا» ".
وَهَذا هو المَعْنى الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ ﷺ بِقَوْلِهِ: «مَن أحَبَّ لِقاءَ اللَّهِ أحَبَّ اللَّهُ لِقاءَهُ».
وَقالَ بَعْضُ أهْلِ البَصائِرِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَن كانَ يَرْجُو لِقاءَ اللَّهِ فَإنَّ أجَلَ اللَّهِ لَآتٍ﴾ [العنكبوت: ٥].
لَمّا عَلِمَ سُبْحانَهُ شِدَّةَ شَوْقِ أوْلِيائِهِ إلى لِقائِهِ، وأنَّ قُلُوبَهم لا تَهْتَدِي دُونَ لِقائِهِ، ضَرَبَ لَهم أجَلًا ومَوْعِدًا لِلِقائِهِ، وتَسْكُنُ نُفُوسُهم بِهِ، وأطْيَبُ العَيْشِ وألَذُّهُ عَلى الإطْلاقِ عَيْشُ المُحِبِّينَ المُشْتاقِينَ المُسْتَأْنِسِينَ، فَحَياتُهم هي الحَياةُ الطَّيِّبَةُ الحَقِيقِيَّةُ، ولا حَياةَ لِلْقَلْبِ
أطْيَبَ ولا أنْعَمَ ولا أهْنَأ مِنها، وهي الحَياةُ الطَّيِّبَةُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أوْ أُنْثى وهو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً﴾ [النحل: ٩٧].
* (فصل)
؎يا من شكى شوقه من طول فرقته ∗∗∗ اصبر لعلك تلقى من تحب غدا
؎وسر إليه بنار الشوق مجتهدا ∗∗∗ عساك تلقى على نار الغرام هدى
المحب الصادق كلما قرب من محبوبه زاد شوقا إليه
؎وأعظم ما يكون الشوق يوما ∗∗∗ إذا دنت الخيام من الخيام
كلما وقع بصر المحب على محبوبه أحدثت له رؤيته شوقا على شوقه
؎ما يرجع الطرف عنه حين يبصره ∗∗∗ حتى يعود إليه الطرف مشتاقا
المحب الصادق إذا سافر طرفه في الكون لم يجد له طريقا إلا على محبوبه
فإذا انصرف بصره عنه رجع إليه خاسئا وهو حسير
؎ويسرح طرفي في الأنام وينثني ∗∗∗ وإنسان عيني بالدموع غريق
؎فيرجع مردودا إليك وماله ∗∗∗ على أحد إلا عليك طريق
أقر شيء لعيون المحب خلوته بسره مع محبوبه
حدثني من رأى شيخنا في عنفوان أمره خرج إلى البرية بكرة فلما أصحر تنفس الصعداء ثم تمثل بقول الشاعر
؎وأخرج من بين البيوت لعلني ∗∗∗ أحدث عنك القلب بالسر خاليا
* [فَصْلٌ مَنزِلَةُ الشَّوْقِ]
وَمِن مَنازِلِ " إيّاكَ نَعْبُدُ وإيّاكَ نَسْتَعِينُ " مَنزِلَةُ الشَّوْقِ
قالَ اللَّهُ تَعالى ﴿مَن كانَ يَرْجُو لِقاءَ اللَّهِ فَإنَّ أجَلَ اللَّهِ لَآتٍ﴾ [العنكبوت: ٥].
قِيلَ: هَذا تَعْزِيَةٌ لِلْمُشْتاقِينَ، وتَسْلِيَةٌ لَهم. أيْ أنا أعْلَمُ أنَّ مَن كانَ يَرْجُو لِقائِي فَهو مُشْتاقٌ إلَيَّ. فَقَدْ أجَّلْتُ لَهُ أجَلًا يَكُونُ عَنْ قَرِيبٍ. فَإنَّهُ آتٍ لا مَحالَةَ. وكُلُّ آتٍ قَرِيبٌ.
وَفِيهِ لَطِيفَةٌ أُخْرى. وهي تَعْلِيلُ المُشْتاقِينَ بِرَجاءِ اللِّقاءِ.
؎لَوْلا التَّعَلُّلُ بِالرَّجاءِ لَقُطِّعَتْ ∗∗∗ نَفْسُ المُحِبِّ صَبابَةً وتَشَوُّقًا
؎وَلَقَدْ يَكادُ يَذُوبُ مِنهُ قَلْبُهُ ∗∗∗ مِمّا يُقاسِي حَسْرَةً وتَحَرُّقا
؎حَتّى إذا رَوْحُ الرَّجاءِ أصابَهُ ∗∗∗ سَكَنَ الحَرِيقُ إذا تَعَلَّلَ بِاللِّقا
وَقَدْ كانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ في دُعائِهِ
«أسْألُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إلى وجْهِكَ، والشَّوْقِ إلى لِقائِكَ».
قالَ بَعْضُهُمْ: كانَ النَّبِيُّ ﷺ دائِمَ الشَّوْقِ إلى لِقاءِ اللَّهِ. لَمْ يَسْكُنْ شَوْقُهُ إلى لِقائِهِ قَطُّ. ولَكِنَّ الشَّوْقَ مائَةُ جُزْءٍ. تِسْعَةٌ وتِسْعُونَ لَهُ. وجُزْءٌ مَقْسُومٌ عَلى الأُمَّةِ.
فَأرادَ ﷺ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ الجُزْءُ مُضافًا إلى ما لَهُ مِنَ الشَّوْقِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ. واللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى أعْلَمُ.
* [فَصْلٌ الشَّوْقُ أثَرٌ مِن آثارِ المَحَبَّةِ]
والشَّوْقُ أثَرٌ مِن آثارِ المَحَبَّةِ، وحُكْمٌ مِن أحْكامِها. فَإنَّهُ سَفَرُ القَلْبِ إلى المَحْبُوبِ في كُلِّ حالٍ.
وَقِيلَ: هو اهْتِياجُ القُلُوبِ إلى لِقاءِ المَحْبُوبِ.
وَقِيلَ: هو احْتِراقُ الأحْشاءِ. ومِنها يَتَهَيَّجُ ويَتَوَلَّدُ، ويُلْهِبُ القُلُوبَ ويُقَطِّعُ الأكْبادَ.
والمَحَبَّةُ أعْلى مِنهُ. لِأنَّ الشَّوْقَ عَنْها يَتَوَلَّدُ، وعَلى قَدْرِها يَقْوى ويَضْعُفُ.
قالَ يَحْيى بْنُ مُعاذٍ: عَلامَةُ الشَّوْقِ فِطامُ الجَوارِحِ عَنِ الشَّهَواتِ.
وَقالَ أبُو عُثْمانَ: عَلامَتُهُ حُبُّ المَوْتِ مَعَ الرّاحَةِ والعافِيَةِ، كَحالِ يُوسُفَ لَمّا أُلْقِيَ في الجُبِّ لَمْ يَقُلْ تَوَفَّنِي، ولَمّا أُدْخِلَ السِّجْنَ لَمْ يَقُلْ تَوَفَّنِي، ولَمّا تَمَّ لَهُ الأمْرُ والأمْنُ والنِّعْمَةُ، قالَ: " تَوَفَّنِي مُسْلِمًا ".
قالَ ابْنُ خَفِيفٍ: الشَّوْقُ ارْتِياحُ القُلُوبِ بِالوَجْدِ، ومَحَبَّةُ اللِّقاءِ بِالقُرْبِ.
وَقِيلَ: هو لَهَبٌ يَنْشَأُ بَيْنَ أثْناءِ الحَشا، يَسْنَحُ عَنِ الفُرْقَةِ. فَإذا وقَعَ اللِّقاءُ طُفِئَ.
قُلْتُ: هَذِهِ مَسْألَةُ نِزاعٍ بَيْنَ المُحِبِّينَ. وهِيَ: أنَّ الشَّوْقَ هَلْ يَزُولُ بِاللِّقاءِ أمْ لا؟
وَلا يَخْتَلِفُونَ أنَّ المَحَبَّةَ لا تَزُولُ بِاللِّقاءِ.
فَمِنهم مَن قالَ: يَزُولُ بِاللِّقاءِ. لِأنَّ الشَّوْقَ هو سَفَرُ القَلْبِ إلى مَحْبُوبِهِ. فَإذا قَدِمَ عَلَيْهِ، ووَصَلَ إلَيْهِ، صارَ مَكانَ الشَّوْقِ قُرَّةُ عَيْنِهِ بِهِ. وهَذِهِ القُرَّةُ تُجامِعُ المَحَبَّةَ ولا تُنافِيها.
قالَ هَؤُلاءِ: وإذا كانَ الغالِبُ عَلى القَلْبِ مُشاهَدَةَ المَحْبُوبِ، لَمْ يَطْرُقْهُ الشَّوْقُ.
وَقِيلَ لِبَعْضِهِمْ: هَلْ تَشْتاقُ إلَيْهِ؟ فَقالَ: لا. إنَّما الشَّوْقُ إلى غائِبٍ، وهو حاضِرٌ.
وَقالَتْ طائِفَةٌ: بَلْ يَزِيدُ الشَّوْقُ بِالقُرْبِ والوُصُولِ، ولا يَزُولُ. لِأنَّهُ كانَ قَبْلَ الوُصُولِ عَلى الخَبَرِ والعِلْمِ، وبَعْدَهُ: قَدْ صارَ عَلى العِيانِ والشُّهُودِ. ولِهَذا قِيلَ:
؎وَأبْرَحُ ما يَكُونُ الشَّوْقُ يَوْمًا ∗∗∗ إذا دَنَتِ الخِيامُ مِنَ الخِيامِ.
قالَ الجُنَيْدُ: سَمِعْتُ السَّرِيَّ يَقُولُ: الشَّوْقُ أجَلُّ مَقامٍ لِلْعارِفِ إذا تَحَقَّقَ فِيهِ. وإذا تَحَقَّقَ في الشَّوْقِ لَها عَنْ كُلِّ شَيْءٍ يَشْغَلُهُ عَمَّنْ يَشْتاقُ إلَيْهِ، وعَلى هَذا: فَأهْلُ الجَنَّةِ دائِمًا في شَوْقٍ إلى اللَّهِ، مَعَ قُرْبِهِمْ مِنهُ، ورُؤْيَتِهِمْ لَهُ.
قالُوا: ومِنَ الدَّلِيلِ عَلى أنَّ الشَّوْقَ يَكُونُ حالَ اللِّقاءِ أعْظَمَ: أنّا نَرى المُحِبَّ يَبْكِي عِنْدَ لِقاءِ مَحْبُوبِهِ. وذَلِكَ البُكاءُ إنَّما هو مِن شِدَّةِ شَوْقِهِ إلَيْهِ، ووَجْدِهِ بِهِ، ولِذَلِكَ يَجِدُ عِنْدَ لِقائِهِ نَوْعًا مِنَ الشَّوْقِ لَمْ يَجِدْهُ في حالِ غَيْبَتِهِ عَنْهُ.
* [فَصْلٌ دَرَجاتُ الشَّوْقِ]
[الدَّرَجَةُ الأُولى شَوْقُ العابِدِ إلى الجَنَّةِ]
قالَ: وهو عَلى ثَلاثِ دَرَجاتٍ. الدَّرَجَةُ الأُولى: شَوْقُ العابِدِ إلى الجَنَّةِ، لِيَأْمَنَ الخائِفُ ويَفْرَحَ الحَزِينُ. ويَظْفَرَ الآمِلُ.
يَعْنِي: شَوْقَ العابِدِ إلى الجَنَّةِ فِيهِ هَذِهِ الحِكَمُ الثَّلاثُ.
أحَدُها: حُصُولُ الأمْنِ الباعِثِ عَلى الأمَلِ. فَإنَّ الخَوْفَ المُجَرَّدَ عَنِ الأمْنِ مِن كُلِّ وجْهٍ لا يَنْبَعِثُ صاحِبُهُ لِعَمَلٍ ألْبَتَّةَ إنْ لَمْ يُقارِنْهُ أمَلٌ. فَإنْ تَجَرَّدَ عَنْهُ قُطِعَ وصارَ قَنُوطًا.
الثّانِي: فَرَحُ الحَزِينِ. فَإنَّ الحُزْنَ المُجَرَّدَ أيْضًا إنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ الفَرَحُ قَتَلَ صاحِبَهُ. فَلَوْلا رُوحُ الفَرَحِ لَتَعَطَّلَتْ قُوى الحَزِينِ وقَعَدَ حُزْنُهُ بِهِ، ولَكِنْ إذا قَعَدَ بِهِ الحُزْنُ قامَ بِهِ رُوحُ الفَرَحِ.
الثّالِثُ: رُوحُ الظَّفَرِ. فَإنَّ الآمِلَ إنْ لَمْ يَصْحَبْهُ رُوحُ الظَّفَرِ ماتَ أمَلُهُ. واللَّهُ أعْلَمُ.
* [فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثّانِيَةُ شَوْقٌ إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ]
قالَ: الدَّرَجَةُ الثّانِيَةُ: شَوْقٌ إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ زَرَعَهُ الحُبُّ الَّذِي يَنْبُتُ عَلى حافّاتِ المِنَنِ فَعَلِقَ قَلْبُهُ بِصِفاتِهِ المُقَدَّسَةِ فاشْتاقَ إلى مُعايَنَةِ لِطائِفِ كَرَمِهِ وآياتِ بِرِّهِ وأعْلامِ فَضْلِهِ. وهَذا شَوْقٌ تَغْشاهُ المَبارُّ، وتُخالِجُهُ المَسارُّ، ويُقاوِمُهُ الِاصْطِبارُ.
الشَّوْقُ إلى اللَّهِ لا يُنافِي الشَّوْقَ إلى الجَنَّةِ. فَإنَّ أطْيَبَ ما في الجَنَّةِ: قُرْبُهُ تَعالى، ورُؤْيَتُهُ، وسَماعُ كَلامِهِ ورِضاهُ. نَعَمْ. الشَّوْقُ إلى مُجَرَّدِ الأكْلِ والشُّرْبِ والحُورِ العِينِ في الجَنَّةِ ناقِصٌ جِدًّا، بِالنِّسْبَةِ إلى شَوْقِ المُحِبِّينَ إلى اللَّهِ تَعالى. بَلْ لا نِسْبَةَ لَهُ إلَيْهِ ألْبَتَّةَ. وهَذا الشَّوْقُ دَرَجَتانِ.
إحْداهُما: شَوْقٌ زَرَعَهُ الحُبُّ الَّذِي سَبَبُهُ الإحْسانُ والمِنَّةُ. وهو الَّذِي قالَ فِيهِ: يَنْبُتُ عَلى حافّاتِ المِنَنِ. فَسَبَبُهُ مُطالَعَةُ مِنَّةِ اللَّهِ وإحْسانِهِ ونِعَمِهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ ذَلِكَ في مَنزِلَةِ المَحَبَّةِ وتَبَيَّنَ أنَّ مَحَبَّةَ الأسْماءِ والصِّفاتِ أكْمَلُ وأقْوى مِن مَحَبَّةِ الإحْسانِ والآلاءِ.
وَفِي قَوْلِهِ " تَنْبُتُ عَلى حافّاتِ المِنَنِ " أيْ جَوانِبِهِ: إشارَةٌ إلى عَدَمِ تَمَكُّنِها وقُوَّتِها، وأنَّها مِن نَباتِ الحافّاتِ الَّتِي هي جَوانِبُ المِنَنِ. لا مِن نَباتِ الأسْماءِ والصِّفاتِ.
وَقَوْلُهُ " فَعَلِقَ قَلْبُهُ بِصِفاتِهِ المُقَدَّسَةِ " يَعْنِي الصِّفاتِ المُخْتَصَّةَ بِالمِنَنِ والإحْسانِ. كالبَرِّ والمَنّانِ، والمُحْسِنِ، والجَوادِ، والمُعْطِي، والغَفُورِ، ونَحْوِها.
وَقَوْلُهُ " المُقَدَّسَةُ " يَعْنِي المُطَهَّرَةَ المُنَزَّهَةَ عَنْ تَأْوِيلِ المُحَرِّفِينَ وتَشْبِيهِ المُمَثِّلِينَ وتَعَطُّلِ المُعَطِّلِينَ.
وَإنَّما قُلْنا: إنَّ مُرادَهُ هَذِهِ الصِّفاتُ الخاصَّةُ لِوَجْهَيْنِ.
أحَدُهُما: أنَّ تَعَلُّقَ القَلْبِ بِالصِّفاتِ العامَّةِ: إنَّما يَكُونُ في الدَّرَجَةِ الثّالِثَةِ.
الثّانِي: أنَّهُ جَعَلَ ثَمَرَةَ هَذا التَّعَلُّقِ شَوْقَ العَبْدِ إلى مُعايَنَةِ لَطائِفِ كَرَمِ الرَّبِّ ومِنَنِهِ وإحْسانِهِ وآياتِ بِرِّهِ. وهي عَلاماتُ بِرِّهِ بِالعَبْدِ وإحْسانِهِ إلَيْهِ، وكَذَلِكَ (أعْلامُ فَضْلِهِ) وهو ما يُفْضِلُ عَلَيْهِ بِهِ، ويُفَضِّلُهُ بِهِ عَلى غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ " وهَذا شَوْقٌ تَغْشاهُ المَبارُّ " يَعْنِي: أنَّهُ شَوْقٌ مَعْلُولٌ. لَيْسَ خالِصًا لِذاتِ المَحْبُوبِ. بَلْ لِما يَنالُ مِنهُ مِنَ المَبارِّ " فَقَدْ غَشِيَتْهُ " أيْ أدْرَكَتْهُ المَبارُّ.
قَوْلُهُ " وتُخالِجُهُ المَسارُّ " أيْ تَجاذَبُهُ. فَإنَّ المُخالَجَةَ هي المُجاذَبَةُ. فَإذا خالَطَ هَذا الشَّوْقَ الفَرَحُ: كانَ مَمْزُوجًا بِنَوْعٍ مِنَ الحَظِّ.
وَقَوْلُهُ " ويُقاوِمُهُ الِاصْطِبارُ " أيْ أنَّ صاحِبَهُ يَقْوى عَلى الصَّبْرِ، فَيُقاوِمُ صَبْرُهُ شَوْقَهُ ولا يَغْلِبُهُ، بِخِلافِ الشَّوْقِ في الدَّرَجَةِ الثّالِثَةِ.
* [فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثّالِثَةُ الشَّوْقُ الخالِصُ]
قالَ: الدَّرَجَةُ الثّالِثَةُ: نارٌ أضْرَمَها صَفْوُ المَحَبَّةِ، فَنَغَّصَتِ العَيْشَ. وسَلَبَتِ السَّلْوَةُ. ولَمْ يُنَهْنِهْها مَعْزًى دُونَ اللِّقاءِ.
يُرِيدُ: أنَّ الشَّوْقَ في هَذِهِ المَرْتَبَةِ: شَبِيهٌ بِالنّارِ الَّتِي أضْرَمَها صَفْوُ المَحَبَّةِ. وهو خالِصُها. وشَبَّهَهُ بِالنّارِ لِالتِهابِهِ في الأحْشاءِ.
وَفِي قَوْلِهِ " صَفْوُ المَحَبَّةِ " إشارَةٌ إلى أنَّها مَحَبَّةٌ لَمْ تَكُنْ لِأجْلِ المِنَّةِ والنِّعَمِ. ولَكِنْ مَحَبَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالذّاتِ والصِّفاتِ.
قَوْلُهُ " فَنَغَّصَتِ العَيْشَ " أيْ مَنَعَتْ صاحِبَها السُّكُونَ إلى لَذِيذِ العَيْشِ. و" التَّنْغِيصُ " قَرِيبٌ مِنَ التَّكْدِيرِ.
قَوْلُهُ " وسَلَبَتِ السَّلْوَةَ " أيْ نَهَبَتِ السُّلُوَّ وأخَذَتْهُ قَهْرًا.
و" السَّلْوَةُ " هي الخَلاصُ مِن كَرْبِ المَحَبَّةِ وإلْقاءُ حِمْلِها عَنِ الظَّهْرِ. والإعْراضُ عَنِ المَحْبُوبِ تَناسِيًا.
وَقَوْلُهُ " لَمْ يُنَهْنِهْها مَعْزًى دُونَ اللِّقاءِ " أيْ لَمْ يَكْفِها ويَرُدَّها قَرارٌ دُونَ لِقاءِ المَحْبُوبِ. وهَذِهِ لا يُقاوِمُها الِاصْطِبارُ. لِأنَّهُ لا يَكُفُّها دُونَ لِقاءِ مَن يُحِبُّ قَرارٌ.
{"ayah":"مَن كَانَ یَرۡجُوا۟ لِقَاۤءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لَـَٔاتࣲۚ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق