الباحث القرآني

فَذَكَرَ سُبْحانَهُ أنَّهم ضُعَفاءُ، وأنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوهم أوْلِياءَهم أضْعَفُ مِنهُمْ، فَهم في ضَعْفِهِمْ وما قَصَدُوهُ مِن اتِّخاذِ الأوْلِياءِ كالعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا، وهو أوْهَنُ البُيُوتِ وأضْعَفُها؛ وتَحْتَ هَذا المَثَلِ أنَّ هَؤُلاءِ المُشْرِكِينَ أضْعَفُ ما كانُوا حِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أوْلِياءَ فَلَمْ يَسْتَفِيدُوا بِمَن اتَّخَذُوهم أوْلِياءَ إلّا ضَعْفًا، كَما قالَ تَعالى: ﴿واتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهم عِزًّا (٨١) كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ ويَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (٨٢)﴾ وَقالَ تَعالى: ﴿واتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهم يُنْصَرُونَ - لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهم وهم لَهم جُنْدٌ مُحْضَرُونَ﴾ [يس: ٧٤-٧٥]. وَقالَ بَعْدَ أنْ ذَكَرَ إهْلاكَ الأُمَمِ المُشْرِكِينَ: ﴿وَما ظَلَمْناهم ولَكِنْ ظَلَمُوا أنْفُسَهم فَما أغْنَتْ عَنْهم آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ لَمّا جاءَ أمْرُ رَبِّكَ وما زادُوهم غَيْرَ تَتْبِيبٍ﴾ [هود: ١٠١]. فَهَذِهِ أرْبَعَةُ مَواضِعَ في القُرْآنِ تَدُلُّ عَلى أنَّ مَن اتَّخَذَ مِن دُونِ اللَّهِ ولِيًّا يَتَعَزَّزُ بِهِ ويَتَكَبَّرُ بِهِ ويَسْتَنْصِرُ بِهِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِهِ إلّا ضِدُّ مَقْصُودِهِ، وفي القُرْآنِ أكْثَرُ مِن ذَلِكَ، وهَذا مِن أحْسَنِ الأمْثالِ وأدَلِّها عَلى بُطْلانِ الشِّرْكِ وخَسارَةِ صاحِبِهِ وحُصُولِهِ عَلى ضِدِّ مَقْصُودِهِ. فَإنْ قِيلَ: فَهم يَعْلَمُونَ أنَّ أوْهَنَ البُيُوتِ بَيْتُ العَنْكَبُوتِ، فَكَيْفَ نَفى عَنْهم عِلْمَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ﴾؟ فالجَوابُ أنَّهُ سُبْحانَهُ لَمْ يَنْفِ عَنْهم عِلْمَهم بِوَهَنِ بَيْتِ العَنْكَبُوتِ، وإنَّما نَفى عَنْهم عِلْمَهم بِأنَّ اتِّخاذَهم أوْلِياءَ مِن دُونِهِ كالعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا فَلَوْ عَلِمُوا ذَلِكَ لَما فَعَلُوهُ، ولَكِنْ ظَنُّوا أنَّ اتِّخاذَهم الأوْلِياءَ مِن دُونِهِ يُفِيدُهم عِزًّا، وقُدْرَةً، فَكانَ الأمْرُ بِخِلافِ ما ظَنُّوهُ. * (فائدة) ضرب الأمثال في القرآن يستفاد منه أمور التذكير والوعظ والحث والزجر والاعتبار والتقرير وتقريب المراد للعقل وتصويره في صورة المحسوس بحيث يكون نسبته للعقل كنسبة المحسوس إلى الحس. وقد تأتي أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الأجر على المدح والذم وعلى الثواب والعقاب وعلى تفخيم الأمر أو تحقيره وعلى تحقيق أمر وإبطال أمر والله أعلم. * (لطيفة) وَمن عَجِيب حيل العنكبوت أنه ينسج تِلْكَ الشبكة شركا للصَّيْد ثمَّ يكمن في جوفها فَإذا نشب فِيها البرغش والذباب وثب عَلَيْهِ وامتص دَمه فَهَذا يحْكى صيد الاشراك والشباك والأول يحْكى صيد الكلاب والفهود ولا تزدرين العبْرَة بالشَّيْء الحقير من الذّرة والبعوض فَإن المَعْنى النفيس يقتبس من الشَّيْء الحقير والازدراء بذلك مِيراث من الَّذين استنكرت عُقُولهمْ ضرب الله تَعالى ﴿فِي كِتابه المثل بالذباب والعَنْكَبُوت والكَلب والحمار فَأنْزل الله تَعالى {إن الله لا يستحيي أن يضْرب مثلا ما بعوضة فَما فَوْقها﴾ فَما أغزر الحكم وأكثرها في هَذِه الحَيَوانات الَّتِي تزدريها وتحتقرها وكم من دلالَة فِيها على الخالِق ولطفه ورَحمته وحكمته فسل المُعَطل من الهمها هَذِه الحِيَل والتلطف في اقتناص صيدها الَّذِي جعل قوتها ومن جعل هَذِه الحِيَل فِيها بدل ما سلبها من القُوَّة والقُدْرَة فأغناها ما أعطاها من الحِيلَة عَمّا سلبها من القُوَّة والقُدْرَة سوى اللَّطِيف الخَبِير.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب