الباحث القرآني

وَقالَ خَلِيلُهُ إبْراهِيمُ لِقَوْمِهِ ﴿إنَّما اتَّخَذْتُمْ مِن دُونِ اللَّهِ أوْثانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكم في الحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ القِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكم بِبَعْضٍ ويَلْعَنُ بَعْضُكم بَعْضًا ومَأْواكُمُ النّارُ وما لَكم مِن ناصِرِينَ﴾ وَهَذا شَأْنُ كُلِّ مُشْتَرِكِينَ في غَرَضٍ، يَتَوادُّونَ ما دامُوا مُتَساعِدِينَ عَلى حُصُولِهِ، فَإذا انْقَطَعَ ذَلِكَ الغَرَضُ، أعْقَبَ نَدامَةً وحُزْنًا وألَمًا، وانْقَلَبَتْ تِلْكَ المَوَدَّةُ بُغْضًا ولَعْنَةً، وذَمًّا مِن بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، لَمّا انْقَلَبَ ذَلِكَ الغَرَضُ حُزْنًا وعَذابًا، كَما يُشاهَدُ في هَذِهِ الدّارِ مِن أحْوالِ المُشْتَرِكِينَ في خِزْيِهِ، إذا أُخِذُوا وعُوقِبُوا، فَكُلُّ مُتَساعِدِينَ عَلى باطِلٍ، مُتَوادِّينَ عَلَيْهِ لا بُدَّ أنْ تَنْقَلِبَ مَوَدَّتُهُما بُغْضًا وعَداوَةً. والضّابِطُ النّافِعُ في أمْرِ الخُلْطَةِ أنْ يُخالِطَ النّاسَ في الخَيْرِ كالجُمُعَةِ والجَماعَةِ، والأعْيادِ والحَجِّ، وتَعَلُّمِ العِلْمِ، والجِهادِ، والنَّصِيحَةِ ويَعْتَزِلَهم في الشَّرِّ، وفُضُولِ المُباحاتِ، فَإنْ دَعَتِ الحاجَةُ إلى خُلْطَتِهِمْ في الشَّرِّ، ولَمْ يُمْكِنْهُ اعْتِزالُهم فالحَذَرَ الحَذَرَ أنْ يُوافِقَهُمْ، ولْيَصْبِرْ عَلى أذاهُمْ، فَإنَّهم لا بُدَّ أنْ يُؤْذُوهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قُوَّةٌ ولا ناصِرٌ. وَلَكِنْ أذًى يَعْقُبُهُ عِزٌّ ومَحَبَّةٌ لَهُ وتَعْظِيمٌ، وثَناءٌ عَلَيْهِ مِنهم ومِنَ المُؤْمِنِينَ ومِن رَبِّ العالَمِينَ. ومُوافَقَتُهم يَعْقُبُها ذُلٌّ وبُغْضٌ لَهُ، ومَقْتٌ، وذَمٌّ مِنهم ومِنَ المُؤْمِنِينَ، ومِن رَبِّ العالَمِينَ. فالصَّبْرُ عَلى أذاهم خَيْرٌ وأحْسَنُ عاقِبَةً، وأحْمَدُ مَآلًا، وإنْ دَعَتِ الحاجَةُ إلى خُلْطَتِهِمْ في فُضُولِ المُباحاتِ، فَلْيَجْتَهِدْ أنْ يَقْلِبَ ذَلِكَ المَجْلِسَ طاعَةً لِلَّهِ إنْ أمْكَنَهُ، ويُشَجِّعَ نَفْسَهُ ويُقَوِّيَ قَلْبَهُ، ولا يَلْتَفِتْ إلى الوارِدِ الشَّيْطانِيِّ القاطِعِ لَهُ عَنْ ذَلِكَ، بِأنَّ هَذا رِياءٌ ومَحَبَّةٌ لِإظْهارِ عِلْمِكَ وحالِكَ، ونَحْوِ ذَلِكَ، فَلْيُحارِبْهُ، ولْيَسْتَعِنْ بِاللَّهِ، ويُؤَثِّرْ فِيهِمْ مِنَ الخَيْرِ ما أمْكَنَهُ. فَإنْ أعْجَزَتْهُ المَقادِيرُ عَنْ ذَلِكَ، فَلْيَسُلَّ قَلْبَهُ مِن بَيْنِهِمْ كَسَلِّ الشَّعْرَةِ مِنَ العَجِينِ، ولْيَكُنْ فِيهِمْ حاضِرًا غائِبًا، قَرِيبًا بَعِيدًا، نائِمًا يَقْظانًا، يَنْظُرُ إلَيْهِمْ ولا يُبْصِرُهُمْ، ويَسْمَعُ كَلامَهم ولا يَعِيهِ، لِأنَّهُ قَدْ أخَذَ قَلْبَهُ مِن بَيْنِهِمْ، ورَقى بِهِ إلى المَلَأِ الأعْلى، يَسْبَحُ حَوْلَ العَرْشِ مَعَ الأرْواحِ العُلْوِيَّةِ الزَّكِيَّةِ، وما أصْعَبَ هَذا وأشَقَّهُ عَلى النُّفُوسِ، وإنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلى مَن يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَبَيْنَ العَبْدِ وبَيْنَهُ أنْ يَصْدُقَ اللَّهَ تَبارَكَ وتَعالى، ويُدِيمَ اللُّجْأ إلَيْهِ، ويُلْقِيَ نَفْسَهُ عَلى بابِهِ طَرِيحًا ذَلِيلًا، ولا يُعِينُ عَلى هَذا إلّا مَحَبَّةٌ صادِقَةٌ، والذِّكْرُ الدّائِمُ بِالقَلْبِ واللِّسانِ، وتَجَنُّبُ المُفْسِداتِ الأرْبَعِ الباقِيَةِ الآتِي ذِكْرُها، ولا يَنالُ هَذا إلّا بِعُدَّةٍ صالِحَةٍ ومادَّةِ قُوَّةٍ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وعَزِيمَةٍ صادِقَةٍ، وفَراغٍ مِنَ التَّعَلُّقِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعالى، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب