الباحث القرآني

* (فصل) وَسبب الخذلان عدم صَلاحِية المحل وأهليته وقبوله للنعمة بِحَيْثُ لَو وافته النعم لقالَ هَذا لي وإنَّما أُوتِيتهُ لِأنِّي أهله ومستحقه كَما قالَ تَعالى ﴿قالَ إنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ أي على علم علمه عِنْدِي أستحق بِهِ ذَلِك وأستوجبه وأستأهله قالَ الفراء أي على فضل عِنْدِي إنِّي كنت أهله ومستحقا لَهُ إذْ أعْطيته وَقالَ مقاتل يَقُول على خير علمه الله عِنْدِي وَذكر عبد الله بن الحارِث بن نَوْفَل سُلَيْمان بن داوُد فِيما أُوتِيَ من الملك ثمَّ قَرَأ قَوْله تَعالى ﴿هَذا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أأشْكُرُ أمْ أكفر﴾ وَلم يقل هَذا من كَرامَتِي، ثمَّ ذكر قارون وقَوله ﴿إنَّما أُوتِيتُهُ عَلى علم عِنْدِي﴾ يَعْنِي أن سُلَيْمان رأى ما أُوتِيتهُ من فضل الله عَلَيْهِ ومنته وأنه ابتلي بِهِ شكره، وقارُون رأى ذَلِك من نَفسه واستحقاقه. وَكَذَلِكَ قَوْله سُبْحانَهُ ﴿وَلَئِنْ أذَقْناهُ رَحْمَةً مِنّا مِن بَعْدِ ضَرّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذا لي﴾ أي أنا أهله وحقيق بِهِ فاختصاصي بِهِ كاختصاص المالِك بِملكه والمُؤمن يري ذَلِك ملكا لرَبه وفضلا مِنهُ منّ بِهِ على عَبده من غير اسْتِحْقاق مِنهُ بل صَدَقَة تصدق بها على عَبده وله أن لا يتَصَدَّق بها فَلَو مَنعه إيّاها لم يكن قد مَنعه شَيْئا هو لَهُ يسْتَحقّهُ عَلَيْهِ فَإذا لم يشْهد ذَلِك رَأْي فِيهِ أهلا ومستحقا فأعجبه نَفسه وطغت بِالنعْمَةِ وعلت بها واستطالت على غَيرها فَكانَ حظها مِنها الفَرح والفَخْر كَما قالَ تَعالى ﴿وَلَئِنْ أذَقْنا الأِنْسانَ مِنّا رَحْمَةً ثمَّ نزعتاها مِنهُ إنَّه ليؤس كَفُورٌ ولَئِنْ أذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إنَّهُ لفرح فخور﴾ فذمه باليأس والكفْر عند الامتحان بالبلاء، وبالفرح والفَخْر عند الِابْتِلاء بالنعماء واستبدل بِحَمْد الله وشكره والثناء عَلَيْهِ إذْ كشف عَنهُ البلاء قَوْله ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عني لَو أنه قالَ أذهب الله السَّيِّئات عني برحمته ومِنه لما ذمّ على ذَلِك بل كانَ مَحْمُودًا عَلَيْهِ ولكنه غفل عَن المُنعم بكشفها ونسب الذّهاب إلَيْها فَرح وافتخر فَإذا علم الله سُبْحانَهُ هَذا من قلب عبد فَذَلِك من أعظم أسباب خذلانه وتخليه عَنهُ فَإن مَحَله لا تناسبه النِّعْمَة المُطلقَة التّامَّة كَما قالَ تَعالى ﴿إن شَرَّ الدَّوابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ البُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ ولَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأسْمَعَهم ولَوْ أسْمَعَهم لَتَوَلَّوْا وهم معرضون﴾ فَأخْبر سُبْحانَهُ أن محلهم غير قابل لنعمته ومَعَ عدم القبُول ففيهم مانع آخر يمْنَع وصولها إلَيْهِم وهو توليهم وإعراضهم إذا عرفوها وتحققوها. وَمِمّا يَنْبَغِي أن يعلم أن أسباب الخذلان من بَقاء النَّفس على ما خلقت عَلَيْهِ في الأصْل وإهمالها وتخليتها فأسباب الخذلان مِنها وفيها وأسْباب التَّوْفِيق من جعل الله سُبْحانَهُ لَها قابِلَة للنعمة فأسباب التَّوْفِيق مِنهُ ومن فَضله وهو الخالِق لهَذِهِ وهَذِه كَما خلق أجزاء الأرْض هَذِه قابِلَة للنبات وهَذِه غير قابِلَة لَهُ وخلق الشّجر هَذِه تقبل الثَّمَرَة وهَذِه لا تقبلها وخلق النحلة قابِلَة لِأن يخرج من بطونها شراب مُخْتَلف ألوانه والزنبور غير قابل لذَلِك وخلق الأرْواح الطّيبَة قابِلَة لذكره وشكره وحجته وإجلاله وتعظيمه وتوحيده ونصيحة عباده وخلق الأرْواح الخبيثة غير قابِلَة لذَلِك بل لضده وهو الحَكِيم العَلِيم. * [فَصْلٌ: في ألْفاظٍ كانَ ﷺ يَكْرَهُ أنْ تُقالَ] فَمِنها: أنْ يَقُولَ خَبُثَتْ نَفْسِي، أوْ جاشَتْ نَفْسِي، ولْيَقُلْ: لَقِسَتْ. وَمِنها: أنْ يُسَمِّيَ شَجَرَ العِنَبِ كَرْمًا، نَهى عَنْ ذَلِكَ، وقالَ «لا تَقُولُوا: الكَرْمُ ولَكِنْ قُولُوا: العِنَبُ والحَبَلَةُ». وَكَرِهَ أنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النّاسُ. وَقالَ: " «إذا قالَ ذَلِكَ فَهو أهْلَكُهُمْ». وفي مَعْنى هَذا: فَسَدَ النّاسُ، وفَسَدَ الزَّمانُ ونَحْوُهُ. وَنَهى أنْ يُقالَ: ما شاءَ اللَّهُ، وشاءَ فُلانٌ بَلْ يُقالُ ما شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ شاءَ فُلانٌ. «فَقالَ لَهُ رَجُلٌ ما شاءَ اللَّهُ وشِئْتَ. فَقالَ: أجَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا؟ قُلْ ما شاءَ اللَّهُ وحْدَهُ». وَفِي مَعْنى هَذا: لَوْلا اللَّهُ وفُلانٌ، لَما كانَ كَذا، بَلْ وهو أقْبَحُ وأنْكَرُ، وكَذَلِكَ: أنا بِاللَّهِ وبِفُلانٍ، وأعُوذُ بِاللَّهِ وبِفُلانٍ، وأنا في حَسْبِ اللَّهِ وحَسْبِ فُلانٍ، وأنا مُتَّكِلٌ عَلى اللَّهِ وعَلى فُلانٍ، فَقائِلُ هَذا، قَدْ جَعَلَ فُلانًا نِدًّا لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ. وَمِنها: أنْ يُقالَ: مُطِرْنا بِنَوْءِ كَذا وكَذا، بَلْ يَقُولُ: مُطِرْنا بِفَضْلِ اللَّهِ ورَحْمَتِهِ. وَمِنها: أنْ يَحْلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ. صَحَّ عَنْهُ ﷺ أنَّهُ قالَ: «مَن حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أشْرَكَ». وَمِنها: أنْ يَقُولَ في حَلِفِهِ: هو يَهُودِيٌّ، أوْ نَصْرانِيٌّ، أوْ كافِرٌ إنْ فَعَلَ كَذا. وَمِنها: أنْ يَقُولَ لِمُسْلِمٍ: يا كافِرُ. وَمِنها: أنْ يَقُولَ لِلسُّلْطانِ: مَلِكُ المُلُوكِ. وعَلى قِياسِهِ قاضِي القُضاةِ. وَمِنها: أنْ يَقُولَ: السَّيِّدُ لِغُلامِهِ وجارِيَتِهِ: عَبْدِي، وأمَتِي، ويَقُولَ: الغُلامُ لِسَيِّدِهِ: رَبِّي، ولْيَقُلِ السَّيِّدُ: فَتايَ وفَتاتِي، ولْيَقُلِ الغُلامُ: سَيِّدِي وسَيِّدَتِي. وَمِنها: سَبُّ الرِّيحِ إذا هَبَّتْ، بَلْ يَسْألُ اللَّهَ خَيْرَها، وخَيْرَ ما أُرْسِلَتْ بِهِ، ويَعُوذُ بِاللَّهِ مِن شَرِّها وشَرِّ ما أُرْسِلَتْ بِهِ. وَمِنها: سَبُّ الحُمّى، نَهى عَنْهُ، وقالَ «إنَّها تُذْهِبُ خَطايا بَنِي آدَمَ، كَما يُذْهِبُ الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ». وَمِنها: النَّهْيُ عَنْ سَبِّ الدِّيكِ، صَحَّ عَنْهُ ﷺ أنَّهُ قالَ: «لا تَسُبُّوا الدِّيكَ فَإنَّهُ يُوقِظُ لِلصَّلاةِ». وَمِنها: الدُّعاءُ بِدَعْوى الجاهِلِيَّةِ، والتَّعَزِّي بِعَزائِهِمْ، كالدُّعاءِ إلى القَبائِلِ والعَصَبِيَّةِ لَها ولِلْأنْسابِ، ومِثْلُهُ التَّعَصُّبُ لِلْمَذاهِبِ، والطَّرائِقِ، والمَشايِخِ، وتَفْضِيلُ بَعْضِها عَلى بَعْضٍ بِالهَوى والعَصَبِيَّةِ، وكَوْنُهُ مُنْتَسِبًا إلَيْهِ، فَيَدْعُو إلى ذَلِكَ ويُوالِي عَلَيْهِ، ويُعادِي عَلَيْهِ، ويَزِنُ النّاسَ بِهِ، كُلُّ هَذا مِن دَعْوى الجاهِلِيَّةِ. وَمِنها: تَسْمِيَةُ العِشاءِ بِالعَتَمَةِ تَسْمِيَةً غالِبَةً يُهْجَرُ فِيها لَفْظُ العِشاءِ. وَمِنها: النَّهْيُ عَنْ سِبابِ المُسْلِمِ، وأنْ يَتَناجى اثْنانِ دُونَ الثّالِثِ. وأنْ تُخْبِرَ المَرْأةُ زَوْجَها بِمَحاسِنِ امْرَأةٍ أُخْرى. وَمِنها: أنْ يَقُولَ في دُعائِهِ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْتَ وارْحَمْنِي إنْ شِئْتَ ". وَمِنها: الإكْثارُ مِنَ الحَلِفِ. وَمِنها: كَراهَةُ أنْ يَقُولَ: قَوْسُ قُزَحَ لِهَذا الَّذِي يُرى في السَّماءِ. وَمِنها: أنْ يَسْألَ أحَدًا بِوَجْهِ اللَّهِ. وَمِنها: أنْ يُسَمِّيَ المَدِينَةَ بِيَثْرِبَ. وَمِنها: أنْ يُسْألَ الرَّجُلُ فِيمَ ضَرَبَ امْرَأتَهُ إلّا إذا دَعَتِ الحاجَةُ إلى ذَلِكَ. وَمِنها أنْ يَقُولَ: صُمْتُ رَمَضانَ كُلَّهُ أوْ قُمْتُ اللَّيْلَ كُلَّهُ. * فَصْلٌ وَمِنَ الألْفاظِ المَكْرُوهَةِ الإفْصاحُ عَنِ الأشْياءِ الَّتِي يَنْبَغِي الكِنايَةُ عَنْها بِأسْمائِها الصَّرِيحَةِ. وَمِنها: أنْ يَقُولَ أطالَ اللَّهُ بَقاءَكَ، وأدامَ أيّامَكَ، وعِشْتَ ألْفَ سَنَةٍ ونَحْوُ ذَلِكَ. وَمِنها: أنْ يَقُولَ الصّائِمُ: وحَقِّ الَّذِي خاتَمُهُ عَلى فَمِ الكافِرِ. وَمِنها: أنْ يَقُولَ لِلْمُكُوسِ: حُقُوقًا. وأنْ يَقُولَ لِما يُنْفِقُهُ في طاعَةِ اللَّهِ: غَرِمْتُ أوْ خَسِرْتُ كَذا وكَذا: وأنْ يَقُولَ أنْفَقْتُ في هَذِهِ الدُّنْيا مالًا كَثِيرًا. وَمِنها: أنْ يَقُولَ المُفْتِي: أحَلَّ اللَّهُ كَذا، وحَرَّمَ اللَّهُ كَذا في المَسائِلِ الِاجْتِهادِيَّةِ، وإنَّما يَقُولُهُ فِيما ورَدَ النَّصُّ بِتَحْرِيمِهِ. وَمِنها: أنْ يُسَمِّيَ أدِلَّةَ القُرْآنِ والسُّنَّةِ ظَواهِرَ لَفْظِيَّةً ومَجازاتٍ، فَإنَّ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ تُسْقِطُ حُرْمَتَها مِنَ القُلُوبِ، ولا سِيَّما إذا أضافَ إلى ذَلِكَ تَسْمِيَةَ شُبَهِ المُتَكَلِّمِينَ والفَلاسِفَةِ قَواطِعَ عَقْلِيَّةً، فَلا إلَهَ إلّا اللَّهُ، كَمْ حَصَلَ بِهاتَيْنِ التَّسْمِيَتَيْنِ مِن فَسادٍ في العُقُولِ والأدْيانِ، والدُّنْيا والدِّينِ. وَمِنها: أنْ يُحَدِّثَ الرَّجُلُ بِجِماعِ أهْلِهِ، وما يَكُونُ بَيْنَهُ وبَيْنَها، كَما يَفْعَلُهُ السَّفَلَةُ. وَمِمّا يُكْرَهُ مِنَ الألْفاظِ: زَعَمُوا وذَكَرُوا، وقالُوا، ونَحْوُهُ. وَمِمّا يُكْرَهُ مِنها أنْ يَقُولَ لِلسُّلْطانِ: خَلِيفَةُ اللَّهِ أوْ نائِبُ اللَّهِ في أرْضِهِ، فَإنَّ الخَلِيفَةَ والنّائِبَ إنَّما يَكُونُ عَنْ غائِبٍ، واللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى خَلِيفَةُ الغائِبِ في أهْلِهِ، ووَكِيلُ عَبْدِهِ المُؤْمِنِ. * (فَصْلٌ) وَلْيَحْذَرْ كُلَّ الحَذَرِ مِن طُغْيانِ " أنا "، " ولِي "، " وعِنْدِي " فَإنَّ هَذِهِ الألْفاظَ الثَّلاثَةَ ابْتُلِيَ بِها إبْلِيسُ وفرعون، وقارون، (فَأنا خَيْرٌ مِنهُ) لِإبْلِيسَ، و﴿لِي مُلْكُ مِصْرَ﴾ [الزخرف: ٥١] لفرعون، و﴿إنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ [القصص: ٧٨] لقارون. وَأحْسَنُ ما وُضِعَتْ " أنا " في قَوْلِ العَبْدِ: أنا العَبْدُ المُذْنِبُ، المُخْطِئُ، المُسْتَغْفِرُ، المُعْتَرِفُ ونَحْوِهِ. " ولِي "، في قَوْلِهِ: لِيَ الذَّنْبُ، ولِيَ الجُرْمُ، ولِيَ المَسْكَنَةُ، ولِيَ الفَقْرُ والذُّلُّ: " وعِنْدِي " في قَوْلِهِ: " اغْفِرْ لِي جِدِّي، وهَزْلِي، وخَطَئِي، وعَمْدِي، وكُلَّ ذَلِكَ عِنْدِي ".
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب