الباحث القرآني

* [فَصْلٌ: الدُّعاءُ مِن أنْفَعِ الأدْوِيَةِ] والدُّعاءُ مِن أنْفَعِ الأدْوِيَةِ، وهو عَدُوُّ البَلاءِ، يَدْفَعُهُ، ويُعالِجُهُ، ويَمْنَعُ نُزُولَهُ، ويَرْفَعُهُ، أوْ يُخَفِّفُهُ إذا نَزَلَ، وهو سِلاحُ المُؤْمِنِ. كَما رَوى الحاكِمُ في صَحِيحِهِ مِن حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الدُّعاءُ سِلاحُ المُؤْمِنِ، وعِمادُ الدِّينِ، ونُورُ السَّماواتِ والأرْضِ». لِلدُّعاءِ مَعَ البَلاءِ مَقاماتٌ. وَلَهُ مَعَ البَلاءِ ثَلاثُ مَقاماتٍ: أحَدُها: أنْ يَكُونَ أقْوى مِنَ البَلاءِ فَيَدْفَعُهُ. الثّانِي: أنْ يَكُونَ أضْعَفَ مِنَ البَلاءِ فَيَقْوى عَلَيْهِ البَلاءُ، فَيُصابُ بِهِ العَبْدُ، ولَكِنْ قَدْ يُخَفِّفُهُ، وإنْ كانَ ضَعِيفًا. الثّالِثُ: أنْ يَتَقاوَما ويَمْنَعَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما صاحِبَهُ. وَقَدْ رَوى الحاكِمُ في صَحِيحِهِ مِن حَدِيثِ عائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لا يُغْنِي حَذَرٌ مِن قَدَرٍ، والدُّعاءُ يَنْفَعُ مِمّا نَزَلَ ومِمّا لَمْ يَنْزِلْ، وإنَّ البَلاءَ لَيَنْزِلُ فَيَلْقاهُ الدُّعاءُ فَيَعْتَلِجانِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ». وَفِيهِ أيْضًا مِن حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «الدُّعاءُ يَنْفَعُ مِمّا نَزَلَ ومِمّا لَمْ يَنْزِلْ، فَعَلَيْكم عِبادَ اللَّهِ بِالدُّعاءِ». وَفِيهِ أيْضًا مِن حَدِيثِ ثَوْبانَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ «لا يَرُدُّ القَدَرَ إلّا الدُّعاءُ، ولا يَزِيدُ في العُمُرِ إلّا البِرُّ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ». * [فَصْلٌ: الإلْحاحُ في الدُّعاءِ] وَمِن أنْفَعِ الأدْوِيَةِ: الإلْحاحُ في الدُّعاءِ. وَقَدْ رَوى ابْنُ ماجَهْ في سُنَنِهِ مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَن لَمْ يَسْألِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ». وَفِي صَحِيحِ الحاكِمِ مِن حَدِيثِ أنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «لا تَعْجِزُوا في الدُّعاءِ فَإنَّهُ لا يَهْلِكُ مَعَ الدُّعاءِ أحَدٌ». وَذَكَرَ الأوْزاعِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُلِحِّينَ في الدُّعاءِ». وَفِي كِتابِ الزُّهْدِ لِلْإمامِ أحْمَدَ عَنْ قَتادَةَ قالَ: قالَ مُوَرِّقٌ: ما وجَدْتُ لِلْمُؤْمِنِ مَثَلًا إلّا رَجُلٌ في البَحْرِ عَلى خَشَبَةٍ، فَهو يَدْعُو: يا رَبِّ يا رَبِّ لَعَلَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ أنْ يُنْجِيَهُ. * [فَصْلٌ: مِن آفاتِ الدُّعاءِ] وَمِنَ الآفاتِ الَّتِي تَمْنَعُ تَرَتُّبَ أثَرِ الدُّعاءِ عَلَيْهِ: أنْ يَسْتَعْجِلَ العَبْدُ، ويَسْتَبْطِئَ الإجابَةَ، فَيَسْتَحْسِرُ ويَدَعُ الدُّعاءَ، وهو بِمَنزِلَةِ مَن بَذَرَ بَذْرًا أوْ غَرَسَ غَرْسًا، فَجَعَلَ يَتَعاهَدُهُ ويَسْقِيهِ، فَلَمّا اسْتَبْطَأ كَمالَهُ وإدْراكَهُ تَرَكَهُ وأهْمَلَهُ. وَفِي البُخارِيِّ مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «يُسْتَجابُ لِأحَدِكم ما لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي». وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ: «لا يَزالُ يُسْتَجابُ لِلْعَبْدِ، ما لَمْ يَدْعُ بِإثْمٍ أوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، ما لَمْ يَسْتَعْجِلْ، قِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ ما الِاسْتِعْجالُ؟ قالَ يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ، وقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أرَ يُسْتَجابُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ ويَدَعُ الدُّعاءَ». وَفِي مُسْنَدِ أحْمَدَ مِن حَدِيثِ أنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لا يَزالُ العَبْدُ بِخَيْرٍ ما لَمْ يَسْتَعْجِلْ، قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَسْتَعْجِلُ؟ قالَ: يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ رَبِّي فَلَمْ يَسْتَجِبْ لِي». * [فَصْلٌ: أوْقاتُ الإجابَةِ] وَإذا جَمَعَ مَعَ الدُّعاءِ حُضُورَ القَلْبِ وجَمْعِيَّتَهُ بِكُلِّيَّتِهِ عَلى المَطْلُوبِ، وصادَفَ وقْتًا مِن أوْقاتِ الإجابَةِ السِّتَّةِ، وهِيَ: الثُّلُثُ الأخِيرُ مِنَ اللَّيْلِ، وعِنْدَ الأذانِ، وبَيْنَ الأذانِ والإقامَةِ، وأدْبارُ الصَّلَواتِ المَكْتُوباتِ، وعِنْدَ صُعُودِ الإمامِ يَوْمَ الجُمُعَةِ عَلى المِنبَرِ حَتّى تُقْضى الصَّلاةُ مِن ذَلِكَ اليَوْمِ، وآخِرُ ساعَةٍ بَعْدَ العَصْرِ. وَصادَفَ خُشُوعًا في القَلْبِ، وانْكِسارًا بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ، وذُلًّا لَهُ، وتَضَرُّعًا، ورِقَّةً. واسْتَقْبَلَ الدّاعِي القِبْلَةَ. وَكانَ عَلى طَهارَةٍ. وَرَفَعَ يَدَيْهِ إلى اللَّهِ. وَبَدَأ بِحَمْدِ اللَّهِ والثَّناءِ عَلَيْهِ. ثُمَّ ثَنّى بِالصَّلاةِ عَلى مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ ورَسُولِهِ ﷺ. ثُمَّ قَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ حاجَتِهِ التَّوْبَةَ والِاسْتِغْفارَ. ثُمَّ دَخَلَ عَلى اللَّهِ، وألَحَّ عَلَيْهِ في المَسْألَةِ، وتَمَلَّقَهُ ودَعاهُ رَغْبَةً ورَهْبَةً. وَتَوَسَّلَ إلَيْهِ بِأسْمائِهِ وصِفاتِهِ وتَوْحِيدِهِ. وَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ دُعائِهِ صَدَقَةً، فَإنَّ هَذا الدُّعاءَ لا يَكادُ يُرَدُّ أبَدًا، ولا سِيَّما إنْ صادَفَ الأدْعِيَةَ الَّتِي أخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ أنَّها مَظَنَّةُ الإجابَةِ، أوْ أنَّها مُتَضَمِّنَةٌ لِلِاسْمِ الأعْظَمِ. أدْعِيَةٌ مَأْثُورَةٌ فَمِنها ما في السُّنَنِ (وَفِي) صَحِيحِ ابْنِ حِبّانَ مِن حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أبِيهِ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ بِأنِّي أشْهَدُ أنَّكَ أنْتَ اللَّهُ لا إلَهَ إلّا أنْتَ، الأحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحَدٌ، فَقالَ: لَقَدْ سَألَ اللَّهَ بِالِاسْمِ الَّذِي إذا سُئِلَ بِهِ أعْطى، وإذا دُعِيَ بِهِ أجابَ وفي لَفْظٍ: لَقَدْ سَألْتَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الأعْظَمِ». وَفِي السُّنَنِ وصَحِيحِ ابْنِ حِبّانَ أيْضًا مِن حَدِيثِ أنَسِ بْنِ مالِكٍ «أنَّهُ كانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ جالِسًا ورَجُلٌ يُصَلِّي، ثُمَّ دَعا فَقالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ بِأنَّ لَكَ الحَمْدَ، لا إلَهَ إلّا أنْتَ المَنّانُ بَدِيعُ السَّماواتِ والأرْضِ، يا ذا الجَلالِ والإكْرامِ، يا حَيُّ يا قَيُّومُ. فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَقَدْ دَعا اللَّهَ بِاسْمِهِ العَظِيمِ الَّذِي إذا دُعِيَ بِهِ أجابَ، وإذا سُئِلَ بِهِ أعْطى». أخْرَجَ الحَدِيثَيْنِ أحْمَدُ في مَسْنَدِهِ. وَفِي جامِعِ التِّرْمِذِيِّ، مِن حَدِيثِ أسْماءَ بِنْتِ يَزِيدَ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «اسْمُ اللَّهِ الأعْظَمُ في هاتَيْنِ الآيَتَيْنِ ﴿وَإلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ لا إلَهَ إلّا هو الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: ١٦٣]. وَفاتِحَةِ آلِ عِمْرانَ ﴿الم - اللَّهُ لا إلَهَ إلّا هو الحَيُّ القَيُّومُ﴾،» قالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِي مُسْنَدِ أحْمَدَ وصَحِيحِ الحاكِمِ مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ وأنَسِ بْنِ مالِكٍ ورَبِيعَةَ بْنِ عامِرٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «ألِظُّوا بَيا ذا الجَلالِ والإكْرامِ» - يَعْنِي: تَعَلَّقُوا بِها والزَمُوا وداوِمُوا عَلَيْها. وَفِي جامِعِ التِّرْمِذِيِّ مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ إذا أهَمَّهُ الأمْرُ رَفَعَ رَأْسَهُ إلى السَّماءِ، وإذا اجْتَهَدَ في الدُّعاءِ، قالَ: يا حَيُّ يا قَيُّومُ». وَفِيهِ أيْضًا مِن حَدِيثِ أنَسِ بْنِ مالِكٍ، قالَ: «كانَ النَّبِيُّ ﷺ إذا حَزَبَهُ أمْرٌ قالَ: يا حَيُّ يا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ». وَفِي صَحِيحِ الحاكِمِ مِن حَدِيثِ أبِي أُمامَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «اسْمُ اللَّهِ الأعْظَمُ في ثَلاثِ سُوَرٍ مِنَ القُرْآنِ: البَقَرَةِ، وآلِ عِمْرانَ، وطَهَ، قالَ القاسِمُ: فالتَمَسْتُها فَإذا هي آيَةُ ﴿الحَيُّ القَيُّومُ)﴾». وَفِي جامِعِ التِّرْمِذِيِّ وصَحِيحِ الحاكِمِ مِن حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «دَعْوَةُ ذِي النُّونِ، إذْ دَعا وهو في بَطْنِ الحُوتِ " ﴿لا إلَهَ إلّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٧] إنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِها مُسْلِمٌ في شَيْءٍ قَطُّ إلّا اسْتَجابَ اللَّهُ لَهُ». قالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَفِي مُسْتَدْرَكِ الحاكِمِ أيْضًا مِن حَدِيثِ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ «ألا أُخْبِرُكم بِشَيْءٍ إذا نَزَلَ بِرَجُلٍ مِنكم أمْرٌ مُهِمٌّ، فَدَعا بِهِ يُفَرِّجُ اللَّهُ عَنْهُ؟ دُعاءُ ذِي النُّونِ». وَفِي صَحِيحِهِ أيْضًا عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ وهو يَقُولُ: «هَلْ أدُلُّكم عَلى اسْمِ اللَّهِ الأعْظَمِ؟ دُعاءِ يُونُسَ، فَقالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ كانَ لِيُونُسَ خاصَّةً؟ فَقالَ ألا تَسْمَعُ قَوْلَهُ: ﴿فاسْتَجَبْنا لَهُ ونَجَّيْناهُ مِنَ الغَمِّ وكَذَلِكَ نُنْجِي المُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٨] فَأيُّما مُسْلِمٍ دَعا بِها في مَرَضِهِ أرْبَعِينَ مَرَّةً فَماتَ في مَرَضِهِ ذَلِكَ أُعْطِيَ أجْرَ شَهِيدٍ، وإنْ بَرِئَ بَرِئَ مَغْفُورًا لَهُ». وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِن حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كانَ يَقُولُ عِنْدَ الكَرْبِ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلَهَ إلّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلَهَ إلّا اللَّهُ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ، ورَبُّ الأرْضِ، ورَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ. » وفي مُسْنَدِ الإمامِ أحْمَدَ مِن حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالَ: «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذا نَزَلَ بِي كَرْبٌ أنْ أقُولَ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ، سُبْحانَ اللَّهِ وتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ». وَفِي مَسْنَدِهِ أيْضًا مِن حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ما أصابَ أحَدًا قَطُّ هَمٌّ ولا حُزْنٌ، فَقالَ: اللَّهُمَّ إنِّي عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ أمَتِكَ، ناصِيَتِي بِيَدِكَ، ماضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضاؤُكَ، أسْألُكَ اللَّهُمَّ بِكُلِّ اسْمٍ هو لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أوْ عَلَّمْتَهُ أحَدًا مِن خَلْقِكَ، أوْ أنْزَلْتَهُ في كِتابِكَ، أوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ في عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ أنْ تَجْعَلَ القُرْآنَ العَظِيمَ رَبِيعَ قَلْبِي، ونُورَ صَدْرِي، وجِلاءَ حُزْنِي، وذَهابَ هَمِّي؛ إلّا أذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وحُزْنَهُ، وأبْدَلَهُ مَكانَهُ فَرَحًا، فَقِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ألا نَتَعَلَّمُها؟ قالَ: بَلى يَنْبَغِي لِمَن سَمِعَها أنْ يَتَعَلَّمَها». وَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: ما كَرَبَ نَبِيٌّ مِنَ الأنْبِياءِ، إلّا اسْتَغاثَ بِالتَّسْبِيحِ. وَذَكَرَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا في كِتابِ المُجابِينَ، وفي الدُّعاءِ عَنِ الحَسَنِ، قالَ: كانَ رَجُلٌ مِن أصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ مِنَ الأنْصارِ يُكَنّى أبا مُعَلَّقٍ وكانَ تاجِرًا يَتَّجِرُ بِمالٍ لَهُ ولِغَيْرِهِ، يَضْرِبُ بِهِ في الآفاقِ، وكانَ ناسِكًا ورِعًا، فَخَرَجَ مَرَّةً فَلَقِيَهُ لِصٌّ مُقَنَّعٌ في السِّلاحِ، فَقالَ لَهُ: ضَعْ ما مَعَكَ فَإنِّي قاتِلُكَ، قالَ: فَما تُرِيدُهُ مِن دَمِي؟ شَأْنُكَ بِالمالِ، قالَ: أمّا المالُ فَلِي، ولَسْتُ أُرِيدُ إلّا دَمَكَ، قالَ: أما إذا أبَيْتَ فَذَرْنِي أُصَلِّي أرْبَعَ رَكَعاتٍ، قالَ صَلِّ ما بَدا لَكَ، فَتَوَضَّأ ثُمَّ صَلّى أرْبَعَ رَكَعاتٍ، فَكانَ مِن دُعائِهِ في آخِرِ سُجُودِهِ أنْ قالَ: يا ودُودُ يا ودُودُ، يا ذا العَرْشِ المَجِيدِ، يا فَعّالًا لِما تُرِيدُ، أسْألُكَ بِعِزِّكَ الَّذِي لا يُرامُ، وبِمُلْكِكَ الَّذِي لا يُضامُ، وبِنُورِكَ الَّذِي مَلَأ أرْكانَ عَرْشِكَ أنْ تَكْفِيَنِي شَرَّ هَذا اللِّصِّ، يا مُغِيثُ أغِثْنِي، ثَلاثَ مَرّاتٍ، فَإذا هو بِفارِسٍ قَدْ أقْبَلَ بِيَدِهِ حَرْبَةٌ قَدْ وضَعَها بَيْنَ أُذُنَيْ فَرَسِهِ، فَلَمّا بَصُرَ بِهِ اللِّصُّ أقْبَلَ نَحْوَهُ، فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ أقْبَلَ إلَيْهِ، فَقالَ: قُمْ، فَقالَ: مَن أنْتَ بِأبِي أنْتَ وأُمِّي؟ فَقَدْ أغاثَنِي اللَّهُ بِكَ اليَوْمَ، فَقالَ: أنا مَلَكٌ مِن أهْلِ السَّماءِ الرّابِعَةِ، دَعَوْتَ بِدُعائِكَ الأوَّلِ فَسَمِعْتُ لِأبْوابِ السَّماءِ قَعْقَعَةً، ثُمَّ دَعَوْتَ بِدُعائِكَ الثّانِي، فَسَمِعْتُ لِأهْلِ السَّماءِ ضَجَّةً، ثُمَّ دَعَوْتَ بِدُعائِكَ الثّالِثِ، فَقِيلَ لِي: دُعاءُ مَكْرُوبٍ فَسَألْتُ اللَّهَ أنْ يُوَلِّيَنِي قَتْلَهُ، قالَ الحَسَنُ: فَمَن تَوَضَّأ وصَلّى أرْبَعَ رَكَعاتٍ، ودَعا بِهَذا الدُّعاءِ، اسْتُجِيبَ لَهُ، مَكْرُوبًا كانَ أوْ غَيْرَ مَكْرُوبٍ. * [فَصْلٌ: ظُرُوفُ الدُّعاءِ] وَكَثِيرًا ما تَجِدُ أدْعِيَةً دَعا بِها قَوْمٌ فاسْتُجِيبَ لَهُمْ، فَيَكُونُ قَدِ اقْتَرَنَ بِالدُّعاءِ ضَرُورَةُ صاحِبِهِ وإقْبالُهُ عَلى اللَّهِ، أوْ حَسَنَةٌ تَقَدَّمَتْ مِنهُ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحانَهُ إجابَةَ دَعْوَتِهِ شُكْرًا لِحَسَنَتِهِ، أوْ صادَفَ وقْتَ إجابَةٍ، ونَحْوُ ذَلِكَ، فَأُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ، فَيَظُنُّ الظّانُّ أنَّ السِّرَّ في لَفْظِ ذَلِكَ الدُّعاءِ فَيَأْخُذُهُ مُجَرَّدًا عَنْ تِلْكَ الأُمُورِ الَّتِي قارَنَتْهُ مِن ذَلِكَ الدّاعِي، وهَذا كَما إذا اسْتَعْمَلَ رَجُلٌ دَواءً نافِعًا في الوَقْتِ الَّذِي يَنْبَغِي اسْتِعْمالُهُ عَلى الوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي، فانْتَفَعَ بِهِ، فَظَنَّ غَيْرُهُ أنَّ اسْتِعْمالَ هَذا الدَّواءِ بِمُجَرَّدِهِ كافٍ في حُصُولِ المَطْلُوبِ، كانَ غالِطًا، وهَذا مَوْضِعٌ يَغْلَطُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ. وَمِن هَذا قَدْ يَتَّفِقُ دُعاؤُهُ بِاضْطِرارٍ عِنْدَ قَبْرٍ فَيُجابُ، فَيَظُنُّ الجاهِلُ أنَّ السِّرَّ لِلْقَبْرِ، ولَمْ يَعْلَمْ أنَّ السِّرَّ لِلِاضْطِرارِ وصِدْقِ اللُّجْأِ إلى اللَّهِ، فَإذا حَصَلَ ذَلِكَ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللَّهِ، كانَ أفْضَلَ وأحَبَّ إلى اللَّهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب