الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿إنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ المُرْسَلُونَ إلاّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ﴾ فعلى تقدير عدم الدخول نفى الخوف عن المرسلين وأثبته لمن ظلم ثم تاب، وعلى تقدير الدخول يكون المعنى ولا غيرهم إلا من ظلم. وأما قول بعض الناس: إن (إلا) بمعنى الواو، والمعنى: ولا من ظلم، فخَبْطٌ منه؛ فإن هذا يرفع الأمان عن اللغة ويوقع اللبس في الخطاب، (والواو وإلا) متنافيتان فإحداهما تثبت للثاني نظير حكم الأول، والآخرى تنفى عن الثاني ذلك. فدعوى تعاقبتهما دعوى باطلة لغة وعرفا، والقاعدة أن الحروف لا ينوب بعضها عن بعض خوفا من اللبس وذهاب المعنى الذي قصد بالحرف، وإنما يضمن ويشرب معنى فعل آخر يقتضي ذلك الحرف فيكون ذكر الفعل مع الحرف الذي يقتضيه غيره قائما مقام الذكر الفعلين، وهذا من بديع اللغة وكمالها. ولو قدر تعاقب الحروف ونيابة بعضها عن بعض فإنما يكون ذلك إذا كان المعنى مكشوفا واللبس مأمونا فيكون من باب التفنن في الخطاب والتوسع فيه. فأما أن يدعى ذلك من غير قرينة في اللفظ فلا يصح. وسنشبع الكلام على هذا في فصل مفرد إن شاء الله تعالى. والذي حملهم على دعوى ذلك أنهم لما رأوا الخوف منتفيا عن المذكور بعد (إلا) ظنوا أنها بمعنى (الواو) لكون المعنى عليه وغلطوا في ذلك فإن الخوف ثابت له حال ظلمه وحال تبديله الحسن بعد السوء. أما حال ظلمه فظاهر، وأما حال التبديل فلأنه يخاف أنه لم يقم بالواجب وأنه لم يقبل منه ما أتى به. كما في الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت "قلت: يا رسول الله ﴿والَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وقُلُوبُهم وجِلَةٌ﴾ هو الرجل يزني ويسرق ويخاف؟ قال: يا بنت الصديق هو الرجل يصوم ويصلي ويخاف أن لا يقبل منه" فمن ظلم ثم تاب فهو أولى بالخوف وإن لم يكن خوف عليه. وقد يجيء الانقطاع في هذا الاستثناء من وجه آخر وهو أن ما بعد إلا جملة مستقلة بنفسها فهي منقطعة مما قبلها انقطاع الجمل بعضها عن بعض فسمى منقطعا بهذا الاعتبار كما تقدم نظيره والله أعلم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب