الباحث القرآني
وَقالَ سعيد بن مَنصُور حَدثنا حزم قالَ سَمِعت الحسن وسَألَهُ كثير ابْن زِياد عَن قَوْله تَعالى ﴿رَبنا هَب لنا من أزواجنا وذُرِّيّاتنا قُرَّة أعين﴾
فَقالَ يا أبا سعيد ما هَذِه القرة الأعْين أفِي الدُّنْيا أم في الآخِرَة؟
قالَ لا بل والله في الدُّنْيا.
قالَ وما هِيَ؟
قالَ والله أن يري الله العَبْد من زَوجته من أخِيه من حميمه طاعَة الله، لا والله ما شَيْء أحب إلى المَرْء المُسلم من أن يرى ولدا أو والدا أو حميما أو أخا مُطيعًا لله عز وجل.
قوله تعالى: ﴿واجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إمامًا﴾
وَإمامٌ بِمَعْنى قُدْوَةٍ، وهو يَصْلُحُ لِلْواحِدِ والجَمْعِ كالأُمَّةِ والأُسْوَةِ.
وَقَدْ قِيلَ: هو جَمْعُ آمِمٍ كَصاحِبِ وصِحابٍ وراجِلٍ ورِجالٍ وتاجِرٍ وتُجّارٍ.
وَقِيلَ: هو مَصْدَرٌ كَقِتالٍ وضِرابٍ، أيْ ذَوِي إمامٍ.
والصَّوابُ الوَجْهُ الأوَّلُ، فَكُلُّ مَن كانَ مِن المُتَّقِينَ وجَبَ عَلَيْهِ أنْ يَأْتَمَّ بِهِمْ، والتَّقْوى واجِبَةٌ، والِائْتِمامُ بِهِمْ واجِبٌ، ومُخالَفَتُهم فِيما أفْتَوْا بِهِ مُخالِفٌ لِلِائْتِمامِ بِهِمْ.
* (فصل)
وَقد أثنى الله سُبْحانَهُ على عباده المُؤمنِينَ الَّذين يسألونه أن يجعلهم أئِمَّة يهتدى بهم فَقالَ تَعالى في صِفات عباده ﴿والَّذين يَقُولُونَ رَبنا هَب لنا من أزواجنا وذُرِّيّاتنا قُرَّة أعين واجعلنا لِلْمُتقين إمامًا﴾
قالَ ابْن عَبّاس يهتدى بِنا في الخَيْر وقالَ أبُو صالح يقْتَدى بهدانا.
وَقالَ مَكْحُول أئِمَّة في التَّقْوى يَقْتَدِي بِنا المتقون.
وَقالَ مُجاهِد اجْعَلْنا مؤتمين بالمتقين مقتدين بهم وأشكل هَذا التَّفْسِير على من لم يعرف قدر فهم السّلف وعمق علمهمْ وقالَ يجب أن تكون الآيَة على هَذا القَوْل من باب المقلوب على تَقْدِير واجعَل المُتَّقِينَ لنا أئِمَّة ومعاذ الله أن يكون شَيْء مقلوبا على وجهه وهَذا من تَمام فهم مُجاهِد رَحمَه الله فَإنَّهُ لا يكون الرجل إمامًا لِلْمُتقين حَتّى يأتم بالمتقين فنبه مُجاهِد على هَذا الوَجْه الَّذِي ينالون بِهِ هَذا المَطْلُوب وهو اقتداؤهم بالسلف المُتَّقِينَ من قبلهم فيجعلهم الله أئِمَّة لِلْمُتقين من بعدهمْ وهَذا من أحسن الفَهم في القُرْآن وألطفه لَيْسَ من باب القلب في شَيْء فَمن ائتم بِأهْل السّنة قبله ائتم بِهِ من بعده ومن مَعَه.
ووحد سُبْحانَهُ لفظ ﴿إمامًا﴾ ولم يقل واجعلنا لِلْمُتقين أئِمَّة فَقيل الإمام في الآيَة جمع آم نَحْو صاحب وصحاب وهَذا قَول الأخْفَش وفِيه بعد ولَيْسَ هو من اللُّغَة المَشْهُورَة المستعملة المَعْرُوفَة حَتّى يُفَسر بها كَلام الله.
وَقالَ آخَرُونَ الإمام هُنا مصدر لا اسْم يُقال أم إمامًا نَحْو صامَ صياما وقامَ قياما أي اجْعَلْنا ذَوي إمام وهَذا أضْعَف من الَّذِي قبله وقالَ الفراء إنَّما قالَ ﴿إمامًا﴾ ولم يقل أئِمَّة على نَحْو قَوْله ﴿إنّا رَسُول رب العالمين﴾ ولم يقل رَسُولا وهو من الواحِد المُراد بِهِ الجمع لقَوْل الشّاعِر
؎(يا عاذلاتي لا تردن ملامتي ∗∗∗ إن العواذل لَيْسَ لي بأمير)
أي لَيْسَ لي بأمراء
وَهَذا أحسن الأقْوال غير أنه يحْتاج إلى مزِيد بَيان وهو أن المُتَّقِينَ كلهم على طَرِيق واحِد ومعبودهم واحِد وأتْباع كتاب واحِد ونَبِي واحِد وعبيد رب واحِد فدينهم واحِد ونبيهم واحِد وكتابهم واحِد ومعبودهم واحِد فكأنهم كلهم إمام واحِد لمن بعدهمْ ليسو كالأئمة المُخْتَلِفين الَّذين قد اخْتلفت طرائقهم ومذاهبهم وعقائدهم فالائتمام إنَّما هو بماهم عَلَيْهِ وهو شَيْء واحِد وهو الإمام في الحَقِيقَة
وَقد أخبر سُبْحانَهُ أن هَذِه الإمامَة إنَّما تنال بِالصبرِ واليَقِين فَقالَ تَعالى ﴿وَجَعَلنا مِنهُم أئِمَّة يهْدُونَ بأمرنا لما صَبَرُوا وكانُوا بِآياتِنا يوقنون﴾
فبالصبر واليَقِين تنال الإمامَة في الدّين
فَقيل بِالصبرِ عَن الدُّنْيا
وَقيل بِالصبرِ على البلاء
وَقيل بِالصبرِ عَن المناهي والصَّواب أنه بِالصبرِ عَن ذَلِك كُله بِالصبرِ على أداء فَرائض الله والصَّبْر عَن مَحارمه والصَّبْر على أقداره.
وَجمع سُبْحانَهُ بَين الصَّبْر واليَقِين إذْ هما سَعادَة العَبْد وفقدهما يفقده سعادته فَإن القلب تطرقه طوارق الشَّهَوات المُخالفَة لأمر الله وطوارق الشُّبُهات المُخالفَة لخبره فبالصبر يدْفع الشَّهَوات وباليقين يدْفع الشُّبُهات فَإن الشَّهْوَة والشبهة مضادتان للدّين من كل وجه فَلا ينجو من عَذاب الله إلّا من دفع شهواته بِالصبرِ وشبهاته بِاليَقِينِ.
* [فصل: الفرق بين حب الرئاسة وحب الإمارة]
والفرق بين حب الرئاسة وحب الإمارة للدعوة إلى اللّه هو الفرق بين تعظيم أمر اللّه والنصح له وتعظيم النفس والسعي في حظها فإن الناصح اللّه المعظم له والمحب له يحب أن يطاع ربه فلا يعصى وأن تكون كلمته هي العليا وأن يكون الدين كله للّه وأن يكون العباد ممتثلين أوامره مجتنبين نواهيه فقد ناصح اللّه في عبوديته وناصح خلقه في الدعوة إلى اللّه فهو الإمامة في الدين بل يسأله ربه أن يجعله للمتقين إماما يقتدي به المتقون كما اقتدى هو بالمتقين فإذا أحب هذا العبد الداعي إلى اللّه أن يكون في أعينهم جليلا وفي قلوبهم مهيبا وإليهم حبيبا وأن يكون فيهم مطاعا لكي يأتموا به ويقتفوا أثر الرسول على يده لم يضره ذلك بل يحمد عليه لأنه داع إلى اللّه يحب أن يطاع ويعبد ويوحد فهو يحب ما يكون عونا على ذلك موصلا إليه ولهذا ذكر سبحانه عباده الذين اختصهم لنفسه وأثنى عليهم في تنزيله وأحسن جزاءهم يوم لقائه فذكرهم بأحسن أعمالهم وأوصافهم ثم قال: ﴿والَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِن أزْواجِنا وذُرِّيّاتِنا قُرَّةَ أعْيُنٍ واجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إمامًا﴾
فسألوه أن يقر أعينهم بطاعة أزواجهم وذرياتهم له سبحانه وأن يسر قلوبهم باتباع المتقين لهم على طاعته وعبوديته فإن الإمام والمؤتم متعاونان على الطاعة فإنما سألوه ما يعانون به المتقين على مرضاته وطاعته وهو دعوتهم إلى اللّه بالإمامة في الدين التي أساء بها الصبر واليقين كما قال تعالى: ﴿وجَعَلْنا مِنهم أئِمَّةً يَهْدُونَ بِأمْرِنا لَمّا صَبَرُوا وكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ﴾
وسؤالهم أن يجعلهم أئمة للمتقين هو سؤال أن يهديهم ويوفقهم ويمن عليهم بالعلوم النافعة والأعمال الصالحة ظاهرا وباطنا التي لا تتم الإمامة إلا بها.
وتأمل كيف نسبهم في هذه الآيات إلى اسمه الرحمن جل جلاله ليعلم خلقه أن هذا إنما نالوه بفضل رحمته ومحض وجوده ومنته.
وتأمل كيف جعل جزاءهم في هذه السورة الغرف وهي المنازل العالية في الجنة لما كانت الإمامة في الدين من الرتب العالية بل من أعلى مرتبة يعطاها العبد في الدين كان جزاؤه عليها الغرفة العالية في الجنة.
وهذا بخلاف طلب الرئاسة فإن طلابها يسعون في تحصيلها لينالوا بها أغراضهم من العلو في الأرض وتعبد القلوب لهم وميلها إليهم ومساعدتهم لهم على جميع أغراضهم مع كونهم عالين عليهم قاهرين لهم، فترتب على هذا المطلب من المفاسد ما لا يعلمه إلا اللّه من البغي والحسد والطغيان والحقد والظلم والفتنة والحمية للنفس دون حق اللّه وتعظيم من حقره اللّه، واحتقار من أكرمه اللّه.
ولا تتم الرئاسة الدنيوية إلا بذلك، ولا تنال إلا به وبأضعافه من المفاسد، والرؤساء في عمى عن هذا.
فإذا كشف الغطاء تبين لهم فساد ما كانوا عليه، ولا سيما إذا حشروا في صور الذر يطؤهم أهل الموقف بأرجلهم إهانة لهم وتحقيرا وتصغيرا كما صغروا أمر اللّه وحقروا عباده.
{"ayah":"وَٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَ ٰجِنَا وَذُرِّیَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡیُنࣲ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِینَ إِمَامًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق