الباحث القرآني

* (فصل) قالَ أبُو الدَّرْداء رَضِي الله عَنهُ يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم كَيفَ يغبنون بِهِ قيام الحمقى وصومهم والذرة من صاحب تقوى أفضل من أمْثال الجبال عبادَة من المغترّين وهَذا من جَواهِر الكَلام وأدله على كَمال فقه الصَّحابَة وتقدمهم على من بعدهمْ في كل خير رَضِي الله عَنْهُم فاعْلَم أن العَبْد إنَّما يقطع منازِل السّير إلى الله بِقَلْبِه وهمته ولا بِبدنِهِ والتَّقوى في الحَقِيقَة تقوى القُلُوب لا تقوى الجَوارِح قالَ تَعالى ذَلِكَ ﴿وَمَن يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإنَّها مِن تَقْوى القُلُوب﴾ وَقالَ ﴿لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها ولا دِماؤُها ولَكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنكُم﴾ وَقالَ النَّبِي ﷺ "التَّقْوى هاهُنا وأشارَ إلى صَدره" فالكيّس يقطع من المسافَة بِصِحَّة العَزِيمَة وعلو الهمة وتَجْرِيد القَصْد وصِحَّة النِّيَّة مَعَ العَمَل القَلِيل أضْعاف أضْعاف ما يقطعهُ الفارغ من ذَلِك مَعَ التَّعَب الكثير والسّفر الشاق فَإن العَزِيمَة والمحبة تذْهب المَشَقَّة وتطيب السّير والتقدم والسبق إلى الله سُبْحانَهُ إنَّما هو بالهمم وصدق الرَّغْبَة والعزيمة فيتقدم صاحب الهمة مَعَ سكونه صاحب العَمَل الكثير بمراحل فَإن ساواه في همته تقدم عَلَيْهِ بِعَمَلِهِ وهَذا مَوضِع يحْتاج إلى تَفْصِيل يُوافق فِيهِ الإسْلام والإحْسان فأكمل الهَدْي هدي رَسُول الله وكانَ موفيا كل واحِد مِنهُما حَقه فَكانَ مَعَ كَماله وإرادته وأحواله مَعَ الله يقوم حَتّى تَرِم قدماه ويصوم حَتّى يُقال لا يفْطر ويجاهد في سَبِيل الله ويخالط أصْحاب ولا يحتجب عَنْهُم ولا يتْرك شَيْئا من النَّوافِل والأوراد لتلك الواردات الَّتِي تعجز عَن حملها قوى البشر والله تَعالى أمر عباده أن يقومُوا بشرائع الإسْلام على ظواهرهم وحقائق الإيمان على بواطنهم ولا يقبل واحِدًا مِنهُما إلّا بِصاحِبِهِ وقرينه. وَفِي المسند مَرْفُوعا الإسْلام عَلانيَة والإيمان في القلب فَكل إسْلام ظاهر لا ينفذ صاحبه مِنهُ إلى حَقِيقَة الإيمان الباطِنَة فَلَيْسَ بِنافِع حَتّى يكون مَعَه شَيْء من الإيمان الباطِن وكل حَقِيقَة باطنة لا يقوم صاحبها بشرائع الإسْلام الظّاهِرَة لا تَنْفَع ولَو كانَت ما كانَت فَلَو تمزق القلب بالمحبة والخَوْف ولم يتعبد بِالأمر وظاهر الشَّرْع لم ينجّه ذَلِك من النّار كَما أنه لَو قامَ بظواهر الإسْلام ولَيْسَ في باطِنه حَقِيقَة الإيمان لم ينجّه من النّار. وَإذا عرف هَذا فالصادقون السائرون إلى الله والدّار الآخِرَة قِسْمانِ قسم صرفُوا ما فضل من أوقاتهم بعد الفَرائِض إلى النَّوافِل البَدَنِيَّة وجعلوها دأبهم من غير حرص مِنهُم على تَحْقِيق أعمال القُلُوب ومنازلها وأحكامها وإن لم يَكُونُوا خالين من أصْلها ولَكِن هممهم مصروفة إلى الاستكثار من الأعْمال وقسم صرفُوا ما فضل من الفَرائِض والسّنَن إلى الاهتمام بصلاح قُلُوبهم وعكوفها على الله وحده والجمعية عَلَيْهِ وحفظ الخواطر والإرادات مَعَه وجعلوه قُوَّة تعبده بأعمال القُلُوب من تَصْحِيح المحبَّة والخَوْف والخَوْف والرجاء والتوكل والإنابة ورَأوا أن أيسر نصيب من الواردات الَّتِي ترد على قُلُوبهم من الله أحب إلَيْهِم من كثير من التطوعات البَدَنِيَّة فَإذا حصل لأحَدهم جمعية ووارد أنس أو حب أو اشتياق أو انكسار وذل لم يسْتَبْدل بِهِ شَيْئا سواهُ ألْبَتَّةَ إلّا أن يَجِيء الأمر فيبادر إلَيْهِ بذلك الوارِد إن أمكنه وإلّا بادر إلى الأمر ولَو ذهب الوارِد فَإذا جاءَت النَّوافِل فهاهنا معترك التَّرَدُّد فَإن أمكن القيام إلَيْها بِهِ فَذاك فَذَلِك بِهِ وإلّا نظر في الأرْجَح والأحب إلى الله هَل هو القيام إلى تِلْكَ النّافِلَة ولَو ذهب وارده كإغاثة الملهوف وإرشاد ضال وجبر مكسور واستفادة إيمان ونَحْو ذَلِك فهاهنا يَنْبَغِي تَقْدِيم النّافِلَة الراجحة ومَتى قدمهما لله رَغْبَة فِيهِ وتقرّبا إلَيْهِ فَإنَّهُ يرد عَلَيْهِ ما فاتَ من وارده أقوى مِمّا كانَ في وقت آخر وإن كانَ الوارِد أرجح من النّافِلَة فالحزم لَهُ الِاسْتِمْرار في وارده حَتّى يتَوارى عَنهُ فَإنَّهُ يفوت والنافلة لا تفوت وهَذا مَوضِع يحْتاج إلى فضل فقه في الطَّرِيق ومراتب الأعْمال وتَقْدِيم الأهم مِنها فالأهم. والله المُوفق لذَلِك لا إلَه غَيره ولا رب سواهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب