الباحث القرآني

* (لطيفة) قال السهيلي: بدأ بالطائفين للرتبة والقرب من البيت المأمور بتطهيره من أجل الطوافين وجمعهم جمع السلامة لأن جمع السلامة أدل على لفظ الفعل الذي هو علة تعلق بها حكم التطهير ولو كان مكان الطائفين الطواف لم يكن في هذا اللفظ من بيان قصد الفعل ما في قوله: للطائفين ألا ترى أنك تقول تطوفون كما تقول طائفون فاللفظان متشابهان. فإن قيل: فهلا أتى بلفظ الفعل بعينه فيكون أبين فيقول: وطهر بيتي للذين يطوفون؟ قيل: إن الحكم يعلل بالفعل لا بذوات الأشخاص ولفظ الذين ينبئ عن الشخص والذات ولفظ الطواف يخفي معنى الفعل ولا يبينه فكان لفظ الطائفين أولى بهذا الموطن ثم يليه في الترتيب القائمين لأنه في معنى العاكفين وهو في معنى قوله: ﴿إلا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِمًا﴾ أي مثابرا ملازما وهو كالطائفين في تعلق حكم التطهر به ثم يليه بالرتبة لفظ الراكع لأن المستقبلين البيت بالركوع لا يختصون بما قرب منه كالطائفين والعاكفين ولذلك لم يتعلق حكم التطهير بهذا الفعل الذي هو الركوع، وأنه لا يلزم أن يكون في البيت ولا عنده فلذلك لم يجئ بلفظ جمع السلامة لأنه لا يحتاج فيه إلى بيان لفظ الفعل كما احتيج فيما قبله ثم وصف الركع بالسجود ولم يعطف بالواو كما عطف ما قبله، لأن الركع هم السجود والشيء لا يعطف بالواو على نفسه. ولفائدة أخرى وهو أن السجود أغلب ما يجيء عبارة عن المصدر، والمراد به هاهنا الجمع فلو عطف بالواو لتوهم أنه يريد السجود الذي هو المصدر دون الاسم الذي هو النعت. وفائدة ثالثة أن الراكع إن لم يسجد فليس براكع في حكم الشريعة، فلو عطفت هاهنا بالواو لتوهم أن الركوع حكم يجري على حباله. فإن قيل فلم قال السجود على وزن فعول ولم يقل السجد كالركع وفي آية أخرى: ﴿رُكَّعًا سُجَّدًا﴾ ولم جمع ساجد على السجود ولم يجمع راكع على ركوع؟ فالجواب: أن السجود في الأصل مصدر كالخشوع والخضوع، وهو يتناول السجود الظاهر والباطن، ولو قال: السجد في جمع ساجد لم يتناول إلا المعنى الظاهر وكذلك الركع ألا تراه يقول تراهم ركعا سجدا وهذه رؤية العين، وهي لا تتعلق إلا بالظاهر والمقصود هنا الركوع الظاهر لعطفه على ما قبله مما يراد به قصد البيت، والبيت لا يتوجه إليه إلا بالعمل الظاهر. وأما الخشوع والخضوع الذي يتناوله لفظ الركوع دون لفظ الركع فليس مشروطا بالتوجه إلى البيت. وأما السجود فمن حيث أنبأ عن المعنى الباطن جعل وصفا للركع ومتمما لمعناه، إذ لا يصح الركوع الظاهر إلا بالسجود الباطن، ومن حيث تناول لفظه أيضا السجود الظاهر الذي يشترط فيه التوجه إلى البيت حسن انتظامه أيضا مع ما قبله مما هو معطوف على الطائفين الذين ذكرهم بذكر البيت. فمن لحظ هذه المعاني بقلبه، وتدبر هذا النظم البديع بلبه ارتفع في معرفة الإعجاز عن التقليد وأبصر بعين اليقين أنه تنزيل من حكيم حميد. تم كلامه. قلت وقد تولج رحمه الله مضائق تضايق عنها أن تولجها الإبر وأتى بأشياء حسنة وبأشياء غيرها أحسن منها فأما تعليله تقديم ربيعة على مضر ففي غاية الحسن وهذا الاسمان لتلازمهما في الغالب صارا كاسم واحد فحسن فيهما ما ذكره. * (فصل: في سر تفضيل البيت الحرام) وَقَدْ ظَهَرَ سِرُّ هَذا التَّفْضِيلِ والِاخْتِصاصِ في انْجِذابِ الأفْئِدَةِ وهَوى القُلُوبِ وانْعِطافِها ومَحَبَّتِها لِهَذا البَلَدِ الأمِينِ، فَجَذْبُهُ لِلْقُلُوبِ أعْظَمُ مِن جَذْبِ المِغْناطِيسِ لِلْحَدِيدِ، فَهو الأوْلى بِقَوْلِ القائِلِ: ؎محاسِنُهُ هَيُولى كُلِّ حُسْنٍ ∗∗∗ ومِغْناطِيسُ أفْئِدَةِ الرِّجالِ وَلِهَذا أخْبَرَ سُبْحانَهُ أنَّهُ مَثابَةٌ لِلنّاسِ، أيْ: يَثُوبُونَ إلَيْهِ عَلى تَعاقُبِ الأعْوامِ مِن جَمِيعِ الأقْطارِ، ولا يَقْضُونَ مِنهُ وطَرًا، بَلْ كُلَّما ازْدادُوا لَهُ زِيارَةً ازْدادُوا لَهُ اشْتِياقًا. ؎لا يَرْجِعُ الطَّرْفُ عَنْها حِينَ يَنْظُرُها ∗∗∗ حَتّى يَعُودَ إلَيْها الطَّرْفُ مُشْتاقًا فَلَلَّهِ كَمْ لَها مِن قَتِيلٍ وسَلِيبٍ وجَرِيحٍ، وكَمْ أُنْفِقَ في حُبِّها مِنَ الأمْوالِ والأرْواحِ، ورَضِيَ المُحِبُّ بِمُفارَقَةِ فِلَذِ الأكْبادِ، والأهْلِ والأحْبابِ والأوْطانِ، مُقَدِّمًا بَيْنَ يَدَيْهِ أنْواعَ المَخاوِفِ والمَتالِفِ والمَعاطِفِ والمَشاقِّ، وهو يَسْتَلِذُّ ذَلِكَ كُلَّهُ ويَسْتَطِيبُهُ ويَراهُ - لَوْ ظَهَرَ سُلْطانُ المَحَبَّةِ في قَلْبِهِ- أطْيَبَ مِن نِعَمِ المُتَحَلِّيَةِ وتَرَفِهِمْ ولَذّاتِهِمْ. ؎وَلَيْسَ مُحِبًّا مَن يَعُدُّ شَقاءَهُ ∗∗∗ عَذابًا إذا ما كانَ يَرْضى حَبِيبُهُ وَهَذا كُلُّهُ سِرُّ إضافَتِهِ إلَيْهِ سُبْحانَهُ وتَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ﴾ [الحج: ٢٦] فاقْتَضَتْ هَذِهِ الإضافَةُ الخاصَّةُ مِن هَذا الإجْلالِ والتَّعْظِيمِ والمَحَبَّةِ ما اقْتَضَتْهُ، كَما اقْتَضَتْ إضافَتُهُ لِعَبْدِهِ ورَسُولِهِ إلى نَفْسِهِ ما اقْتَضَتْهُ مِن ذَلِكَ، وكَذَلِكَ إضافَتُهُ عِبادَهُ المُؤْمِنِينَ إلَيْهِ كَسَتْهم مِنَ الجَلالِ والمَحَبَّةِ والوَقارِ ما كَسَتْهُمْ، فَكُلُّ ما أضافَهُ الرَّبُّ تَعالى إلى نَفْسِهِ فَلَهُ مِنَ المَزِيَّةِ والِاخْتِصاصِ عَلى غَيْرِهِ ما أوْجَبَ لَهُ الِاصْطِفاءَ والِاجْتِباءَ، ثُمَّ يَكْسُوهُ بِهَذِهِ الإضافَةِ تَفْضِيلًا آخَرَ، وتَخْصِيصًا وجَلالَةً زائِدًا عَلى ما كانَ لَهُ قَبْلَ الإضافَةِ، ولَمْ يُوَفَّقْ لِفَهْمِ هَذا المَعْنى مَن سَوّى بَيْنَ الأعْيانِ والأفْعالِ والأزْمانِ والأماكِنِ، وزَعَمَ أنَّهُ لا مَزِيَّةَ لِشَيْءٍ مِنها عَلى شَيْءٍ، وإنَّما هو مُجَرَّدُ التَّرْجِيحِ بِلا مُرَجِّحٍ. وَهَذا القَوْلُ باطِلٌ بِأكْثَرَ مِن أرْبَعِينَ وجْهًا قَدْ ذُكِرَتْ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ. * (فصل: من علامة المحبة) ومنها محبة دار المحبوب وبيته حتى محبة الموضع الذي حل به وهذا هو السر الذي لأجله علقت القلوب على محبة الكعبة البيت الحرام حتى استطاب المحبون في الوصول إليها هجر الأوطان والأحباب ولذ لهم فيها السفر الذي هو قطعة من العذاب فركبوا الأخطار وجابوا المفاوز والقفار واحتملوا في الوصول غاية المشاق ولو أمكنهم لسعوا إليها على الجفون والأحداق ؎نعم أسعى إليك على جفوني ∗∗∗ وإن بعدت لمسراك الطريق وسر هذه المحبة هي إضافة الرب سبحانه له إلى نفسه بقوله ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ﴾ قال الشاعر ؎لما انتسبت إليك صرت معظما ∗∗∗ وعلوت قدرا دون من لم ينسب وكل ما نسب إلى المحبوب فهو محبوب ﴿وَأنَّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ﴾، ﴿سُبْحانَ الَّذِي أسْرى بِعَبْدِهِ﴾، ﴿تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ﴾، ﴿وَإنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا﴾ ومن فهم هذا فهم معنى قوله تعالى ﴿بيدك الخير﴾ وقول عبده ورسوله لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك وإذا كان من يحب مخلوقا مثله يحب داره كما قال ؎أمر على الديار ديار ليلى ∗∗∗ أقبل ذا الجدار وذا الجدارا ؎وما حب الديار شغفن قلبي ∗∗∗ ولكن حب من سكن الديارا فكيف بمن ليس كمثله شيء ومن ليس كمثل محبته محبة
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب