الباحث القرآني

* (موعظة) لا تنس العناية بالسحرة جاءوا يحاربونه ويحاربون رسله وخلع الصلح قد فصلت وتيجان الرضى قد وضعت وشراب الوصال مروق فمدوا أيديهم إلى ما اعتصروا من خمر الهوى فإذا بها قد انقلبت خلا فأقطروا عليه فسكروا بشراب المحبة فلما عربدت عليهم المحبة صلبوا في جذوع النخل. واعجبا لعزمات ما ثناها لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف. سجدوا له سجدة واحدة فما رفعوا رؤوسهم حتى رأوا منازلهم من الجنة فغلبهم الوجد وتمكن منهم الشوق فقالوا اقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا. ؎تمر الصبا بساكن ذي الغضا ∗∗∗ ويصدع قلبي أن يهب هبوبها ؎قريبة عهد بالحبيب وإنما ∗∗∗ هوى كل نفس أين حل حبيبها قطعت نياق جدهم بادية الليل ولم تجد مس التعب فالطريق إلى المحبوب لا تطول. ؎بعيد على كسلان أو ذي ملالة ∗∗∗ وأما علي المشتاق فهو قريب (فائِدَة) اللَّذَّة تابِعَة للمحبة تقوى بقوتها وتضعف بضعفها فَكلما كانَت الرَّغْبَة في المحبوب والشوق إلَيْهِ أقوى كانَت اللَّذَّة بالوصول إلَيْهِ أتم والمحبة والشوق تابع لمعرفته والعلم بِهِ فَكلما كانَ العلم بِهِ أتم كانَت محبته أكمل فَإذا رَجَعَ كَمال النَّعيم في الآخِرَة وكَمال اللَّذَّة إلى العلم والحب فَمن كانَ يُؤمن بِالله وأسمائه وصِفاته ودينه أعرف كانَ لَهُ أحب وكانَت لذته بالوصول إلَيْهِ مجاورته والنَّظَر الي جهه وسَماع كَلامه أتم وكل لَذَّة ونعيم وسرور وبهجة بِالإضافَة إلى ذَلِك كقطرة في بَحر فَكيف يُؤثر من لَهُ عقل لَذَّة ضَعِيفَة قَصِيرَة مشوبة بالآلام على لَذَّة عَظِيمَة دائمة أبَد الآباد وكَمال العَبْد بِحَسب هاتين القوتين العلم والحب وأفضل العلم العلم بِالله وأعْلى الحبّ الحبّ لَهُ وأكمل اللَّذَّة بحسبهما والله المُسْتَعان. (فائِدَة جليلة) إنَّما يجد المَشَقَّة في ترك المألوفات والعوائد من تَركها لغير الله، فَأما من تَركها صادِقا مخلصا من قلبه لله فإنه لا يجد في تَركها مشقة إلّا في أول وهلة ليمتحن أصادق هو في تَركها أم كاذِب، فإن صَبر على تِلْكَ المَشَقَّة قَلِيلا استحالت لَذَّة قالَ ابْن سِيرِين سَمِعت شريحا يحلف بِالله ما ترك عبد لله شَيْئا فَوجدَ فَقده. وَقَوْلهمْ من ترك لله شَيْئا عوضه الله خيرا مِنهُ حق والعوض أنْواع مُخْتَلفَة، وأجلّ ما يعوض بِهِ الأنس بِالله ومحبته وطمأنينة القلب بِهِ وقوته ونشاطه وفرحه ورضاهُ عَن ربه تَعالى أغبى النّاس من ضل في آخر سَفَره وقد قارب المنزل. * [فَصْلٌ: إيثارُ الأنْفَعِ] وَكُلُّ واحِدٍ مِنَ الفِعْلِ والتَّرْكِ الِاخْتِيارِيَّيْنِ إنَّما يُؤْثِرُهُ الحَيُّ لِما فِيهِ مِن حُصُولِ المَنفَعَةِ الَّتِي يَلْتَذُّ بِحُصُولِها، أوْ زَوالِ الألَمِ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ الشِّفاءُ بِزَوالِهِ، ولِهَذا يُقالُ: شَفى صَدْرَهُ، وشَفى قَلْبَهُ، وقالَ: ؎هِيَ الشِّفاءُ لِدائِي لَوْ ظَفِرْتُ بِها ∗∗∗ ولَيْسَ مِنها شِفاءُ الدّاءِ مَبْذُولُ وَهَذا مَطْلُوبٌ يُؤْثِرُهُ العاقِلُ بَلِ الحَيَوانُ البَهِيمُ، ولَكِنْ يَغْلَطُ فِيهِ أكْثَرُ النّاسِ غَلَطًا قَبِيحًا، فَيَقْصِدُ حُصُولَ اللَّذَّةِ بِما يُعَقِّبُ عَلَيْهِ أعْظَمَ الألَمِ، فَيُؤْلِمُ نَفْسَهُ مِن حَيْثُ يَظُنُّ أنَّهُ يُحَصِّلُ لَذَّتَها، ويَشْفِي قَلْبَهُ بِما يُعَقِّبُ عَلَيْهِ غايَةَ المَرَضِ، وهَذا شَأْنُ مَن قَصَرَ نَظَرَهُ عَلى العاجِلِ ولَمْ يُلاحِظِ العَواقِبَ، وخاصَّةً العَقْلُ النّاظِرُ في العَواقِبِ، فَأعْقَلُ النّاسِ مَن آثَرَ لَذَّتَهُ وراحَتَهُ في الآجِلَةِ الدّائِمَةِ عَلى العاجِلَةِ المُنْقَضِيَةِ الزّائِلَةِ، وأسْفَهُ الخَلْقِ مَن باعَ نَعِيمَ الأبَدِ وطَيِّبَ الحَياةِ الدّائِمَةِ واللَّذَّةَ العُظْمى الَّتِي لا تَنْغِيصَ فِيها ولا نَقْصَ بِوَجْهٍ ما، بِلَذَّةٍ مُنْقَضِيَةٍ مَشُوبَةٍ بِالآلامِ والمَخاوِفِ، وهي سَرِيعَةُ الزَّوالِ وشِيكَةُ الِانْقِضاءِ. قالَ بَعْضُ العُلَماءِ: " فَكَّرْتُ فِيما يَسْعى فِيهِ العُقَلاءُ، فَرَأيْتُ سَعْيَهم كُلِّهِمْ في مَطْلُوبٍ واحِدٍ وإنِ اخْتَلَفَتْ طُرُقُهم في تَحْصِيلِهِ، رَأيْتَهم جَمِيعَهم إنَّما يَسْعَوْنَ في دَفْعِ الهَمِّ والغَمِّ عَنْ نُفُوسِهِمْ، فَهَذا بِالأكْلِ والشُّرْبِ، وهَذا بِالتِّجارَةِ والكَسْبِ، وهَذا بِالنِّكاحِ، وهَذا بِسَماعِ الغِناءِ والأصْواتِ المُطْرِبَةِ، وهَذا بِاللَّهْوِ واللَّعِبِ، فَقُلْتُ: هَذا المَطْلُوبُ مَطْلُوبُ العُقَلاءِ، ولَكِنَّ الطُّرُقَ كُلَّها غَيْرُ مُوَصِّلَةٍ إلَيْهِ، بَلْ لَعَلَّ أكْثَرَها إنَّما يُوَصِّلُ إلى ضِدِّهِ، ولَمْ أرَ في جَمِيعِ هَذِهِ الطُّرُقِ طَرِيقًا مُوَصِّلَةً إلَيْهِ إلّا الإقْبالَ عَلى اللَّهِ وحْدَهُ، ومُعامَلَتَهُ وحْدَهُ، وإيثارَ مَرْضاتِهِ عَلى كُلِّ شَيْءٍ ". فَإنَّ سالِكَ هَذا الطَّرِيقِ إنْ فاتَهُ حَظُّهُ مِنَ الدُّنْيا فَقَدْ ظَفِرَ بِالحَظِّ العالِي الَّذِي لا فَوْتَ مَعَهُ، وإنْ حَصَلَ لِلْعَبْدِ حَصَلَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ، وإنْ فاتَهُ فاتَهُ كُلُّ شَيْءٍ، وإنْ ظَفِرَ بِحَظِّهِ مِنَ الدُّنْيا نالَهُ عَلى أهْنَأِ الوُجُوهِ، فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أنْفَعُ مِن هَذِهِ الطُّرُقِ، ولا أوْصَلُ مِنها إلى لَذَّتِهِ وبَهْجَتِهِ وسَعادَتِهِ، وبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب