الباحث القرآني

فإن قيل: ما الحكمة في تسليم النبي ﷺ على من اتبع الهدى في كتابه إلى هرقل بلفظ النكرة، وتسليم موسى عليهم بلفظ المعرفة؟ فالجواب عنه أن تسليم النبي ﷺ تسليم ابتدائي ولهذا صدر به الكتاب حيث قال من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى ففي تنكيره ما في تنكير سلام من الحكمة وقد تقدم بيانها وأما قول موسى والسلام على من اتبع الهدى فليس بسلام تحية فإنه لم يبتدئ به فرعون بل هو خبر محض فإن من اتبع الهدى له السلام المطلق دون من خالفه فإنه قال له: ﴿فَأرْسِلْ مَعَنا بَنِي إسْرائيلَ ولا تُعَذِّبْهم قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِن رَبِّكَ والسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدى إنّا قَدْ أُوحِيَ إلَيْنا أنَّ العَذابَ عَلى مَن كَذَّبَ وتَوَلّى﴾ أفلا ترى أن هذا ليس بتحية في ابتداء الكلام ولا خاتمته وإنما وقع متوسطا بين الكلامين إخبارا محضا عن وقوع السلامة وحلولها على من اتبع الهدي ففيه استدعاء لفرعون وترغيب له بما جبلت النفوس على حبه وإيثاره من السلامة وأنه إن اتبع الهدى الذي جاءه به فهو من أهل السلام والله تعالى أعلم. وتأمل حسن سياق هذه الجمل وترتيب هذا الخطاب ولطف هذا القول اللين الذي سلب القلوب حسنه وحلاوته مع جلالته وعظمته كيف ابتدأ الخطاب بقوله ﴿إنا رسولا ربك﴾ وفي ضمن ذلك إنا لم نأتك لننازعك ملكك ولا لنشركك فيه بل نحن عبدان مأموران مرسلان من ربك إليك. وفي إضافة اسم (الرب) إليه هنا دون إضافته إليهما استدعاء لسمعه وطاعته وقبوله كما يقول الرسول للرجل من عند مولاه: أنا رسول مولاك إليك وأستاذك، وإن كان أستاذهما معا ولكن ينبهه بإضافته إليه على السمع والطاعة له، ثم إنهما طلبا منه أن يرسل معهما بني إسرائيل ويخلي بينهم وبينهما ولا يعذبهم، ومن طلب من غيره ترك العدوان والظلم وتعذيب من لا يستحق العذاب فلم يطلب منه شططا ولم يرهقه من أمره عسرا، بل طلب منه غاية النصف، ثم أخبره بعد الطلب بثلاث إخبارات: أحدها قوله تعالى: ﴿قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِن رَبِّكَ﴾ فقد برئنا من عهدة نسبتك لنا إلى التقول والافتراء بما جئناك به من البرهان والدلالة الواضحة فقد قامت الحجة، ثم بعد ذلك للمرسَل إليه حالتان: إما أن يسمع ويطيع فيكون من أهل الهدى ﴿والسلام على من اتبع الهدى﴾ وإما أن يكذب ويتولى فالعذاب على من كذب وتولى. فجمعت الآية طلب الإنصاف، وإقامة الحجة، وبيان ما يستحق السامع المطيع وما يستحقه المكذب المتولي بألطف خطاب وأليق قول، وأبلغ ترغيب وترهيب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب