الباحث القرآني

(فائدة: تقديم السمع على البصر له سببان) أحدهما أن يكون السياق يقتضيه بحيث يكون ذكرها بين الصفتين متضمنا للتهديد والوعيد كما جرت عادة القرآن بتهديد المخاطبين وتحذيرهم بما يذكره من صفاته التي تقتضي الحذر والاستقامة كقوله: ﴿فَإنْ زَلَلْتُمْ مِن بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ البَيِّناتُ فاعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ وقوله: ﴿مَن كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا والآخِرَةِ وكانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ والقرآن الكريم مملوء من هذا وعلى هذا فيكون في ضمن ذلك إني أسمع ما يردون به عليك وما يقابلون به رسالاتي وأبصر ما يفعلون، ولا ريب أن المخاطبين بالرسالة بالنسبة إلى الإجابة والطاعة نوعان: أحدهما قابلوها بقولهم صدقت ثم عملوا بموجبها. والثاني قابلوها بالتكذيب ثم عملوا بخلافها فكانت مرتبة المسموع منهم قبل مرتبة البصر فقدم ما يتعلق به على ما يتعلق بالمبصر. وتأمل هذا المعنى في قوله تعالى: لموسى ﴿إنَّنِي مَعَكُما أسْمَعُ وأرى﴾ هو يسمع ما يجيبهم به ويرى ما يصنعه. وهذا لا يعم سائر المواضع بل يختص منها بما هذا شأنه. والسبب الثاني أن إنكار الأوهام الفاسدة لسمع الكلام مع غاية البعد بين السامع والمسموع أشد من إنكارها لرؤيته مع بعده وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال: "اجتمع عند البيت ثلاثة نفر ثقفيان وقرشي أو قرشيان وثقفي فقال أحدهم: أترون الله يسمع ما نقول فقال: الآخر يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا، فقال الثالث: إن كان يسمع إذا جهرنا فهو يسمع إذا أخفينا " رواه البخاري ومسلم والترمذي. ولم يقولوا أترون الله يرانا، فكان تقديم السمع أهم والحاجة إلى العلم به أمس. وسبب ثالث وهو أن حركة اللسان بالكلام أعظم حركات الجوارح وأشدها تأثيرا في الخير والشر والصلاح والفساد بل عامة ما يترتب في الوجود من الأفعال إنما ينشأ بعد حركة اللسان، فكان تقديم الصفة المتعلقة به أهم وأولى. وبهذا يعلم تقديمه على العليم حيث وقع.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب