الباحث القرآني

وقالت اليهود للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم "من صاحبك الذي يأتيك من الملائكة؟ فإنه ليس من نبي إلا يأتيه ملك بالخبر؟ قال: "هو جبريل". قالوا: ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال، ذاك عدونا، لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالنبات والقطر والرحمة؟ فأنزل الله تعالى: ﴿مَن كانَ عَدُوا لْجِبِريلَ فَإنّه نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإذْنِ اللهِ مُصَدِّقًا لَمِا بَيْنَ يَدَيْهِ وهُدى وبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ مَن كانَ عَدُوا للهِ ومَلائِكَتِهِ ورسُلِهِ وجِبْرِيلَ ومِيكالَ فَإنّ اللهَ عَدُوٌ لِلْكافِرِينَ﴾. والمقصود: أن الله سبحانه وكل بالعالم العلوى والسفلى ملائكة، فهى تدبر أمر العالم بإذنه ومشيئته وأمره، فلهذا يضيف التدبير إلى الملائكة تارة، لكونهم هم المباشرين للتدبير، كقوله: ﴿فالمُدَبِّراتِ أمْرًا﴾ [النازعات: ٥]. ويضيف التدبير إليه كقوله: ﴿إنَّ رَبَّكُم اللهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَواتِ والأرْضَ فِى سِتَّةِ أيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ يُدَبِّرُ الأمْرَ﴾ وقوله: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكم مِنَ السَّماء والأرْضِ أمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ والأبْصارَ ومَن يُخْرِجُ الحى مِنَ المَيِّتِ ويخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحى ومَن يُدَبِّرُ الأمْرَ، فَسَيَقُولُونَ الله﴾ [يونس: ٣١]. فهو المدبر أمرًا وإذنًا ومشيئةً، والملائكة المدبرات مباشرة وامتثالًا. ﴿وَلَمّا جاءَهم رَسُولٌ مِن عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهم نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وراءَ ظُهُورِهِمْ كَأنَّهم لا يَعْلَمُونَ (١٠١)﴾ وتأمل قوله تعالى في هذه الآية: ﴿وَلَمّا جاءَهم رَسُولٌ مِن عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ﴾ كيف تجد تحته برهانا عظيما على صدقه وهو مجيء الرسول الثاني بما يطابق ما جاء به الرسول الأول ويصدقه مع تباعد زمانها وشهادة أعدائه وإقرارهم له بأنه لم يتلقه من بشر ولهذا كانوا يمتحنونه بأشياء يعلمون أنه لا يخبر بها إلا بني أو من أخذ عنه وهم يعلمون أنه لم يأخذ عن أحد ألبتة ولو كان ذلك لوجد أعداؤه السبيل إلى الطعن عليه ولعارضوه بمثل ما جاء به إذ من الممكن أن لو كان ما جاء به مأخوذا عن بشر أن يأخذوهم عن ملك أو عن نظيره فيعارضوا ما جاء به والمقصود أن مطابقة ما جاء به لما أخبر به الرسول الأول من غير مواطأة ولا تشاعر ولا تلقي منه ولا ممن أخذ عنه دليل قاطع على صدق الرسولين معا. ونظير هذا أن يشهد رجل بشهادة فيخبر فيها بما يقطع به أنه صادق في شهادته صدقا لا يتطرق إليه شبهة فيجيء آخر من بلاد أخرى لم يجتمع بالأول ولم يتواطأ معه فيخبر بنظير تلك الشهادة سواء مع القطع بأنه لم يجتمع به ولا تلقاها عن أحد اجتمع به فهذا يكفى في صدقه إذا تجرد الأخبار فكيف إذا اقترن بأدلة يقطع بها بأنه صادق أعظم من الأدلة التي اقترنت بخبر الأول فيكفي في العلم بصدق الثاني مطابقة خبره لخبر الأول فكيف إذا بشر به الأول فكيف إذا أقترن بالثاني من البراهين الدالة على صدقة نظير ما اقترن بالأول وأقوى منها والله أعلم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب