الباحث القرآني
فَأيُّ عُقُوبَةٍ أعْظَمُ مِن عُقُوبَةِ مَن أهْمَلَ نَفْسَهُ وضَيَّعَها، ونَسِيَ مَصالِحَها وداءَها ودَواءَها، وأسْبابَ سَعادَتِها وفَلاحِها وصَلاحِها وحَياتِها الأبَدِيَّةِ في النَّعِيمِ المُقِيمِ؟
وَمَن تَأمَّلَ هَذا المَوْضِعَ تَبَيَّنَ لَهُ أنَّ أكْثَرَ هَذا الخَلْقِ قَدْ نَسُوا حَقِيقَةَ أنْفُسِهِمْ وضَيَّعُوها وأضاعُوا حَظَّها مِنَ اللَّهِ، وباعُوها رَخِيصَةً بِثَمَنٍ بَخْسٍ بَيْعَ الغَبْنِ، وإنَّما يَظْهَرُ لَهم هَذا عِنْدَ المَوْتِ، ويَظْهَرُ هَذا كُلَّ الظُّهُورِ يَوْمَ التَّغابُنِ، يَوْمَ يَظْهَرُ لِلْعَبْدِ أنَّهُ غُبِنَ في العَقْدِ الَّذِي عَقَدَهُ لِنَفْسِهِ في هَذِهِ الدّارِ، والتِّجارَةِ الَّتِي اتَّجَرَ فِيها لِمَعادِهِ، فَإنَّ كُلَّ أحَدٍ يَتَّجِرُ في هَذِهِ الدُّنْيا لِآخِرَتِهِ.
فالخاسِرُونَ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أنَّهم أهْلُ الرِّبْحِ والكَسْبِ اشْتَرَوُا الحَياةَ الدُّنْيا وحَظَّهم فِيها ولَذّاتِهِمْ، بِالآخِرَةِ وحَظِّهِمْ فِيها، فَأذْهَبُوا طَيِّباتِهِمْ في حَياتِهِمُ الدُّنْيا، واسْتَمْتَعُوا بِها، ورَضُوا بِها، واطْمَأنُّوا إلَيْها، وكانَ سَعْيُهم لِتَحْصِيلِها، فَباعُوا واشْتَرَوْا واتَّجَرُوا وباعُوا آجِلًا بِعاجِلٍ، ونَسِيئَةً بِنَقْدٍ، وغائِبًا بِناجِزٍ، وقالُوا: هَذا هو الحَزْمُ، ويَقُولُ أحَدُهُمْ:
خُذْ ما تَراهُ ودَعْ شَيْئًا سَمِعْتَ بِهِ فَكَيْفَ أبِيعُ حاضِرًا نَقْدًا مُشاهَدًا في هَذِهِ الدّارِ بِغائِبٍ نَسِيئَةً في دارٍ أُخْرى غَيْرِ هَذِهِ؟ ويَنْضَمُّ إلى ذَلِكَ ضَعْفُ الإيمانِ وقُوَّةُ داعِي الشَّهْوَةِ، ومَحَبَّةُ العاجِلَةِ والتَّشَبُّهُ بِبَنِي الجِنْسِ، فَأكْثَرُ الخَلْقِ في هَذِهِ التِّجارَةِ الخاسِرَةِ الَّتِي قالَ اللَّهُ في أهْلِها: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الحَياةَ الدُّنْيا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العَذابُ ولا هم يُنْصَرُونَ﴾، وقالَ فِيهِمْ: ﴿فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهم وما كانُوا مُهْتَدِينَ﴾ [البقرة: ١٦]، فَإذا كانَ يَوْمُ التَّغابُنِ ظَهَرَ لَهُمُ الغَبْنُ في هَذِهِ التِّجارَةِ، فَتَتَقَطَّعُ عَلَيْهِمُ النُّفُوسُ حَسَراتٍ.
وَأمّا الرّابِحُونَ فَإنَّهم باعُوا فانِيًا بِباقٍ، وخَسِيسًا بِنَفِيسٍ، وحَقِيرًا بِعَظِيمٍ، وقالُوا: ما مِقْدارُ هَذِهِ الدُّنْيا مِن أوَّلِها إلى آخِرِها، حَتّى نَبِيعَ حَظَّنا مِنَ اللَّهِ تَعالى والدّارِ الآخِرَةِ بِها؟ فَكَيْفَ يَنالُ العَبْدُ مِنها في هَذا الزَّمَنِ القَصِيرِ الَّذِي هو في الحَقِيقَةِ كَغَفْوَةِ حُلْمٍ، لا نِسْبَةَ لَهُ إلى دّارِ القَرارِ ألْبَتَّةَ: قالَ تَعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهم كَأنْ لَمْ يَلْبَثُوا إلّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾ [يونس: ٤٥].
وَقالَ تَعالى: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أيّانَ مُرْساها - فِيمَ أنْتَ مِن ذِكْراها - إلى رَبِّكَ مُنْتَهاها - إنَّما أنْتَ مُنْذِرُ مَن يَخْشاها - كَأنَّهم يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إلّا عَشِيَّةً أوْ ضُحاها﴾ [النازعات: ٤٢-٤٦].
وَقالَ تَعالى: ﴿كَأنَّهم يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إلّا ساعَةً مِن نَهارٍ بَلاغٌ﴾ [الأحقاف: ٣٥].
وَقالَ تَعالى: ﴿كَمْ لَبِثْتُمْ في الأرْضِ عَدَدَ سِنِينَ - قالُوا لَبِثْنا يَوْمًا أوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْألِ العادِّينَ - قالَ إنْ لَبِثْتُمْ إلّا قَلِيلًا لَوْ أنَّكم كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [المؤمنين: ١١٢-١١٤].
وَقالَ تَعالى: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ ونَحْشُرُ المُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا - يَتَخافَتُونَ بَيْنَهم إنْ لَبِثْتُمْ إلّا عَشْرًا - نَحْنُ أعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إذْ يَقُولُ أمْثَلُهم طَرِيقَةً إنْ لَبِثْتُمْ إلّا يَوْمًا﴾ [طه: ١٠٢-١٠٤].
فَهَذِهِ حَقِيقَةُ الدُّنْيا عِنْدَ مُوافاةِ يَوْمِ القِيامَةِ، فَلَمّا عَلِمُوا قِلَّةَ لُبْثِهِمْ فِيها، وأنَّ لَهم دارًا غَيْرَ هَذِهِ الدّارِ، هي دارُ الحَيَوانِ ودارُ البَقاءِ - رَأوْا مِن أعْظَمِ الغَبْنِ بَيْعَ دارِ البَقاءِ بِدارِ الفَناءِ، فاتَّجَرُوا تِجارَةَ الأكْياسِ، ولَمْ يَغْتَرُّوا بِتِجارَةِ السُّفَهاءِ مِنَ النّاسِ، فَظَهَرَ لَهم يَوْمَ التَّغابُنِ رِبْحُ تِجارَتِهِمْ ومِقْدارُ ما اشْتَرَوْهُ، وكُلُّ أحَدٍ في هَذِهِ الدُّنْيا بائِعٌ مُشْتَرٍ مُتَّجِرٌ، وكُلُّ النّاسِ يَغْدُو فَبائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُها أوْ مَوْبِقُها.
{"ayah":"أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ ٱشۡتَرَوُا۟ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا بِٱلۡـَٔاخِرَةِۖ فَلَا یُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ یُنصَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق