الباحث القرآني
فوصفهم بست صفات:
إحداها: الفقر.
الثانية: حبسهم أنفسهم في سبيله تعالى وجهاد أعدائه، ونصر دينه، وأصل الحصر: المنع، فمنعوا أنفسهم من تصرفها في أشغال الدنيا، وقصروها على بذلها لله وفي سبيله.
الثالثة: عجزهم عن الأسفار للتكسب، والضرب في الأرض: هو السفر. قال تعالى: ﴿عَلِمَ أنْ سَيَكُونُ مِنكم مَرْضى وآخَرُونَ يَضْرِبُونَ في الأرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾
وقال تعالى: ﴿وَإذا ضَرَبْتُمْ في الأرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ أنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ﴾.
الرابعة: شدة تعففهم. وهو حسن صبرهم، وإظهارهم الغنى.
يحسبهم الجاهل أغنياء من تعففهم، وعدم تعرضهم وكتمانهم حاجتهم.
الخامسة: أنهم يعرفون بسيماهم. وهي العلامة الدالة على حالتهم التي وصفهم الله بها. وهذا لا ينافي حسبان الجاهل أنهم أغنياء، لأن الجاهل له ظاهر الأمر، والعارف: هو المتوسم المتفرس الذي يعرف الناس بسيماهم. فالمتوسمون خواص المؤمنين، كما قال تعالى ﴿إنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾.
السادسة: تركهم مسألة الناس، فلا يسألونهم إلحافا والإلحاف: هو الإلحاح والنفي متسلط عليهما معا، أي لا يسألون ولا يلحفون. فليس يقع منهم سؤال يكون بسببه إلحاف. وهذا كقوله على لا حب لا يهتدي لمناره أي ليس فيه منار فيهتدي به. وفيه كالتنبيه على أن المذموم من السؤال: هو سؤال الإلحاف. فأما السؤال بقدر الضرورة من غير إلحاف فالأفضل تركه ولا يحرم.
فهذه ست صفات للمستحقين للصدقة فألغاها أكثر الناس ولحظوا منها ظاهر الفقر، وزيه من غير حقيقته.
وأما سائر الصفات المذكورة فعزيز أهلها، ومن يعرفهم أعز. والله يختص بتوفيقه من يشاء فهؤلاء هم المحسنون في أموالهم.
القسم الثاني: الظالمون، وهم ضد هؤلاء، وهم الذين يذبحون المحتاج المضطر.
فإذا دعته الحاجة إليهم لم ينفّسوا كربته إلا بزيادة على ما يبذلونه له. وهم أهل الربا. فذكرهم تعالى بعد هذا فقال: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨)﴾.
* [فَصْلٌ مَنزِلَةُ الفَقْرِ]
وَمِن مَنازِلِ ﴿إيّاكَ نَعْبُدُ وإيّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ مَنزِلَةُ الفَقْرِ
هَذِهِ المَنزِلَةُ أشْرَفُ مَنازِلِ الطَّرِيقِ عِنْدَ القَوْمِ، وأعْلاها وأرْفَعُها. بَلْ هي رُوحُ كُلِّ مَنزِلَةٍ وسِرُّها ولُبُّها وغايَتُها.
وَهَذا إنَّما يُعْرَفُ بِمَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الفَقْرِ. والَّذِي تُرِيدُ بِهِ هَذِهِ الطّائِفَةُ أخَصَّ مِن مَعْناهُ الأصْلِيِّ. فَإنَّ لَفْظَ الفَقْرِ وقَعَ في القُرْآنِ في ثَلاثَةِ مَواضِعَ.
أحَدُها: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا في سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا في الأرْضِ يَحْسَبُهُمُ الجاهِلُ أغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ﴾ [البقرة: ٢٧٣]- الآيَةَ أيِ الصَّدَقاتُ لِهَؤُلاءِ. كانَ فُقَراءُ المُهاجِرِينَ نَحْوَ أرْبَعِمِائَةٍ. لَمْ يَكُنْ لَهم مَساكِنُ في المَدِينَةِ ولا عَشائِرُ. وكانُوا قَدْ حَبَسُوا أنْفُسَهم عَلى الجِهادِ في سَبِيلِ اللَّهِ. فَكانُوا وقْفًا عَلى كُلِّ سَرِيَّةٍ يَبْعَثُها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. وهم أهْلُ الصُّفَّةِ. هَذا أحَدُ الأقْوالِ في إحْصارِهِمْ في سَبِيلِ اللَّهِ.
وَقِيلَ: هو حَبْسُهم أنْفُسَهم في طاعَةِ اللَّهِ. وقِيلَ: حَبْسُهُمُ الفَقْرُ والعُدْمُ عَنِ الجِهادِ في سَبِيلِ اللَّهِ.
وَقِيلَ: لَمّا عادَوْا أعْداءَ اللَّهِ وجاهَدُوهم في اللَّهِ تَعالى أحُصِرُوا عَنِ الضَّرْبِ في الأرْضِ لِطَلَبِ المَعاشِ. فَلا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا في الأرْضِ.
والصَّحِيحُ: أنَّهم - لِفَقْرِهِمْ وعَجْزِهِمْ وضَعْفِهِمْ - لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا في الأرْضِ، ولِكَمالِ عِفَّتِهِمْ وصِيانَتِهِمْ يَحْسَبُهم مَن لَمْ يَعْرِفْ حالَهم أغْنِياءَ.
والمَوْضِعُ الثّانِي: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّما الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ﴾ [التوبة: ٦٠]- الآيَةَ.
والمَوْضِعُ الثّالِثُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ياأيُّها النّاسُ أنْتُمُ الفُقَراءُ إلى اللَّهِ﴾ [فاطر: ١٥].
فالصِّنْفُ الأوَّلُ: خَواصُّ الفُقَراءِ. والثّانِي: فُقَراءُ المُسْلِمِينَ خاصِّهِمْ وعامِّهِمْ. والثّالِثُ: الفَقْرُ العامُّ لِأهْلِ الأرْضِ كُلِّهِمْ: غَنِيِّهِمْ وفَقِيرِهِمْ، مُؤْمِنِهِمْ وكافِرِهِمْ.
فالفُقَراءُ المَوْصُوفُونَ في الآيَةِ الأُولى: يُقابِلُهم أصْحابُ الجِدَةِ، ومَن لَيْسَ مُحْصَرًا في سَبِيلِ اللَّهِ، ومَن لا يَكْتُمُ فَقْرَهُ تَعَفُّفًا. فَمُقابِلُهم أكْثَرُ مِن مُقابِلِ الصِّنْفِ الثّانِي.
والصِّنْفُ الثّانِي: يُقابِلُهُمُ الأغْنِياءُ أهْلُ الجِدَةِ. ويَدْخُلُ فِيهِمُ المُتَعَفِّفُ وغَيْرُهُ. والمُحْصَرُ في سَبِيلِ اللَّهِ وغَيْرُهُ.
والصِّنْفُ الثّالِثُ: لا مُقابِلَ لَهم. بَلِ اللَّهُ وحْدَهُ الغَنِيُّ. وكُلُّ ما سِواهُ فَقِيرٌ إلَيْهِ.
وَمُرادُ القَوْمِ بِالفَقْرِ شَيْءٌ أخَصُّ مِن هَذا كُلِّهِ. وهو تَحْقِيقُ العُبُودِيَّةِ. والِافْتِقارِ إلى اللَّهِ تَعالى في كُلِّ حالَةٍ.
وَهَذا المَعْنى أجَلُّ مَن أنْ يُسَمّى فَقْرًا. بَلْ هو حَقِيقَةُ العُبُودِيَّةِ ولُبُّها. وعَزْلُ النَّفْسِ عَنْ مُزاحَمَةِ الرُّبُوبِيَّةِ.
وَسُئِلَ عَنْهُ يَحْيى بْنُ مُعاذٍ. فَقالَ: حَقِيقَتُهُ أنْ لا يَسْتَغْنِيَ إلّا بِاللَّهِ، ورَسْمُهُ: عَدَمُ الأسْبابِ كُلِّها.
يَقُولُ: عَدَمُ الوُثُوقِ بِها والوُقُوفِ مَعَها. وهو كَما قالَ بَعْضُ المَشايِخِ: شَيْءٌ لا يَضَعُهُ اللَّهُ إلّا عِنْدَ مَن يُحِبُّهُ. ويَسُوقُهُ إلى مَن يُرِيدُهُ.
وَسُئِلَ رُوَيْمٌ عَنِ الفَقْرِ؟ فَقالَ: إرْسالُ النَّفْسِ في أحْكامِ اللَّهِ.
وَهَذا إنَّما يُحْمَدُ في إرْسالِها في الأحْكامِ الدِّينِيَّةِ والقَدَرِيَّةِ الَّتِي لا يُؤْمَرُ بِمُدافَعَتِها والتَّحَرُّزِ مِنها.
وَسُئِلَ أبُو حَفْصٍ: بِمَ يَقْدَمُ الفَقِيرُ عَلى رَبِّهِ؟ فَقالَ: ما لِلْفَقِيرِ شَيْءٌ يَقْدَمُ بِهِ عَلى رَبِّهِ سِوى فَقْرِهِ.
وَحَقِيقَةُ الفَقْرِ وكَمالُهُ كَما قالَ بَعْضُهُمْ، وقَدْ سُئِلَ: مَتى يَسْتَحِقُّ الفَقِيرُ اسْمَ الفَقْرِ؟ فَقالَ: إذا لَمْ يَبْقِ عَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنهُ. فَقِيلَ لَهُ: وكَيْفَ ذاكَ؟ فَقالَ: إذا كانَ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ. وإذا لَمْ يَكُنْ لَهُ فَهو لَهُ.
وَهَذِهِ مِن أحْسَنِ العِباراتِ عَنْ مَعْنى الفَقْرِ الَّذِي يُشِيرُ إلَيْهِ القَوْمُ. وهو أنَّ كُلَّهُ يَصِيرُ لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ. لا يَبْقى عَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِن نَفْسِهِ وحَظِّهِ وهَواهُ. فَمَتى بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِن أحْكامِ نَفْسِهِ فَفَقْرُهُ مَدْخُولٌ.
ثُمَّ فُسِّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إذا كانَ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ، أيْ: إذا كانَ لِنَفْسِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ. وإذا لَمْ يَكُنْ لِنَفَسِهِ فَهو لِلَّهِ.
فَحَقِيقَةُ الفَقْرِ أنْ لا تَكُونَ لِنَفْسِكَ. ولا يَكُونَ لَها مِنكَ شَيْءٌ، بِحَيْثُ تَكُونُ كُلُّكَ لِلَّهِ. وإذا كُنْتَ لِنَفْسِكَ فَثَمَّ مِلْكٌ واسْتِغْناءٌ مُنافٍ لِلْفَقْرِ.
وَهَذا الفَقْرُ الَّذِي يُشِيرُونَ إلَيْهِ: لا تُنافِيهِ الجِدَةُ ولا الأمْلاكُ. فَقَدْ كانَ رُسُلُ اللَّهِ وأنْبِياؤُهُ في ذُرْوَتِهِ مَعَ جِدَتِهِمْ، ومُلْكِهِمْ، كَإبْراهِيمَ الخَلِيلِ ﷺ كانَ أبا الضِّيفانِ. وكانَتْ لَهُ الأمْوالُ والمَواشِي، وكَذَلِكَ كانَ سُلَيْمانُ وداوُدُ عَلَيْهِما السَّلامُ. وكَذَلِكَ كانَ نَبِيُّنا ﷺ، كانَ كَما قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأغْنى﴾ [الضحى: ٨] فَكانُوا أغْنِياءَ في فَقْرِهِمْ. فُقَراءَ في غِناهم.
فالفَقْرُ الحَقِيقِيُّ: دَوامُ الِافْتِقارِ إلى اللَّهِ في كُلِّ حالٍ، وأنْ يَشْهَدَ العَبْدَ - في كُلِّ ذَرَّةٍ مِن ذَرّاتِهِ الظّاهِرَةِ والباطِنَةِ - فاقَةً تامَّةً إلى اللَّهِ تَعالى مِن كُلِّ وجْهٍ.
فالفَقْرُ ذاتِيٌّ لِلْعَبْدِ. وإنَّما يَتَجَدَّدُ لَهُ لِشُهُودِهِ ووُجُودِهِ حالًا، وإلّا فَهو حَقِيقَةٌ.
كَما قالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ. قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ:
؎والفَقْرُ لِي وصْفُ ذاتٍ لازِمٌ أبَدًا ∗∗∗ كَما الغِنى أبَدًا وصْفٌ لَهُ ذاتِيُّ
وَلَهُ آثارٌ وعَلاماتٌ ومُوجِباتٌ وأسْبابٌ أكْثَرُ إشاراتِ القَوْمِ إلَيْها. كَقَوْلِ بَعْضِهِمُ: الفَقِيرُ لا تَسْبِقُ هِمَّتَهُ خَطْوَتُهُ.
يُرِيدُ: أنَّهُ ابْنُ حالِهِ ووَقْتِهِ. فَهِمَّتُهُ مَقْصُورَةٌ عَلى وقْتِهِ لا تَتَعَدّاهُ.
وَقِيلَ: أرْكانُ الفَقْرِ أرْبَعَةٌ: عِلْمٌ يَسُوسُهُ، ووَرَعٌ يَحْجِزُهُ، ويَقِينٌ يَحْمِلُهُ، وذِكْرٌ يُؤْنِسُهُ.
وَقالَ الشِّبْلِيُّ: حَقِيقَةُ الفَقْرِ أنْ لا يَسْتَغْنِيَ بِشَيْءٍ دُونَ اللَّهِ.
وَسُئِلَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: مَتى يَسْتَرِيحُ الفَقِيرُ؟ فَقالَ: إذا لَمْ يَرَ لِنَفْسِهِ غَيْرَ الوَقْتِ الَّذِي هو فِيهِ.
وَقالَ أبُو حَفْصٍ: أحْسُنُ ما يَتَوَسَّلُ بِهِ العَبْدُ إلى اللَّهِ: دَوامُ الِافْتِقارِ إلَيْهِ عَلى جَمِيعِ الأحْوالِ. ومُلازَمَةُ السُّنَّةِ في جَمِيعِ الأفْعالِ، وطَلَبُ القُوتِ مِن وجْهٍ حَلالٍ.
وَقِيلَ: مِن حُكْمِ الفَقْرِ: أنْ لا تَكُونَ لَهُ رَغْبَةٌ. فَإذا كانَ ولا بُدَّ فَلا تُجاوِزُ رَغْبَتُهُ كِفايَتَهُ.
وَقِيلَ: الفَقِيرُ مَن لا يَمْلِكُ ولا يُمْلَكُ. وأتَمُّ مِن هَذا: مَن يَمْلِكُ ولا يَمْلِكُهُ مالِكٌ.
وَقِيلَ: مَن أرادَ الفَقْرَ لِشَرَفِ الفَقْرِ ماتَ فَقِيرًا. ومَن أرادَهُ لِئَلّا يَشْتَغِلَ عَنِ اللَّهِ بِشَيْءٍ ماتَ غَنِيًّا.
والفَقْرُ لَهُ بِدايَةٌ ونِهايَةٌ. وظاهِرٌ وباطِنٌ، فَبِدايَتُهُ: الذُّلُّ. ونِهايَتُهُ: العِزُّ. وظاهِرُهُ: العَدَمُ. وباطِنُهُ: الغِنى. كَما قالَ رَجُلٌ لِآخَرَ: فَقْرٌ وذُلٌّ؟ فَقالَ: لا. بَلْ فَقَرٌّ وعِزٌّ. فَقالَ: فَقْرٌ وثَراءٌ؟ فَقالَ: لا بَلْ فَقَرٌّ وعَرْشٌ، وكِلاهُما مُصِيبٌ.
واتَّفَقَتْ كَلِمَةُ القَوْمِ عَلى أنَّ دَوامَ الِافْتِقارِ إلى اللَّهِ - مَعَ التَّخْلِيطِ - خَيْرٌ مِن دَوامِ الصَّفاءِ مَعَ رُؤْيَةِ النَّفْسِ والعُجْبِ، مَعَ أنَّهُ لا صَفاءَ مَعَهُما.
وَإذا عَرَفْتَ مَعْنى الفَقْرِ عَلِمْتَ أنَّهُ عَيْنُ الغِنى بِاللَّهِ.
فَلا مَعْنى لِسُؤالِ مَن سَألَ: أيُّ الحالَيْنِ أكْمَلُ؟ الِافْتِقارُ إلى اللَّهِ، أمْ الِاسْتِغْناءُ بِهِ؟
فَهَذِهِ مَسْألَةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ. فَإنَّ الِاسْتِغْناءَ بِهِ هو عَيْنُ الِافْتِقارِ إلَيْهِ.
وَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الفَرَغانِيُّ فَقالَ: إذا صَحَّ الِافْتِقارُ إلى اللَّهِ تَعالى فَقَدْ صَحَّ الِاسْتِغْناءُ بِاللَّهِ، وإذا صَحَّ الِاسْتِغْناءُ بِاللَّهِ كَمَلَ الغِنى بِهِ.
فَلا يُقالُ أيُّهُما أفْضَلُ: الِافْتِقارُ أمْ الِاسْتِغْناءُ؟ لِأنَّهُما حالَتانِ لا تَتِمُّ إحْداهُما إلّا بِالأُخْرى.
وَأمّا كَلامُهم في مَسْألَةِ الفَقِيرِ الصّابِرِ، والغَنِيِّ الشّاكِرِ وتَرْجِيحِ أحَدِهِما عَلى صاحِبِهِ.
فَعِنْدَ أهْلِ التَّحْقِيقِ والمَعْرِفَةِ: أنَّ التَّفْضِيلَ لا يَرْجِعُ إلى ذاتِ الفَقْرِ والغِنى. وإنَّما يَرْجِعُ إلى الأعْمالِ والأحْوالِ والحَقائِقِ. فالمَسْألَةُ أيْضًا فاسِدَةٌ في نَفْسِها. فَإنَّ التَّفْضِيلَ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى بِالتَّقْوى، وحَقائِقِ الإيمانِ. لا بِفَقْرٍ ولا غِنًى، كَما قالَ تَعالى ﴿إنَّ أكْرَمَكم عِنْدَ اللَّهِ أتْقاكُمْ﴾ [الحجرات: ١٣] ولَمْ يَقُلْ أفْقَرُكم ولا أغْناكم.
قالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - والفَقْرُ والغِنى ابْتِلاءٌ مِنَ اللَّهِ لِعَبْدِهِ. كَما قالَ تَعالى ﴿فَأمّا الإنْسانُ إذا ما ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأكْرَمَهُ ونَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أكْرَمَنِ - وأمّا إذا ما ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أهانَنِ﴾ [الفجر: ١٥-١٦] كَلّا أيْ لَيْسَ كُلُّ مَن وسَّعْتُ عَلَيْهِ وأعْطَيْتُهُ: أكُونُ قَدْ أكْرَمْتُهُ، ولا كُلُّ مَن ضَيَّقْتُ عَلَيْهِ وقَتَّرْتُ: أكُونُ قَدْ أهَنْتُهُ، فالإكْرامُ: أنْ يُكْرِمَ اللَّهُ العَبْدَ بِطاعَتِهِ، والإيمانِ بِهِ، ومَحَبَّتِهِ ومَعْرِفَتِهِ. والإهانَةُ: أنْ يَسْلُبَهُ ذَلِكَ.
قالَ - يَعْنِي ابْنَ تَيْمِيَّةَ - ولا يَقَعُ التَّفاضُلُ بِالغِنى والفَقْرِ. بَلْ بِالتَّقْوى، فَإنِ اسْتَوَيا في التَّقْوى اسْتَوَيا في الدَّرَجَةِ. سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ.
وَتَذاكَرُوا هَذِهِ المَسْألَةِ عِنْدَ يَحْيى بْنِ مُعاذٍ. فَقالَ: لا يُوزَنُ غَدًا الفَقْرُ ولا الغِنى، وإنَّما يُوزَنُ الصَّبْرُ والشُّكْرُ.
* (فائدة)
الإلْحاحُ يُنافِي حالَ الرِّضا ووَصْفَهُ. وقَدْ أثْنى اللَّهُ سُبْحانَهُ عَلى الَّذِينَ لا يَسْألُونَ النّاسَ إلْحافًا. فَقالَ تَعالى ﴿يَحْسَبُهُمُ الجاهِلُ أغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهم بِسِيماهم لا يَسْألُونَ النّاسَ إلْحافًا﴾.
فَقالَتْ طائِفَةٌ: يَسْألُونَ النّاسَ ما تَدْعُو حاجَتُهم إلى سُؤالِهِ. ولَكِنْ لا يُلْحِفُونَ. فَنَفى اللَّهُ عَنْهم سُؤالَ الإلْحافِ، لا مُطْلَقَ السُّؤالِ.
قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: إذا كانَ عِنْدَهُ غَداءٌ لَمْ يَسْألْ عَشاءً. وإذا كانَ عِنْدَهُ عَشاءٌ لَمْ يَسْألْ غَداءً.
وَقالَتْ طائِفَةٌ - مِنهُمُ الزَّجّاجُ، والفَرّاءُ وغَيْرُهُما - بَلِ الآيَةُ اقْتَضَتْ تَرْكَ السُّؤالِ مُطْلَقًا. لِأنَّهم وُصِفُوا بِالتَّعَفُّفِ، والمَعْرِفَةِ بِسِيماهُمْ، دُونَ الإفْصاحِ بِالمَسْألَةِ. لِأنَّهم لَوْ أفْصَحُوا بِالسُّؤالِ لَمْ يَحْسَبْهُمُ الجاهِلُ أغْنِياءَ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا في وجْهِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا يَسْألُونَ النّاسَ إلْحافًا﴾.
فَقالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى لا يَكُونُ مِنهم سُؤالٌ، فَيَقَعُ إلْحافٌ. كَما قالَ تَعالى ﴿فَما تَنْفَعُهم شَفاعَةُ الشّافِعِينَ﴾ [المدثر: ٤٨] أيْ لا تَكُونُ شَفاعَةٌ فَتَنْفَعَ. وكَما في قَوْلِهِ: ﴿لا يُقْبَلُ مِنها عَدْلٌ﴾ [البقرة: ١٢٣] أيْ لا يَكُونُ عَدْلٌ فَيُقْبَلَ، ونَظائِرُهُ. قالَ امْرُؤُ القَيْسِ:
عَلى لاحِبٍ لا يُهْتَدى لِمَنارِهِ
أيْ لَيْسَ لَهُ مَنارٌ يُهْتَدى بِهِ.
قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ، وتَأْوِيلُ الآيَةِ: لا يَسْألُونَ ألْبَتَّةَ. فَيُخْرِجَهُمُ السُّؤالُ في بَعْضِ الأوْقاتِ إلى الإلْحافِ. فَيَجْرِي هَذا مَجْرى قَوْلِكَ: فُلانٌ لا يُرْجى خَيْرُهُ. أيْ لَيْسَ لَهُ خَيْرٌ فَيُرْجى.
وَقالَ أبُو عَلِيٍّ: لَمْ يَثْبُتْ في هَذِهِ الآيَةِ مَسْألَةٌ مِنهم. لِأنَّ المَعْنى: لَيْسَ مِنهم مَسْألَةٌ، فَيَكُونَ مِنهم إلْحافٌ. قالَ: ومِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎لا يُفْزِعُ الأرْنَبَ أهْوالُها ∗∗∗ ولا تَرى الضَّبَّ بِها يَنْجَحِرْ
أيْ لَيْسَ بِها أرْنَبٌ فَتُفْزَعَ لِهَوْلِها، ولا ضَبٌّ فَيَنْجَحِرَ.
وَقالَ الفَرّاءُ: نَفى الإلْحافَ عَنْهم. وهو يُرِيدُ نَفْيَ جَمِيعِ السُّؤالِ.
* (فَصْلٌ)
حُكْمُ المَسْألَةِ
والمَسْألَةُ في الأصْلِ حَرامٌ. وإنَّما أُبِيحَتْ لِلْحاجَةِ والضَّرُورَةِ. لِأنَّها ظُلْمٌ في حَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ. وظُلْمٌ في حَقِّ المَسْئُولِ. وظُلْمٌ في حَقِّ السّائِلِ.
أمّا الأوَّلُ: فَلِأنَّهُ بَذَلَ سُؤالَهُ وفَقْرَهُ وذُلَّهُ واسْتِعْطاءَهُ لِغَيْرِ اللَّهِ. وذَلِكَ نَوْعُ عُبُودِيَّةٍ. فَوَضَعَ المَسْألَةَ في غَيْرِ مَوْضِعِها. وأنْزَلَها بِغَيْرِ أهْلِها. وظَلَمَ تَوْحِيدَهُ وإخْلاصَهُ. وفَقْرَهُ إلى اللَّهِ، وتَوَكُّلَهُ عَلَيْهِ ورِضاهُ بِقَسْمِهِ. واسْتَغْنى بِسُؤالِ النّاسِ عَنْ مَسْألَةِ رَبِّ النّاسِ. وذَلِكَ كُلُّهُ يَهْضِمُ مِن حَقِّ التَّوْحِيدِ، ويُطْفِئُ نُورَهُ ويُضْعِفُ قُوَّتَهُ.
وَأمّا ظُلْمُهُ لِلْمَسْئُولِ: فَلِأنَّهُ سَألَهُ ما لَيْسَ عِنْدَهُ. فَأوْجَبَ لَهُ بِسُؤالِهِ عَلَيْهِ حَقًّا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ. وعَرَّضَهُ لِمَشَقَّةِ البَذْلِ، أوْ لَوْمِ المَنعِ. فَإنْ أعْطاهُ، أعْطاهُ عَلى كَراهَةٍ. وإنْ مَنعَهُ. مَنَعَهُ عَلى اسْتِحْياءٍ وإغْماضٍ. هَذا إذا سَألَهُ ما لَيْسَ عَلَيْهِ. وأمّا إذا سَألَهُ حَقًّا هو لَهُ عِنْدَهُ: فَلَمْ يَدْخُلْ في ذَلِكَ. ولَمْ يَظْلِمْهُ بِسُؤالِهِ.
وَأمّا ظُلْمُهُ لِنَفْسِهِ: فَإنَّهُ أراقَ ماءَ وجْهِهِ. وذَلَّ لِغَيْرِ خالِقِهِ. وأنْزَلَ نَفْسَهُ أدْنى المَنزِلَتَيْنِ. ورَضِيَ لَها بِأبْخَسِ الحالَتَيْنِ. ورَضِيَ بِإسْقاطِ شَرَفِ نَفْسِهِ، وعِزَّةِ تَعَفُّفِهِ، وراحَةِ قَناعَتِهِ. وباعَ صَبْرَهُ ورِضاهُ وتَوَكُّلَهُ، وقَناعَتَهُ بِما قُسِمَ لَهُ، واسْتِغْناءَهُ عَنِ النّاسِ بِسُؤالِهِمْ. وهَذا عَيْنُ ظُلْمِهِ لِنَفْسِهِ. إذْ وضَعَها في غَيْرِ مَوْضِعِها. وأخْمَلَ شَرَفَها. ووَضَعَ قَدْرَها. وأذْهَبَ عِزَّها. وصَغَّرَها وحَقَّرَها. ورَضِيَ أنْ تَكُونَ نَفْسُهُ تَحْتَ نَفْسِ المَسْئُولِ. ويَدُهُ تَحْتَ يَدِهِ. ولَوْلا الضَّرُورَةُ لَمْ يُبَحْ ذَلِكَ في الشَّرْعِ.
وَقَدْ ثَبَتَ في الصَّحِيحَيْنِ مِن حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ما يَزالُ الرَّجُلُ يَسْألُ النّاسَ حَتّى يَأْتِيَ يَوْمَ القِيامَةِ لَيْسَ في وجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ».
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَن سَألَ النّاسَ أمْوالَهم تَكَثُّرًا، فَإنَّما يَسْألُ جَمْرًا. فَلْيَسْتَقِلَّ أوْ لِيَسْتَكْثِرْ».
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأنْ يَأْخُذَ أحَدُكم حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلى ظَهْرِهِ، فَيَتَصَدَّقَ بِهِ عَلى النّاسِ، خَيْرٌ لَهُ مِن أنْ يَأْتِيَ رَجُلًا فَيَسْألَهُ، أعْطاهُ أوْ مَنَعَهُ».
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ أيْضًا قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «لَأنْ يَغْدُوَ أحَدُكُمْ، فَيَحْتَطِبَ عَلى ظَهْرِهِ. فَيَتَصَدَّقَ بِهِ، ويَسْتَغْنِيَ بِهِ عَنِ النّاسِ: خَيْرٌ لَهُ مِن أنْ يَسْألَ رَجُلًا، أعْطاهُ أوْ مَنَعَهُ. ذَلِكَ بِأنَّ اليَدَ العُلْيا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلى. وابْدَأْ بِمَن تَعُولُ». زادَ الإمامُ أحْمَدُ «وَلَأنْ يَأْخُذَ تُرابًا فَيَجْعَلَهُ في فِيهِ: خَيْرٌ لَهُ مِن أنْ يَجْعَلَ في فِيهِ ما حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ».
وَفِي صَحِيحِ البُخارِيِّ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لَأنْ يَأْخُذَ أحَدُكم حَبْلَهُ. فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةٍ مِنَ الحَطَبِ عَلى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَها. فَيَكُفَّ اللَّهُ بِها وجْهَهُ: خَيْرٌ لَهُ مِن أنْ يَسْألَ النّاسَ، أعْطَوْهُ أوْ مَنَعُوهُ».
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أنَّ ناسًا مِنَ الأنْصارِ سَألُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. فَأعْطاهُمْ، ثُمَّ سَألُوهُ فَأعْطاهُمْ، ثُمَّ سَألُوهُ فَأعْطاهم. حَتّى نَفِدَ ما عِنْدَهُ. فَقالَ لَهم - حِينَ أنْفَقَ كُلَّ شَيْءٍ بِيَدِهِ -: ما يَكُونُ عِنْدِي مِن خَيْرٍ فَلَنْ أدَّخِرَهُ عَنْكم. ومَن يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، ومَن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ. ومَن يَتَصَبَّرُ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ. وما أُعْطِيَ أحَدٌ عَطاءً خَيْرًا وأوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ».
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: - وهو عَلى المِنبَرِ وذَكَرَ الصَّدَقَةَ والتَّعَفُّفَ والمَسْألَةَ - اليَدُ العُلْيا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلى. فاليَدُ العُلْيا: هي المُنْفِقَةُ. واليَدُ السُّفْلى: هي السّائِلَةُ». رَواهُ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ.
وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: «سَألْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأعْطانِي. ثُمَّ سَألْتُهُ فَأعْطانِي. ثُمَّ قالَ: يا حَكِيمُ، إنَّ هَذا المالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ. فَمَن أخَذَهُ بِسَخاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ. ومَن أخَذَهُ بِإشْرافِ نَفْسٍ لَمْ يُبارَكْ لَهُ فِيهِ. وكانَ كالَّذِي يَأْكُلُ ولا يَشْبَعُ. واليَدُ العُلْيا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلى. قالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، لا أرْزَأُ أحَدًا بِعْدَكَ شَيْئًا حَتّى أُفارِقَ الدُّنْيا. وكانَ أبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدْعُو حَكِيمًا إلى العَطاءِ فَيَأْبى أنْ يَقْبَلَهُ مِنهُ. ثُمَّ إنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعاهُ لِيُعْطِيَهُ. فَأبى أنْ يَقْبَلَ مِنهُ شَيْئًا. فَقالَ عُمَرُ: إنِّي أُشْهِدُكم يا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ عَلى حَكِيمٍ: أنِّي أعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِن هَذا الفَيْءِ، فَيَأْبى أنْ يَأْخُذَهُ. فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أحَدًا مِنَ النّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتّى تُوُفِّيَ». مُتَّفَقٌ عَلى صِحَّتِهِ.
وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قالَ: حَدَّثَنِي كاتِبُ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: قالَ: «كَتَبَ مُعاوِيَةُ إلى المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أنِ اكْتُبْ إلَيَّ شَيْئًا سَمِعْتَهُ مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَكَتَبَ إلَيْهِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكم ثَلاثًا. قِيلَ وقالَ، وإضاعَةَ المالِ، وكَثْرَةَ السُّؤالِ». رَواهُ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ.
وَعَنْ مُعاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «لا تُلْحِفُوا في المَسْألَةِ. فَواللَّهِ لا يَسْألُنِي أحَدٌ مِنكم شَيْئًا، فَتُخْرِجَ لَهُ مَسْألَتُهُ مِنِّي شَيْئًا وأنا لَهُ كارِهٌ. فَيُبارَكَ لَهُ فِيما أعْطَيْتُهُ» ..
وَفِي لَفْظٍ «إنَّما أنا خازِنٌ. فَمَن أعْطَيْتُهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ فَيُبارَكُ لَهُ فِيهِ، ومَن أعْطَيْتُهُ عَنْ مَسْألَةٍ وشَرَهٍ كانَ كالَّذِي يَأْكُلُ ولا يَشْبَعُ». رَواهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ أبِي مُسْلِمٍ الخَوْلانِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: حَدَّثَنِي الحَبِيبُ الأمِينُ - أمّا هُوَ: فَحَبِيبٌ إلَيَّ. وأمّا هو عِنْدِي: فَأمِينٌ. عَوْفُ بْنُ مالِكٍ الأشْجَعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: «كُنّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تِسْعَةً - أوْ ثَمانِيَةً، أوْ سَبْعَةً - فَقالَ: ألا تُبايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ؟ - وكُنّا حَدِيثِي عَهْدٍ بِبَيْعَتِهِ - فَقُلْنا: قَدْ بايَعْناكَ يا رَسُولَ اللَّهِ. ثُمَّ قالَ: ألا تُبايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقُلْنا: قَدْ بايَعْناكَ يا رَسُولَ اللَّهِ. ثُمَّ قالَ: ألا تُبايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: فَبَسَطْنا أيْدِيَنا. وقُلْنا: قَدْ بايَعْناكَ يا رَسُولَ اللَّهِ. فَعَلامَ نُبايِعُكَ؟ قالَ: أنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. والصَّلَواتِ الخَمْسِ. وتُطِيعُوا اللَّهَ - وأسَرَّ كَلِمَةً خَفِيَّةً - ولا تَسْألُوا النّاسَ شَيْئًا. فَلَقَدْ رَأيْتُ بَعْضَ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أحَدِهِمْ فَما يَسْألُ أحَدًا يُناوِلُهُ إيّاهُ». رَواهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «إنَّ المَسْألَةَ كَدٌّ يَكُدُّ بِها الرَّجُلُ وجْهَهُ، إلّا أنْ يَسْألَ الرَّجُلُ سُلْطانًا، أوْ في أمْرٍ لا بُدَّ مِنهُ». رَواهُ التِّرْمِذِيُّ. وقالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
{"ayah":"لِلۡفُقَرَاۤءِ ٱلَّذِینَ أُحۡصِرُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ لَا یَسۡتَطِیعُونَ ضَرۡبࣰا فِی ٱلۡأَرۡضِ یَحۡسَبُهُمُ ٱلۡجَاهِلُ أَغۡنِیَاۤءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعۡرِفُهُم بِسِیمَـٰهُمۡ لَا یَسۡـَٔلُونَ ٱلنَّاسَ إِلۡحَافࣰاۗ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِنۡ خَیۡرࣲ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق