الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿ياأيُّها النّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكم والَّذِينَ مِن قَبْلِكم لَعَلَّكم تَتَّقُونَ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿فاتَّقُوا النّارَ الَّتِي وقُودُها النّاسُ والحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ﴾
فهذا استدلال في غاية الظهور ونهاية البيان على جميع مطالب أصول الدين من إثبات الصانع وصفات كماله من قدرته وعلمه وإرادته وحياته وحكمته وأفعاله وحدوث العالم وإثبات نوعي توحيده تعالى، توحيد الربوبية المتضمن أنه وحده الرب الخالق الفاطر.
وتوحيد الإلهية المتضمن أنه وحده الإله المعبود المحبوب الذي لا تصلح العبادة والذل والخضوع والحب إلا له ثم قرر تعالى بعد ذلك إثبات نبوة رسوله محمد أبلغ تقرير وأحسنه وأتمه وأبعده عن المعارض فثبت بذلك صدق رسوله في كل ما يقوله وقد أخبر عن المعاد والجنة والنار فثبت صحة ذلك ضرورة.
فقررت هذه الآيات هذه المطالب كلها على أحسن وجه فصدرها تعالى بقوله: ﴿يا أيُّها النّاسُ﴾ وهذا خطاب لجميع بني آدم يشتركون كلهم في تعلقه بهم ثم قال: ﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ فأمرهم بعبادة ربهم وفي ضمن هذه الكلمة البرهان القطعي على وجوب عبادته لأنه إذا كان ربنا الذي يربينا بنعمة وإحسانه وهو مالك ذواتنا ورقابنا وأنفسنا وكل ذرة من العبد فمملوكه له ملكا خالصا حقيقيا وقد رباه بإحسانه إليه وإنعامه عليه عبادته له وشكره إياه واجب عليه ولهذا قال: ﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ ولم يقل إلهكم والرب هو السيد والمالك والمنعم والمربي والمصلح والله تعالى هو الرب بهذه الاعتبارات كلها فلا شيء أوجب في العقول والفطر من عبادة من هذا شأنه وحده لا شريك له.
ثم قال: ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ فنبه بهذا أيضا على وجوب عبادته وحده وهو كونه أخرجهم من العدم إلى الوجود وأنشأهم واخترعهم وحده بلا شريك باعترافهم وإقرارهم كما قال في غير موضع من القرآن ﴿وَلَئِنْ سَألْتَهم مَن خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ فإذا كان هو وحده الخالق فكيف لا يكون وحده المعبود وكيف يجعلون معه شريكا في العبادة وأنتم مقرون بأنه لا شريك له في الخلق.
وهذه طريقة القرآن يستدل بتوحيد الربوبية على توحيد الإلهية ثم قال: ﴿والَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ فنبه بذلك على أنه وحده الخالق لكم ولآبائكم ومن تقدمكم وإنه لم يشركه أحد في خلق من قبلكم ولا في خلقكم وخلقه تعالى لهم متضمن لكمال قدرته وإرادته وعلمه وحكمته وحياته وذلك يستلزم لسائر صفات كماله ونعوت جلاله فتضمن ذلك إثبات صفاته وأفعاله ووحدانيته في صفاته فلا شبيه له فيها ولا في أفعاله فلا شريك له فيها ثم ذكر المطلوب من خلقهم وهو أن يتقوه فيطيعونه ولا يعصونه ويذكرونه فلا ينسونه ويشكرونه ولا يكفرونه فهذه حقيقة تقواه وقوله تعالى: ﴿لَعَلَّكم تَتَّقُونَ﴾ قيل إنه تعليل للأمر وقيل تعليل للخلق وقيل المعنى اعبدوه لتتقوه بعبادته وقيل المعنى خلقكم لتتقوه وهو أظهر لوجوه:
أحدها: أن التقوى هي العبادة والشيء لا يكون علة لنفسه.
الثاني: أن نظيره قوله تعالى: ﴿وَما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُونِ﴾.
الثالث: أن الخلق أقرب في اللفظ إلى قوله: ﴿لَعَلَّكم تَتَّقُونَ﴾ من الأمر.
ولمن نصر الأول أن يقول لا يمتنع أن يكون قوله لعلكم تتقون تعليلا للأمر بالعبادة ونظيره قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكم لَعَلَّكم تَتَّقُونَ﴾ فهذا تعليل لكتب الصيام ولا يمتنع أن يكون تعليلا للأمرين معا وهذا هو الأليق بالآية والله أعلم.
ثم قال تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِراشًا والسَّماءَ بِناءً وأنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقًا لَكُمْ﴾
فذكر تعالى دليلا آخر متضمنا للاستدلال بحكمته في مخلوقاته فالأول متضمن لأصل الخلق والإيجاد ويسمى دليل الاختراع والإنشاء والثاني متضمن للحكم المشهودة في خلقه ويسمى دليل العناية والحكمة وهو تعالى كثيرا ما يكرر هذين النوعين من الاستدلال في القرآن ونظيره قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ وأنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقًا لَكم وسَخَّرَ لَكُمُ الفُلْكَ لِتَجْرِيَ في البَحْرِ بِأمْرِهِ وسَخَّرَ لَكُمُ الأنْهارَ وسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ والقَمَرَ دائِبَيْنِ وسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ والنَّهارَ﴾ فذكر خلق السماوات والأرض ثم ذكر منافع المخلوقات وحكمها ونظيره قوله تعالى: ﴿أمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ وأنْزَلَ لَكم مِنَ السَّماءِ ماءً فَأنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكم أنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أإلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هم قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أمَّنْ جَعَلَ الأرْضَ قَرارًا وجَعَلَ خِلالَها أنْهارًا وجَعَلَ لَها رَواسِيَ وجَعَلَ بَيْنَ البَحْرَيْنِ حاجِزًا﴾ إلى آخر الآيات.
على أن في هذه الآيات من الأسرار والحكم بما بحسب عقول العالمين أن يفهموه ويدركوه ولعله أن يمر بك إن شاء الله التنبيه على رائحة يسيرة من ذلك.
ونظير ذلك أيضا قوله تعالى: ﴿إنَّ في خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ واخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ والفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي في البَحْرِ بِما يَنْفَعُ النّاسَ وما أنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِن ماءٍ فَأحْيا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وبَثَّ فِيها مِن كُلِّ دابَّةٍ وتَصْرِيفِ الرِّياحِ والسَّحابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ وهذا كثير في القرآن لمن تأمله.
وذكر سبحانه في سورة البقرة قرار العالم وهو الأرض وسقفه وهو السماء وأصول منافع العباد وهو الماء الذي أنزله من السماء فذكر المسكن والساكن وما يحتاج إليه من مصالحه ونبه تعالى بجعله للأرض فراشا على تمام حكمته في أن هيأها لاستقرار الحيوان عليها فجعلها فراشا ومهادا وبساطا وقرارا وجعل سقفها بناء محكما مستويا لا فطور فيه ولا تفاوت ولا عيب ثم قال: ﴿فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أنْدادًا وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ فتأمل هذه النتيجة وشدة لزومها لتلك المقدمات قبلها وظفر العقل بها بأول وهلة وخلوصها من كل شبهة وريبة وقادح وإن كل متكلم ومستدل ومحاج إذا بالغ في تقرير ما يقرره وأطاله وأعرض القول فيه فغايته إن صح ما يذكره أن ينتهي إلي بعض ما في القرآن فتأمل ما تحت هذه الألفاظ من البرهان الشافي في التوحيد أي إذا كان الله وحده هو الذي فعل هذه الأفعال فكيف يجعلون له أندادا وقد علمتم أنه لا ند له يشاركه في فعله إعجاز القرآن في بلاغته.
فلما قرر نوعي التوحيد انتقل إلى النبوة فقال: ﴿وَإنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وادْعُوا شُهَداءَكم مِن دُونِ اللَّهِ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾
إن حصل لكم ريب في القرآن الكريم وصدق من جاء به وقلتم إنه مفتعل فأتوا بسورة واحدة تشبهه وهذا خطاب لأهل الأرض أجمعهم ومن المحال أن يأت واحد منهم بكلام يفتعله ويختلقه من تلقاء نفسه ثم يطالب أهل الأرض بجمعهم أن يعارضوه في أيسر جزء منه يكون مقداره ثلاث آيات من عدة ألوف ثم تعجز الخلائق كلهم عن ذلك حتى أن الذين راموا معارضته كان ما عارضوه من أقوى الأدلة على صدقه فإنهم أتوا بشيء يستحي العقلاء من سماعه ويحكمون بسماجته وقبح ركاكته وخسته فهو كمن أظهر طيبا لم يشم احد مثل ريحه قط وتحدى الخلائق ملوكهم وسوقتهم بأن يأتوا بذرة طيب مثله فاستحى العقلاء وعرفوا عجزهم وجاء الحمقاء بعذرة منتنة خبيثة وقالوا قد جئنا بمثل ما جئت به فهل يزيد هذا ما جاء به إلا قوة وبرهانا وعظمة وجلالة وأكد تعالى هذا التوبيخ والتقريع والتعجيز بأن قال: ﴿وادْعُوا شُهَداءَكم مِن دُونِ اللَّهِ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ كما يقول المعجز لمن يدعى مقاومته أجهد علي بكل من تقدر عليه من أصحابك وأعوانك وأوليائك ولا تبق منهم أحدا حتى تستعين به فهذا لا يقدم عليه إلا أجهل العالم وأحمقه وأسخفه عقلا إن كان غير إن كان غير واثق بصحة ما يدعيه أو أكملهم وأفضلهم وأصدقهم وأوثقهم بما يقوله والنبي ﷺ يقرأ هذه الآية وأمثالها على أصناف الخلائق أميهم وكتابيهم وعربهم وعجمهم ويقول لن تستطيعوا ذلك ولن تفعلوه أبدا فيعدلون معه إلى الحرب والرضى بقتل الأحباب فلو قدروا على الإتيان بسورة واحدة لم يعدلوا عنها إلى اختيار المحاربة وأيتام الأولاد وقتل النفوس والإقرار بالعجز عن معارضته.
وتقرير النبوة بهذه الآية وجوه متعددة:
هذا أحدها.
وثانيها: إقدامه هذا الأمر وإسجاله على الخلائق إسجالا عاما إلى يوم القيامة أنهم لن يفعلوا ذلك أبدا فهذا لا يقدم عليه ويخبر به إلا عن علم لا يخالجه شك مستند إلى وحي من الله تعالى وإلا فعلم البشر وقدرته يضعفان عن ذلك.
وثالثها: النظر إلى نفس ما تحدى به وما اشتمل عليه من الأمور التي تعجز قوى البشر على الإتيان بمثله الذي فصاحته ونظمه وبلاغته فرد من أفراد إعجازه.
وهذا الوجه يكون معجزة لمن سمعه وتأمله وفهمه، وبالوجهين الأولين يكون معجزة لكل من بلغة خبره ولو لم يفهمه ولم يتأمله فتأمل هذا الموضع من إعجاز القرآن تعرف فيه قصور كثير من المتكلمين وتقصيرهم في بيان إعجازه وأنهم
لن يوفوه عشر معشار حقه حتى قصر بعضهم الإعجاز على صرف الدواعي عن معارضته مع القدرة عليها وبعضهم قصر الإعجاز على مجرد فصاحته وبلاغته وبعضهم على مخالفة أسلوب نظمه لأساليب نظم الكلام وبعضهم على ما اشتمل عليه من الإخبار بالغيوب إلى غير ذلك من الأقوال القاصرة التي لا تشفي ولا تجدي وإعجازه فوق ذلك ووراء ذلك كله فإذا ثبتت النبوة بهذه الحجة القاطعة فقد وجب على الناس تصديق الرسول في خبره وطاعة أمره وقد أخبر عن الله تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله وعن المعاد والجنة والنار فثبت صحة ذلك يقينا فقال تعالى: ﴿فاتَّقُوا النّارَ الَّتِي وقُودُها النّاسُ والحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ وبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ أنَّ لَهم جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ﴾.
﴿وَإنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثْلِهِ وادْعُوا شُهَداءَكم مِن دُونِ اللَّهِ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣) فَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا ولَنْ تَفْعَلُوا فاتَّقُوا النّارَ الَّتِي وقُودُها النّاسُ والحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (٢٤)﴾
(مسألة)
المشهور عند النحاة والأصوليين والفقهاء أن أداة (إنْ) لا يعلق عليها إلا محتمل الوجود والعدم كقولك إن تأتني أكرمك ولا يعلق عليها محقق الوجود فلا تقول إن طلعت الشمس أتيتك بل تقول إذا طلعت الشمس أتيتك وإذا يعلق عليها النوعان واستشكل هذا بعض الأصوليين فقال قد وردت إن في القرآن في معلوم الوقوع قطعا كقوله: ﴿وَإنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا﴾ وهو سبحانه يعلم أن الكفار في ريب منهم وقوله ﴿فَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا ولَنْ تَفْعَلُوا فاتَّقُوا النّار﴾ ومعلوم قطعا انتفاء فعلهم وأجاب عن هذا بأن قال إن الخصائص الإلهية لا تدخل في الأوضاع العربية بل الأوضاع العربية مبنية على خصائص الخلق والله تعالى أنزل القرآن بلغة العرب وعلى منوالهم فكل ما كان في عادة العرب حسنا أنزل القرآن على ذلك الوجه أو قبيحا لم ينزل في القرآن فكل ما كان شأنه أن يكون في العادة مشكوكا فيه بين الناس حسن تعليقه بـ (إنْ) من قبل الله ومن قبل غيره سواء كان معلوما للمتكلم أو للسامع أم لا وكذلك يحسن من الواحد منا أن يقول: إن كان زيد في الدار فأكرمه مع علمه بأنه في الدار لأن حصول زيد في الدار شأنه أن يكون في العادة مشكوكا فيه.
فهذا هو الضابط لما تعلق على (إنْ) فاندفع الإشكال.
قلت هذا السؤال لا يرد فإن الذي قاله القوم إن الواقع ولا بد يعلق ب (إنْ)
وأما ما يجوز أن يقع، ويجوز أن لا يقع فهو الذي يعلق بها وإن كان بعد وقوعه متعين الوقوع وإذا عرفت هذا فتدبر قوله تعالى: ﴿وَإنّا إذا أذَقْنا الإنسان مِنّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وإنْ تُصِبْهم سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ فَإنَّ الإنسان كَفُورٌ﴾ كيف أتى في تعليق الرحمة المحققة إصابتها من الله تعالى بـ (إذا) وأتى في إصابة السيئة بـ (إنْ) فإن ما يعفو الله تعالى عنه أكثر، وأتى في الرحمة بالفعل الماضي الدال على تحقيق الوقوع وفي حصول السيئة بالمستقبل الدال على أنه غير محقق ولا بد.
وكيف أتى في وصول الرحمة بفعل الإذاقة الدال على مباشرة الرحمة لهم وأنها مذوقة لهم والذوق هو أخص أنواع الملابسة وأشدها.
وكيف أتى في الرحمة بحرف ابتداء الغاية مضافة إليه فقال: ﴿مِنّا رَحْمَةً﴾ وأتى في السيئة بباء السببية مضافة إلى كسب أيديهم وكيف أكد الجملة الأولى التي تضمنت إذاقة الرحمة بحرف (إنْ) دون الجملة الثانية وأسرار القرآن الكريم أكثر وأعظم من أن يحيط بها عقول البشر.
وتأمل قوله تعالى: ﴿وَإذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ في البَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إلاّ إيّاهُ﴾ كيف أتى بـ (إذا) هاهنا لما كان مس الضر لهم في البحر محققا بخلاف قوله: ﴿لا يَسْأمُ الإنسان مِن دُعاءِ الخَيْرِ وإنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ﴾ فإنه لم يقيد مس الشر هنا بل أطلقه
ولما قيده بالبحر الذي هو متحقق فيه ذلك أتى بأداة (إذا) وتأمل قوله تعالى: ﴿وَإذا أنْعَمْنا عَلى الإنسانُ أعْرَضَ ونَأى بِجانِبِهِ وإذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُوسًا﴾ كيف أتى هنا بـ (إذا) المشعرة بتحقيق الوقوع المستلزم لليأس فإن اليأس إنما حصل عند تحقق مس الشر له فكان الإتيان بـ (إذا) هاهنا أدل على المعنى المقصود من (إنْ) بخلاف قوله: ﴿وَإذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ﴾ فإنه
بقلة صبره وضعف احتماله متى توقع الشر أعرض وأطال في الدعاء فإذا تحقق وقوعه كان يؤوسا ومثل هذه الأسرار في القرآن لا يرقى إليها إلا بموهبة من الله وفهم يؤتيه عبدا في كتابه.
فإن قلت فما تصنع بقوله تعالى: ﴿إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ ولَدٌ ولَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ﴾ والهلاك محقق قلت التعليق ليس على مطلق الهلاك بل على هلاك مخصوص وهو هلاك لا عن ولد.
فإن قلت فما تصنع بقوله: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّباتِ ما رَزَقْناكم واشْكُرُوا لِلَّهِ إنْ كُنْتُمْ إيّاهُ تَعْبُدُونَ﴾
وقوله: ﴿فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ﴾ وتقول العرب: إن كنت ابني فأطعني
وفي الحديث: في السلام على الموتى "وإنا إن شاء الله بكم لاحقون "
رواه مسلم واللحاق محقق وفي قولة الموصي: " إن مت فثلث مالي صدقة"
قلت أما قوله: ﴿إنْ كُنْتُمْ إيّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ الذي حسن مجيء (إنْ) هاهنا الاحتجاج والإلزام فإن المعنى إن عبادتكم لله تستلزم شكركم له بل هي الشكر نفسه فإن كنتم ملتزمين لعبادته داخلين في جملتها فكلوا من رزقه واشكروه على نعمه.
وهذا كثيرا ما يورد في الحجاج كما تقول للرجل إن كان الله ربك وخالقك فلا تعصه وإن كان لقاء الله حقا فتأهب له وإن كانت الجنة حقا فتزود إليها وهذا أحسن من جواب من أجاب بأن (إنْ) هنا قامت مقام (إذ) وكذا قوله: ﴿إن كنتم بآياته مؤمنين﴾ [الأنعام: ١١٨]
وكذا قولهم إن كنت ابني فأطعني ونظائر ذلك.
أما قوله: "وإنا إن شاء الله بكم لاحقون"
فالتعليق هنا ليس لمطلق الموت وإنما هو للحاقهم بالمؤمنين ومصيرهم إلى حيث صاروا وأما قول الموصي: " إن مت فثلث مالي صدقة" فلأن الموت وإن كان محققا لكن لما لم يعرف تعين وقته وطال الأمد وانفردت مسافة أمنية الحياة نزل منزلة المشكوك كما هو الواقع الذي يدل عليه أحوال العباد فإن عاقلا لا يتيقن الموت ويرضى بإقامته على حال لا يحب الموت عليها أبدا كما قال بعض السلف: "ما رأيت يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت"
وعلى هذا حمل بعض أهل المعاني ﴿ثُمَّ إنَّكم بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إنَّكم يَوْمَ القِيامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ فأكد الموت باللام وأتى فيه باسم الفاعل الدال على الثبوت وأتى في البعث بالفعل ولم يؤكده.
{"ayahs_start":21,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُوا۟ رَبَّكُمُ ٱلَّذِی خَلَقَكُمۡ وَٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ","ٱلَّذِی جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فِرَ ٰشࣰا وَٱلسَّمَاۤءَ بِنَاۤءࣰ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَ ٰتِ رِزۡقࣰا لَّكُمۡۖ فَلَا تَجۡعَلُوا۟ لِلَّهِ أَندَادࣰا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ"],"ayah":"ٱلَّذِی جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فِرَ ٰشࣰا وَٱلسَّمَاۤءَ بِنَاۤءࣰ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَ ٰتِ رِزۡقࣰا لَّكُمۡۖ فَلَا تَجۡعَلُوا۟ لِلَّهِ أَندَادࣰا وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق