الباحث القرآني
والتشبيه إنَّما هو في أصل الصَّوْم لا في عينة وقدره وكيفيته.
والصائم هو الذي صامت جوارحه عن الآثام، ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور، وبطنه عن الطعام والشراب، وفرجه عن الرفث.
فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه، وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه، فيخرج كلامه كله نافعًا صالحًا، وكذلك أعماله فهي بمنزلة الرائحة التي يشمها من جالس حامل المسك، كذلك من جالس الصائم انتفع بمجالسته وأمن فيها من الزور والكذب والفجور والظلم.
هذا هو الصوم المشروع لا مجرد الإمساك عن الطعام والشراب، ففي الحديث الصحيح «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه» وفي الحديث «رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش».
فالصوم هو صوم الجوارح عن الآثام وصوم البطن عن الشراب والطعام، فكما أن الطعام والشراب يقطعه ويفسده فهكذا الآثام تقطع ثوابه وتفسد ثمرته، فتصيره بمنزلة من لم يصم.
* [فَصْلٌ في هَدْيِهِ ﷺ في الصِّيامِ]
[المَقْصُودُ مِنَ الصِّيامِ وفَوائِدُهُ]
* فَصْلٌ في هَدْيِهِ ﷺ في الصِّيامِ لَمّا كانَ المَقْصُودُ مِنَ الصِّيامِ حَبْسَ النَّفْسِ عَنِ الشَّهَواتِ، وفِطامَها عَنِ المَأْلُوفاتِ، وتَعْدِيلَ قُوَّتِها الشَّهْوانِيَّةِ، لِتَسْتَعِدَّ لِطَلَبِ ما فِيهِ غايَةُ سَعادَتِها ونَعِيمِها، وقَبُولِ ما تَزْكُو بِهِ مِمّا فِيهِ حَياتُها الأبَدِيَّةُ، ويَكْسِرُ الجُوعُ والظَّمَأُ مِن حِدَّتِها وسَوْرَتِها، ويُذَكِّرُها بِحالِ الأكْبادِ الجائِعَةِ مِنَ المَساكِينِ.
وَتُضَيَّقُ مَجارِي الشَّيْطانِ مِنَ العَبْدِ بِتَضْيِيقِ مَجارِي الطَّعامِ والشَّرابِ، وتُحْبَسُ قُوى الأعْضاءِ عَنِ اسْتِرْسالِها لِحُكْمِ الطَّبِيعَةِ فِيما يَضُرُّها في مَعاشِها ومَعادِها، ويُسَكِّنُ كُلَّ عُضْوٍ مِنها وكُلَّ قُوَّةٍ عَنْ جِماحِهِ وتُلْجَمُ بِلِجامِهِ، فَهو لِجامُ المُتَّقِينَ، وجُنَّةُ المُحارِبِينَ، ورِياضَةُ الأبْرارِ والمُقَرَّبِينَ، وهو لِرَبِّ العالَمِينَ مِن بَيْنِ سائِرِ الأعْمالِ، فَإنَّ الصّائِمَ لا يَفْعَلُ شَيْئًا، وإنَّما يَتْرُكُ شَهْوَتَهُ وطَعامَهُ وشَرابَهُ مِن أجْلِ مَعْبُودِهِ، فَهو تَرْكُ مَحْبُوباتِ النَّفْسِ وتَلَذُّذاتِها إيثارًا لِمَحَبَّةِ اللَّهِ ومَرْضاتِهِ، وهو سِرٌّ بَيْنَ العَبْدِ ورَبِّهِ لا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ سِواهُ، والعِبادُ قَدْ يَطَّلِعُونَ مِنهُ عَلى تَرْكِ المُفْطِراتِ الظّاهِرَةِ، وأمّا كَوْنُهُ تَرَكَ طَعامَهُ وشَرابَهُ وشَهْوَتَهُ مِن أجْلِ مَعْبُودِهِ، فَهو أمْرٌ لا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ بَشَرٌ، وذَلِكَ حَقِيقَةُ الصَّوْمِ.
وَلِلصَّوْمِ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ في حِفْظِ الجَوارِحِ الظّاهِرَةِ والقُوى الباطِنَةِ، وحِمْيَتِها عَنِ التَّخْلِيطِ الجالِبِ لَها المَوادَّ الفاسِدَةَ الَّتِي إذا اسْتَوْلَتْ عَلَيْها أفْسَدَتْها، واسْتِفْراغِ المَوادِّ الرَّدِيئَةِ المانِعَةِ لَها مِن صِحَّتِها، فالصَّوْمُ يَحْفَظُ عَلى القَلْبِ والجَوارِحِ صِحَّتَها، ويُعِيدُ إلَيْها ما اسْتَلَبَتْهُ مِنها أيْدِي الشَّهَواتِ، فَهو مِن أكْبَرِ العَوْنِ عَلى التَّقْوى، كَما قالَ تَعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكم لَعَلَّكم تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٨٣].
وَقالَ النَّبِيُّ ﷺ «الصَّوْمُ جُنَّةٌ».
وَأمَرَ مَنِ اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ شَهْوَةُ النِّكاحِ ولا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ بِالصِّيامِ، وجَعَلَهُ وِجاءَ هَذِهِ الشَّهْوَةِ.
والمَقْصُودُ أنَّ مَصالِحَ الصَّوْمِ لَمّا كانَتْ مَشْهُودَةً بِالعُقُولِ السَّلِيمَةِ والفِطَرِ المُسْتَقِيمَةِ، شَرَعَهُ اللَّهُ لِعِبادِهِ رَحْمَةً بِهِمْ، وإحْسانًا إلَيْهِمْ وحِمْيَةً لَهم وجُنَّةً.
وَكانَ هَدْيُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيهِ أكْمَلَ الهَدْيِ، وأعْظَمَ تَحْصِيلٍ لِلْمَقْصُودِ، وأسْهَلَهُ عَلى النُّفُوسِ.
وَلَمّا كانَ فَطْمُ النُّفُوسِ عَنْ مَأْلُوفاتِها وشَهَواتِها مِن أشَقِّ الأُمُورِ وأصْعَبِها، تَأخَّرَ فَرْضُهُ إلى وسَطِ الإسْلامِ بَعْدَ الهِجْرَةِ، لَمّا تَوَطَّنَتِ النُّفُوسُ عَلى التَّوْحِيدِ والصَّلاةِ، وألِفَتْ أوامِرَ القُرْآنِ، فَنُقِلَتْ إلَيْهِ بِالتَّدْرِيجِ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلصِّیَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق