الباحث القرآني
وَمِن أمْثِلَةِ العُدْوانِ تَجاوُزُ ما أُبِيحَ مِنَ المَيْتَةِ لِلضَّرُورَةِ إلى ما لَمْ يُبَحْ مِنها، إمّا بِأنْ يَشْبَعَ، وإنَّما أُبِيحَ لَهُ سَدُّ الرَّمَقِ، عَلى أحَدِ القَوْلَيْنِ في مَذْهَبِ أحْمَدَ، والشّافِعِيِّ، وأبِي حَنِيفَةَ.
وَأباحَ مالِكٌ لَهُ الشِّبَعَ والتَّزَوُّدَ إذا احْتاجَ إلَيْهِ، فَإذا اسْتَغْنى عَنْها وأكَلَها واقِيًا لِمالِهِ، وبُخْلًا عَنْ شِراءِ المُذَكّى ونَحْوِهِ، كانَ تَناوُلُها عُدْوانًا، قالَ تَعالى ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ ولا عادٍ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٧٣]
قالَ قَتادَةُ، والحَسَنُ: لا يَأْكُلُها مِن غَيْرِ اضْطِرارٍ، ولا يَعْدُو شِبَعَهُ، وقِيلَ: " غَيْرَ باغٍ " غَيْرَ طالِبِها وهو يَجِدُ غَيْرَها " ولا عادٍ " أيْ لا يَتَعَدّى ما حُدَّ لَهُ مِنها فَيَأْكُلُ حَتّى يَشْبَعَ، ولَكِنْ سَدَّ الرَّمَقِ، وقالَ مُقاتِلٌ: غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ لَها، ولا مُتَزَوِّدٍ مِنها.
وَقِيلَ: لا يَبْغِي بِتَجاوُزِ الحَدِّ الَّذِي حُدَّ لَهُ مِنها، ولا يَتَعَدّى بِتَقْصِيرِهِ عَنْ تَناوُلِهِ حَتّى يَهْلِكَ، فَيَكُونَ قَدْ تَعَدّى حَدَّ اللَّهِ بِمُجاوَزَتِهِ أوِ التَّقْصِيرِ عَنْهُ، فَهَذا آثِمٌ، وهَذا آثِمٌ، وقالَ مَسْرُوقٌ: مَنِ اضْطُرَّ إلى المَيْتَةِ والدَّمِ ولَحْمِ الخِنْزِيرِ فَلَمْ يَأْكُلْ ولَمْ يَشْرَبْ حَتّى ماتَ دَخَلَ النّارَ، وهَذا أصَحُّ القَوْلَيْنِ في الآيَةِ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ وأصْحابُهُ والشّافِعِيُّ: غَيْرَ باغٍ عَلى السُّلْطانِ ولا عادٍ في سَفَرِهِ، فَلا يَكُونُ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ، وبَنَوْا عَلى ذَلِكَ أنَّ العاصِيَ بِسَفَرِهِ لا يَتَرَخَّصُ.
والقَوْلُ الأوَّلُ أصَحُّ لِعَشَرَةِ أوْجُهٍ، لَيْسَ هَذا مَوْضِعَ ذِكْرِها، إذِ الآيَةُ لا تَعَرُّضَ فِيها لِلسَّفَرِ بِنَفْيٍ ولا إثْباتٍ، ولا لِلْخُرُوجِ عَلى الإمامِ، ولا هي مُخْتَصَّةٌ بِذَلِكَ ولا سِيقَتْ لَهُ، وهي عامَّةٌ في حَقِّ المُقِيمِ والمُسافِرِ، والبَغْيُ والعُدْوانُ فِيها يَرْجِعانِ إلى الأكْلِ المَقْصُودِ بِالنَّهْيِ، لا إلى أمْرٍ خارِجٍ عَنْهُ لا تَعَلُّقَ لَهُ بِالأكْلِ، ولِأنَّ نَظِيرَ هَذا قَوْلُهُ تَعالى في الآيَةِ الأُخْرى ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ في مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإثْمٍ﴾ [المائدة: ٣] فَهَذا هو الباغِي العادِي، والمُتَجانِفُ لِلْإثْمِ المائِلُ إلى القَدْرِ الحَرامِ مِن أكْلِها، وهَذا هو الشَّرْطُ الَّذِي لا يُباحُ لَهُ بِدُونِهِ، ولِأنَّها إنَّما أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ، فَتَقَدَّرَتِ الإباحَةُ بِقَدْرِها، وأعْلَمَهم أنَّ الزِّيادَةَ عَلَيْها بَغْيٌ وعُدْوانٌ وإثْمٌ، فَلا تَكُونُ الإباحَةُ لِلضَّرُورَةِ سَبَبًا لِحِلِّهِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
والإثْمُ والعُدْوانُ هُما الإثْمُ والبَغْيُ المَذْكُورانِ في سُورَةِ الأعْرافِ، مَعَ أنَّ البَغْيَ غالِبُ اسْتِعْمالِهِ في حُقُوقِ العِبادِ والِاسْتِطالَةِ عَلَيْهِمْ.
وَعَلى هَذا فَإذا قُرِنَ البَغْيُ بِالعُدْوانِ كانَ البَغْيُ ظُلْمَهم بِمُحَرَّمِ الجِنْسِ، كالسَّرِقَةِ والكَذِبِ، والبَهْتِ والِابْتِداءِ بِالأذى، والعُدْوانُ تَعَدِّي الحَقِّ في اسْتِيفائِهِ إلى أكْبَرَ مِنهُ، فَيَكُونُ البَغْيُ والعُدْوانُ في حَقِّهِمْ كالإثْمِ والعُدْوانِ في حُدُودِ اللَّهِ.
فَهاهُنا أرْبَعَةُ أُمُورٍ: حَقٌّ لِلَّهِ ولَهُ حَدٌّ، وحَقٌّ لِعِبادِهِ ولَهُ حَدٌّ، فالبَغْيُ والعُدْوانُ والظُّلْمُ تَجاوُزُ الحَدَّيْنِ إلى ما وراءَهُما، أوِ التَّقْصِيرُ عَنْهُما، فَلا يَصِلُ إلَيْهِما.
{"ayah":"إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡمَیۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِیرِ وَمَاۤ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَیۡرِ ٱللَّهِۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَیۡرَ بَاغࣲ وَلَا عَادࣲ فَلَاۤ إِثۡمَ عَلَیۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق