الباحث القرآني

* (فائدة) إنه سبحانه قرن الصبر بأركان الإسلام ومقامات الإيمان كلها فقرنه بالصلاة كقوله ﴿واستعينوا بالصبر والصلاة﴾ وقرنه بالأعمال الصالحة عموما كقوله ﴿إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات﴾ وجعله قرين التقوى كقوله ﴿إنه من يتق ويصبر﴾ وجعله قرين الشكر كقوله ﴿إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور﴾ وجعله قرين الحق كقوله ﴿وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر﴾ وجعله قرين الرحمة كقوله ﴿وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة﴾ وجعله قرين اليقين كقوله ﴿لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون﴾ وجعله قرين الصدق كقوله ﴿والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات﴾ وجعله سبب محبته ومعيته ونصره وعونه وحسن جزائه ويكفي بعض ذلك شرفا وفضلا والله أعلم. * [فَصْلٌ مَنزِلَةُ الصَّبْرِ] وَمِن مَنازِلِ: ﴿إيّاكَ نَعْبُدُ وإيّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ مَنزِلَةُ الصَّبْرِ. قالَ الإمامُ أحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى: الصَّبْرُ في القُرْآنِ في نَحْوِ تِسْعِينَ مَوْضِعًا. وَهُوَ واجِبٌ بِإجْماعِ الأُمَّةِ. وهو نِصْفُ الإيمانِ. فَإنَّ الإيمانَ نِصْفانِ: نِصْفُ صَبْرٍ، ونِصْفُ شُكْرٍ. وَهُوَ مَذْكُورٌ في القُرْآنِ عَلى سِتَّةَ عَشَرَ نَوْعًا. الأوَّلُ: الأمْرُ بِهِ. نَحْوُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ﴾ وقَوْلِهِ: ﴿واسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ﴾ [البقرة: ٤٥]. وقَوْلُهُ: ﴿اصْبِرُوا وصابِرُوا﴾ [آل عمران: ٢٠٠] وقَوْلُهُ: ﴿واصْبِرْ وما صَبْرُكَ إلّا بِاللَّهِ﴾ [النحل: ١٢٧]. الثّانِي: النَّهْيُ عَنْ ضِدِّهِ كَقَوْلِهِ: ﴿فاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُو العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ولا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ﴾ [الأحقاف: ٣٥]، وقَوْلِهِ: ﴿فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبارَ﴾ [الأنفال: ١٥]، فَإنَّ تَوْلِيَةَ الأدْبارِ: تَرْكٌ لِلصَّبْرِ والمُصابَرَةِ. وقَوْلِهِ: ﴿وَلا تُبْطِلُوا أعْمالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٣] فَإنَّ إبْطالَها تَرْكُ الصَّبْرِ عَلى إتْمامِها. وقَوْلِهِ: ﴿وَلا تَهِنُوا ولا تَحْزَنُوا﴾ [آل عمران: ١٣٩] فَإنَّ الوَهْنَ مِن عَدَمِ الصَّبْرِ. الثّالِثُ: الثَّناءُ عَلى أهْلِهِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿الصّابِرِينَ والصّادِقِينَ﴾ [آل عمران: ١٧] الآيَةَ، وقَوْلِهِ: ﴿والصّابِرِينَ في البَأْساءِ والضَّرّاءِ وحِينَ البَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وأُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٧٧]. وَهُوَ كَثِيرٌ في القُرْآنِ. الرّابِعُ: إيجابُهُ سُبْحانَهُ مَحَبَّتَهُ لَهم. كَقَوْلِهِ: ﴿واللَّهُ يُحِبُّ الصّابِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٦]. الخامِسُ: إيجابُ مَعِيَّتِهِ لَهم. وهي مَعِيَّةٌ خاصَّةٌ. تَتَضَمَّنُ حِفْظَهم ونَصْرَهُمْ، وتَأْيِيدَهم. لَيْسَتْ مَعِيَّةً عامَّةً. وهي مَعِيَّةُ العِلْمِ والإحاطَةِ. كَقَوْلِهِ: ﴿واصْبِرُوا إنَّ اللَّهَ مَعَ الصّابِرِينَ﴾ [الأنفال: ٤٦] وقَوْلِهِ: ﴿واللَّهُ مَعَ الصّابِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٤٩]. السّادِسُ: إخْبارُهُ بِأنَّ الصَّبْرَ خَيْرٌ لِأصْحابِهِ. كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهو خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ﴾ [النحل: ١٢٦] وقَوْلِهِ: ﴿وَأنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [النساء: ٢٥]. السّابِعُ: إيجابُ الجَزاءِ لَهم بِأحْسَنِ أعْمالِهِمْ. كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أجْرَهم بِأحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٩٦]. الثّامِنُ: إيجابُهُ سُبْحانَهُ الجَزاءَ لَهم بِغَيْرِ حِسابٍ. كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّما يُوَفّى الصّابِرُونَ أجْرَهم بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ [الزمر: ١٠]. التّاسِعُ: إطْلاقُ البُشْرى لِأهْلِ الصَّبْرِ. كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكم بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ والجُوعِ ونَقْصٍ مِنَ الأمْوالِ والأنْفُسِ والثَّمَراتِ وبَشِّرِ الصّابِرِينَ﴾ [البقرة: ١٥٥]. العاشِرُ: ضَمانُ النَّصْرِ والمَدَدِ لَهم. كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿بَلى إنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا ويَأْتُوكم مِن فَوْرِهِمْ هَذا يُمْدِدْكم رَبُّكم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٥]، ومِنهُ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: «واعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ». الحادِي عَشَرَ: الإخْبارُ مِنهُ تَعالى بِأنَّ أهْلَ الصَّبْرِ هم أهْلُ العَزائِمِ. كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِن عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [الشورى: ٤٣]. الثّانِي عَشَرَ: الإخْبارُ أنَّهُ ما يَلْقى الأعْمالَ الصّالِحَةَ وجَزاءَها والحُظُوظَ العَظِيمَةَ إلّا أهْلُ الصَّبْرِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَيْلَكم ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَن آمَنَ وعَمِلَ صالِحًا ولا يُلَقّاها إلّا الصّابِرُونَ﴾ [القصص: ٨٠]، وقَوْلِهِ: ﴿وَما يُلَقّاها إلّا الَّذِينَ صَبَرُوا وما يُلَقّاها إلّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت: ٣٥]. الثّالِثَ عَشَرَ: الإخْبارُ أنَّهُ إنَّما يَنْتَفِعُ بِالآياتِ والعِبَرِ أهْلُ الصَّبْرِ. كَقَوْلِهِ تَعالى لِمُوسى: ﴿أنْ أخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ وذَكِّرْهم بِأيّامِ اللَّهِ إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ﴾ [إبراهيم: ٥]، وقَوْلِهِ في أهْلِ سَبَإٍ: ﴿فَجَعَلْناهم أحادِيثَ ومَزَّقْناهم كُلَّ مُمَزَّقٍ إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ﴾ [سبأ: ١٩]. وقَوْلِهِ: في سُورَةِ الشُّورى: ﴿وَمِن آياتِهِ الجَوارِي في البَحْرِ كالأعْلامِ إنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ﴾ [الشورى: ٣٢]. الرّابِعَ عَشَرَ: الإخْبارُ بِأنَّ الفَوْزَ المَطْلُوبَ المَحْبُوبَ، والنَّجاةَ مِنَ المَكْرُوهِ المَرْهُوبِ، ودُخُولَ الجَنَّةِ، إنَّما نالُوهُ بِالصَّبْرِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿والمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِن كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكم بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبى الدّارِ﴾ [الرعد: ٢٣]. الخامِسَ عَشَرَ: أنَّهُ يُورِثُ صاحِبَهُ دَرَجَةَ الإمامَةِ. سَمِعْتُ شَيْخَ الإسْلامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رَوْحَهُ - يَقُولُ: بِالصَّبْرِ واليَقِينِ تُنالُ الإمامَةُ في الدِّينِ. ثُمَّ تَلا قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وَجَعَلْنا مِنهم أئِمَّةً يَهْدُونَ بِأمْرِنا لَمّا صَبَرُوا وكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة: ٢٤]. السّادِسَ عَشَرَ: اقْتِرانُهُ بِمَقاماتِ الإسْلامِ والإيمانِ، كَما قَرَنَهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ بِاليَقِينِ وبِالإيمانِ، والتَّقْوى والتَّوَكُّلِ. وبِالشُّكْرِ والعَمَلِ الصّالِحِ والرَّحْمَةِ. وَلِهَذا كانَ الصَّبْرُ مِنَ الإيمانِ بِمَنزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الجَسَدِ، ولا إيمانَ لِمَن لا صَبْرَ لَهُ، كَما أنَّهُ لا جَسَدَ لِمَن لا رَأْسَ لَهُ. وقالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: خَيْرُ عَيْشٍ أدْرَكْناهُ بِالصَّبْرِ. وأخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ أنَّهُ ضِياءٌ. وقالَ: «مَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ». وَفِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «عَجَبًا لِأمْرِ المُؤْمِنِ! إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، ولَيْسَ ذَلِكَ لِأحَدٍ إلّا لِلْمُؤْمِنِ. إنْ أصابَتْهُ سَرّاءُ شَكَرَ. فَكانَ خَيْرًا لَهُ. وإنْ أصابَتْهُ ضَرّاءُ صَبَرَ. فَكانَ خَيْرًا لَهُ». «وَقالَ لِلْمَرْأةِ السَّوْداءِ الَّتِي كانَتْ تُصْرَعُ فَسَألَتْهُ أنْ يَدْعُوَ لَها: إنْ شِئْتِ صَبَرْتِ ولَكِ الجَنَّةُ، وإنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أنْ يُعافِيَكِ. فَقالَتْ: إنِّي أتَكَشَّفُ فادْعُ اللَّهَ أنْ لا أتَكَشَّفَ. فَدَعا لَها». وَأمَرَ الأنْصارَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم - بِأنْ يَصْبِرُوا عَلى الأثَرَةِ الَّتِي يَلْقَوْنَها بَعْدَهُ، حَتّى يَلْقَوْهُ عَلى الحَوْضِ. وَأمَرَ عِنْدَ مُلاقاةِ العَدُوِّ بِالصَّبْرِ. وأمَرَ بِالصَّبْرِ عِنْدَ المُصِيبَةِ. وأخْبَرَ أنَّهُ إنَّما يَكُونُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولى. وَأمَرَ ﷺ المُصابَ بِأنْفَعِ الأُمُورِ لَهُ، وهو الصَّبْرُ والِاحْتِسابُ. فَإنَّ ذَلِكَ يُخَفِّفُ مُصِيبَتَهُ، ويُوَفِّرُ أجْرَهُ. والجَزَعُ والتَّسَخُّطُ والتَّشَكِّي يَزِيدُ في المُصِيبَةِ، ويُذْهِبُ الأجْرَ. وَأخْبَرَ ﷺ أنَّ الصَّبْرَ خَيْرٌ كُلُّهُ، فَقالَ: «ما أُعْطِي أحَدٌ عَطاءً خَيْرًا لَهُ وأوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ».
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب