الباحث القرآني

وإذا تأملت القرآن وتدبرته وأعرته فكرا وافيا اطلعت فيه من أسرار المناظرات وتقرير الحجج الصحيحة وإبطال الشبه الفاسدة وذكر النقض والفرق والمعارضة والمنع على ما يشفي ويكفي لمن بصره الله وأنعم عليه بفهم كتابه فمن ذلك قوله تعالى: ﴿وَإذا قِيلَ لَهم لا تُفْسِدُوا في الأرْضِ قالُوا إنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ ألا إنَّهم هُمُ المُفْسِدُونَ﴾ فهذه مناظرة جرت بين المؤمنين والمنافقين فقال لهم المؤمنون: ﴿لا تُفْسِدُوا في الأرْضِ﴾ فأجابهم المنافقون بقولهم: ﴿إنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ فكأن المناظرة انقطعت بين الفريقين ومنع المنافقون ما ادعى عليهم أهل الإيمان من كونهم مفسدين وأن ما نسبوهم إليه إنما هو صلاح لا فساد فحكم العزيز الحكيم بين الفريقين بأن سجل على المنافقين أربع إسجالات: أحدها: تكذيبهم. والثاني الإخبار بأنهم مفسدون. والثالث: حصر الفساد فيهم بقوله: ﴿هُمُ المُفْسِدُونَ﴾. والرابع: وصفهم بغاية الجهل وهو أنه لا شعور لهم ألبتة بكونهم مفسدين. وتأمل كيف نفى الشعور عنهم في هذا الموضع ثم نفى العلم في قولهم: ﴿أنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ﴾ فقال: ﴿ألا إنَّهم هُمُ السُّفَهاءُ ولَكِنْ لا يَعْلَمُونَ﴾ فنفى علمهم بسفههم وشعورهم بفسادهم، وهذا أبلغ ما يكون من الذم والتجهيل أن يكون الرجل مفسدا ولا شعور له بفساده ألبتة مع أن أثر فساده مشهور في الخارج مرئي لعباد الله وهو لا يشعر به وهذا يدل على استحكام الفساد في مداركه وطرق علمه وكذلك كونه سفيها والسفه غاية الجهل وهو مركب من عدم العلم بما يصلح معاشه ومعاده وإرادته بخلافه فإذا كان بهذه المنزلة وهو لا يعلم بحاله كان من أشقى النوع الإنساني فنفي العلم عنه بالسفه الذي هو فيه متضمن لإثبات جهله ونفى الشعور عنه بالفساد الواقع منه متضمن لفساد آلات إدراكه فتضمنت الآيتان الإسجال عليهم بالجهل وفساد آلات الإدراك بحيث يعتقدون الفساد صلاحا والشر خيرا. وكذلك المناظرة الثانية معهم أيضا فإن المؤمنين قالوا لهم: ﴿آمِنُوا كَما آمَنَ النّاسُ﴾ فأجابهم المنافقون بقولهم: ﴿أنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ﴾ وتقرير المناظرة من الجانبين أن المؤمنين دعوهم إلى الإيمان الصادر من العقلاء بالله ورسوله وأن العاقل يتعين عليه الدخول فيما دخل فيه العقلاء الناصحون لأنفسهم ولا سيما إذا قامت أدلته وصحت شواهده فأجابهم المنافقون بما مضمونه أنا إنما يجب علينا موافقة العقلاء وأما السفهاء الذي لا عقل لهم يميزون به بين النافع والضار فلا يجب علينا موافقتهم فرد الله تعالى عليهم وحكم للمؤمنين وأسجل على المنافقين بأربعة أنواع: أحدها: تسفيههم. الثاني: حصر السفه فيهم. الثالث: نفي العلم عنهم. الرابع: تكذيبهم فيما تضمنه جوابهم من دعواهم التنزيه من السفه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب