الباحث القرآني

وقال ﴿فَلا تَخْضَعْنَ بِالقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾ وقال: ﴿وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ والمُؤْمِنُونَ ولِيَقُولَ الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ والكافِرُونَ ماذا أرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا﴾. ومرض القلب خروجه عن صحته واعتداله. فإن صحته أن يكون عارفا بالحق محبا له، مؤثرا له على غيره، فمرضه إما بالشك فيه، وإما بإيثار غيره عليه. فمرض المنافقين: مرض شك وريب، ومرض العصاة غي وشهوة. وقد سمى الله سبحانه كلّا منهما مرضا. قال ابن الأنباري: أصل المرض في اللغة: الفساد، مرض فلان: فسد جسمه، وتغيرت حاله. ومرضت بالمرض: تغيرت وفسدت، قالت ليلى الأخيلية: ؎إذا هبط الحجاج أرضا مريضة ∗∗∗ تتبع أقصى دائها فشفاها وقال آخر: ؎ألم تر أنّ الأرض أضحت مريضة ∗∗∗ لفقد الحسين، والبلاد اقشعرت والمرض يدور على أربعة أشياء: فساد، وضعف، ونقصان، وظلمة. ومنه مرض الرجل في الأمر، إذا ضعف فيه. ولم يبالغ، وعين مريضة النظر: أي فاترة ضعيفة. وريح مريضة: إذا هبّ هبوبها، كما قال: راحت لأربعك الرياح مريضة أي لينة ضعيفة، حتى لا يعفى أثرها. وقال ابن الأعرابي: أصل المرض النقصان. ومنه: بدن مريض، أي ناقص القوة، وقلب مريض: ناقص الدين، ومرض في حاجتي: إذا نقصت حركته. وقال الأزهري، عن المنذري عن بعض أصحابه: المرض إظلام الطبيعة واضطرابها بعد صفائها. قال: والمرض الظلمة، وأنشد: ؎وليلة مرضت من كل ناحية ∗∗∗ فما يضيء لها شمس ولا قمر هذا أصله في اللغة. ثم الشك، والجهل، والحيرة، والضلال، وإرادة الغي، وشهوة الفجور في القلب: تعود إلى هذه الأمور الأربعة، فيتعاطى العبد أسباب المرض حتى يمرض، فيعاقبه الله بزيادة المرض، لإيثاره أسبابه وتعاطيه لها. * (فصل) المَرَضُ نَوْعانِ: مَرَضُ القُلُوبِ، ومَرَضُ الأبَدانِ، وهُما مَذْكُورانِ في القُرْآنِ. وَمَرَضُ القُلُوبِ نَوْعانِ: مَرَضُ شُبْهَةٍ وشَكٍّ، ومَرَضُ شَهْوَةٍ وغَيٍّ، وكِلاهُما في القُرْآنِ. قالَ تَعالى في مَرَضِ الشُّبْهَةِ: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾ وقالَ تَعالى: ﴿وَلِيَقُولَ الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ والكافِرُونَ ماذا أرادَ اللَّهُ بِهَذا مَثَلًا﴾ [المدثر: ٣١] وقالَ تَعالى في حَقِّ مَن دُعِيَ إلى تَحْكِيمِ القُرْآنِ والسُّنَّةِ فَأبى وأعْرَضَ: ﴿وَإذا دُعُوا إلى اللَّهِ ورَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهم إذا فَرِيقٌ مِنهم مُعْرِضُونَ - وإنْ يَكُنْ لَهُمُ الحَقُّ يَأْتُوا إلَيْهِ مُذْعِنِينَ - أفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أمِ ارْتابُوا أمْ يَخافُونَ أنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ورَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ [النور: ٤٨-٤٩] فَهَذا مَرَضُ الشُّبُهاتِ والشُّكُوكِ. وَأمّا مَرَضُ الشَّهَواتِ، فَقالَ تَعالى: ﴿يانِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأحَدٍ مِنَ النِّساءِ﴾ [الأحزاب: ٣٢] ﴿إنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾ [الأحزاب: ٣٢]. فَهَذا مَرَضُ شَهْوَةِ الزِّنا، واللَّهُ أعْلَمُ. * [فَصْلٌ المَعاصِي تُمْرِضُ القُلُوبَ] وَمِن عُقُوباتِها: أنَّها تَصْرِفُ القَلْبَ عَنْ صِحَّتِهِ واسْتِقامَتِهِ إلى مَرَضِهِ وانْحِرافِهِ، فَلا يَزالُ مَرِيضًا مَعْلُولًا لا يَنْتَفِعُ بِالأغْذِيَةِ الَّتِي بِها حَياتُهُ وصَلاحُهُ، فَإنَّ تَأْثِيرَ الذُّنُوبِ في القُلُوبِ كَتَأْثِيرِ الأمْراضِ في الأبْدانِ، بَلِ الذُّنُوبُ أمْراضُ القُلُوبِ وداؤُها، ولا دَواءَ لَها إلّا تَرْكُها. وَقَدْ أجْمَعَ السّائِرُونَ إلى اللَّهِ أنَّ القُلُوبَ لا تُعْطى مُناها حَتّى تَصِلَ إلى مَوْلاها، ولا تَصِلُ إلى مَوْلاها حَتّى تَكُونَ صَحِيحَةً سَلِيمَةً، ولا تَكُونُ صَحِيحَةً سَلِيمَةً حَتّى يَنْقَلِبَ داؤُها، فَيَصِيرَ نَفْسَ دَوائِها، ولا يَصِحُّ لَها ذَلِكَ إلّا بِمُخالَفَةِ هَواها، فَهَواها مَرَضُها، وشِفاؤُها مُخالَفَتُهُ، فَإنِ اسْتَحْكَمَ المَرَضُ قَتَلَ أوْ كادَ. وَكَما أنَّ مَن نَهى نَفْسَهُ عَنِ الهَوى كانَتِ الجَنَّةُ مَأْواهُ، فَكَذا يَكُونُ قَلْبُهُ في هَذِهِ الدّارِ في جَنَّةٍ عاجِلَةٍ، لا يُشْبِهُ نَعِيمُ أهْلِها نَعِيمًا ألْبَتَّةَ، بَلِ التَّفاوُتُ الَّذِي بَيْنَ النَّعِيمَيْنِ، كالتَّفاوُتِ الَّذِي بَيْنَ نَعِيمِ الدُّنْيا والآخِرَةِ، وهَذا أمْرٌ لا يُصَدِّقُ بِهِ إلّا مَن باشَرَ قَلْبُهُ هَذا وهَذا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب