الباحث القرآني

أما قوله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أو ادْعُوا الرَّحْمَنَ أيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الأسماءُ الحُسْنى﴾ فهذا الدعاء المشهور وأنه دعاء المسألة وهو سبب النزول قالوا: "كان النبي ﷺ يدعوا ربه فيقول مرة "يا الله" ومرة: "يا رحمن" فظن الجاهلون من المشركين أنه يدعوا إليهين فأنزل الله تعالى هذه الآية. قال ابن عباس: "سمع المشركون النبي ﷺ يدعو في سجوده (يا رحمن يا رحيم) فقالوا: هذا يزعم أنه يدعوا واحدا وهو يدعوا مثنى مثنى فأنزل الله هذه الآية ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أو ادْعُوا الرَّحْمَنَ﴾. وقيل إن الدعاء هاهنا بمعنى التسمية كقولهم: "دعوت ولدي سعيدا" "وادعه بعبد الله" ونحوه والمعنى: سموا الله أو أو سموا الرحمن فالدعاء هاهنا بمعنى التسمية وهذا قول الزمخشري والذي حمله على هذا قوله: ﴿أيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الأسماءُ الحُسْنى﴾ فإن المراد بتعدده معنى أي وعمومها هاهنا تعدد الأسماء ليس إلا والمعنى أي اسم سميتموه به من أسماء الله تعالى إما الله إما الرحمن فله الأسماء الحسنى أي فللمسمى سبحانه الأسماء الحسنى والضمير في (له) يعود إلى المسمى فهذا الذي أوجب له أن يحمل الدعاء في الداء في هذه الآية على التسمية وهذا الذي قاله هو من لوازم المعنى المرادبالدعاء في الآية وليس هو عين المراد بل المراد بالدعاء معناه المعهود المطرد في القرآن وهو دعاء السؤال ودعاء الثناء ولكنه متضمن معنى التسمية فليس المراد مجرد التسمية الخالية عن العبادة والطلب بل التسمية الواقعة في دعاء الثناء والطلب فعلى هذا المعنى يصح أن يكون في (تدعوا) معنى تسموا فتأمله؛ والمعنى أيا ما تسموا في ثنائكم ودعائكم وسؤالكم والله أعلم. * [فَصْلٌ: سِرُّ التَّفْرِقَةِ في الوَصْفِ بَيْنَ صَلاةِ اللَّيْلِ وصَلاةِ النَّهارِ] وَأمّا التَّفْرِيقُ بَيْنَ صَلاةِ اللَّيْلِ وصَلاةِ النَّهارِ في الجَهْرِ والإسْرارِ فَفي غايَةِ المُناسَبَةِ والحِكْمَةِ؛ فَإنَّ اللَّيْلَ مَظِنَّةُ هُدُوءِ الأصْواتِ وسُكُونِ الحَرَكاتِ وفَراغِ القُلُوبِ واجْتِماعِ الهِمَمِ المُشَتَّتَةِ بِالنَّهارِ، فالنَّهارُ مَحِلُّ السَّبْحِ الطَّوِيلِ بِالقَلْبِ والبَدَنِ، واللَّيْلُ مَحِلُّ مُواطَأةِ القَلْبِ لِلِّسانِ ومُواطَأةِ اللِّسانِ لِلْأُذُنِ؛ ولِهَذا كانَتْ السُّنَّةُ تَطْوِيلُ قِراءَةِ الفَجْرِ عَلى سائِرِ الصَّلَواتِ، وكانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ فِيها بِالسِّتِّينَ إلى المِائَةِ، وكانَ الصِّدِّيقُ يَقْرَأُ فِيها بِالبَقَرَةِ، وعُمَرُ بِالنَّحْلِ وهُودٍ وبَنِي إسْرائِيلَ ويُونُسَ ونَحْوِها مِن السُّوَرِ؛ لِأنَّ القَلْبَ أفْرَغُ ما يَكُونُ مِن الشَّواغِلِ حِينَ انْتِباهِهِ مِن النَّوْمِ، فَإذا كانَ أوَّلُ ما يَقْرَعُ سَمْعَهُ كَلامَ اللَّهِ الَّذِي فِيهِ الخَيْرُ كُلُّهُ بِحَذافِيرِهِ صادَفَهُ خالِيًا مِن الشَّواغِلِ فَتَمَكَّنَ فِيهِ مِن غَيْرِ مُزاحِمٍ؛ وأمّا النَّهارُ فَلَمّا كانَ بِضِدِّ ذَلِكَ كانَتْ قِراءَةُ صَلاتِهِ سِرِّيَّةً إلّا إذا عارَضَ في ذَلِكَ مُعارِضٌ أرْجَحُ مِنهُ، كالمَجامِعِ العِظامِ في العِيدَيْنِ والجُمُعَةِ والِاسْتِسْقاءِ والكُسُوفِ؛ فَإنَّ الجَهْرَ حِينَئِذٍ أحْسَنُ وأبْلَغُ في تَحْصِيلِ المَقْصُودِ، وأنْفَعُ لِلْجَمْعِ، وفِيهِ مِن قِراءَةِ كَلامِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وتَبْلِيغِهِ في المَجامِعِ العِظامِ ما هو مِن أعْظَمِ مَقاصِدِ الرِّسالَةِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب