الباحث القرآني

* [فَصْلٌ: المَعاصِي تُخْرِجُ العَبْدَ مِن دائِرَةِ الإحْسانِ] وَمِن عُقُوباتِها: أنَّها تُخْرِجُ العَبْدَ مِن دائِرَةِ الإحْسانِ وتَمْنَعُهُ مِن ثَوابِ المُحْسِنِينَ، فَإنَّ الإحْسانَ إذا باشَرَ القَلْبَ مَنَعَهُ عَنِ المَعاصِي، فَإنَّ مَن عَبَدَ اللَّهَ كَأنَّهُ يَراهُ، لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ إلّا لِاسْتِيلاءِ ذِكْرِهِ ومَحَبَّتِهِ وخَوْفِهِ ورَجائِهِ عَلى قَلْبِهِ، بِحَيْثُ يَصِيرُ كَأنَّهُ يُشاهِدُهُ، وذَلِكَ سَيَحُولُ بَيْنَهُ وبَيْنَ إرادَةِ المَعْصِيَةِ، فَضْلًا عَنْ مُواقَعَتِها، فَإذا خَرَجَ مِن دائِرَةِ الإحْسانِ، فاتَهُ صُحْبَةُ رُفْقَتِهِ الخاصَّةِ، وعَيْشُهُمُ الهَنِيءُ، ونَعِيمُهُمُ التّامُّ، فَإنْ أرادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا أقَرَّهُ في دائِرَةِ عُمُومِ المُؤْمِنِينَ، فَإنْ عَصاهُ بِالمَعاصِي الَّتِي تُخْرِجُهُ مِن دائِرَةِ الإيمانِ كَما قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لا يَزْنِي الزّانِي حِينَ يَزْنِي وهو مُؤْمِنٌ، ولا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُها وهو مُؤْمِنٌ، ولا يَسْرِقُ السّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وهو مُؤْمِنٌ، ولا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ إلَيْهِ فِيها النّاسُ أبْصارَهم حِينَ يَنْتَهِبُها وهو مُؤْمِنٌ» فَإيّاكم إيّاكُمْ، والتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ. * [فَصْلٌ: الفَحْشاءُ والمُنْكَرُ] وَأمّا الفَحْشاءُ والمُنْكَرُ فالفَحْشاءُ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ قَدْ حُذِفَ تَجْرِيدًا لِقَصْدِ الصِّفَةِ، وهي الفِعْلَةُ الفَحْشاءُ، والخَصْلَةُ الفَحْشاءُ، وهي ما ظَهَرَ قُبْحُها لِكُلِّ أحَدٍ، واسْتَفْحَشَهُ كُلُّ ذِي عَقْلٍ سَلِيمٍ، ولِهَذا فُسِّرَتْ بِالزِّنا واللِّواطِ، وسَمّاها اللَّهُ فاحِشَةً لِتَناهِي قُبْحِهِما، وكَذَلِكَ القَبِيحُ مِنَ القَوْلِ يُسَمّى فُحْشًا، وهو ما ظَهَرَ قُبْحُهُ جِدًّا مِنَ السَّبِّ القَبِيحِ، والقَذْفِ ونَحْوِهِ. وَأمّا المُنْكَرُ فَصِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ أيْضًا، أيِ الفِعْلُ المُنْكَرُ، وهو الَّذِي تَسْتَنْكِرُهُ العُقُولُ والفِطَرُ، ونِسْبَتُهُ إلَيْها كَنِسْبَةِ الرّائِحَةِ القَبِيحَةِ إلى حاسَّةِ الشَّمِّ، والمَنظَرِ القَبِيحِ إلى العَيْنِ، والطَّعْمِ المُسْتَكْرَهِ إلى الذَّوْقِ، والصَّوْتِ المُسْتَنْكَرِ إلى الأُذُنِ، فَما اشْتَدَّ إنْكارُ العُقُولِ والفِطَرِ لَهُ فَهو فاحِشَةٌ، كَما فَحُشَ إنْكارُ الحَواسِّ لَهُ مِن هَذِهِ المُدْرَكاتِ. فالمُنْكَرُ لَها ما لَمْ تَعْرِفْهُ ولَمْ تَأْلَفْهُ، والقَبِيحُ المُسْتَكْرَهُ لَها الَّذِي تَشْتَدُّ نَفْرَتُها عَنْهُ هو الفاحِشَةُ، ولِذَلِكَ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: الفاحِشَةُ الزِّنا، والمُنْكَرُ ما لَمْ يُعْرَفْ في شَرِيعَةٍ ولا سُنَّةٍ. فَتَأمَّلْ تَفْرِيقَهُ بَيْنَ ما لَمْ يُعْرَفْ حُسْنُهُ ولَمْ يُؤْلَفْ، وبَيْنَ ما اسْتَقَرَّ قُبْحُهُ في الفِطَرِ والعُقُولِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب