الباحث القرآني
[اللَّبَنُ]
قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وَإنَّ لَكم في الأنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكم مِمّا في بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ ودَمٍ لَبَنًا خالِصًا سائِغًا لِلشّارِبِينَ﴾ [النحل: ٦٦]
وَقالَ في الجَنَّةِ: ﴿فِيها أنْهارٌ مِن ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وأنْهارٌ مِن لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ﴾ [محمد: ١٥].
وَفِي " السُّنَنِ " مَرْفُوعًا: «مَن أطْعَمَهُ اللَّهُ طَعامًا فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا فِيهِ وارْزُقْنا خَيْرًا مِنهُ، ومَن سَقاهُ اللَّهُ لَبَنًا، فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا فِيهِ وزِدْنا مِنهُ، فَإنِّي لا أعْلَمُ ما يُجْزِئُ مِنَ الطَّعامِ والشَّرابِ إلّا اللَّبَنَ».
اللَّبَنُ: وإنْ كانَ بَسِيطًا في الحِسِّ، إلّا أنَّهُ مُرَكَّبٌ في أصْلِ الخِلْقَةِ تَرْكِيبًا طَبِيعِيًّا مِن جَواهِرَ ثَلاثَةٍ: الجُبْنِيَّةُ، والسَّمْنِيَّةُ، والمائِيَّةُ، فالجُبْنِيَّةُ: بارِدَةٌ رَطْبَةٌ، مُغَذِّيَةٌ لِلْبَدَنِ، والسَّمْنِيَّةُ: مُعْتَدِلَةُ الحَرارَةِ والرُّطُوبَةِ مُلائِمَةٌ لِلْبَدَنِ الإنْسانِيِّ الصَّحِيحِ، كَثِيرَةُ المَنافِعِ، والمائِيَّةُ: حارَّةٌ رَطْبَةٌ، مُطْلِقَةٌ لِلطَّبِيعَةِ، مُرَطِّبَةٌ لِلْبَدَنِ، واللَّبَنُ عَلى الإطْلاقِ أبْرَدُ وأرْطَبُ مِنَ المُعْتَدِلِ.
وَقِيلَ: قُوَّتُهُ عِنْدَ حَلْبِهِ الحَرارَةُ والرُّطُوبَةُ، وقِيلَ مُعْتَدِلٌ في الحَرارَةِ والبُرُودَةِ.
وَأجْوَدُ ما يَكُونُ اللَّبَنُ حِينَ يُحْلَبُ، ثُمَّ لا يَزالُ تَنْقُصُ جَوْدَتُهُ عَلى مَرِّ السّاعاتِ، فَيَكُونُ حِينَ يُحْلَبُ أقَلَّ بُرُودَةً، وأكْثَرَ رُطُوبَةً، والحامِضُ بِالعَكْسِ، ويُخْتارُ اللَّبَنُ بَعْدَ الوِلادَةِ بِأرْبَعِينَ يَوْمًا، وأجْوَدُهُ ما اشْتَدَّ بَياضُهُ، وطابَ رِيحُهُ، ولَذَّ طَعْمُهُ، وكانَ فِيهِ حَلاوَةٌ يَسِيرَةٌ، ودُسُومَةٌ مُعْتَدِلَةٌ، واعْتَدَلَ قِوامُهُ في الرِّقَّةِ والغِلَظِ، وحُلِبَ مِن حَيَوانٍ فَتِيٍّ صَحِيحٍ، مُعْتَدِلِ اللَّحْمِ، مَحْمُودِ المَرْعى والمَشْرَبِ.
وَهُوَ مَحْمُودٌ يُوَلِّدُ دَمًا جَيِّدًا، ويُرَطِّبُ البَدَنَ اليابِسَ، ويَغْذُو غِذاءً حَسَنًا، ويَنْفَعُ مِنَ الوَسْواسِ والغَمِّ والأمْراضِ السَّوْداوِيَّةِ، وإذا شُرِبَ مَعَ العَسَلِ نَقّى القُرُوحَ الباطِنَةَ مِنَ الأخْلاطِ العَفِنَةِ، وشُرْبُهُ مَعَ السُّكَّرِ يُحَسِّنُ اللَّوْنَ جِدًّا، والحَلِيبُ يَتَدارَكُ ضَرَرَ الجِماعِ، ويُوافِقُ الصَّدْرَ والرِّئَةَ، جَيِّدٌ لِأصْحابِ السُّلِّ، رَدِيءٌ لِلرَّأْسِ والمَعِدَةِ، والكَبِدِ والطِّحالِ، والإكْثارُ مِنهُ مُضِرٌّ بِالأسْنانِ واللِّثَةِ، ولِذَلِكَ يَنْبَغِي أنْ يُتَمَضْمَضَ بَعْدَهُ بِالماءِ وفي " الصَّحِيحَيْنِ ": «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ شَرِبَ لَبَنًا، ثُمَّ دَعا بِماءٍ فَتَمَضْمَضَ وقالَ: " إنَّ لَهُ دَسَمًا».
وَهُوَ رَدِيءٌ لِلْمَحْمُومِينَ، وأصْحابِ الصُّداعِ، مُؤْذٍ لِلدِّماغِ، والرَّأْسِ الضَّعِيفِ، والمُداوَمَةُ عَلَيْهِ تُحْدِثُ ظُلْمَةَ البَصَرِ والغِشاءَ، ووَجَعَ المَفاصِلِ وسُدَّةَ الكَبِدِ، والنَّفْخَ في المَعِدَةِ والأحْشاءِ، وإصْلاحُهُ بِالعَسَلِ والزَّنْجَبِيلِ المُرَبّى ونَحْوِهِ، وهَذا كُلُّهُ لِمَن لَمْ يَعْتَدْهُ.
* (فصل)
تَأمل العبْرَة الَّتِي ذكرها الله عز وجل في الأنعام وما سقانا من بطونها من اللَّبن الخالِص السائغ الهنيء المريء الخارِج من بَين الفرث والدَّم، فَتَأمل كَيفَ ينزل الغذاء من أفواهها إلى المعدة فينقلب بعضه دَمًا بإذن الله وما يسرى في عروقها وأعضائها وشحومها ولحومها فَإذا أرسلته العُرُوق في مجاريها إلى جملَة الأجزاء قلبه كل عُضْو أوْ عصب وغضروف وشعر وظفر وحافر إلى طَبِيعَته ثمَّ يبْقى الدَّم في تِلْكَ الخزائن الَّتِي لَهُ إذْ بِهِ قوام الحَيَوان، ثمَّ ينصب ثقله إلى الكرش فَيصير زبلا، ثمَّ يَنْقَلِب باقِيَة لَبَنًا صافيا أبيض سائغا للشاربين فَيخرج من بَين الفرث والدَّم حَتّى إذا أنهكت الشّاة أوْ غَيرها حَلبًا خرج الدَّم مشوبا بحمرة فصفى الله سُبْحانَهُ الألطف من الثفل بالطبخ الأول فانفصل إلى الكبد وصارَ دَمًا وكانَ مخلوطا بالأخلاط الأربعة فَأذْهب الله عز وجل كل خلط مِنها إلى مقره وخزانته المهيأة لَهُ من المرارة والطحال والكلية، وباقِي الدَّم الخالِص يدْخل في أوردة الكبد فينصب من تِلْكَ العُرُوق إلى الضَّرع فيقلبه الله تبارك وتَعالى من صُورَة الدَّم وطبعه وطعمه إلى صُورَة اللَّبن وطبعه وطعمه فاستخرج من الفرث والدَّم، فسل المُعَطل الجاحد من الَّذِي دبر هَذا التَّدْبِير وقدر هَذا التَّقْدِير وأتقن هَذا الصنع ولطف هَذا اللطف سوى اللَّطِيف الخَبِير.
{"ayah":"وَإِنَّ لَكُمۡ فِی ٱلۡأَنۡعَـٰمِ لَعِبۡرَةࣰۖ نُّسۡقِیكُم مِّمَّا فِی بُطُونِهِۦ مِنۢ بَیۡنِ فَرۡثࣲ وَدَمࣲ لَّبَنًا خَالِصࣰا سَاۤىِٕغࣰا لِّلشَّـٰرِبِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق