الباحث القرآني
ثُمَّ أخْبَرَ سُبْحانَهُ عَنْ فَضْلِهِ وعَدْلِهِ في الفَرِيقَيْنِ أصْحابِ الكَلِمِ الطَّيِّبِ والكَلِمِ الخَبِيثِ، فَأخْبَرَ أنَّهُ يُثَبِّتُ الَّذِينَ آمَنُوا بِإيمانِهِمْ بِالقَوْلِ الثّابِتِ أحْوَجَ ما يَكُونُونَ إلَيْهِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، وأنَّهُ يُضِلُّ الظّالِمِينَ وهم المُشْرِكُونَ عَنْ القَوْلِ الثّابِتِ، فَأضَلَّ هَؤُلاءِ بِعَدْلِهِ لِظُلْمِهِمْ، وثَبَّتَ المُؤْمِنِينَ بِفَضْلِهِ لِإيمانِهِمْ.
وَتَحْتَ قَوْلِهِ: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثّابِتِ في الحَياةِ الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ﴾ [إبراهيم: ٢٧] كَنْزٌ عَظِيمٌ مَن وُفِّقَ لِمَظِنَّتِهِ وأحْسَنَ اسْتِخْراجَهُ واقْتِناءَهُ وأنْفَقَ مِنهُ فَقَدْ غَنِمَ، ومَن حُرِمَهُ فَقَدْ حُرِمَ، وذَلِكَ أنَّ العَبْدَ لا يَسْتَغْنِي عَنْ تَثْبِيتِ اللَّهِ لَهُ طُرْفَةَ عَيْنٍ فَإنْ لَمْ يُثَبِّتْهُ وإلّا زالَتْ سَماءُ إيمانِهِ وأرْضِهِ عَنْ مَكانِهِما، وقَدْ قالَ تَعالى لِأكْرَمِ خَلْقِهِ عَلَيْهِ عَبْدِهِ ورَسُولِهِ: ﴿وَلَوْلا أنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا﴾ [الإسراء: ٧٤] وقالَ تَعالى لِأكْرَمِ خَلْقِهِ: ﴿إذْ يُوحِي رَبُّكَ إلى المَلائِكَةِ أنِّي مَعَكم فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الأنفال: ١٢] وفي الصَّحِيحَيْنِ مِن حَدِيثِ البَجَلِيِّ قالَ: «وَهُوَ يَسْألُهم ويُثَبِّتُهُمْ» وقالَ تَعالى لِرَسُولِهِ: ﴿وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِن أنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ﴾ [هود: ١٢٠]
فالخَلْقُ كُلُّهم قِسْمانِ: مُوَفَّقٌ بِالتَّثْبِيتِ، ومَخْذُولٌ بِتَرْكِ التَّثْبِيتِ، ومادَّةُ التَّثْبِيتِ أصْلُهُ ومَنشَؤُهُ مِن القَوْلِ الثّابِتِ وفِعْلِ ما أُمِرَ بِهِ العَبْدُ، فَبِهِما يُثَبِّتُ اللَّهُ عَبْدَهُ، فَكُلُّ مَن كانَ أثْبَتَ قَوْلًا وأحْسَنَ فِعْلًا كانَ أعْظَمَ تَثْبِيتًا، قالَ تَعالى: ﴿وَلَوْ أنَّهم فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْرًا لَهم وأشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ [النساء: ٦٦] فَأثْبَتُ النّاسِ قَلْبًا أثْبَتُهم قَوْلًا، والقَوْلُ الثّابِتُ هو القَوْلُ الحَقُّ والصِّدْقُ، وهو ضِدُّ القَوْلِ الباطِلِ الكَذِبِ؛ فالقَوْلُ نَوْعانِ: ثابِتٌ لَهُ حَقِيقَةٌ، وباطِلٌ لا حَقِيقَةَ لَهُ، وأثْبَتُ القَوْلِ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ ولَوازِمُها، فَهي أعْظَمُ ما يُثَبِّتُ اللَّهُ بِها عَبْدَهُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ؛ ولِهَذا تَرى الصّادِقَ مِن أثْبَتِ النّاسِ وأشْجَعِهِمْ قَلْبًا، والكاذِبَ مِن أمْهَنِ النّاسِ وأخْبَثِهِمْ وأكْثَرِهِمْ تَلَوُّثًا وأقَلِّهِمْ ثَباتًا، وأهْلُ الفِراسَةِ يَعْرِفُونَ صِدْقَ الصّادِقِ مِن ثَباتِ قَلْبِهِ وقْتَ الإخْبارِ وشَجاعَتِهِ ومَهابَتِهِ، ويَعْرِفُونَ كَذِبَ الكاذِبِ بِضِدِّ ذَلِكَ؛ ولا يَخْفى ذَلِكَ إلّا عَلى ضَعِيفِ البَصِيرَةِ.
وَسُئِلَ بَعْضُهم عَنْ كَلامٍ سَمِعَهُ مِن مُتَكَلِّمٍ بِهِ، فَقالَ: واللَّهِ ما فَهِمْت مِنهُ شَيْئًا، إلّا أنِّي رَأيْت لِكَلامِهِ صَوْلَةً لَيْسَتْ بِصَوْلَةِ مُبْطِلٍ، فَما مُنِحَ العَبْدُ مِنحَةً أفْضَلَ مِن مِنحَةِ القَوْلِ الثّابِتِ، ويَجِدُ أهْلُ القَوْلِ الثّابِتِ ثَمَرَتَهُ أحْوَجَ ما يَكُونُونَ إلَيْهِ في قُبُورِهِمْ ويَوْمَ مَعادِهِمْ، كَما في صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِن حَدِيثِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ «عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في عَذابِ القَبْرِ».
[سُؤالُ القَبْرِ والتَّثْبِيتُ فِيهِ]
وَقَدْ جاءَ هَذا مُبَيَّنًا في أحادِيثَ صِحاحٍ؛ فَمِنها ما في المُسْنَدِ مِن حَدِيثِ داوُد بْنِ أبِي هِنْدَ عَنْ أبِي نَضْرَةَ عَنْ أبِي سَعِيدٍ قالَ: «كُنّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ في جِنازَةٍ، فَقالَ: يا أيُّها النّاسُ إنّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُبْتَلى في قُبُورِها، فَإذا الإنْسانُ دُفِنَ وتَفَرَّقَ عَنْهُ أصْحابُهُ جاءَهُ مَلَكٌ بِيَدِهِ مِطْراقٌ فَأقْعَدَهُ فَقالَ: ما تَقُولُ في هَذا الرَّجُلِ؟ فَإنْ كانَ مُؤْمِنًا قالَ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، فَيَقُولُ لَهُ: صَدَقْت، فَيُفْتَحُ لَهُ بابٌ إلى النّارِ فَيُقالُ لَهُ: هَذا
مَنزِلُك لَوْ كَفَرْت بِرَبِّك، فَأمّا إذْ آمَنت فَإنَّ اللَّهَ أبْدَلَك بِهِ هَذا، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بابٌ إلى الجَنَّةِ، فَيُرِيدُ أنْ يَنْهَضَ لَهُ، فَيُقالُ لَهُ: اسْكُنْ، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ في قَبْرِهِ، وأمّا الكافِرُ والمُنافِقُ فَيُقالُ لَهُ: ما تَقُولُ في هَذا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: لا أدْرِي، فَيُقالُ لَهُ: لا دَرَيْت ولا اهْتَدَيْت، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بابٌ إلى الجَنَّةِ، فَيُقالُ لَهُ: هَذا مَنزِلُك لَوْ آمَنَتْ بِرَبِّك، فَأمّا إذْ كَفَرْت فَإنَّ اللَّهَ أبْدَلَك بِهِ هَذا، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بابٌ إلى النّارِ، ثُمَّ يَقْمَعُهُ المَلَكُ بِالمِطْراقِ قَمْعَةً يَسْمَعُهُ خَلْقُ اللَّهِ كُلُّهم إلّا الثَّقَلَيْنِ، قالَ بَعْضُ أصْحابِهِ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ما مِنّا مِن أحَدٍ يَقُومُ عَلى رَأْسِهِ مَلَكٌ بِيَدِهِ مِطْراقٌ إلّا هُبِلَ عِنْدَ ذَلِكَ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثّابِتِ في الحَياةِ الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ ويُضِلُّ اللَّهُ الظّالِمِينَ ويَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ﴾ [إبراهيم: ٢٧]». وفي المُسْنَدِ نَحْوُهُ مِن حَدِيثِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ.
وَرَوى المِنهالُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زاذانَ عَنْ البَراءِ قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وذَكَرَ قَبْضَ رُوحِ المُؤْمِنِ فَقالَ: يَأْتِيهِ آتِ، يَعْنِي في قَبْرِهِ، فَيَقُولُ: مَن رَبُّك؟ وما دِينُك؟ ومَن نَبِيُّك؟ فَيَقُولُ: رَبِّي اللَّهُ، ودِينِي الإسْلامُ، ونَبِيِّي مُحَمَّدٌ ﷺ، قالَ: فَيَنْتَهِرُهُ فَيَقُولُ: ما رَبُّك؟ وما دِينُك؟ وهي آخَرُ فِتْنَةٍ تَعْرِضُ عَلى المُؤْمِنِ، فَذَلِكَ حَيْثُ يَقُولُ اللَّهُ: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثّابِتِ في الحَياةِ الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ﴾ [إبراهيم: ٢٧]. فَيَقُولُ: رَبِّي اللَّهُ، ودِينِي الإسْلامُ، ونَبِيِّي مُحَمَّدٌ، فَيُقالُ لَهُ: صَدَقْت» وهَذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَقالَ حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أبِي سَلَمَةَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثّابِتِ في الحَياةِ الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ ويُضِلُّ اللَّهُ الظّالِمِينَ﴾ [إبراهيم: ٢٧] قالَ: إذا قِيلَ لَهُ في القَبْرِ: مَن رَبُّك؟ وما دِينُك؟ فَيَقُولُ رَبِّي اللَّهُ، ودِينِي الإسْلامُ، ونَبِيِّي مُحَمَّدٌ، جاءَنا بِالبَيِّناتِ مِن عِنْدِ اللَّهِ فَآمَنت بِهِ وصَدَّقْت، فَيُقالُ لَهُ: صَدَقْت، عَلى هَذا عِشْت، وعَلَيْهِ مِتَّ، وعَلَيْهِ تُبْعَثُ».
وَقالَ الأعْمَشُ عَنْ المِنهالِ بْنِ عَمْرٍو، وعَنْ زاذانَ عَنْ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وذَكَرَ قَبْضَ رُوحِ المُؤْمِنِ، قالَ: فَتَرْجِعُ رُوحُهُ في جَسَدِهِ، ويُبْعَثُ إلَيْهِ مَلَكانِ شَدِيدا الِانْتِهارِ، فَيُجْلِسانِهِ ويَنْتَهِرانِهِ ويَقُولانِ: مَن رَبُّك؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ، وما دِينُك: فَيَقُولُ: الإسْلامُ، فَيَقُولانِ لَهُ: ما هَذا الرَّجُلُ أوْ النَّبِيُّ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَيَقُولانِ لَهُ: وما يُدْرِيَك؟ قالَ: فَيَقُولُ: قَرَأْت كِتابَ اللَّهِ فَآمَنت بِهِ وصَدَّقْت، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَبارَكَ وتَعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثّابِتِ في الحَياةِ الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ﴾ [إبراهيم: ٢٧]».
وَرَواهُ ابْنُ حِبّانَ في صَحِيحِهِ، والإمامُ أحْمَدُ وفي صَحِيحِهِ أيْضًا مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ قالَ: «إنّ المَيِّتَ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعالِهِمْ حِينَ يُوَلُّونَ عَنْهُ مُدْبِرِينَ، فَإذا كانَ مُؤْمِنًا كانَتْ الصَّلاةُ عِنْدَ رَأْسِهِ، والزَّكاةُ عَنْ يَمِينِهِ، وكانَ الصِّيامُ عَنْ يَسارِهِ، وكانَ فِعْلُ الخَيْراتِ مِن الصَّدَقَةِ والصِّلَةِ والمَعْرُوفِ والإحْسانِ إلى النّاسِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، فَيُؤْتى مِن عِنْدِ رَأْسِهِ فَتَقُولُ الصَّلاةُ: ما قَبْلِي مَدْخَلٌ، فَيُؤْتى عَنْ يَمِينِهِ فَتَقُولُ الزَّكاةُ: ما قَبْلِي مَدْخَلٌ، فَيُؤْتى عَنْ يَسارِهِ فَيَقُولُ الصِّيامُ: ما قَبْلِي مَدْخَلٌ، فَيُؤْتى مِن عِنْدِ رِجْلَيْهِ فَيَقُولُ فِعْلُ الخَيْراتِ مِن الصَّدَقَةِ والصِّلَةِ والمَعْرُوفِ والإحْسانِ إلى النّاسِ: ما قَبْلِي مَدْخَلٌ، فَيُقالُ لَهُ: اجْلِسْ، فَيَجْلِسُ قَدْ مُثِّلَتْ لَهُ الشَّمْسُ قَدْ دَنَتْ لِلْغُرُوبِ فَيَقُولُ لَهُ: أخْبِرْنا عَنْ ما نَسْألُك عَنْهُ، فَيَقُولُ: دَعُونِي حَتّى أُصَلِّيَ، فَيُقالُ: إنّك سَتَفْعَلُ، فَأخْبِرْنا عَمّا نَسْألُك، فَيَقُولُ: وعَمَّ تَسْألُونِي؟ فَيُقالُ لَهُ: أرَأيْت هَذا الرَّجُلَ الَّذِي كانَ فِيكُمْ، ماذا تَقُولُ فِيهِ؟ وماذا تَشْهَدُ بِهِ عَلَيْهِ؟ فَيَقُولُ: أمُحَمَّدٌ ﷺ؟ فَيُقالُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: أشْهَدُ أنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وأنَّهُ جاءَ بِالبَيِّناتِ مِن عِنْدِ اللَّهِ فَصَدَّقْناهُ، فَيُقالُ لَهُ: عَلى ذَلِكَ حَيِيت، وعَلى ذَلِكَ مِتَّ، وعَلى ذَلِكَ تُبْعَثُ إنْ شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ في قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِراعًا، ويُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بابٌ إلى الجَنَّةِ، فَيُقالُ لَهُ: انْظُرْ إلى ما أعَدَّ اللَّهُ لَك فِيها، فَيَزْدادُ غِبْطَةً وسُرُورًا، ثُمَّ تُجْعَلُ نِسْمَتُهُ في النَّسَمِ الطَّيِّبِ، وهي طَيْرٌ خُضْرٌ تَعَلَّقَ بِشَجَرِ الجَنَّةِ، ويُعادُ الجَسَدُ إلى ما بَدَأ مِنهُ مِن التُّرابِ. وذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثّابِتِ في الحَياةِ الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ﴾ [إبراهيم: ٢٧]» ولا تَسْتَطِيلُ هَذا الفَصْلَ المُعْتَرِضَ في المُفْتِي والشّاهِدِ والحاكِمِ، بَلْ وكُلُّ مُسْلِمٍ أشَدُّ ضَرُورَةً إلَيْهِ مِن الطَّعامِ والشَّرابِ والنَّفَسِ، وبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
* [فَصْلٌ: المَعاصِي تُضْعِفُ العَبْدَ أمامَ نَفْسِهِ]
وَمِن عُقُوباتِها: أنَّها تَخُونُ العَبْدَ أحْوَجَ ما يَكُونُ إلى نَفْسِهِ، فَإنَّ كُلَّ أحَدٍ يَحْتاجُ إلى مَعْرِفَةِ ما يَنْفَعُهُ وما يَضُرُّهُ في مَعاشِهِ ومَعادِهِ، وأعْلَمُ النّاسِ أعْرَفُهم بِذَلِكَ عَلى التَّفْصِيلِ، وأقْواهم وأكْيَسُهم مَن قَوِيَ عَلى نَفْسِهِ وإرادَتِهِ، فاسْتَعْمَلَها فِيما يَنْفَعُهُ وكَفَّها عَمّا يَضُرُّهُ.
وَفِي ذَلِكَ تَتَفاوَتُ مَعارِفُ النّاسِ وهِمَمُهم ومَنازِلُهُمْ، فَأعْرَفُهم مَن كانَ عارِفًا بِأسْبابِ السَّعادَةِ والشَّقاوَةِ، وأرْشَدُهم مَن آثَرَ هَذِهِ عَلى هَذِهِ، كَما أنَّ أسْفَهَهم مَن عَكَسَ الأمْرَ.
والمَعاصِي تَخُونُ العَبْدَ أحْوَجَ ما كانَ إلى نَفْسِهِ في تَحْصِيلِ هَذا العِلْمِ، وإيثارِ الحَظِّ الأشْرَفِ العالِي الدّائِمِ عَلى الحَظِّ الخَسِيسِ الأدْنى المُنْقَطِعِ، فَتَحْجُبُهُ الذُّنُوبُ عَنْ كَمالِ هَذا العِلْمِ، وعَنْ الِاشْتِغالِ بِما هو أوْلى بِهِ، وأنْفَعُ لَهُ في الدّارَيْنِ.
فَإذا وقَعَ مَكْرُوهٌ واحْتاجَ إلى التَّخَلُّصِ مِنهُ، خانَهُ قَلْبُهُ ونَفْسُهُ وجَوارِحُهُ، وكانَ بِمَنزِلَةِ رَجُلٍ مَعَهُ سَيْفٌ قَدْ غَشِيَهُ الصَّدَأُ ولَزِمَ قِرابَهُ، بِحَيْثُ لا يَنْجَذِبُ مَعَ صاحِبِهِ إذا جَذَبَهُ، فَعَرَضَ لَهُ عَدُوٌّ يُرِيدُ قَتْلَهُ، فَوَضَعَ يَدِهِ عَلى قائِمِ سَيْفِهِ واجْتَهَدَ لِيُخْرِجَهُ، فَلَمْ يَخْرُجْ مَعَهُ، فَدَهَمَهُ العَدُوُّ وظَفِرَ بِهِ.
كَذَلِكَ القَلْبُ يَصْدَأُ بِالذُّنُوبِ ويَصِيرُ مُثْخَنًا بِالمَرَضِ، فَإذا احْتاجَ إلى مُحارَبَةِ العَدُوِّ لَمْ يَجِدْ مَعَهُ مِنهُ شَيْئًا، والعَبْدُ إنَّما يُحارِبُ ويُصاوِلُ ويُقْدِمُ بِقَلْبِهِ، والجَوارِحُ تَبَعٌ لِلْقَلْبِ، فَإذا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ مَلِكِها قُوَّةٌ يَدْفَعُ بِها، فَما الظَّنُّ بِها؟
وَكَذَلِكَ النَّفْسُ فَإنَّها تَخْبُثُ بِالشَّهَواتِ والمَعاصِي وتَضْعُفُ، أعْنِي النَّفْسَ المُطْمَئِنَّةَ، وإنْ كانَتِ الأمّارَةُ تَقْوى وتَتَأسَّدُ، وكُلَّما قَوِيَتْ هَذِهِ ضَعُفَتْ تِلْكَ، فَيَبْقى الحُكْمُ والتَّصَرُّفُ لِلْأمّارَةِ.
وَرُبَّما ماتَتْ نَفْسُهُ المُطْمَئِنَّةُ مَوْتًا لا يُرْتَجى مَعَهُ حَياةٌ يَنْتَفِعُ بِها، بَلْ حَياتُهُ حَياةٌ يُدْرِكُ بِها الألَمَ فَقَطْ.
والمَقْصُودُ أنَّ العَبْدَ إذا وقَعَ في شِدَّةٍ أوْ كُرْبَةٍ أوْ بَلِيَّةٍ خانَهُ قَلْبُهُ ولِسانُهُ وجَوارِحُهُ عَمّا هو أنْفَعُ شَيْءٍ لَهُ، فَلا يَنْجَذِبُ قَلْبُهُ لِلتَّوَكُّلِ عَلى اللَّهِ تَعالى والإنابَةِ إلَيْهِ والجَمْعِيَّةِ عَلَيْهِ والتَّضَرُّعِ والتَّذَلُّلِ والِانْكِسارِ بَيْنَ يَدَيْهِ، ولا يُطاوِعُهُ لِسانُهُ لِذِكْرِهِ، وإنْ ذَكَرَهُ بِلِسانِهِ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ قَلْبِهِ ولِسانِهِ، فَيَنْحَبِسُ القَلْبُ عَلى اللِّسانِ بِحَيْثُ يُؤَثِّرُ الذِّكْرُ، ولا يَنْحَبِسُ القَلْبُ واللِّسانُ عَلى الذِّكْرِ، بَلْ إنْ ذَكَرَ أوْ دَعا ذَكَرَ بِقَلْبٍ لاهٍ ساهٍ غافِلٍ، ولَوْ أرادَ مِن جَوارِحِهِ أنْ تُعِينَهُ بِطاعَةٍ تَدْفَعُ عَنْهُ لَمْ تَنْقَدْ لَهُ ولَمْ تُطاوِعْهُ.
وَهَذا كُلُّهُ أثَرُ الذُّنُوبِ والمَعاصِي كَمَن لَهُ جُنْدٌ يَدْفَعُ عَنْهُ الأعْداءَ، فَأهْمَلَ جُنْدَهُ، وضَيَّعَهُمْ، وأضْعَفَهُمْ، وقَطَعَ أخْبارَهُمْ، ثُمَّ أرادَ مِنهم عِنْدَ هُجُومِ العَدُوِّ عَلَيْهِ أنْ يَسْتَفْرِغُوا وُسْعَهم في الدَّفْعِ عَنْهُ بِغَيْرِ قُوَّةٍ.
هَذا، وثَمَّ أمْرٌ أخْوَفُ مِن ذَلِكَ وأدْهى مِنهُ وأمَرُّ، وهو أنْ يَخُونَهُ قَلْبُهُ ولِسانُهُ عِنْدَ الِاحْتِضارِ والِانْتِقالِ إلى اللَّهِ تَعالى، فَرُبَّما تَعَذَّرَ عَلَيْهِ النُّطْقُ بِالشَّهادَةِ، كَما شاهَدَ النّاسُ كَثِيرًا مِنَ المُحْتَضَرِينَ أصابَهم ذَلِكَ، حَتّى قِيلَ لِبَعْضِهِمْ: قُلْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، فَقالَ: آهْ آهْ، لا أسْتَطِيعُ أنْ أقُولَها.
وَقِيلَ لِآخَرَ: قُلْ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، فَقالَ: شاهْ رُخْ، غَلَبْتُكَ. ثُمَّ قَضى.
وَقِيلَ لِآخَرَ: قُلْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، فَقالَ:
؎يا رُبَّ قائِلَةٍ يَوْمًا وقَدْ تَعِبَتْ ∗∗∗ أيْنَ الطَّرِيقُ إلى حَمّامِ مِنجابِ
ثُمَّ قَضى.
وَقِيلَ لِآخَرَ: قُلْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، فَجَعَلَ يَهْذِي بِالغِناءِ ويَقُولُ: تاتِنا تِنِنْتا. حَتّى قَضى
وَقِيلَ لِآخَرَ ذَلِكَ، فَقالَ: وما يَنْفَعُنِي ما تَقُولُ ولَمْ أدَعْ مَعْصِيَةً إلّا رَكِبْتُها؟ ثُمَّ قَضى ولَمْ يَقُلْها.
وَقِيلَ لِآخَرَ ذَلِكَ، فَقالَ: وما يُغْنِي عَنِّي، وما أعْرِفُ أنِّي صَلَّيْتُ لِلَّهِ صَلاةً؟ ثُمَّ قَضى ولَمْ يَقُلْها.
وَقِيلَ لِآخَرَ ذَلِكَ، فَقالَ: هو كافِرٌ بِما تَقُولُ. وقَضى.
وَقِيلَ لِآخَرَ ذَلِكَ، فَقالَ: كُلَّما أرَدْتُ أنْ أقُولَها لِسانِي يُمْسِكُ عَنْها.
وَأخْبَرَنِي مَن حَضَرَ بَعْضَ الشَّحّاذِينَ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَجَعَلَ يَقُولُ: لِلَّهِ، فِلْسٌ لِلَّهِ. حَتّى قَضى.
وَأخْبَرَنِي بَعْضُ التُّجّارِ عَنْ قَرابَةٍ لَهُ أنَّهُ احْتُضِرَ وهو عِنْدَهُ، وجَعَلُوا يُلَقِّنُونَهُ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، وهو يَقُولُ: هَذِهِ القِطْعَةُ رَخِيصَةٌ، هَذا مُشْتَرٍ جَيِّدٌ، هَذِهِ كَذا. حَتّى قَضى.
وَسُبْحانَ اللَّهِ! كَمْ شاهَدَ النّاسُ مِن هَذا عِبَرًا؟ والَّذِي يَخْفى عَلَيْهِمْ مِن أحْوالِ المُحْتَضِرِينَ أعْظَمُ وأعْظَمُ.
فَإذا كانَ العَبْدُ في حالِ حُضُورِ ذِهْنِهِ وقُوَّتِهِ وكَمالِ إدْراكِهِ قَدْ تَمَكَّنَ مِنهُ الشَّيْطانُ، واسْتَعْمَلَهُ فِيما يُرِيدُهُ مِن مَعاصِي اللَّهِ، وقَدْ أغْفَلَ قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعالى، وعَطَّلَ لِسانَهُ عَنْ ذِكْرِهِ وجَوارِحَهُ عَنْ طاعَتِهِ، فَكَيْفَ الظَّنُّ بِهِ عِنْدَ سُقُوطِ قُواهُ واشْتِغالِ قَلْبِهِ ونَفَسِهِ بِما هو فِيهِ مِن ألَمِ النَّزْعِ؟ وجَمَعَ الشَّيْطانُ لَهُ كُلَّ قُوَّتِهِ وهِمَّتِهِ، وحَشَدَ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ ما يَقْدِرُ عَلَيْهِ لِيَنالَ مِنهُ فُرْصَتَهُ، فَإنَّ ذَلِكَ آخِرُ العَمَلِ، فَأقْوى ما يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْطانُهُ ذَلِكَ الوَقْتِ، وأضْعَفُ ما يَكُونُ هو في تِلْكَ الحالِ، فَمَن تُرى يَسْلَمُ عَلى ذَلِكَ؟ فَهُناكَ ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثّابِتِ في الحَياةِ الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ ويُضِلُّ اللَّهُ الظّالِمِينَ ويَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ﴾ [إبراهيم: ٢٧].
فَكَيْفَ يُوَفَّقُ بِحُسْنِ الخاتِمَةِ مَن أغْفَلَ اللَّهُ سُبْحانَهُ قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِهِ واتَّبَعَ هَواهُ وكانَ أمْرُهُ فُرُطًا. فَبَعِيدٌ مَن قَلْبُهُ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى، غافِلٌ عَنْهُ مُتَعَبِّدٌ لِهَواهُ أسِيرٌ لِشَهَواتِهِ، ولِسانُهُ يابِسٌ مِن ذِكْرِهِ، وجَوارِحُهُ مُعَطَّلَةٌ مِن طاعَتِهِ مُشْتَغِلَةٌ بِمَعْصِيَتِهِ - أنْ يُوَفَّقَ لِلْخاتِمَةِ بِالحُسْنى.
وَلَقَدْ قَطَعَ خَوْفُ الخاتِمَةِ ظُهُورَ المُتَّقِينَ، وكَأنَّ المُسِيئِينَ الظّالِمِينَ قَدْ أخَذُوا تَوْقِيعًا بِالأمانِ ﴿أمْ لَكم أيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إلى يَوْمِ القِيامَةِ إنَّ لَكم لَما تَحْكُمُونَ - سَلْهم أيُّهم بِذَلِكَ زَعِيمٌ﴾ [القلم: ٣٩-٤٠]
كَما قِيلَ:
؎يا آمِنًا مِن قَبِيحِ الفِعْلِ مِنهُ أهَلْ ∗∗∗ أتاكَ تَوْقِيعُ أمْنٍ أنْتَ تَمْلِكُهُ
؎جَمَعْتَ شَيْئَيْنِ أمْنًا واتِّباعَ هَوًى ∗∗∗ هَذا وإحْداهُما في المَرْءِ تُهْلِكُهُ
؎والمُحْسِنُونَ عَلى دَرْبِ المَخاوِفِ قَدْ ∗∗∗ سارُوا وذَلِكَ دَرْبٌ لَسْتَ تَسْلُكُهُ
؎فَرَّطْتَ في الزَّرْعِ وقْتَ البَذْرِ مِن سَفَهٍ ∗∗∗ فَكَيْفَ عِنْدَ حَصادِ النّاسِ تُدْرِكُهُ
؎هَذا وأعْجَبُ شَيْءٍ مِنكَ زُهْدُكَ في ∗∗∗ دارِ البَقاءِ بِعَيْشٍ سَوْفَ تَتْرُكُهُ
؎مَنِ السَّفِيهُ إذًا بِاللَّهِ أنْتَ أمِ ال ∗∗∗ مَغْبُونُ في البَيْعِ غَبْنًا سَوْفَ يُدْرِكُهُ
{"ayah":"یُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَفِی ٱلۡـَٔاخِرَةِۖ وَیُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّـٰلِمِینَۚ وَیَفۡعَلُ ٱللَّهُ مَا یَشَاۤءُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق