الباحث القرآني
الطمأنينة: سكون القلب إلى الشيء، وعدم اضطرابه وقلقه.
ومنه الأثر المعروف «الصدق طمأنينة، والكذب ريبة» أي الصدق يطمئن إليه قلب السامع، ويجد عنده سكونا إليه. والكذب يوجب اضطرابا وارتيابا. ومنه
قوله ﷺ «البر ما اطمأن إليه القلب»
أي سكن إليه وزال عنه اضطرابه وقلقه.
وفي «ذكر الله» هاهنا قولان.
أحدهما: أنه ذكر العبد ربّه، فإنه يطمئن إليه قلبه، ويسكن. فإذا اضطرب القلب وقلق فليس له ما يطمئن به سوى ذكر الله.
ثم اختلف أصحاب هذا القول فيه. فمنهم من قال: هذا في الحلف واليمين، إذا حلف المؤمن على شيء سكنت قلوب المؤمنين إليه، واطمأنت. ويروى هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ومنهم من قال: بل هو ذكر العبد ربه بينه وبينه، يسكن إليه قلبه، ويطمئن.
والقول الثاني: أن ذكر الله هاهنا القرآن، وهو ذكره الذي أنزله على رسوله به طمأنينة قلوب المؤمنين. فإن القلب لا يطمئن إلا بالإيمان واليقين.
ولا سبيل إلى حصول الإيمان واليقين إلا من القرآن.
فإن سكون القلب وطمأنينته من يقينه، واضطرابه وقلقه من شكه. والقرآن هو المحصل لليقين الدافع للشكوك والظنون والأوهام. فلا تطمئن قلوب المؤمنين إلا به. وهذا القول هو المختار.
وكذلك القولان أيضا في قوله تعالى: ﴿وَمَن يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطانًا فَهو لَهُ قَرِينٌ﴾
والصحيح: أنه ذكره الذي أنزله على رسوله، وهو كتابه من أعرض عنه قيض الله له شيطانا يضله ويصده عن السبيل. وهو يحسب أنه على هدي.
وكذلك القولان أيضا في قوله تعالى: ﴿وَمَن أعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا، ونَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيامَةِ أعْمى﴾
والصحيح أنه ذكره الذي أنزله على رسوله وهو كتابه. ولهذا يقول المعرض عنه ﴿رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أعْمى، وقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قالَ كَذلِكَ أتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وكَذلِكَ اليَوْمَ تُنْسى﴾.
وأما تأويل من تأوله على الحلف ففي غاية البعد عن المقصود. فإن ذكر الله بالحلف يجري على لسان الصادق والكاذب والبر والفاجر. والمؤمنون تطمئن قلوبهم إلى الصادق ولو لم يحلف. ولا تطمئن قلوبهم إلى من يرتابون منه ولو حلف.
وجعل الله الطمأنينة في قلوب المؤمنين ونفوسهم. وجعل الغبطة والمدحة والبشارة بدخول الجنة لأهل الطمأنينة. فطوبى لهم وحسن مآب.
* (فائدة)
أخبر - عز وجل - أن قلوب المؤمنين مطمئنة بذكره وهو كتابه الذي هدى به عباده فقال تعالى: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِن رَبِّهِ قُلْ إنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشاءُ ويَهْدِي إلَيْهِ مَن أنابَ (٢٧) الَّذِينَ آمَنُوا وتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهم بِذِكْرِ اللَّهِ ألا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ (٢٨)﴾
أجابهم سبحانه عن سؤالهم ترك إنزال آيات الاقتراح بجوابين:
أحدهما أنها لا توجب إيمانا بل الله هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء لا الآيات التي اقترحتموها.
الثاني أنه نبههم على أعظم الآيات وأشدها اقتضاء للإيمان، وأنها في اقتضائها للإيمان أبلغ من الآيات التي تقترحونها وهي كتابه الذي هو ذكره، وما تضمنه من الحق الذي تطمئن إليه القلوب وتسكن إليه النفوس، ولو كان باطلا لم يزد القلوب إلا شكا وريبا، فإن الكذب ريبة والصدق طمأنينة، فلو كانت كلماته وألفاظه لا تفيد اليقين بمدلولها لم تطمئن به القلوب، فإن الطمأنينة هي سكون القلب إلى الشيء ووثوقه به، وهذا لا يكون إلا مع اليقين بل هو اليقين بعينه.
* (فصل)
الطمأنينة إلى اللّه سبحانه حقيقة ترد منه سبحانه على قلب عبده تجمعه عليه، وترد قلبه الشارد إليه حتى كأنه جالس بين يديه؟ يسمع به ويبصر به ويتحرك به ويبطش به، فتسري تلك الطمأنينة في نفسه وقلبه ومفاصله وقواه الظاهرة والباطنة تجذب روحه إلى اللّه ويلين جلده وقلبه ومفاصله إلى خدمته والتقرب إليه ولا يمكن حصول الطمأنينة الحقيقة إلا باللّه وبذكره وهو كلامه الذي أنزله على رسوله كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهم بِذِكْرِ اللَّهِ ألا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾.
فإن طمأنينة القلب سكونه واستقراره بزوال القلق والانزعاج عنه، وهذا لا يتأتى بشي ء سوى اللّه تعالى وذكره البتة، وأما ما عداه فالطمأنينة إليه وبه غرور والثقة به عجز قضى اللّه سبحانه وتعالى قضاء لا مرد له أن من اطمأن إلى شي ء سواه أتاه القلق والانزعاج والاضطراب من جهته كائنا من كان، بل لو اطمأن إلى سواه أغراضها بسهام البلاء ليعلم عباده وأولياؤه أن المتعلق بغيره مقطوع، والمطمئن إلى سواه عن مصالحه ومقاصده مصدود وممنوع.
و حقيقة الطمأنينة التي تصير بها النفس مطمئنة أن تطمئن في باب معرفة أسمائه وصفاته ونعوت كماله إلى خبره الذي أخبر به عن نفسه وأخبرت به عنه رسله فتتلقاه بالقبول. والتسليم، والإذعان، وانشراح الصدر له؛ وفرح القلب به.
فإنه معرف من معرفات الرب سبحانه إلى عبده على لسان رسوله، فلا يزال القلب في أعظم القلق والاضطراب في هذا الباب حتى يخالط الإيمان بأسماء الرب تعالى وصفاته وتوحيده وعلوه على عرشه، وتكلمه بالوحي بشاشة قلبه، فينزل عليه نزول الماء الزلال على القلب الملتهب بالعطش، فيطمئن إليه، ويسكن إليه، ويفرح به، ويلين له قلبه ومفاضله حتى كأنه شاهد الأمر كما أخبرت به الرسل، بل يصير ذلك لقلبه بمنزلة رؤية الشمس في الظهيرة أمينة فلو خالفه في ذلك من بين شرق الأرض وغربها لم يلتفت إلى خلافهم.
وقال: إذا استوحش من الغربة قد كان الصديق الأكبر مطمئنا بالإيمان وحده، وجميع أهل الأرض يخالفه وما نقص ذلك من طمأنينته شيء.
فهذا أول درجات الطمأنينة ثم لا يزال يقوى كلما سمع بآية متضمنة لصفة من صفات ربه.
وهذا أمر لا نهاية له فهذه الطمأنينة أصل أصول الإيمان التي عليه بناؤه ثم يطمئن إلى خبره عما بعد الموت من أمور البرزخ وما بعدها من أحوال القيامة حتى كأنه يشاهد ذلك كله عيانا وهذا حقيقة اليقين الذي وصف به سبحانه وتعالى أهل الإيمان حيث قال: ﴿وبِالآخِرَةِ هم يُوقِنُونَ﴾ فلا يحصل الإيمان بالآخرة حتى يطمئن القلب إلى ما أخبر اللّه سبحانه به عنها طمأنينة إلى الأمور التي لا يشك فيها ولا يرتاب.
فهذا هو المؤمن حقا باليوم الآخر كما في حديث حارثة أصبحت مؤمنا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: إن لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك؟ قال «عرفت نفسي عن الدنيا وأهلها وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا، وإلى أهل الجنة يتزاورون فيها وأهل النار يعذبون فيها» فقال: عبد نور اللّه قلبه.
* [فصل: الطمأنينة]
والطمأنينة إلى صفات الرب تعالى وصفاته نوعان: طمأنينة إلى الإيمان بها وإثباتها واعتقادها.
وطمأنينة إلى ما تقتضيه وتوجيه من آثار المعبودية.
مثاله الطمأنينة إلى القدر وإثباته والإيمان به يقتضي الطمأنينة إلى مواضع الأقدار التي لم يؤمر العبد بدفعها ولا قدرة له على دفعها فيسلم لها ويرضى بها ولا يسخط ولا يشكو ولا يضطرب إيمانه فلا ييأس على ما فاته ولا يفرح بما أتاه لأن المصيبة فيه مقدرة قبل أن تصل إليه وقبل أن يخلق كما قال تعالى: ﴿ما أصابَ مِن مُصِيبَةٍ في الأرْضِ ولا في أنْفُسِكم إلّا في كِتابٍ مِن قَبْلِ أنْ نَبْرَأها إنَّ ذلِكَ عَلى اللَّهِ يَسِيرٌ. لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكم ولا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ﴾
وقال تعالى: ﴿ما أصابَ مِن مُصِيبَةٍ إلّا بِإذْنِ اللَّهِ ومَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾
قال غير واحد من السلف هو العبد تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند اللّه فيرضى ويسلم، فهذه طمأنينة إلى أحكام الصفات وموجباتها وآثارها في العالم وهي قدر زائد على الطمأنينة بمجرد العلم بها واعتقادها. وكذلك سائر الصفات وآثارها ومتعلقاتها كالسمع والبصر والعلم والرضا والغضب والمحبة فهذه طمأنينة للإيمان.
وأما طمأنينة الإحسان فهي الطمأنينة إلى أمره امتثالا وإخلاصا ونصحا فلا يقدم على أمره إرادة ولا هوى ولا تقليدا فلا يساكن شبهة تعارض خبره ولا شهوة تعارض أمره بل إذا مرت به أنزلها منزلة الوساوس التي لأن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يجدها، فهذا كما قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم صريح الإيمان، وعلامة هذه الطمأنينة أن يطمئن من قلق المعصية وانزعاجها إلى سكون التوبة وحلاوتها وفرحتها ويسهل عليه ذلك بأن يعلم أن اللذة والحلاوة والفرحة في الظفر بالتوبة. وهذا أمر لا يعرفه إلا من ذاق الأمرين وباشر قلبه آثارهما فالتوبة طمأنينة تقابل ما في المعصية من الانزعاج والقلق ولو فتش العاصي عن قلبه لوجد حشوه المخاوف والانزعاج والقلق والاضطراب وإنما يواري عنه شهود ذلك سكر الغفلة والشهوة فإن لكل شهوة سكرا يزيد على سكر الخمر وكذلك الغضب له سكرا أعظم من سكر الشراب.
ولهذا ترى العاشق والغضبان يفعل ما لا يفعله شارب الخمر.
وكذلك يطمئن من قلق الغفلة والإعراض إلى سكون الإقبال على اللّه حلاوة ذكره وتعلق الروح بحبه ومعرفته فلا طمأنينة للروح بدون هذا أبدا ولو أنصفت نفسها لرأتها إذا فقدت ذلك في غاية الانزعاج والقلق والاضطراب ولكن يواريها السكر فإذا كشف الغطاء تبين له حقيقة ما كان فيه.
وهاهنا سر لطيف يجب التنبيه عليه، والتنبيه له والتوفيق له بيد من أزمة التوفيق بيده وهو أن اللّه سبحانه جعل لكل عضو من أعضاء الإنسان كمالا إن لم يحصل له فهو في قلق واضطراب وانزعاج بسبب فقد كماله الذي جعل له مثالا كمال العين بالإبصار، وكمال الأذن بالسمع، وكمال اللسان بالنطق، فإذا عدمت هذه الأعضاء القوى التي بها كمالها حصل الألم والنقص بحسب فوات ذلك، وجعل كمال القلب ونعيمه وسروره ولذته وابتهاجه في معرفته سبحانه وإراداته ومحبته والإنابة إليه والإقبال عليه والشوق إليه والأنس به.
فإذا عدم القلب ذلك كان أشد عذابا واضطرابا من العين التي فقدت النور الباصر ومن اللسان الذي فقد قوة الكلام والذوق، ولا سبيل له إلى الطمأنينة بوجه من الوجوه ولو نال من الدنيا وأسبابها.
و من العلوم ما نال إلا بأن يكون اللّه وحده هو محبوبه وإلهه ومعبوده وغاية مطلوبه وأن يكون هو وحده مستعانه على تحصيل ذلك، فحقيقة الأمر أنه لا طمأنينة له بدون التحقق بإياك نعبد وإياك نستعين، وأقوال المفسرين في الطمأنينة ترجع إلى ذلك.
قال ابن عباس رضي اللّه عنهما المطمئنة المصدقة، وقال قتادة هو المؤمن اطمأنت نفسه إلى ما وعد اللّه، وقال الحسن المصدقة بما قال اللّه تعالى.
وقال مجاهد: هي النفس التي أيقنت بأن اللّه ربها المسلمة لأمر فيما هو فاعل بها.
وروى منصور عنه، قال: النفس التي أيقنت أنه ربها وضربت جأشا لأمره وطاعته، وقال ابن نجيح عنه: النفس المطمئنة المخبتة إلى اللّه.
وقال أيضا هي التي أيقنت بلقاء اللّه فكلام السلف في المطمئنة يدور على هذين الأصلين طمأنينة الإرادة والعمل.
فإذا اطمأنت من الشك إلى اليقين، ومن الجهل إلى العلم، ومن الغفلة إلى الذكر، ومن الخيانة إلى التوبة، ومن الرثاء إلى الخلاص، ومن الكذب إلى الصدق، ومن العجز إلى الكيس، ومن صولة العجب إلى ذلة الإخبات، ومن التيه إلى التواضع، ومن الفتور إلى العمل، فقد باشرت روح الطمأنينة وأصل ذلك كله ومنشؤه من اليقظة فهي أول مفاتيح الخير فإن الغافل عن الاستعداد للقاء ربه والتزود لمعاده بمنزلة النائم بل أسوأ حالا منه.
فإن العاقل يعلم وعد اللّه ووعيده وما تتقاضاه أوامر الرب تعالى ونواهيه وأحكامه من الحقوق لكن يحجبه عن حقيقة الإدراك ويقعده عن الاستدراك سنّة القلب وهي غفلته التي رقد فيها فطال رقوده، وركد وأخلد إلى نوازع الشهوات فاشتد إخلاده وركوده، وانغمس في غمار الشهوات، واستولت عليه العادات ومخالطة أهل البطالات، ورضي بالتشبه أهل إضاعة الأوقات، فهو في رقاده مع النائمين، وفي سكرته مع المخمورين، فمتى انكشف عن قلبه سنة هذه الغفلة بزجرة من زواجر الحق في قلبه استجاب فيها لواعظ اللّه في قلب عبده المؤمن، أو همة عليه أثارها معول الفكرة في المحل القابل فضرب بمعول فكره وكبر تكبيرة أضاءت له منها قصور الجنة فقال:
؎ألا يا نفس ويحك ساعديني ∗∗∗ بسعي منك في ظلم الليالي
؎لعلك في القيامة أن تفوزي ∗∗∗ بطيب العيش في تلك العلالي
فأثارت تلك الفكرة نورا رأى في ضوئه ما خلق له وما سيلقاه بين يديه من حين الموت إلى دخول دار القرار، ورأى سرعة انقضاء الدنيا وعلم وفائها لبنيها وقتلها لعشاقها وفعلها بهم أنواع المثلات فنهض في ذلك الضوء على ساق عزمه قائلا: يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ في جَنْبِ اللَّهِ فاستقبل بقية عمره التي لا قيمة لها مستدركا بها ما فات، محييا بها ما أمات، مستقبلا ما تقدم له من العثرات، منتهزا فرصة الإمكان التي إن فاتت فاته جميع الخيرات.
ثم يلحظ في نور تلك اليقظة وفود نعمة ربه عليه من حين استقر في الرحم إلى وقته وهو ينقلب فيها ظاهرا وباطنا ليلا ونهارا ويقظة ومناما سرا وعلانية فلو اجتهد في إحصاء أنواعها لما قدر، ويكفي أن أدناها نعمة النفس، وللّه عليه في كل يوم أربعة وعشرون ألف نعمة فما ظنك بغيرها.
ثم يرى في ضوء ذلك النور أنه آيس من حصرها وإحصائها عاجز عن أداء حقها وإن المنعم بها أن طالبه بحقوقها استوعب جميع أعماله حق نعمة منها فيتيقن حينئذ أنه لا مطمع له في النجاة إلا بعفو اللّه ورحمته وفضله.
ثم يرى في ضوء تلك اليقظة أنه لو عمل أعمال الثقلين من البر لاحتقرها بالنسبة إلى جنب عظمة الرب تعالى وما يستحقه بجلال وجهه وعظيم سلطانه.
هذا لو كانت أعماله منه فكيف وهي مجرد فضل اللّه ومنته وإحسانه حيث يسرها له وأعانه عليها وهيأه لها وشاءها منه وكونها، ولو لم يفعل ذلك لم يكن له سبيل إليها، فحينئذ لا يرى أعماله منه، وأن اللّه سبحانه لن يقبل عملا يراه صاحبه من نفسه حتى يرى عين توفيق اللّه وفضله عليه ومنته وأنه من اللّه لا من نفسه وأنه ليس له من نفسه إلا الشر وأسبابه، وما به من نعمة فمن اللّه وحده، صدقة تصدق لها عليه، وفضلا منه ساقه إليه من غير أن يستحقه بسبب ويستأهله بوسيلة، فيرى ربه ووليه ومعبوده أهلا لكل خير ويرى نفسه أهلا لكل شر، وهذا أساس جميع الأعمال الصالحة والظاهرة والباطنة وهو الذي يرفعها ويجعلها في ديوان أصحاب اليمين.
ثم تبرق له في نور تلك اليقظة بارقة أخرى يرى في ضوئها عيوب نفسه وآفات عمله وما تقدم له من الجنايات والإساءات وهتك الحرمات والتقاعد عن كثير من الحقوق والواجبات، فإذا انضم ذلك إلى شهود نعم اللّه عليه وأياديه رأى أن حق المنعم عليه في نعمه وأوامره لم يبق له حسنة واحدة يرفع بها رأسه فيطمئن قلبه وانكسرت نفسه وخشعت جوارحه وسار إلى اللّه ناكس الرأس بين مشاهدة نعمه ومطالعة جناياته وعيوب نفسه وآفات عمله قائلا أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فلا يرى لنفسه حسنة ولا يراها أهلا لخير فيوجب له أمرين عظيمين.
أحدهما: استكثار ما منّ اللّه عليه.
والثاني: استقلال ما منّه من الطاعة كائنة ما كانت. ثم تبرق له بارقة أخرى يرى في ضوئها عزه وشرفه وأنه رأس مال سعادته فيبخل به أن يضيعه فيما يقربه إلى ربه فإن في إضاعته الخسران والحسرة والندامة وفي حفظه وعمارته الريح والسعادة فيشح بأنفاسه أن يضيعها فيما لا ينفعه يوم معاده.
ثم يلحظ في ضوء تلك البارقة ما تقتضيه يقظته من سنة غفلته من التوبة والمحاسبة والمراقبة والغيرة لربه أن يؤثر عليه غيره وعلى حظه من رضاه وقربه وكرامته بيعه بثمن بخس في دار سريعة الزوال وعلى نفسه أن يملك رقها لمعشوق
أو فكر في منتهى حسنه ورأى آخره بعين بصيرة لأنف لها من محبته.
فهذا كله من آثار اليقظة وموجباتها وهي أول منازل النفس المطمئنة التي نشأ منها سفرها إلى اللّه والدار الآخرة.
* [فصل: أنواع القلوب]
وإنما يقوى العبد على حضوره في الصلاة واشتغاله فيها بربه عز وجل إذا قهر شهوته وهواه، وإلا فقلب قد قهرته الشهوة وأسره الهوى ووجد الشيطان فيه مقعدًا تمكن فيه كيف يخلص من الوساوس والأفكار؟
والقلوب ثلاثة: قلب خال من الإيمان وجميع الخير، فذلك قلب مظلم قد استراح الشيطان من إلقاء الوساوس إليه لأنه قد اتخذ بيتًا ووطنًا وتحكم فيه بما يريد وتمكن منه غاية التمكن.
القلب الثاني: قلب قد استنار بنور الإيمان وأوقد فيه مصباحه لكن عليه ظلمة الشهوات وعواصف الأهوية، فللشيطان هنالك إقبال وإدبار ومجالات ومطامع، فالحرب دول وسجال.
وتختلف أحوال هذا الصنف بالقلة والكثرة، فمنهم من أوقات غلبته لعدوه أكثر، ومنهم من أوقات غلبة عدوه له أكثر.
ومنهم من هو تارة وتارة.
(القلب الثالث) قلب محشو بالإيمان قد استنار بنور الإيمان، وانقشعت عنه حجب الشهوات، وأقلعت عنه تلك الظلمات، فلنوره في صدره إشراق، ولذلك الإشراق إيقاد لو دنا منه الوسواس احترق به، فهو كالسماء التي حرست بالنجوم فلو دنا منها الشيطان يتخطاها رجم فاحترق.
وليست السماء بأعظم حرمة من المؤمن، وحراسة الله تعالى له أتم من حراسة السماء، والسماء متعبد الملائكة ومستقر الوحي وفيها أنوار الطاعات، وقلب المؤمن مستقر التوحيد والمحبة والمعرفة والإيمان وفيه أنوارها، فهو حقيق أن يحرس ويحفظ من كيد العدو فلا ينال منه شيئًا إلا خطفه.
وقد مثل ذلك بمثال حسن وهو ثلاثة بيوت: بيت للملك فيه كنوزه وذخائره وجواهره.
وبيت للعبد فيه كنوز العبد وذخائره، وليس جواهر الملك وذخائره.
وبيت خال صفر لا شيء فيه.
فجاء اللص يسرق من أحد البيوت فمن أيها يسرق؟ فإن قلت من البيت الخالي كان محالًا لأن البيت الخالي ليس فيه شيء يسرق، ولهذا قيل لابن عباس رضي الله عنهما: إن اليهود تزعم أنها لا توسوس في صلاتها، فقال: وما يصنع الشيطان بالقلب الخراب؟ وإن قلت: يسرق من بيت الملك كان ذلك كالمستحيل الممتنع، فإن عليه من الحرس واليزك وما لا يستطيع اللص الدنو منه، كيف وحارسه الملك بنفسه؟ وكيف يستطيع اللص الدنو منه وحوله من الحرس والجند ما حوله؟ فلم يبق للص إلا البيت الثالث فهو الذي يشن عليه الغارات.
فليتأمل اللبيب هذا المثال حق التأمل ولينزله على القلوب فإنها على منواله.
فقلب خلا من الخير كله وهو قلب الكافر والمنافق فذلك بيت الشيطان قد أحرزه لنفسه واستوطنه واتخذه سكنًا ومستقرًا، فأي شيء يسرق منه وفيه خزائنه وذخائره وشكوكه وخيالاته ووساوسه.
وقلب قد امتلأ من جلال الله عز وجل وعظمته ومحبته ومراقبته والحياء منه، فأي شيطان يجترئ على هذا القلب؟ وإن أراد سرقة شيء منه فماذا يسرق، وغايته أن يظفر في الأحايين منه بخطفة ونهب يحصل له على غرة من العبد وغفلة لا بد له، إذ هو بشر وأحكام البشرية جارية عليه من الغفلة والسهو والذهول وغلبة الطبع.
وقد ذكر عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى أنه قال: وفي بعض الكتب الإلهي لست أسكن البيوت ولا تسعني، وأي شيء يسعني والسماوات حشو كرسي؟ ولكن أنا في قلب الوداع التارك لكل شيء سواي وهذا معنى الأثر الآخر ما وسعتني سماواتي ولا أرضي، ووسعني قلب عبدي المؤمن.
وقلب فيه توحيد الله تعالى ومعرفته ومحبته والإيمان به والتصديق بوعده ووعيده، وفيه شهوات النفس وأخلاقها ودواعي الهوى والطبع.
وقلب بين هذين الداعيين: فمرة يميل بقلبه داعي الإيمان والمعرفة والمحبة لله تعالى وإرادته وحده، ومرة يميل بقلبه داعي الشيطان والهوى والطباع.
فهذا القلب للشيطان فيه مطمع، وله منه منازلات ووقائع، ويعطي الله النصر من يشاء ﴿وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم﴾ وهذا لا يتمكن الشيطان منه إلا بما عنده من سلاحه، فيدخل إليه الشيطان فيجد سلاحه عنده فيأخذه ويقاتله، فإن أسلحته هي الشهوات والشبهات والخيالات والأماني الكاذبة، وهي في القلب، فيدخل الشيطان فيجدها عتيدة فيأخذها ويصول بها على القلب.
فإن كان عند العبد عدة عتيدة من الإيمان تقاوم تلك العدة وتزيد عليها انتصف من الشيطان، وإلا فالدولة لعدوه عليه ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فإذا أذن العبد لعدوه وفتح له باب بيته وأدخله عليه ومكنه من السلاح يقاتله به فهو الملوم.
؎فنفسك لم ولا تلم المطايا ∗∗∗ ومت كمدًا فليس لك اعتذار
* [فَصْلٌ مَنزِلَةُ الطُّمَأْنِينَةِ]
وَمِن مَنازِلِ ﴿إيّاكَ نَعْبُدُ وإيّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: ٥] مَنزِلَةُ الطُّمَأْنِينَةِ
قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهم بِذِكْرِ اللَّهِ ألا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾ [الرعد: ٢٨]. وقالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ياأيَّتُها النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فادْخُلِي في عِبادِي وادْخُلِي جَنَّتِي﴾ [الفجر: ٢٧].
الطُّمَأْنِينَةُ سُكُونُ القَلْبِ إلى الشَّيْءِ. وعَدَمُ اضْطِرابِهِ وقَلَقِهِ. ومِنهُ الأثَرُ المَعْرُوفُ «الصِّدْقُ طُمَأْنِينَةٌ، والكَذِبُ رِيبَةٌ» أيِ الصِّدْقُ يَطْمَئِنُّ إلَيْهِ قَلْبُ السّامِعِ. ويَجِدُ عِنْدَهُ سُكُونًا إلَيْهِ. والكَذِبُ يُوجِبُ لَهُ اضْطِرابًا وارْتِيابًا. ومِنهُ قَوْلُهُ: ﷺ: «البِرُّ ما اطْمَأنَّ إلَيْهِ القَلْبُ» أيْ سَكَنَ إلَيْهِ وزالَ عَنْهُ اضْطِرابُهُ وقَلَقُهُ.
وَفِي ذِكْرِ اللَّهِ هاهُنا قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ ذِكْرُ العَبْدِ رَبَّهُ. فَإنَّهُ يَطْمَئِنُّ إلَيْهِ قَلْبُهُ ويَسْكُنُ. فَإذا اضْطَرَبَ القَلْبُ وقَلِقَ فَلَيْسَ لَهُ ما يَطْمَئِنُّ بِهِ سِوى ذِكْرِ اللَّهِ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ أصْحابُ هَذا القَوْلِ فِيهِ.
فَمِنهم مَن قالَ: هَذا في الحَلِفِ واليَمِينِ. إذا حَلَفَ المُؤْمِنُ عَلى شَيْءٍ سَكَنَتْ قُلُوبُ المُؤْمِنِينَ إلَيْهِ واطْمَأنَّتْ، ويُرْوى هَذا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما.
وَمِنهم مَن قالَ: بَلْ هو ذِكْرُ العَبْدِ رَبَّهُ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ، يَسْكُنُ إلَيْهِ قَلْبُهُ ويَطْمَئِنُّ.
والقَوْلُ الثّانِي: أنَّ ذِكْرَ اللَّهِ هاهُنا القُرْآنُ. وهو ذِكْرُهُ الَّذِي أنْزَلَهُ عَلى رَسُولِهِ. بِهِ طُمَأْنِينَةُ قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ. فَإنَّ القَلْبَ لا يَطْمَئِنُّ إلّا بِالإيمانِ واليَقِينِ. ولا سَبِيلَ إلى حُصُولِ الإيمانِ واليَقِينِ إلّا مِنَ القُرْآنِ. فَإنَّ سُكُونَ القَلْبِ وطُمَأْنِينَتَهُ مِن يَقِينِهِ. واضْطِرابَهُ وقَلَقَهُ مِن شَكِّهِ. والقُرْآنُ هو المُحَصِّلُ لِلْيَقِينِ، الدّافِعُ لِلشُّكُوكِ والظُّنُونِ والأوْهامِ، فَلا تَطْمَئِنُّ قُلُوبُ المُؤْمِنِينَ إلّا بِهِ. وهَذا القَوْلُ هو المُخْتارُ.
وَكَذَلِكَ القَوْلانِ أيْضًا في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَمَن يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطانًا فَهو لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف: ٣٦].
والصَّحِيحُ: أنَّ ذِكْرَهُ الَّذِي أنْزَلَهُ عَلى رَسُولِهِ - وهو كِتابُهُ - مَن أعْرَضَ عَنْهُ: قَيَّضَ لَهُ شَيْطانًا يُضِلُّهُ ويَصُدُّهُ عَنِ السَّبِيلِ. وهو يَحْسَبُ أنَّهُ عَلى هُدًى.
وَكَذَلِكَ القَوْلانِ أيْضًا في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَمَن أعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ونَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيامَةِ أعْمى﴾ [طه: ١٢٤].
والصَّحِيحُ: أنَّهُ ذِكْرُهُ الَّذِي أنْزَلَهُ عَلى رَسُولِهِ - وهو كِتابُهُ - ولِهَذا يَقُولُ المُعْرِضُ عَنْهُ: ﴿رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أعْمى وقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قالَ كَذَلِكَ أتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنْسى﴾ [طه: ١٢٥].
وَأمّا تَأْوِيلُ مَن تَأوَّلَهُ عَلى الحَلِفِ: فَفي غايَةِ البُعْدِ عَنِ المَقْصُودِ. فَإنَّ ذِكْرَ اللَّهِ
بِالحَلِفِ يَجْرِي عَلى لِسانِ الصّادِقِ والكاذِبِ، والبَرِّ والفاجِرِ، والمُؤْمِنُونَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهم إلى الصّادِقِ ولَوْ لَمْ يَحْلِفْ. ولا تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهم إلى مَن يَرْتابُونَ فِيهِ ولَوْ حَلَفَ.
وَجَعَلَ اللَّهُ سُبْحانَهُ الطُّمَأْنِينَةَ في قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ ونُفُوسِهِمْ، وجَعَلَ الغِبْطَةَ والمِدْحَةَ والبِشارَةَ بِدُخُولِ الجَنَّةِ لِأهْلِ الطُّمَأْنِينَةِ. فَطُوبى لَهم وحُسْنُ مَآبٍ.
وَفِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ياأيَّتُها النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إلى رَبِّكِ﴾ [الفجر: ٢٧] دَلِيلٌ عَلى أنَّها لا تَرْجِعُ إلَيْهِ إلّا إذا كانَتْ مُطْمَئِنَّةً. فَهُناكَ تَرْجِعُ إلَيْهِ. وتَدْخُلُ في عِبادِهِ. وتَدْخُلُ جَنَّتَهُ.
وَكانَ مِن دُعاءِ بَعْضِ السَّلَفِ اللَّهُمَّ هَبْ لِي نَفْسًا مُطْمَئِنَّةً إلَيْكَ.
* [فَصْلٌ دَرَجاتُ الطُّمَأْنِينَةِ]
[الدَّرَجَةُ الأُولى طُمَأْنِينَةُ القَلْبِ بِذِكْرِ اللَّهِ]
قالَ: وهو عَلى ثَلاثِ دَرَجاتٍ. الدَّرَجَةُ الأُولى: طُمَأْنِينَةُ القَلْبِ بِذِكْرِ اللَّهِ. وهي طُمَأْنِينَةُ الخائِفِ إلى الرَّجاءِ، والضَّجِرِ إلى الحُكْمِ، والمُبْتَلى إلى المَثُوبَةِ.
قَدْ تَقَدَّمَ أنَّ الطُّمَأْنِينَةَ بِذِكْرِ اللَّهِ بِكَلامِهِ وكِتابِهِ، ولا رَيْبَ أنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ في هَذِهِ الدَّرَجَةِ: هو مِن جُمْلَةِ الطُّمَأْنِينَةِ بِذِكْرِهِ. وهي أهَمُّ مِن ذَلِكَ. فَذَكَرَ طُمَأْنِينَةَ الخائِفِ إلى الرَّجاءِ، فَإنَّ الخائِفَ إذا طالَ عَلَيْهِ الخَوْفُ واشْتَدَّ بِهِ. وأرادَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ أنْ يُرِيحَهُ، ويَحْمِلَ عَنْهُ: أنْزَلَ عَلَيْهِ السَّكِينَةَ، فاسْتَراحَ قَلْبُهُ إلى الرَّجاءِ واطْمَأنَّ بِهِ. وسَكَنَ لَهِيبُ خَوْفِهِ.
وَأمّا طُمَأْنِينَةُ الضَّجِرِ إلى الحُكْمِ:
فالمُرادُ بِها: أنَّ مَن أدْرَكَهُ الضَّجَرُ مِن قُوَّةِ التَّكالِيفِ، وأعْباءِ الأمْرِ وأثْقالِهِ - ولا سِيَّما مَن أُقِيمَ مُقامَ التَّبْلِيغِ عَنِ اللَّهِ، ومُجاهَدَةِ أعْداءِ اللَّهِ، وقُطّاعِ الطَّرِيقِ إلَيْهِ - فَإنَّ ما يَحْمِلُهُ ويَتَحَمَّلُهُ فَوْقَ ما يَحْمِلُهُ النّاسُ ويَتَحَمَّلُونَهُ. فَلا بُدَّ أنْ يُدْرِكَهُ الضَّجَرُ، ويَضْعُفَ صَبْرُهُ. فَإذا أرادَ اللَّهُ أنْ يُرِيحَهُ ويَحْمِلَ عَنْهُ: أنْزَلَ عَلَيْهِ سَكِينَتَهُ. فاطْمَأنَّ إلى حُكْمِهِ الدِّينِيِّ، وحُكْمِهِ القَدَرِيِّ. ولا طَمَأْنِينَةَ لَهُ بِدُونِ مُشاهَدَةِ الحُكْمَيْنِ. وبِحَسَبِ مُشاهَدَتِهِ لَهُما تَكُونُ طُمَأْنِينَتُهُ. فَإنَّهُ إذا اطْمَأنَّ إلى حُكْمِهِ الدِّينِيِّ عَلِمَ أنَّهُ دِينُهُ الحَقُّ، وهو صِراطُهُ المُسْتَقِيمُ، وهو ناصِرُهُ وناصِرُ أهْلِهِ وكافِيهِمْ ووَلِيُّهم.
وَإذا اطْمَأنَّ إلى حُكْمِهِ الكَوْنِيِّ: عَلِمَ أنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إلّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، وأنَّهُ ما يَشاءُ كانَ وما لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ. فَلا وجْهَ لِلْجَزَعِ والقَلَقِ إلّا ضَعْفُ اليَقِينِ والإيمانِ. فَإنَّ المَحْذُورَ والمَخُوفَ: إنْ لَمْ يُقَدَّرْ فَلا سَبِيلَ إلى وُقُوعِهِ، وإنْ قُدِّرَ فَلا سَبِيلَ إلى صَرْفِهِ بَعْدَ أنْ أُبْرِمَ تَقْدِيرُهُ. فَلا جَزَعَ حِينَئِذٍ لا مِمّا قُدِّرَ ولا مِمّا لَمْ يُقَدَّرْ.
نَعَمْ إنْ كانَ لَهُ في هَذِهِ النّازِلَةِ حِيلَةٌ. فَلا يَنْبَغِي أنْ يَضْجَرَ عَنْها، وإنْ لَمْ يَكُنْ فِيها حِيلَةٌ، فَلا يَنْبَغِي أنْ يَضْجَرَ مِنها. فَهَذِهِ طُمَأْنِينَةُ الضَّجِرِ إلى الحُكْمِ. وفي مِثْلِ هَذا قالَ القائِلُ:
؎ما قَدْ قُضى يا نَفْسُ فاصْطَبِرِي لَهُ ∗∗∗ ولَكِ الأمانُ مِنَ الَّذِي لَمْ يُقْدَرِ
؎وَتَحَقَّقِي أنَّ المُقَدَّرَ كائِنٌ ∗∗∗ يَجْرِي عَلَيْكِ حَذَرْتِ أمْ لَمْ تَحْذَرِي
وَأمّا طُمَأْنِينَةُ المُبْتَلى إلى المَثُوبَةِ
فَلا رَيْبَ أنَّ المُبْتَلى إذا قَوِيَتْ مُشاهَدَتُهُ لِلْمَثُوبَةِ سَكَنَ قَلْبُهُ واطْمَأنَّ بِمُشاهَدَةِ العِوَضِ. وإنَّما يَشْتَدُّ بِهِ البَلاءُ إذا غابَ عَنْهُ مُلاحَظَةُ الثَّوابِ. وقَدْ تَقْوى مُلاحَظَةُ العِوَضِ حَتّى يَسْتَلِذَّ بِالبَلاءِ ويَراهُ نِعْمَةً، ولا تَسْتَبْعِدْ هَذا. فَكَثِيرٌ مِنَ العُقَلاءِ إذا تَحَقَّقَ نَفْعَ الدَّواءِ الكَرِيهِ فَإنَّهُ يَكادُ يَلْتَذُّ بِهِ. ومُلاحَظَتُهُ لِنَفْعِهِ تُغَيِّبُهُ عَنْ تَألُّمِهِ بِمَذاقِهِ أوْ تُخَفِّفِهِ عَنْهُ. والعَمَلُ المُعَوَّلُ عَلَيْهِ: إنَّما هو عَلى البَصائِرِ. واللَّهُ أعْلَمُ.
* [فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثّانِيَةُ طُمَأْنِينَةُ الرُّوحِ في القَصْدِ إلى الكَشْفِ]
وَفِي الشَّوْقِ إلى العِدَةِ. وفي التَّفْرِقَةِ إلى الجَمْعِ.
طُمَأْنِينَةُ الرُّوحِ أنْ تَطْمَئِنَّ في حالِ قَصْدِها. ولا تَلْتَفِتَ إلى ما وراءَها.
والمُرادُ بِالكَشْفِ: كَشَفُ الحَقِيقَةِ، لا الكَشْفُ الجُزْئِيُّ السُّفْلِيُّ. وهو ثَلاثُ دَرَجاتٍ.
كَشْفٌ عَنِ الطَّرِيقِ المُوصِّلِ إلى المَطْلُوبِ. وهو الكَشْفُ عَنْ حَقائِقِ الإيمانِ. وشَرائِعِ الإسْلامِ.
وَكَشْفٌ عَنِ المَطْلُوبِ المَقْصُودِ بِالسَّيْرِ: وهو مَعْرِفَةُ الأسْماءِ والصِّفاتِ. ونَوْعَيِ التَّوْحِيدِ وتَفاصِيلِهِ. ومُراعاةِ ذَلِكَ حَقَّ رِعايَتِهِ.
وَلَيْسَ وراءَ ذَلِكَ إلّا الدَّعاوى والشَّطْحُ والغُرُورُ.
وَقَوْلُهُ: وفي الشَّوْقِ إلى العِدَةِ.
يَعْنِي أنَّ الرُّوحَ تَظْهَرُ في اشْتِياقِها إلى ما وُعِدَتْ بِهِ، وشُوِّقَتْ إلَيْهِ، فَطُمَأْنِينَتُهُا بِتِلْكَ العِدَةِ: تُسِكِّنُ عَنْها لَهِيبَ اشْتِياقِها. وهَذا شَأْنُ كُلِّ مُشْتاقٍ إلى مَحْبُوبٍ وُعِدَ بِحُصُولِهِ إنَّما يَحْصُلُ لِرُوحِهِ الطُّمَأْنِينَةُ بِسُكُونِها إلى وعْدِ اللِّقاءِ. وعِلْمُها بِحُصُولِ المَوْعُودِ بِهِ.
قَوْلُهُ: وفي التَّفْرِقَةِ إلى الجَمْعِ
أيْ وتَطْمَئِنُّ الرُّوحُ في حالِ تَفْرِقَتِها إلى ما اعْتادَتْهُ مِنَ الجَمْعِ، بِأنْ تُوافِيَها رُوحُهُ فَتَسْكُنَ إلَيْهِ وتَطْمَئِنَّ بِهِ، كَما يَطْمَئِنُّ الجائِعُ الشَّدِيدُ الجُوعِ إلى ما عِنْدَهُ مِنَ الطَّعامِ. ويَسْكُنُ إلَيْهِ قَلْبُهُ. وهَذا إنَّما يَكُونُ لِمَن أشْرَفَ عَلى الجَمْعِ مِن وراءِ حِجابٍ رَقِيقٍ. وشامَ بَرْقَهُ. فاطْمَأنَّ بِحُصُولِهِ. وأمّا مَن بَيْنَهُ وبَيْنَهُ الحُجُبُ الكَثِيفَةُ: فَلا يَطْمَئِنُّ بِهِ.
* [فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثّالِثَةُ طُمَأْنِينَةُ شُهُودِ الحَضْرَةِ إلى اللُّطْفِ]
قالَ: الدَّرَجَةُ الثّالِثَةُ: طُمَأْنِينَةُ شُهُودِ الحَضْرَةِ إلى اللُّطْفِ. وطُمَأْنِينَةُ الجَمْعِ إلى البَقاءِ. وطُمَأْنِينَةُ المَقامِ إلى نُورِ الأزَلِ.
هَذِهِ الدَّرَجَةُ الثّالِثَةُ تَتَعَلَّقُ بِالفَناءِ والبَقاءِ، فالواصِلُ إلى شُهُودِ الحَضْرَةِ: مُطْمَئِنٌّ إلى لُطْفِ اللَّهِ. وحَضْرَةِ الجَمْعِ يُرِيدُونَ بِها الشُّهُودَ الذّاتِيَّ.
فَإنَّ الشُّهُودَ عِنْدَهم مَراتِبُ بِحَسَبِ تَعَلُّقِهِ. فَشُهُودُ الأفْعالِ: أوَّلُ مَراتِبِ الشُّهُودِ. ثُمَّ فَوْقَهُ: شُهُودُ الأسْماءِ والصِّفاتِ. ثُمَّ فَوْقَهُ: شُهُودُ الذّاتِ الجامِعَةِ إلى الأفْعالِ والأسْماءِ والصِّفاتِ. والتَّجَلِّي عِنْدَ القَوْمِ: بِحَسَبِ هَذِهِ الشُّهُودِ الثَّلاثَةِ.
فَأصْحابُ تَجَلِّي الأفْعالِ: مَشْهَدُهم تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ. وأصْحابُ تَجَلِّي الأسْماءِ والصِّفاتِ: مَشْهَدُهم تَوْحِيدُ الإلَهِيَّةِ: وأصْحابُ تَجَلِّي الذّاتِ: يُغْنِيهِمْ بِهِ عَنْهم.
وَقَدْ يَعْرِضُ لِبَعْضِهِمْ بِحَسَبِ قُوَّةِ الوارِدِ وضَعْفِ المَحَلِّ عَجْزٌ عَنِ القِيامِ والحَرَكَةِ. فَرُبَّما عَطَّلَ بَعْضَ الفُرُوضِ، وهَذا لَهُ حُكْمُ أمْثالِهِ مِن أهْلِ العَجْزِ والتَّفْرِيطِ، والكامِلُونَ مِنهم قَدْ يَفْتُرُونَ في تِلْكَ الحالِ عَنِ الأعْمالِ الشّاقَّةِ. ويَقْتَصِرُونَ عَلى الفَرائِضِ وسُنَنِها وحُقُوقِها. ولا يَقْعُدُ بِهِمْ ذَلِكَ الشُّهُودُ والتَّجَلِّي عَنْها. ولا يُؤْثِرُونَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنَ النَّوافِلِ والحَرَكاتِ الَّتِي لَمْ تَعْرِضْ عَلَيْهِمْ ألْبَتَّةَ. وذَلِكَ في طَرِيقِهِمْ رُجُوعٌ وانْقِطاعٌ.
وَأكْمَلُ مِن هَؤُلاءِ: مَن يَصْحَبُهُ ذَلِكَ في حالِ حَرَكاتِهِ ونَوافِلِهِ. فَلا يُعَطِّلُ ذَرَّةً مِن أوْرادِهِ. واللَّهُ سُبْحانَهُ قَدْ فاوَتَ بَيْنَ قُوى القُلُوبِ أشَدَّ مِن تَفاوُتِ قُوى الأبْدانِ. وفي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ. وصاحِبُ هَذا المَقامِ آيَةٌ مِن آياتِ اللَّهِ لِأُولِي الألْبابِ والبَصائِرِ.
والمَقْصُودُ: أنَّهُ لَوْلا طُمَأْنِينَتُهُ إلى لُطْفِ اللَّهِ لَمَحَقَهُ شُهُودُ الحَضْرَةِ وأفْناهُ جُمْلَةً. فَقَدْ خَرَّ مُوسى صَعِقًا لَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ. وتَدَكْدَكَ الجَبَلُ وساخَ في الأرْضِ مِن تَجَلِّيهِ سُبْحانَهُ.
هَذا ولا يَتَوَهَّمُ مُتَوَهِّمٌ أنَّ الحاصِلَ في الدُّنْيا لِلْبَشَرِ كَذَلِكَ، ولا قَرِيبٌ مِنهُ أبَدًا. وإنَّما هي المَعارِفُ، واسْتِيلاءُ مَقامِ الإحْسانِ عَلى القَلْبِ فَقَطْ.
وَإيّاكَ وتُرَّهاتِ القَوْمِ، وخَيالاتِهِمْ ورَعُوناتِهِمْ، وإنْ سَمَّوْكَ مَحْجُوبًا، فَقُلِ: اللَّهُمَّ زِدْنِي مِن هَذا الحِجابِ الَّذِي ما وراءَهُ إلّا الخَيالاتُ والتُّرَّهاتُ والشَّطَحاتُ. فَكَلِيمُ الرَّحْمَنِ وحْدَهُ مَعَ هَذا لَمْ تَتَجَلَّ الذّاتُ لَهُ، وأراهُ رَبُّهُ تَعالى أنَّهُ لا يَثْبُتُ لِتَجَلِّي ذاتِهِ، لَمّا أشْهَدَهُ مِن حالِ الجَبَلِ، وخَرَّ الكَلِيمُ صَعِقًا مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، لَمّا رَأى ما رَأى مِن حالِ الجَبَلِ عِنْدَ تَجَلِّي رَبِّهِ لَهُ. ولَمْ يَكُنْ تَجَلِّيًا مُطْلَقًا.
قالَ الضَّحّاكُ: أظْهَرَ اللَّهُ مِن نُورِ الحُجُبِ مِثْلَ مِنخَرِ ثَوْرٍ. وقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وكَعْبُ الأحْبارِ: ما تَجَلّى مِن عَظَمَةِ اللَّهِ لِلْجَبَلِ إلّا مِثْلُ سَمِّ الخِياطِ حَتّى صارَ دَكًّا.
وَقالَ السُّدِّيُّ: ما تَجَلّى إلّا قَدْرُ الخِنْصَرِ.
وَفِي مُسْتَدْرَكِ الحاكِمِ مِن حَدِيثِ ثابِتٍ البُنانِيِّ عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَرَأ هَذِهِ الآيَةَ، وقالَ: هَكَذا - ووَضَعَ الإبْهامَ عَلى المِفْصَلِ الأعْلى مِنَ الخِنْصَرِ - فَساخَ الجَبَلُ». وإسْنادُهُ عَلى شَرْطِ مُسْلِمٍ. ولَمّا حَدَّثَ بِهِ حُمَيْدٌ عَنْ ثابِتٍ اسْتَعْظَمَهُ بَعْضُ أصْحابِهِ وقالَ: تُحَدِّثُ بِهَذا؟ فَضَرَبَ بِيَدِهِ في صَدْرِهِ. وقالَ: يُحَدِّثُ بِهِ ثابِتٌ عَنْ أنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وتُنْكِرُهُ أنْتَ، ولا أُحَدِّثُ بِهِ؟
فَإذا شَهِدَ لَكَ المَخْدُوعُونَ بِأنَّكَ مَحْجُوبٌ عَنْ تُرَّهاتِهِمْ وخَيالاتِهِمْ، فَتِلْكَ الشَّهادَةُ لَكَ بِالِاسْتِقامَةِ.
فَلا تَسْتَوْحِشْ مِنها. وبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. وهو المُسْتَعانُ.
{"ayah":"ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَتَطۡمَىِٕنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَىِٕنُّ ٱلۡقُلُوبُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق