الباحث القرآني

فجمع لهم مقامات الإسلام والإيمان في هذه الأوصاف فوصفهم بالوفاء بعهده الذي عاهدهم عليه وذلك يعم أمره ونهيه الذي عهده إليهم بينهم وبينه وبينهم وبين خلقه ثم أخبر عن استمرارهم بالوفاء به بأنهم لا يقع منهم نقضه ثم وصفهم بأنهم يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويدخل في هذا ظاهر الدين وباطنه وحق الله وحق خلقه فيصلون ما بينهم وبين ربهم بعبوديته وحده لا شريك له والقيام بطاعته والإنابة إليه والتوكل عليه وحبه وخوفه ورجائه والتوبة إليه والاستكانة له والخضوع والذلة له والاعتراف له بنعمته وشكره عليها والإقرار بالخطيئة والاستغفار منها فهذه هي الوصلة بين الرب والعبد وقد أمر الله بهذه الأسباب التي بينه وبين عبده أن توصل وأمر أن نوصل ما بيننا وبين رسوله بالإيمان به وتصديقه وتحكيمه في كل شيء والرضا لحكمه والتسليم له وتقديم محبته على محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين صلوات الله وسلامه عليه فدخل في ذلك القيام بحقه وحق رسوله، وأمر أن نصل ما بيننا وبين الوالدين والأقربين بالبر والصلة فأنه أمر بيد الوالدين وصلة الأرحام وذلك مما أمر به أن يوصل، وأمر أن نصل ما بيننا وبين الزوجات بالقيام بحقوقهن ومعاشرتهن بالمعروف، وأمر أن نصل ما بيننا وبين الأرقاء بأن نطعمهم مما نأكل ونكسوهم مما نكتسي ولا نكلفهم فوق طاقتهم وأن نصل ما بيننا وبين الجار القريب والبعيد بمراعاة حقه وحفظه في نفسه وماله وأهله بما نحفظ به نفوسنا وأهلينا وأموالنا وأن نصل ما بيننا وبين الرفيق في السفر والحضر وأن نصل ما بيننا وبين عموم الناس بأن نأتي إليهم بما نحب أن يأتوه إلينا وأن نصل ما بيننا وبين الحفظة الكرام الكاتبين بأن نكرمهم ونستحي منهم كما يستحي الرجل من جليسه ومن هو معه ممن يجله ويكرمه. فهذا كله مما أمر الله به أن يوصل ثم وصفهم بالحامل لهم على هذه الصلة وهو خشيته وخوف سوء الحساب يوم المآب، ولا يمكن لأحد قط أن يصل ما أمر الله بوصله إلا بخشيته، ومتى ترحلت الخشية من القلب انقطعت هذه الوصل، ثم جمع لهم سبحانه ذلك كله في أصل واحد هو أخية ذلك وقاعدته ومداره الذي يدور عليه وهو الصبر فقال ﴿والَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وجْهِ رَبِّهِمْ﴾ فلم يكتف منهم بمجرد الصبر حتى يكون خالصا لوجهه. ثم ذكر لهم ما يعيينهم على الصبر وهي الصلاة فقال ﴿وأقاموا الصلاة﴾ وهذان هما العونان على مصالح الدنيا والآخرة وهما الصبر والصلاة فقال تعالى ﴿واسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ وإنَّها لَكَبِيرَةٌ إلّا عَلى الخاشِعِينَ﴾ وقال ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ إنَّ اللَّهَ مَعَ الصّابِرِينَ﴾. ثم ذكر سبحانه إحسانهم إلى غيرهم بالإنفاق عليهم سرا وعلانية فأحسنوا إلى أنفسهم بالصبر والصلاة وإلى غيرهم بالإنفاق عليهم ثم ذكر حالهم إذا جهل عليهم وأوذوا إنهم لا يقابلون ذلك بمثله بل يدرأون بالحسنة السيئة فيحسنون إلى من يسيء إليهم فقال ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾ وقد فسر هذا الدرء بأنهم يدفعون بالذنب الحسنة بعده كما قال تعالى ﴿إن الحسنات يذهبن السيئات﴾ وقال النبي "أتبع السيئة الحسنة تمحها" والتحقيق أن الآية تعم النوعين. والمقصود أن هذه الآيات تناولت مقامات الإسلام والإيمان كلها اشتملت على فعل المأمور وترك المحظور والصبر على المقدور وقد ذكر تعالى هذه الأصول الثلاثة في قوله: ﴿بَلى إنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا﴾ وقوله ﴿إنَّهُ مَن يَتَّقِ ويَصْبِر﴾ وقوله ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وصابِرُوا ورابِطُوا واتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ فكل موضع قرن فيه التقوى بالصبر اشتمل على الأمور الثلاثة فإن حقيقة التقوى فعل المأمور وترك المحظور.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب