الباحث القرآني
ولما ضرب الله سبحانه وتعالى هذين المثلين ذكر حكم من استجاب له ورفع بهداه رأسًا، وحكم من لم يستجب له ولم يرفع بهداه رأسًا، فقال: ﴿لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الحُسْنى والَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أنَّ لَهم ما في الأرْضِ جَمِيعًا ومِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهم سُوءُ الحِسابِ ومَأْواهم جَهَنَّمُ وبِئْسَ المِهادُ (١٨)﴾
والمقصود أن الله تعالى جعل الحياة حيث النور، والموت حيث الظلمة، فحياة الوجودين الروحي والجسمي بالنور، وهو مادة الحياة كما أنه مادة الإضاءة، فلا حياة بدونه كما لا إضاءة بدونه، وكما به حياة القلب فيه انفساحه وانشراحه وسعته، كما في الترمذي «عن النبي ﷺ إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح قالوا: وما علامة ذلك؟ قال الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله».
ونور العبد هو الذي يصعد عمله وكلمه إلى الله تعالى، فإن الله تعالى لا يصعد إليه من الكلم إلا الطيب، وهو نور ومصدر عن النور.
ولا من العمل إلا الصالح، ولا من الأرواح إلا الطيبة وهي أرواح المؤمنين التي استنارت بالنور الذي أنزله على رسوله ﷺ والملائكة الذين خلقوا من نور، كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها وعن النبي ﷺ قال: «خلقت الملائكة من نور، وخلقت الشياطين من نار، وخلق آدم مما وصف لكم» فلما كانت مادة الملائكة من نور كانوا هم الذين يعرجون إلى ربهم تبارك وتعالى وكذلك أرواح المؤمنين هي التي تعرج إلى ربها وقت قبض الملائكة لها، فيفتح لها باب السماء الدنيا ثم الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة إلى أن ينتهي بها إلى السماء السابعة، فتوقف بين يدي الله عز وجل، ثم يأمر أن يكتب كتابه في أهل عليين، فلما كانت هذه الروح روحًا زاكية طيبة نيرة مشرقة صعدت إلى الله عز وجل مع الملائكة.
وأما الروح المظلمة الخبيثة الكدرة فإنها لا تفتح لها أبواب السماء ولا تصعد إلى الله تعالى، بل ترد من السماء الدنيا إلى عالمها ومحتدها، لأنها أرضية سفلية، والأولى علوية سمائية، فرجعت كل روح إلى عنصرها وما هي منه، وهذا منه مبين في حديث البراء بن عازب الطويل الذي رواه الإمام أحمد وأبو عوانة الاسفرائيني في صحيحه والحاكم وغيرهم، وهو حديث صحيح.
والمقصود أن الله عز وجل لا يصعد إليه من الأعمال والأقوال والأرواح إلا ما كان منها نورًا أقربهم إليه وأكرمهم عليه.
وفي المسند من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ
«إن الله تعالى خلق خلقه في ظلمة، وألقى عليهم من نوره، فمن أصاب من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل».
فلذلك أقول: جف القلم على علم الله تعالى» وهذا الحديث العظيم أصل من أصول الإيمان، وينفتح به باب عظيم من أبواب سر القدر وحكمته، والله تعالى الموفق.
وهذا النور الذي ألقاه عليهم سبحانه وتعالى هو الذي أحياهم وهداهم، فأصابت الفطرة منه حظها.
ولكن لما لم يستقل بتمامه وكماله أكمله لهم وأتمه بالروح الذي ألقاه على رسله عليهم الصلاة والسلام والنور الذي أوحاه إليهم، فأدركته الفطرة بذلك النور السابق الذي حصل لها يوم إلقاء النور، فانضاف نور الوحي والنبوة إلى نور الفطرة، نور على نور، فأشرقت منه القلوب، واستنارت به الوجوه، وحييت به الأرواح، وأذعنت به الجوارح للطاعات طوعًا واختيارًا، فازدادت به القلوب الصفات العليا الذي يضمحل فيه كل نور سواء، فشاهدته ببصائر الإيمان مشاهدة نسبتها إلى القلب نسبة المرئيات إلى العين ذلك لاستيلاء اليقين عليها وانكشاف حقائق الإيمان لها، حتى كأنها تنظر إلى عرش الرحمن تبارك وتعالى بارزًا وإلى استوائه عليه كما أخبر به سبحانه وتعالى في كتابه، وكما أخبر به عنه رسوله ﷺ
يدبر أمر الممالك ويأمر وينهي، ويخلق ويرزق، ويميت ويحي، ويقضي وينفذ ويعز ويذل ويقلب الليل والنهار، ويداول الأيام بين الناس، ويقلب الدول فيذهب بدولة ويأتي بأخرى، والرسل من الملائكة عليهم الصلاة والسلام بين صاعد إليه بالأمر ونازل من عنده به، وأوامره ومراسيمه متعاقبة على تعاقب الآيات، نافذة بحسب إرادته، فما شاء كما شاء في الوقت الذي يشاء على الوجه الذي يشاء، من غير زيادة ولا نقصان ولا تقدم ولا تأخر، وأمره وسلطانه نافذ في السماوات وأقطارها، وفي الأرض وما عليها وما تحتها، وفي البحار والجو، وفي سائر أجزاء العالم وذراته.
يقلبها ويصرفها ويحدث فيها ما يشاء، وقد أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، ووسع كل شيء رحمة وحكمة، ووسع سمعه الأصوات فلا تختلف عليه ولا تشتبه عليه.
بل يسمع ضجيجها باختلاف لغاتها على كثرة حاجاتها، لا يشغله سمع عن سمع ولا تغلطه كثرة المسائل ولا يتبرم بإلحاح ذوي الحاجات، وأحاط بصره بجميع المرئيات فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، فالغيب عنده شهادة والسر عنده علانية، يعلم السر وأخفى من السر، فالسر ما انطوى عليه ضمير العبد وخطر بقلبه ولم تتحرك به شفتاه، وأخفى منه ما لم يخطر بعد فيعلم أنه سيخطر بقلبه كذا وكذا في وقت كذا وكذا، له الخلق والأمر، وله الملك والحمد، وله الدنيا والآخرة، وله النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، له الملك كله وله الحمد كله وبيده الخير كله وإليه يرجع الأمر كله، شملت قدرته كل شيء ووسعت رحمته كل شيء وسعت نعمته إلى كل حي.
{"ayah":"لِلَّذِینَ ٱسۡتَجَابُوا۟ لِرَبِّهِمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱلَّذِینَ لَمۡ یَسۡتَجِیبُوا۟ لَهُۥ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡا۟ بِهِۦۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ سُوۤءُ ٱلۡحِسَابِ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق