الباحث القرآني

قالَ صاحِبُ " المَنازِلِ ": التَّبَتُّلُ الِانْقِطاعُ إلى اللَّهِ بِالكُلِّيَّةِ. وقَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الحَقِّ﴾ [الرعد: ١٤] أيِ التَّجْرِيدِ المَحْضِ. وَمُرادُهُ بِالتَّجْرِيدِ المَحْضِ التَّبَتُّلُ عَنْ مُلاحَظَةِ الأعْواضِ. بِحَيْثُ لا يَكُونُ المُتَبَتِّلُ كالأجِيرِ الَّذِي لا يَخْدِمُ إلّا لِأجْلِ الأُجْرَةِ. فَإذا أخَذَها انْصَرَفَ عَنْ بابِ المُسْتَأْجِرِ، بِخِلافِ العَبْدِ. فَإنَّهُ يَخْدِمُ بِمُقْتَضى عُبُودِيَّتِهِ، لا لِلْأُجْرَةِ. فَهو لا يَنْصَرِفُ عَنْ بابِ سَيِّدِهِ إلّا إذا كانَ آبِقًا. والآبِقُ قَدْ خَرَجَ مِن شَرَفِ العُبُودِيَّةِ. ولَمْ يَحْصُلْ لَهُ إطْلاقُ الحُرِّيَّةِ. فَصارَ بِذَلِكَ مَرْكُوسًا عِنْدَ سَيِّدِهِ وعِنْدَ عَبِيدِهِ. وَغايَةُ شَرَفِ النَّفْسِ دُخُولُها تَحْتَ رِقِّ العُبُودِيَّةِ طَوْعًا واخْتِيارًا ومَحَبَّةً، لا كَرْهًا وقَهْرًا. كَما قِيلَ: ؎شَرَفُ النُّفُوسِ دُخُولُها في رِقِّهِمْ ∗∗∗ والعَبْدُ يَحْوِي الفَخْرَ بِالتَّمْلِيكِ والَّذِي حَسُنَ اسْتِشْهادُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الحَقِّ﴾ في هَذا المَوْضِعِ: إرادَةُ هَذا المَعْنى. وأنَّهُ تَعالى صاحِبُ دَعْوَةِ الحَقِّ لِذاتِهِ وصِفاتِهِ. وإنْ لَمْ يُوجِبْ لِداعِيهِ بِها ثَوابًا. فَإنَّهُ يَسْتَحِقُّها لِذاتِهِ. فَهو أهْلٌ أنْ يُعْبَدَ وحْدَهُ، ويُدْعى وحْدَهُ، ويُقْصَدَ ويُشْكَرَ ويُحْمَدَ، ويُحَبَّ ويُرْجى ويُخافَ، ويُتَوَكَّلَ عَلَيْهِ، ويُسْتَعانَ بِهِ، ويُسْتَجارَ بِهِ، ويُلْجَأ إلَيْهِ، ويُصْمَدَ إلَيْهِ. فَتَكُونُ الدَّعْوَةُ الإلَهِيَّةُ الحَقُّ لَهُ وحْدَهُ. وَمَن قامَ بِقَلْبِهِ هَذا - مَعْرِفَةً وذَوْقًا وحالًا - صَحَّ لَهُ مَقامُ التَّبَتُّلِ، والتَّجْرِيدِ المَحْضِ. وَقَدْ فَسَّرَ السَّلَفُ دَعْوَةَ الحَقِّ بِالتَّوْحِيدِ والإخْلاصِ فِيهِ والصِّدْقِ. ومُرادُهم هَذا المَعْنى. فَقالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: دَعْوَةُ الحَقِّ التَّوْحِيدُ. وَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: شَهادَةُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ. وَقِيلَ: الدُّعاءُ بِالإخْلاصِ. والدُّعاءُ الخالِصُ لا يَكُونُ إلّا لِلَّهِ. وَدَعْوَةُ الحَقِّ دَعْوَةُ الإلَهِيَّةِ وحُقُوقُها وتَجْرِيدُها وإخْلاصُها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب