الباحث القرآني

[السِّرُّ في ضَرْبِ الأمْثالِ] قالُوا: قَدْ ضَرَبَ اللَّهُ سُبْحانَهُ الأمْثالَ وصَرَّفَها قَدْرًا وشَرْعًا ويَقَظَةً ومَنامًا، ودَلَّ عِبادَهُ عَلى الِاعْتِبارِ بِذَلِكَ، وعُبُورِهِمْ مِن الشَّيْءِ إلى نَظِيرِهِ، واسْتِدْلالِهِمْ بِالنَّظِيرِ عَلى النَّظِيرِ، بَلْ هَذا أهْلُ عِبارَةِ الرُّؤْيا الَّتِي هي جُزْءٌ مِن أجْزاءِ النُّبُوَّةِ ونَوْعٌ مِن أنْواعِ الوَحْيِ؛ فَإنَّها مَبْنِيَّةٌ عَلى القِياسِ والتَّمْثِيلِ، واعْتِبارِ المَعْقُولِ بِالمَحْسُوسِ، ألا تَرى أنَّ الثِّيابَ في التَّأْوِيلِ كالقُمُصِ تَدُلُّ عَلى الدِّينِ، فَما كانَ فِيها مِن طُولٍ أوْ قِصَرٍ أوْ نَظافَةٍ أوْ دَنَسٍ فَهو في الدِّينِ كَما أوَّلَ النَّبِيُّ ﷺ القَمِيصَ بِالدِّينِ والعِلْمِ، والقَدْرُ المُشْتَرَكُ بَيْنَهُما أنَّ كُلًّا مِنهُما يَسْتُرُ صاحِبَهُ ويُجَمِّلُهُ بَيْنَ النّاسِ؛ فالقَمِيصُ يَسْتُرُ بَدَنَهُ والعِلْمُ والدِّينُ يَسْتُرُ رُوحَهُ وقَلْبَهُ ويُجَمِّلُهُ بَيْنَ النّاسِ [الرُّؤْيا الحُلْمِيَّةُ وتَأْوِيلُها] ومِن هَذا تَأْوِيلُ اللَّبَنِ بِالفِطْرَةِ لِما في كُلٍّ مِنهُما مِن التَّغْذِيَةِ المُوجِبَةِ لِلْحَياةِ وكَمالِ النَّشْأةِ، وأنَّ الطِّفْلَ إذا خُلِّيَ وفِطْرَتَهُ لَمْ يَعْدِلْ عَنْ اللَّبَنِ؛ فَهو مَفْطُورٌ عَلى إيثارِهِ عَلى ما سِواهُ، وكَذَلِكَ فِطْرَةُ الإسْلامِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْها النّاسَ. وَمِن هَذا تَأْوِيلُ البَقَرِ بِأهْلِ الدِّينِ والخَيْرِ الَّذِينَ بِهِمْ عِمارَةُ الأرْضِ كَما أنَّ البَقَرَ كَذَلِكَ، مَعَ عَدَمِ شَرِّها وكَثْرَةِ خَيْرِها وحاجَةِ الأرْضِ وأهْلِها إلَيْها؛ ولِهَذا لَمّا «رَأى النَّبِيُّ ﷺ بَقَرًا تُنْحَرُ» كانَ ذَلِكَ نَحْرًا في أصْحابِهِ. وَمِن ذَلِكَ تَأْوِيلُ الزَّرْعِ والحَرْثِ بِالعَمَلِ؛ لِأنَّ العامِلَ زارِعٌ لِلْخَيْرِ والشَّرِّ، ولا بُدَّ أنْ يَخْرُجَ لَهُ ما بَذَرَهُ كَما يَخْرُجُ لِلْباذِرِ زَرْعُ ما بَذَرَهُ؛ فالدُّنْيا مَزْرَعَةٌ، والأعْمالُ البَذْرُ، ويَوْمُ القِيامَةِ يَوْمُ طُلُوعِ الزَّرْعِ لِلْباذِرِ وحَصادِهِ. وَمِن ذَلِكَ تَأْوِيلُ الخَشَبِ المَقْطُوعِ المُتَسانَدِ بِالمُنافِقِينَ، والجامِعُ بَيْنَهُما أنَّ المُنافِقَ لا رُوحَ فِيهِ ولا ظِلَّ ولا ثَمَرَ، فَهو بِمَنزِلَةِ الخَشَبِ الَّذِي هو كَذَلِكَ؛ ولِهَذا شَبَّهَ اللَّهُ - تَعالى - المُنافِقِينَ بِالخُشُبِ المُسَنَّدَةِ؛ لِأنَّهم أجْسامٌ خالِيَةٌ عَنْ الإيمانِ والخَيْرِ، وفي كَوْنِها مُسَنَّدَةً نُكْتَةٌ أُخْرى، وهي أنَّ الخَشَبَ إذا انْتُفِعَ بِهِ جُعِلَ في سَقْفٍ أوْ جِدارٍ أوْ غَيْرِهِما مِن مَظانِّ الِانْتِفاعِ، وما دامَ مَتْرُوكًا فارِغًا غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهِ جُعِلَ مُسْنَدًا بَعْضُهُ إلى بَعْضٍ، فَشَبَّهَ المُنافِقِينَ بِالخُشُبِ في الحالَةِ الَّتِي لا يُنْتَفَعُ فِيها بِها. وَمِن ذَلِكَ تَأْوِيلُ النّارِ بِالفِتْنَةِ لِإفْسادِ كُلٍّ مِنهُما ما يَمُرُّ عَلَيْهِ ويَتَّصِلُ بِهِ، فَهَذِهِ تُحْرِقُ الأثاثَ والمَتاعَ والأبْدانَ، وهَذِهِ تُحْرِقُ القُلُوبَ والأدْيانَ والإيمانَ. وَمِن ذَلِكَ تَأْوِيلُ النُّجُومِ بِالعُلَماءِ والأشْرافِ؛ لِحُصُولِ هِدايَةِ أهْلِ الأرْضِ بِكُلٍّ مِنهُما، ولِارْتِفاعِ الأشْرافِ بَيْنَ النّاسِ كارْتِفاعِ النُّجُومِ. وَمِن ذَلِكَ تَأْوِيلُ الغَيْثِ بِالرَّحْمَةِ والعِلْمِ والقُرْآنِ والحِكْمَةِ وصَلاحِ حالِ النّاسِ. وَمِن ذَلِكَ خُرُوجُ الدَّمِ في التَّأْوِيلِ يَدُلُّ عَلى خُرُوجِ المالِ، والقَدْرُ المُشْتَرَكُ أنَّ قِوامَ البَدَنِ بِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما. وَمِن ذَلِكَ الحَدَثُ في التَّأْوِيلِ يَدُلُّ عَلى الحَدَثِ في الدِّينِ؛ فالحَدَثُ الأصْغَرُ ذَنْبٌ صَغِيرٌ والأكْبَرُ ذَنْبٌ كَبِيرٌ. وَمِن ذَلِكَ أنَّ اليَهُودِيَّةَ والنَّصْرانِيَّةَ في التَّأْوِيلِ بِدْعَةٌ في الدِّينِ؛ فاليَهُودِيَّةُ تَدُلُّ عَلى فَسادِ القَصْدِ واتِّباعِ غَيْرِ الحَقِّ، والنَّصْرانِيَّة تَدُلُّ عَلى فَسادِ العِلْمِ والجَهْلِ والضَّلالِ. وَمِن ذَلِكَ الحَدِيدُ في التَّأْوِيلِ وأنْواعُ السِّلاحِ يَدُلُّ عَلى القُوَّةِ والنَّصْرِ بِحَسَبِ جَوْهَرِ ذَلِكَ السِّلاحِ ومَرْتَبَتِهِ. وَمِن ذَلِكَ الرّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ تَدُلُّ في الثَّناءِ الحَسَنِ وطِيبِ القَوْلِ والعَمَلِ، والرّائِحَةُ الخَبِيثَةُ بِالعَكْسِ، والمِيزانُ يَدُلُّ عَلى العَدْلِ، والجَرادُ يَدُلُّ عَلى الجُنُودِ والعَساكِرِ والغَوْغاءِ الَّذِينَ يَمُوجُ بَعْضُهم في بَعْضٍ، والنَّحْلُ يَدُلُّ عَلى مَن يَأْكُلُ طَيِّبًا ويَعْمَلُ صالِحًا، والدِّيكُ رَجُلٌ عالِي الهِمَّةِ بَعِيدُ الصِّيتِ، والحَيَّةُ عَدُوٌّ أوْ صاحِبُ بِدْعَةٍ يُهْلِكُ بِسُمِّهِ، والحَشَراتُ أوْغادُ النّاسِ، والخُلْدُ رَجُلٌ أعْمى يَتَكَفَّفُ النّاسَ بِالسُّؤالِ، والذِّئْبُ رَجُلٌ غَشُومٌ ظَلُومٌ غادِرٌ فاجِرٌ، والثَّعْلَبُ رَجُلٌ غادِرٌ مَكّارٌ مُحْتالٌ مُراوِغٌ عَنْ الحَقِّ، والكَلْبُ عَدُوٌّ ضَعِيفٌ كَثِيرُ الصَّخَبِ والشَّرِّ في كَلامِهِ وسِبابِهِ، أوْ رَجُلٌ مُبْتَدِعٌ مُتَّبِعٌ هَواهُ مُؤْثِرٌ لَهُ عَلى دِينِهِ، والسِّنَّوْرُ العَبْدُ والخادِمُ الَّذِي يَطُوفُ عَلى أهْلِ الدّارِ، والفَأْرَةُ امْرَأةُ سُوءٍ فاسِقَةٌ فاجِرَةٌ، والأسَدُ رَجُلٌ قاهِرٌ مُسَلَّطٌ، والكَبْشُ الرَّجُلُ المَنِيعُ المَتْبُوعُ. وَمِن كُلِّيّاتِ التَّعْبِيرِ أنَّ كُلَّ ما كانَ وِعاءٌ لِلْماءِ فَهو دالٌ عَلى الأثاثِ، وكُلَّ ما كانَ وِعاءً لِلْمالِ كالصُّنْدُوقِ والكِيسِ والجِرابِ فَهو دالٌ عَلى القَلْبِ، وكُلُّ مَدْخُولٍ بَعْضُهُ في بَعْضٍ ومُمْتَزِجٍ ومُخْتَلَطٍ فَدالٌ عَلى الِاشْتِراكِ والتَّعاوُنِ أوْ النِّكاحِ، وكُلُّ سُقُوطٍ وخُرُورٍ مِن عُلُوٍّ إلى سُفْلٍ فَمَذْمُومٌ، وكُلُّ صُعُودٍ وارْتِفاعٍ فَمَحْمُودٌ إذا لَمْ يُجاوِزْ العادَةَ وكانَ مِمَّنْ يَلِيقُ بِهِ، وكُلُّ ما أحْرَقَتْهُ النّارُ فَجائِحَةٌ ولَيْسَ يُرْجى صَلاحُهُ ولا حَياتُهُ، وكَذَلِكَ ما انْكَسَرَ مِن الأوْعِيَةِ الَّتِي لا يَنْشَعِبُ مِثْلُها. وَكُلُّ ما خُطِفَ وسُرِقَ مِن حَيْثُ لا يُرى خاطِفُهُ ولا سارِقُهُ فَإنَّهُ ضائِعٌ لا يُرْجى، وما عُرِفَ خاطِفُهُ أوْ سارِقُهُ أوْ مَكانُهُ أوْ لَمْ يَغِبْ عَنْ عَيْنِ صاحِبِهِ فَإنَّهُ يُرْجى عَوْدُهُ، وكُلُّ زِيادَةٍ مَحْمُودَةٍ في الجِسْمِ والقامَةِ واللِّسانِ والذَّكَرِ واللِّحْيَةِ واليَدِ والرِّجْلِ فَزِيادَةُ خَيْرٍ، وكُلُّ زِيادَةٍ مُتَجاوِزَةٍ لِلْحَدِّ في ذَلِكَ فَمَذْمُومَةٌ وشَرٌّ وفَضِيحَةٌ. وَكُلُّ ما رَأى مِن اللِّباسِ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ المُخْتَصِّ بِهِ فَمَكْرُوهٌ كالعِمامَةِ في الرِّجْلِ والخُفِّ في الرَّأْسِ والعِقْدِ في السّاقِ، وكُلُّ مَن اسْتَقْضى أوْ اسْتَخْلَفَ أوْ أمَّرَ أوْ اسْتَوْزَرَ أوْ خَطَبَ مِمَّنْ لا يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ نالَ بَلاءً مِن الدُّنْيا وشَرًّا وفَضِيحَةً وشُهْرَةً قَبِيحَةً، وكُلُّ ما كانَ مَكْرُوهًا مِن المُلابِسِ فَخَلِقُهُ أهْوَنُ عَلى لابِسِهِ مِن جَدِيدِهِ، والجَوْزُ مالٌ مَكْنُوزٌ، فَإنْ تَفَقَّعَ كانَ قَبِيحًا وشَرًّا، ومَن صارَ لَهُ رِيشٌ أوْ جَناحٌ صارَ لَهُ مالٌ، فَإنْ طارَ سافَرَ، وخُرُوجُ المَرِيضِ مِن دارِهِ ساكِتًا يَدُلُّ عَلى مَوْتِهِ، ومُتَكَلِّمًا يَدُلُّ عَلى حَياتِهِ، والخُرُوجُ مِن الأبْوابِ الضَّيِّقَةِ يَدُلُّ عَلى النَّجاةِ والسَّلامَةِ مِن شَرٍّ وضِيقٍ هو فِيهِ وعَلى تَوْبَةٍ، ولا سِيَّما إنْ كانَ الخُرُوجُ إلى فَضاءٍ وسَعَةٍ فَهو خَيْرٌ مَحْضٌ، والسَّفَرُ والنُّقْلَةُ مِن مَكان إلى مَكان انْتِقالٌ مِن حالٍ إلى حالٍ بِحَسَبِ حالِ المَكانَيْنِ. وَمَن عادَ في المَنامِ إلى حالٍ كانَ فِيها في اليَقَظَةِ عادَ إلَيْهِ ما فارَقَهُ مِن خَيْرٍ أوْ شَرٍّ، ومَوْتُ الرَّجُلِ رُبَّما دَلَّ عَلى تَوْبَتِهِ ورُجُوعِهِ إلى اللَّهِ؛ لِأنَّ المَوْتَ رُجُوعٌ إلى اللَّهِ، قالَ - تَعالى -: ﴿ثُمَّ رُدُّوا إلى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الحَقِّ﴾ [الأنعام: ٦٢] والمَرْهُونُ مَأْسُورٌ بِدَيْنٍ أوْ بِحَقٍّ عَلَيْهِ لِلَّهِ أوْ لِعَبِيدِهِ، ووَداعُ المَرِيضِ أهْلَهُ أوْ تَوْدِيعُهم لَهُ دالٌ عَلى مَوْتِهِ. وَبِالجُمْلَةِ فَما تَقَدَّمَ مِن أمْثالِ القُرْآنِ كُلُّها أُصُولٌ وقَواعِدُ لِعِلْمِ التَّعْبِيرِ لِمَن أحْسَنَ الِاسْتِدْلالَ بِها، وكَذَلِكَ مَن فَهِمَ القُرْآنَ فَإنَّهُ يُعَبِّرُ بِهِ الرُّؤْيا أحْسَنَ تَعْبِيرٍ. وأُصُولُ التَّعْبِيرِ الصَّحِيحَةِ إنّما أُخِذَتْ مِن مِشْكاةِ القُرْآنِ، فالسَّفِينَةُ تُعَبَّرُ بِالنَّجاةِ، لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَأنْجَيْناهُ وأصْحابَ السَّفِينَةِ﴾ [العنكبوت: ١٥] وتُعَبَّرُ بِالتِّجارَةِ، والخَشَبُ بِالمُنافِقِينَ، والحِجارَةُ بِقَساوَةِ القَلْبِ، والبَيْضُ بِالنِّساءِ، واللِّباسُ أيْضًا بِهِنَّ، وشُرْبُ الماءِ بِالفِتْنَةِ، وأكْلُ لَحْمِ الرَّجُلِ بِغَيْبَتِهِ، والمَفاتِيحُ بِالكَسْبِ والخَزائِنِ والأمْوالِ، والفَتْحُ يُعَبَّرُ مَرَّةً بِالدُّعاءِ ومَرَّةً بِالنَّصْرِ، وكالمَلِكِ يُرى في مَحَلَّةٍ لا عادَةَ لَهُ بِدُخُولِها يُعَبَّرُ بِإذْلالِ أهْلِها وفَسادِها، والحَبْلُ يُعَبَّرُ بِالعَهْدِ والحَقِّ والعَضُدِ، والنُّعاسُ قَدْ يُعَبَّرُ بِالأمْنِ، والبَقْلُ والبَصَلُ والثُّومُ والعَدَسُ يُعَبَّرُ لِمَن أخَذَهُ بِأنَّهُ قَدْ اسْتَبْدَلَ شَيْئًا أدْنى بِما هو خَيْرٌ مِنهُ مِن مالٍ أوْ رِزْقٍ أوْ عِلْمٍ أوْ زَوْجَةٍ أوْ دارٍ، والمَرَضُ يُعَبَّرُ بِالنِّفاقِ والشَّكِّ وشَهْوَةِ الرِّياءِ، والطِّفْلُ الرَّضِيعُ يُعَبَّرُ بِالعَدُوِّ، لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فالتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهم عَدُوًّا وحَزَنًا﴾ [القصص: ٨] والنِّكاحُ بِالبِناءِ، والرَّمادُ بِالعَمَلِ الباطِلِ؛ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أعْمالُهم كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ﴾ [إبراهيم: ١٨] والنُّورُ يُعَبَّرُ بِالهُدى، والظُّلْمَةُ بِالضَّلالِ. وَمِن ها هُنا قالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ لِحابِسِ بْنِ سَعْدٍ الطّائِيِّ وقَدْ ولّاهُ القَضاءَ، فَقالَ لَهُ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ إنِّي رَأيْتُ الشَّمْسَ والقَمَرَ يَقْتَتِلانِ، والنُّجُومَ بَيْنَهُما نِصْفَيْنِ، فَقالَ عُمَرُ: مَعَ أيِّهِما كُنْتَ؟ قالَ: مَعَ القَمَرِ عَلى الشَّمْسِ، قالَ: كُنْتُ مَعَ الآيَةِ المَمْحُوَّةِ، اذْهَبْ فَلَسْتَ تَعْمَلُ لِي عَمَلًا، ولا تُقْتَلُ إلّا في لَبْسٍ مِن الأمْرِ، فَقُتِلَ يَوْمَ صِفِّينَ، وقِيلَ لِعابِرٍ: رَأيْتُ الشَّمْسَ والقَمَرَ دَخَلا في جَوْفِي، فَقالَ: تَمُوتُ، واحْتَجَّ بِقَوْلِهِ - تَعالى -: ﴿فَإذا بَرِقَ البَصَرُ﴾ [القيامة: ٧] ﴿وَخَسَفَ القَمَرُ﴾ [القيامة: ٨] ﴿وَجُمِعَ الشَّمْسُ والقَمَرُ﴾ [القيامة: ٩] ﴿يَقُولُ الإنْسانُ يَوْمَئِذٍ أيْنَ المَفَرُّ﴾ [القيامة: ١٠]. وَقالَ رَجُلٌ لِابْنِ سِيرِينَ: رَأيْتُ مَعِي أرْبَعَةَ أرْغِفَةِ خُبْزٍ فَطَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَقالَ: تَمُوتُ إلى أرْبَعَةِ أيّامٍ، ثُمَّ قَرَأ قَوْله تَعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا﴾ [الفرقان: ٤٥] ﴿ثُمَّ قَبَضْناهُ إلَيْنا قَبْضًا يَسِيرًا﴾ [الفرقان: ٤٦]. وأخَذَ هَذا التَّأْوِيلَ أنَّهُ حَمَلَ رِزْقَهُ أرْبَعَةَ أيّامٍ، وقالَ لَهُ آخَرُ: رَأيْتُ كِيسِي مَمْلُوءًا أرَضَةً، فَقالَ: أنْتَ مَيِّتٌ، ثُمَّ قَرَأ: ﴿فَلَمّا قَضَيْنا عَلَيْهِ المَوْتَ ما دَلَّهم عَلى مَوْتِهِ إلا دابَّةُ الأرْضِ﴾ [سبأ: ١٤] والنَّخْلَةُ تَدُلُّ عَلى الرَّجُلِ المُسْلِمِ وعَلى الكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، والحَنْظَلَةُ تَدُلُّ عَلى ضِدِّ ذَلِكَ، والصَّنَمُ يَدُلُّ عَلى العَبْدِ السُّوءِ الَّذِي لا يَنْفَعُ، والبُسْتانُ يَدُلُّ عَلى العَمَلِ، واحْتِراقُهُ يَدُلُّ عَلى حُبُوطِهِ؛ لِما تَقَدَّمَ في أمْثالِ القُرْآنِ، ومَن رَأى أنَّهُ يَنْقُضُ غَزْلًا أوْ ثَوْبًا لِعَبِيدِهِ مَرَّةً ثانِيَةً فَإنَّهُ يَنْقُضُ عَهْدًا ويَنْكُثُهُ، والمَشْيُ سَوِيًّا في طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ يَدُلُّ عَلى اسْتِقامَتِهِ عَلى الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ، والأخْذُ في بُنَيّاتِ الطَّرِيقِ يَدُلُّ عَلى عُدُولِهِ عَنْهُ إلى ما خالَفَهُ، وإذا عَرَضَتْ لَهُ طَرِيقانِ ذاتُ يَمِينٍ وذاتُ شِمالٍ فَسَلَكَ أحَدَهُما فَإنَّهُ مِن أهْلِها، وظُهُورُ عَوْرَةِ الإنْسانِ لَهُ ذَنْبٌ يَرْتَكِبُهُ ويَفْتَضِحُ بِهِ، وهُرُوبُهُ وفِرارُهُ مِن شَيْءٍ نَجاةٌ وظَفَرٌ، وغَرَقُهُ في الماءِ فِتْنَةٌ في دِينِهِ ودُنْياهُ، وتَعَلُّقُهُ بِحَبْلٍ بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ تَمَسُّكُهُ بِكِتابِ اللَّهِ وعَهْدِهِ واعْتِصامُهُ بِحَبْلِهِ، فَإنْ انْقَطَعَ بِهِ فارَقَ العِصْمَةَ إلّا أنْ يَكُونَ ولِيَ أمْرًا فَإنَّهُ قَدْ يُقْتَلُ أوْ يَمُوتُ. فالرُّؤْيا أمْثالٌ مَضْرُوبَةٌ يَضْرِبُها المَلَكُ الَّذِي قَدْ وكَّلَهُ اللَّهُ بِالرُّؤْيا لِيَسْتَدِلَّ الرّائِي بِما ضُرِبَ بِهِ مِن المِثْلِ عَلى نَظِيرِهِ، ويُعَبَّرُ مِنهُ إلى شَبَهِهِ، ولِهَذا سُمِّيَ تَأْوِيلُها تَعْبِيرًا، وهو تَفْعِيلٌ مِن العُبُورِ، كَما أنَّ الِاتِّعاظَ يُسَمّى اعْتِبارًا وعِبْرَةً لِعُبُورِ المُتَّعِظِ مِن النَّظِيرِ إلى نَظِيرِهِ، ولَوْلا أنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ حُكْمُ مِثْلِهِ وحُكْمُ النَّظِيرِ حُكْمُ نَظِيرِهِ لَبَطَلَ هَذا التَّعْبِيرُ والِاعْتِبارُ، ولَما وُجِدَ إلَيْهِ سَبِيلٌ، وقَدْ أخْبَرَ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - أنَّهُ ضَرَبَ الأمْثالَ لِعِبادِهِ في غَيْرِ مَوْضِعٍ مِن كِتابِهِ، وأمَرَ بِاسْتِماعِ أمْثالِهِ، ودَعا عِبادَهُ إلى تَعَقُّلِها، والتَّفْكِيرِ فِيها، والِاعْتِبارِ بِها، وهَذا هو المَقْصُودُ بِها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب