الباحث القرآني

* (فصل) وقد ذكر الله سبحانه وتعالى عن يوسف الصديق من العفاف أعظم ما يكون فإن الداعي الذي اجتمع في حقه لم يجتمع في حق غيره، فإنه كان شابا والشباب مركب الشهوة، وكان عزبا ليس عنده ما يعوضه وكان غريبا عن أهله ووطنه والمقيم بين أهله وأصحابه يستحي منهم أن يعلموا به فيسقط من عيونهم فإذا تغرب زال هذا المانع وكان في صورة المملوك والعبد لا يأنف مما يأنف منه الحر، وكانت المرأة ذات منصب وجمال والداعي مع ذلك أقوى من داعي من ليس كذلك وكانت هي المطالبة فيزول بذلك كلفة تعرض الرجل وطلبه وخوفه من عدم الإجابة وزادت مع الطلب الرغبة التامة والمراودة التي يزول معها ظن الامتحان والاختبار لتعلم عفافه من فجوره وكانت في محل سلطانها وبيتها بحيث تعرف وقت الإمكان ومكانه الذي لا تناله العيون وزادت مع ذلك تغليق الأبواب لتأمن هجوم الداخل على بغتة وأتته بالرغبة والرهبة ومع هذا كله فعف لله ولم يطعها وقد حق الله وحق سيدها على ذلك كله وهذا أمر لو ابتلي به سواه لم يعلم كيف كانت تكون حاله. فإن قيل فقد هم بها؟ قيل عنه جوابان: أحدهما أنه لم يهم بها بل لولا أن رأى برهان ربه لهم هذا قول بعضهم في تقدير الآية. والثاني وهو الصواب أن همه كان هم خطرات فتركه لله فأثابه الله عليه وهمها كان هم إصرار بذلت معه جهدها فلم تصل إليه فلم يستو الهمّان. قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه الهم همان همُّ خطرات وهمُّ إصرار، فهم الخطرات لا يؤاخذ به وهم الإصرار يؤاخذ به. * [فَصْلٌ: دَواءُ العِشْقِ] وَدَواءُ هَذا الدّاءُ القَتّالُ: أنْ يَعْرِفَ أنْ ما ابْتُلِيَ بِهِ مِن هَذا الدّاءِ المُضادِّ لِلتَّوْحِيدِ، إنَّما هو مِن جَهْلِهِ وغَفْلَةِ قَلْبِهِ عَنِ اللَّهِ تَعالى، فَعَلَيْهِ أنْ يَعْرِفَ تَوْحِيدَ رَبِّهِ وسُنَّتَهُ أوَّلًا، ثُمَّ يَأْتِي مِنَ العِباداتِ الظّاهِرَةِ والباطِنَةِ بِما يَشْغَلُ قَلْبَهُ عَنْ دَوامِ الفِكْرَةِ فِيهِ، ويُكْثِرُ اللَّجَأ والتَّضَرُّعَ إلى اللَّهِ سُبْحانَهُ في صَرْفِ ذَلِكَ عَنْهُ، وأنْ يُراجِعَ بِقَلْبِهِ إلَيْهِ، ولَيْسَ لَهُ دَواءٌ أنْفَعُ مِنَ الإخْلاصِ لِلَّهِ، وهو الدَّواءُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ في كِتابِهِ حَيْثُ قالَ: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ والفَحْشاءَ إنَّهُ مِن عِبادِنا المُخْلَصِينَ﴾ [يوسف: ٢٤]. وَأخْبَرَ سُبْحانَهُ أنَّهُ صَرَفَ عَنْهُ السُّوءَ مِنَ العِشْقِ والفَحْشاءَ مِنَ الفِعْلِ بِإخْلاصِهِ، فَإنَّ القَلْبَ إذا أخْلَصَ وأخْلَصَ عَمَلَهُ لِلَّهِ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنهُ عِشْقُ الصُّوَرِ فَإنَّهُ إنَّما يَتَمَكَّنُ مِن قَلْبٍ فارِغٍ، كَما قالَ: ؎أتانِي هَواها قَبْلَ أنْ أعْرِفَ الهَوى ∗∗∗ فَصادَفَ قَلْبًا خالِيًا فَتَمَكَّنا وَلْيَعْلَمِ العاقِلُ أنَّ العَقْلَ والشَّرْعَ يُوجِبانِ تَحْصِيلَ المَصالِحِ وتَكْمِيلَها، وإعْدامَ المَفاسِدِ وتَقْلِيلَها، فَإذا عَرَضَ لِلْعاقِلِ أمْرٌ يَرى فِيهِ مَصْلَحَةً ومَفْسَدَةً، وجَبَ عَلَيْهِ أمْرانِ: أمْرٌ عِلْمِيٌّ، وأمْرٌ عَمَلِيٌّ، فالعِلْمِيُّ: مَعْرِفَةُ الرّاجِحِ مِن طَرَفَيِ المَصْلَحَةِ والمَفْسَدَةِ، فَإذا تَبَيَّنَ لَهُ الرُّجْحانُ وجَبَ عَلَيْهِ إيثارُ الأصْلَحِ لَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب