الباحث القرآني

* (لطيفة) وَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أفْرَسُ النّاسِ ثَلاثَةٌ: العَزِيزُ في يُوسُفَ، حَيْثُ قالَ لِامْرَأتِهِ: ﴿أكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتَّخِذَهُ ولَدًا﴾ وابْنَةُ شُعَيْبٍ حِينَ قالَتْ لِأبِيها في مُوسى: اسْتَأْجِرْهُ وأبُو بَكْرٍ في عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، حَيْثُ اسْتَخْلَفَهُ. وفي رِوايَةٍ أُخْرى: وامْرَأةُ فِرْعَوْنَ حِينَ قالَتْ: ﴿قُرَّةُ عَيْنٍ لِي ولَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتَّخِذَهُ ولَدًا﴾ [القصص: ٩]. وَكانَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أعْظَمَ الأُمَّةِ فِراسَةً. وبَعْدَهُ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ووَقائِعُ فِراسَتِهِ مَشْهُورَةٌ. فَإنَّهُ ما قالَ لِشَيْءٍ أظُنُّهُ كَذا إلّا كانَ كَما قالَ. وَيَكْفِي في فِراسَتِهِ: مُوافَقَتُهُ رَبَّهُ في المَواضِعِ المَعْرُوفَةِ. وَمَرَّ بِهِ سَوّادُ بْنُ قارِبٍ، ولَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ. فَقالَ: لَقَدْ أخْطَأ ظَنِّي، أوْ أنَّ هَذا كاهِنٌ، أوْ كانَ يَعْرِفُ الكِهانَةَ في الجاهِلِيَّةِ. فَلَمّا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ قالَ لَهُ ذَلِكَ عُمَرُ. فَقالَ: سُبْحانَ اللَّهِ، يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، ما اسْتَقْبَلْتَ أحَدًا مِن جُلَسائِكَ بِمِثْلِ ما اسْتَقْبَلْتَنِي بِهِ. فَقالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ما كُنّا عَلَيْهِ في الجاهِلِيَّةِ أعْظَمُ مِن ذَلِكَ. ولَكِنْ أخْبِرْنِي عَمّا سَألْتُكَ عَنْهُ. فَقالَ: صَدَقْتَ يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ. كُنْتُ كاهِنًا في الجاهِلِيَّةِ. ثُمَّ ذَكَرَ القِصَّةَ. وَكَذَلِكَ عُثْمانُ بْنُ عَفّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صادِقُ الفِراسَةِ. وقالَ أنَسُ بْنُ مالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: دَخَلْتُ عَلى عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وكُنْتُ رَأيْتُ امْرَأةً في الطَّرِيقِ تَأمَّلْتُ مَحاسِنَها. فَقالَ عُثْمانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَدْخُلُ عَلَيَّ أحَدُكم وأثَرُ الزِّنا ظاهِرٌ في عَيْنَيْهِ. فَقُلْتُ: أوَحْيٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ فَقالَ: ولَكِنْ تَبْصِرَةٌ وبُرْهانٌ وفِراسَةٌ صادِقَةٌ. وَفِراسَةُ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم أصْدَقُ الفِراسَةِ. وَأصْلُ هَذا النَّوْعِ مِنَ الفِراسَةِ: مِنَ الحَياةِ والنُّورِ اللَّذَيْنِ يَهَبُهُما اللَّهُ تَعالى لِمَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ، فَيَحْيا القَلْبُ بِذَلِكَ ويَسْتَنِيرُ، فَلا تَكادُ فِراسَتُهُ تُخْطِئُ. قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿أوَمَن كانَ مَيْتًا فَأحْيَيْناهُ وجَعَلْنا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ في النّاسِ كَمَن مَثَلُهُ في الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنها﴾ [الأنعام: ١٢٢] كانَ مَيْتًا بِالكُفْرِ والجَهْلِ، فَأحْياهُ اللَّهُ بِالإيمانِ والعِلْمِ. وجَعَلَ لَهُ بِالقُرْآنِ والإيمانِ نُورًا يَسْتَضِيءُ بِهِ في النّاسِ عَلى قَصْدِ السَّبِيلِ. ويَمْشِي بِهِ في الظُّلَمِ. واللَّهُ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب