الباحث القرآني

وَقَوْلُ يُوسُفَ لِأبِيهِ وإخْوَتِهِ: ﴿هَذا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وقَدْ أحْسَنَ بِي إذْ أخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ﴾ وَلَمْ يَقُلْ: أخْرَجَنِي مِنَ الجُبِّ، حِفْظًا لِلْأدَبِ مَعَ إخْوَتِهِ. وتَفَتِّيًا عَلَيْهِمْ: أنْ لا يُخْجِلَهم بِما جَرى في الجُبِّ. وَقالَ ﴿وَجاءَ بِكم مِنَ البَدْوِ﴾ ولَمْ يَقُلْ: رَفَعَ عَنْكم جُهْدَ الجُوعِ والحاجَةَ. أدَبًا مَعَهم. وَأضافَ ما جَرى إلى السَّبَبِ. ولَمْ يُضِفْهُ إلى المُباشِرِ الَّذِي هو أقْرَبُ إلَيْهِ مِنهُ. فَقالَ: ﴿مِن بَعْدِ أنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وبَيْنَ إخْوَتِي﴾ فَأعْطى الفُتُوَّةَ والكَرْمَ والأدَبَ حَقَّهُ. ولِهَذا لَمْ يَكُنْ كَمالُ هَذا الخُلُقِ إلّا لِلرُّسُلِ والأنْبِياءِ صَلَواتُ اللَّهِ وسَلامُهُ عَلَيْهِمْ. وَمِن هَذا أمْرُ النَّبِيِّ ﷺ الرَّجُلَ: أنْ يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ، وإنْ كانَ خالِيًا لا يَراهُ أحَدٌ، أدَبًا مَعَ اللَّهِ، عَلى حَسَبِ القُرْبِ مِنهُ، وتَعْظِيمِهِ وإجْلالِهِ، وشِدَّةِ الحَياءِ مِنهُ، ومَعْرِفَةِ وقارِهِ. وَقالَ بَعْضُهُمُ: الزَمِ الأدَبَ ظاهِرًا وباطِنًا. فَما أساءَ أحَدٌ الأدَبَ في الظّاهِرِ إلّا عُوقِبَ ظاهِرًا. وَما أساءَ أحَدٌ الأدَبَ باطِنًا إلّا عُوقِبَ باطِنًا. وَقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُبارَكِ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَن تَهاوَنَ بِالأدَبِ عُوقِبَ بِحِرْمانِ السُّنَنِ. ومَن تَهاوَنَ بِالسُّنَنِ. عُوقِبَ بِحِرْمانِ الفَرائِضِ. ومَن تَهاوَنَ بِالفَرائِضِ عُوقِبَ بِحِرْمانِ المَعْرِفَةِ. وَقِيلَ: الأدَبُ في العَمَلِ عَلامَةُ قَبُولِ العَمَلِ. * (فصل) قول يوسف الصديق: ﴿إنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إنَّهُ هو العَلِيمُ الحَكِيمُ﴾ فأخبر أنه يلطف لما يريده فيأتي به بطرق خفية لا يعلمها الناس واسمه اللطيف يتضمن علمه بالأشياء الدقيقة وإيصاله الرحمة بالطرق الخفية ومنه التلطف كما قال أهل الكهف: ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ ولا يُشْعِرَنَّ بِكم أحَدًا﴾ فكان ظاهر ما امتحن به يوسف من مفارقة أبيه وإلقائه في السجن وبيعه رقيقا ثم مراودة التي هو في بيتها عن نفسه وكذبها عليه وسجنه محنا ومصائب وباطنها نعما وفتحا جعلها الله سببا لسعادته في الدنيا والآخرة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب