الباحث القرآني
* (فصل)
إذا عرف هذا، فالوسواس: فعلال من وسوس.
وأصل الوسوسة: الحركة أو الصوت الخفي الذي لا يحس، فيحترز منه.
فالوسواس: الإلقاء الخفي في النفس، إما بصوت خفي لا يسمعه إلا من ألقي إليه، وإما بغير صوت، كما يسوس الشيطان إلى العبد.
ومن هذا: وسوسة الحلي وهو حركته الخفية في الأذن.
والظاهر - والله أعلم - أنها سميت وسوسة لقربها، وشدة مجاورتها لمحل الوسوسة من شياطين الإنس. وهو الإذن. فقيل: وسوسة الحلي.
لأنه صوت مجاور للأذن، كوسوسة الكلام الذي يلقيه الشيطان في أذن من يوسوس له.
ولما كانت الوسوسة كلاما يكرره الموسوس، ويؤكده عند من يلقيه إليه كرروا لفظها بإزاء تكرير معناها. فقالوا: وسوس وسوسة. فراعوا تكرير اللفظ ليفهم منه تكرير مسماه.
ونظير هذا: ما تقدم من متابعتهم حركة اللفظ بإزاء متابعة حركة معناه، كالدوران، والغليان، والنزوان، وبابه.
ونظير ذلك: زلزل، ودكدك، وقلقل، وكبكب الشيء. لأن الزلزلة حركة متكررة. وكذلك الدكدكة، والقلقلة. وكذلك كبكب الشيء: إذا كبه في مكان بعيد، فهو يكبّ فيه كبا بعد كب كقوله تعالى: ﴿فَكُبْكِبُوا فِيها هم والغاوُونَ﴾
ومثله: رضرضه إذا كرر رضّة مرة بعد مرة.
ومثله: ذرذره. إذا ذره شيئا بعد شيء. ومثله صرصر: الباب: إذا تكرر صريره.
ومثله: مطمط الكلام: إذا مططه شيئا بعد شيء. ومثله: كفكف الشيء: إذا كرر كفّه، وهو كثير.
وقد علم بهذا أن من جعل هذا الرباعي بمعنى الثلاثي المضاعف لم يصب. لأن الثلاثي لا يدل على تكرار، بخلاف الرباعي المكرر، فإذا قلت: ذرّ الشيء وصر الباب، وكفّ الثوب، ورض الحبّ: لم يدل على تكرار الفعل، بخلاف ذرذر، وصرصر، ورضرض، ونحوه.
فتأمله. فإنه مطابق للقاعدة العربية في الحذو بالألفاظ حذو المعاني.
وقد تقدم التنبيه على ذلك. فلا وجه لإعادته.
وكذلك قولهم: عج العجل: إذا صوت. فإن تابع صوته، قالوا:
عجعج. وكذلك. ثجّ الماء إذا صبّ. فإن تكرر ذلك قيل: ثجثج.
والمقصود: أن الموسوس لما كان يكرر وسوسته ويتابعها، قيل: وسوس.
* (فصل)
إذا عرف هذا. فاختلف النحاة في لفظ الوسواس: هل هو وصف، أو مصدر؟ على قولين.
ونحن نذكر حجة كل قول. ثم نبين الصحيح من القولين بعون الله وفضله.
فأما من ذهب إلى أنه مصدر فاحتج بأن الفعل منه فعلل، والوصف من فعلل إنما مفعلل، كمدحرج، ومسرهف، ومبيطر، ومسيطر. وكذلك هو من فعل بوزن مفعل، كمقطع، ومخرج، وبابه. فلو كان بالوسواس صفة لقيل:
موسوس، ألا ترى أن اسم الفاعل من زلزل: مزلزل، لا زلزال. وكذلك من دكدك: مدكدك. وهو مطرد. فدل على أن الوسواس مصدر وصف به على وجه المبالغة. أو يكون على حذف مضاف، تقديره: ذو الوسواس.
قالوا: والدليل عليه أيضا قول الشاعر:
تسمع للحلى بها وسواسا
فهذا مصدر بمعنى الوسوسة سواء.
قال أصحاب القول الآخر: الدليل على أنه وصف: أن فعلل ضربان.
أحدهما: صحيح لا تكرار فيه، كدحرج، وسرهف، وبيطر. وقياس مصدر هذا الفعللة، كالدحرجة والسّرهفة، والبيطرة، والفعلان - بكسر الفاء - كالسّرهاف والدحراج. والوصف منه: مفعلل كمدحرج ومبيطر.
والثاني: فعّل الثنائي المكرر كزلزل، ودكدك ووسوس. وهذا فرع على فعلل المجرد عن التكرار. لأن الأصل السلامة من التكرار. ومصدر هذا النوع والوصف منه: مساو لمصدر الأول ووصفه. فمصدره يأتي على الفعللة، كالوسوسة، والزلزلة، والفعلان كالزلزال.
وأقيس المصدرين وأولاهما بنوعي فعلل: الفعلان. لأمرين.
أحدهما: أن فعلل مشاكل لأفعل في عدد الحروف وفتح الأول والثالث والرابع وسكون الثاني. فجعل إفعال مصدر أفعل، وفعلال مصدر فعلل ليتشاكل المصدران، كما يتشاكل الفعلان. فكان الفعلال أولى بهذا الوزن من الفعللة.
الثاني: أن أصل المصدر أن يخالف وزنه وزن فعله، ومخالفة فعلال لفعلل أشد من مخالفة فعللة له. فكان فعلال أحق بالمصدرية من فعللة، أو تساويا في الاطراد، مع أن فعللة أرجح في الاستعمال وأكثر. هذا هو الأصل.
وقد جاءوا بمصدر هذا الوزن المكرر مفتوح الفاء.
فقالوا: وسوس الشيطان وسواسا، ووعوع الكلب وعواعا. إذا عوى، وعظعظ السهم «١» عظعاظا. والجاري على القياس فعلال بكسر الفاء أو فعللة. وهذا المفتوح نادر. لأن الرباعي الصحيح أصل للمتكرر ولم يأت مصدر الصحيح، مع كونه أصلا، إلا على فعللة وفعلال بالكسر. فلم يحسن بالرباعي المكرر، لفرعيته، أن يكون مصدره إلا كذلك. لأن الفرع لا يخالف أصله، بل يحتذي فيه حذوه. وهذا يقتضي أن لا يكون مصدره على فعلال بالفتح. فإن شذ حفظ ولم يزد عليه.
قالوا: وأيضا فإن فعلالا المفتوح الفاء قد كثر وقوعه صفة مصوغة من فعلل المكرر، ليكون فيه نظير فعال من الثلاثي. لأنهما متشاركان وزنا.
فاقتضى ذلك أن لا يكون لفعلال من المصدرية نصيب، كما لم يكن لفعال فيها نصيب. فلذلك استندروا وقوع وسواس، ووعواع، وعظعاظ مصادر.
وإنما حقها أن تكون صفات دالة على المبالغة في مصادر هذه الأفعال.
قالوا: وإذا ثبت هذا: فحق ما وقع منها محتملا للمصدرية والوصفية أن يحمل على الوصفية حملا على الأكثر الغالب، وتجنبا للشاذ.
فمن زعم أن الوسواس مصدر مضاف إليه «ذو» تقديرا. فقوله خارج عن القياس والاستعمال الغالب.
ويدل على فساد ما ذهب إليه أمران.
أحدهما: أن كل مصدر أضيف إليه «ذو» تقديرا، فتجرده للمصدرية أكثر من الوصف به. كرضى وصوم وفطّر، وفعلال المفتوح لم يثبت تجرده للمصدرية إلا في ثلاثة ألفاظ فقط: وسواس، ووعواع، وعظعاظ، على أن منع المصدرية في هذا ممكن. لأن غاية ما يمكن أن يستدل به على المصدرية قولهم: وسوس إليه الشيطان وسواسا. وهذا لا يتعين للمصدرية، لاحتمال أن يراد به الوصفية: وينتصب وسواسا على الحال، ويكون حالا مؤكدة. فإن الحال قد يؤكد بها عاملها الموافق لها لفظا ومعنى، كقوله تعالى: ﴿وَأرْسَلْناكَ لِلنّاسِ رَسُولًا﴾ و ﴿سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ والنَّهارَ والشَّمْسَ والقَمَرَ والنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأمْرِهِ﴾.
نعم، إنما تتعين مصدرية الوسواس إذا سمع: أعوذ بالله من وسواس الشيطان ونحو ذلك مما يكون الوسواس فيه مضافا إلى فاعله، كما سمع ذلك في الوسوسة. ولكن أين لكم ذلك؟ فهاتوا شاهده. فبذلك يتعين أن يكون الوسواس مصدرا لا بانتصابه بعد الفعل.
الوجه الثاني من دليل فساد من زعم أن «وسواسا» مصدر مضاف إليه «ذو» تقديرا: أن المصدر المضاف إليه «ذو» تقديرا لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع. بل يلزم طريقة واحدة، ليعلم أصالته في المصدرية، وأنه عارض الوصفية فيقال: امرأة صوم، وامرأتان صوم، ونساء صوم لأن المعنى ذات صوم وذاتا صوم، وذوات صوم وفعلال الموصوف به ليس كذلك بل يثنى ويجمع ويؤنث فنقول: رجل ثرثار، وامرأة ثرثارة، ورجال ثرثارون، وفي الحديث «أبغضكم إليّ الثرثارون المتفيهقون» وقالوا: ريح رقراقة، أي تحرك الأشجار، وريح سفسافة أي تنخل التراب، ودرع فضفاضة أي متسعة، والفعل من ذلك كله فعلل، والمصدر فعللة وفعلال بالكسر، ولم ينقل في شيء من ذلك فعلال بالفتح وكذلك قالوا: تمتام وفأفاء، ولضلاض، أي ماهر في الدلالة، وفجفاج كثير الكلام وهرهار أي ضحاك، وكهكاه، ووطواط أي ضعيف، وحشحاش، وعسعاس أي خفيف. وهو كثير. ومصدره كله الفعللة، والوصف فعلال بالفتح، ومثله هفهاف أي خميص، ومثله دحداح، أي قصير، ومثله: بجباج أي جسيم، وتختاج:
أي ألكن، وشمشام: أي سريع، وشيء خشخاش أي مصوت، وقعقاع مثله، وأسد قضقاض: أي كاسر، وحيّة نضناض: تحرك لسانها.
فقد رأيت فعلال في هذا كله وصفا لا مصدرا. فما بال الوسواس أخرج عن نظائره وقياس بابه؟
فثبت أن وسواسا وصف لا مصدر، كثرثار، وتمتام، ودحداح وبابه.
ويدل عليه وجه آخر: وهو أنه وصفه بما يستحيل أن يكون مصدرا، بل هو متعين في الوصفية، وهو «الخناس» فالوسواس، والخناس: وصفان لموصوف محذوف. وهو الشيطان.
وحسّن حذف الموصوف هاهنا غلبة الوصف، حتى صار كالعلم عليه.
والموصوف إنما يقبح حذفه إذا كان الوصف مشتركا. فيقع اللبس كالطويل والقبيح، والحسن ونحوه، فيتعين ذكر الموصوف ليعلم أن الصفة له لا لغيره.
فأما إذا غلب الوصف واختص، ولم يعرض فيه اشتراك. فإنه يجرى مجرى الاسم، ويحسن حذف الموصوف: كالمسلم والكافر، والبر، والفاجر، والقاصي، والداني، والشاهد والوالي، ونحو ذلك. فحذف الموصوف هنا أحسن من ذكره.
وهذا التفصيل أولى من إطلاق من منع حذف الموصوف ولم يفصل.
ومما يدل على أن الوسواس وصف لا مصدر: أن الوصفية أغلب على فعلال من المصدرية كما تقدم. فلو أريد المصدر لأتى بذو المضافة إليه ليزول اللبس وتتعين المصدرية. فإن اللفظ إذا احتمل الأمرين على السواء فلا بد من قرينه تدل على تعيين أحدهما. فكيف والوصفية أغلب عليه من المصدرية؟
وهذا بخلاف صوم وفطر وبابهما، فإنهما مصادر لا تلتبس بالأوصاف.
فإذا جرت أوصافا علم أنها على حذف مضاف، أو تنزيلا للمصدر منزلة الوصف، مبالغة، على الطريقتين في ذلك.
فتعين أن «الوسواس» هو الشيطان نفسه. وأنه ذات لا مصدر. والله أعلم.
* (فصل)
وأما الخناس: فهو فعّال، من خنس يخنس: إذا توارى واختفى.
ومنه قول أبي هريرة «لقيني النبي ﷺ في بعض طرق المدينة، وأنا جنب. فانخنست منه».
وحقيقة اللفظ: اختفاء بعد ظهور. فليست لمجرد الاختفاء. ولهذا وصفت بها الكواكب في قوله تعالى: {٨١: ١٥ فَلا أُقْسِمُ بِالخُنَّسِ قال قتادة: هي النجوم تبدو بالليل وتخنس بالنهار، فتختفي ولا ترى. وكذلك قال علي رضي الله عنه: هي الكواكب تخنس بالنهار فلا ترى.
وقالت طائفة: الخنّس: هي الراجعة التي ترجع كل ليلة إلى جهة المشرق، وهي السبعة السيارة.
قالوا: وأصل الخنوس: الرجوع إلى وراء. و «الخناس» مأخوذ من هذين المعنيين. فهو من الاختفاء والرجوع والتأخر. فإن العبد إذا غفل عن ذكر الله جثم على قلبه الشيطان. وانبسط عليه، وبذر فيه أنواع الوساوس التي هي أصل الذنوب كلها. فإذا ذكر العبد ربه واستعاذ به، انخنس وانقبض، كما ينخنس الشيء ليتوارى. وذلك الانخناس والانقباض: هو أيضا تجمّع ورجوع، وتأخر عن القلب إلى خارج. فهو تأخر ورجوع معه اختفاء.
وخنس وانخنس: يدل على الأمرين معا. قال قتادة: الخناس: له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان. فإذا ذكر العبد ربه خنسه.
ويقال: رأسه كرأس الحية. وهو واضع رأسه على ثمرة القلب يمنّيه ويحدثه. فإذا ذكر الله خنس. وإذا لم يذكره عاد، ووضع رأسه يوسوس إليه ويمنيه.
وجيء من هذا الفعل بوزن فعّال الذي للمبالغة دون الخانس والمنخنس: إيذانا بشدة هروبه ورجوعه، وعظم نفوره عند ذكر الله. وأن ذلك دأبه وديدنه لا أنه يعرض له ذلك ذكر الله أحيانا. بل إذا ذكر الله هرب وانخنس وتأخر. فإن ذكر الله هو مقمعته التي يقمع بها، كما يقمع المفسد والشرير بالمقامع التي تردعه من سياط وحديد وعصىّ ونحوها. فذكر الله يقمع الشيطان ويؤلمه ويؤذيه، كالسياط والمقامع التي تؤذي من يضرب بها.
ولهذا يكون شيطان المؤمن هزيلا ضئيلا مضنى، مما يعذبه المؤمن ويقمعه به من ذكر الله وطاعته.
وفي أثر عن بعض السلف: أن المؤمن ينضي شيطانه كما ينضي الرجل بعيره في السفر. لأنه كلما اعترضه صب عليه سياط الذكر، والتوجه والاستغفار والطاعة، فشيطانه معه في عذاب شديد. ليس بمنزلة شيطان الفاجر الذي هو معه في راحة ودعة. ولهذا يكون قويا عاتيا شديدا.
فمن لم يعذب شيطانه في هذه الدار بذكر الله تعالى وتوحيده واستغفاره وطاعته عذبه شيطانه في الآخرة بعذاب النار. فلا بد لكل أحد أن يعذب شيطانه أو يعذبه شيطانه.
وتأمل كيف جاء بناء «الوسواس» مكررا لتكريره الوسوسة الواحدة مرارا، حتى يعزم عليها العبد. وجاء بناء «الخناس» على وزن الفعال الذي يتكرر منه نوع الفعل. لأنه كلما ذكر الله انخنس، ثم إذا غفل العبد عاوده بالوسوسة. فجاء بناء اللفظين مطابقا لمعنييهما.
* [فَصْلٌ: فِيما يَقُولُهُ ويَفْعَلُهُ مَنِ ابْتُلِيَ بِالوَسْواسِ، وما يَسْتَعِينُ بِهِ عَلى الوَسْوَسَةِ]
رَوى صالِحُ بْنُ كَيْسانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ يَرْفَعُهُ: «إنَّ لِلْمَلَكِ المُوَكَّلِ بِقَلْبِ ابْنِ آدَمَ لَمَّةً، ولِلشَّيْطانِ لَمَّةً، فَلَمَّةُ المَلَكِ إيعادٌ بِالخَيْرِ وتَصْدِيقٌ بِالحَقِّ ورَجاءُ صالِحِ ثَوابِهِ، ولَمَّةُ الشَّيْطانِ إيعادٌ بِالشَّرِّ وتَكْذِيبٌ بِالحَقِّ وقُنُوطٌ مِنَ الخَيْرِ، فَإذا وجَدْتُمْ لَمَّةَ المَلَكِ، فاحْمَدُوا اللَّهَ وسَلُوهُ مِن فَضْلِهِ، وإذا وجَدْتُمْ لَمَّةَ الشَّيْطانِ فاسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ فاسْتَغْفِرُوهُ»
«وَقالَ لَهُ عُثْمانُ بْنُ أبِي العاصِ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ الشَّيْطانَ قَدْ حالَ بَيْنِي وبَيْنَ صَلاتِي وقِراءَتِي، قالَ: (ذاكَ شَيْطانٌ يُقالُ لَهُ خِنْزَبٌ، فَإذا أحْسَسْتَهُ، فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنهُ، واتْفُلْ عَنْ يَسارِكَ ثَلاثًا»
«وَشَكا إلَيْهِ الصَّحابَةُ أنَّ أحَدَهم يَجِدُ في نَفْسِهِ - يُعَرِّضُ بِالشَّيْءِ - لَأنْ يَكُونَ حُمَمَةً أحَبُّ إلَيْهِ مِن أنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ فَقالَ: (اللَّهُ أكْبَرُ، اللَّهُ أكْبَرُ، الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ كَيْدَهُ إلى الوَسْوَسَةِ».
«وَأرْشَدَ مَن بُلِيَ بِشَيْءٍ مِن وسْوَسَةِ التَّسَلْسُلِ في الفاعِلِينَ، إذا قِيلَ لَهُ: هَذا اللَّهُ خَلَقَ الخَلْقَ، فَمَن خَلَقَ اللَّهَ؟ أنْ يَقْرَأ: ﴿هُوَ الأوَّلُ والآخِرُ والظّاهِرُ والباطِنُ وهو بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾» [الحديد: ٣].
كَذَلِكَ «قالَ ابْنُ عَبّاسٍ لأبي زميل سماك بن الوليد الحنفي، وقَدْ سَألَهُ: ما شَيْءٌ أجِدُهُ في صَدْرِي؟
قالَ: ما هُوَ؟ قالَ: قُلْتُ: واللَّهِ لا أتَكَلَّمُ بِهِ. قالَ فَقالَ لِي: أشَيْءٌ مِن شَكٍّ؟ قُلْتُ: بَلى، فَقالَ لِي: ما نَجا مِن ذَلِكَ أحَدٌ، حَتّى أنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿فَإنْ كُنْتَ في شَكٍّ مِمّا أنْزَلْنا إلَيْكَ فاسْألِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الكِتابَ مِن قَبْلِكَ﴾ [يونس: ٩٤]
قالَ: فَقالَ لِي: فَإذا وجَدْتَ في نَفْسِكَ شَيْئًا، فَقُلْ: ﴿هُوَ الأوَّلُ والآخِرُ والظّاهِرُ والباطِنُ وهو بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾»
فَأرْشَدَهم بِهَذِهِ الآيَةِ إلى بُطْلانِ التَّسَلْسُلِ الباطِلِ بِبَدِيهَةِ العَقْلِ، وأنَّ سِلْسِلَةَ المَخْلُوقاتِ في ابْتِدائِها تَنْتَهِي إلى أوَّلَ لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ، كَما تَنْتَهِي في آخِرِها إلى آخِرٍ لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، كَما أنَّ ظُهُورَهُ هو العُلُوُّ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ، وبُطُونَهُ هو الإحاطَةُ الَّتِي لا يَكُونُ دُونَهُ فِيها شَيْءٌ، ولَوْ كانَ قَبْلَهُ شَيْءٌ يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِيهِ لَكانَ ذَلِكَ هو الرَّبَّ الخَلّاقَ، ولا بُدَّ أنْ يَنْتَهِيَ الأمْرُ إلى خالِقٍ غَيْرِ مَخْلُوقٍ وغَنِيٍّ عَنْ غَيْرِهِ، وكُلُّ شَيْءٍ فَقِيرٌ إلَيْهِ قائِمٌ بِنَفْسِهِ، وكُلُّ شَيْءٍ قائِمٌ بِهِ مَوْجُودٌ بِذاتِهِ، وكُلُّ شَيْءٍ مَوْجُودٌ بِهِ. قَدِيمٌ لا أوَّلَ لَهُ، وكُلُّ ما سِواهُ فَوُجُودُهُ بَعْدَ عَدَمِهِ باقٍ بِذاتِهِ، وبَقاءُ كُلِّ شَيْءٍ بِهِ فَهو الأوَّلُ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ، والآخِرُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، الظّاهِرُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ، الباطِنُ الَّذِي لَيْسَ دُونَهُ شَيْءٌ.
وَقالَ ﷺ: «لا يَزالُ النّاسُ يَتَساءَلُونَ حَتّى يَقُولَ قائِلُهُمْ: هَذا اللَّهُ خَلَقَ الخَلْقَ فَمَن خَلَقَ اللَّهَ؟ فَمَن وجَدَ مِن ذَلِكَ شَيْئًا، فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ ولْيَنْتَهِ)، وقَدْ قالَ تَعالى: ﴿وَإمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إنَّهُ هو السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾» [فصلت: ٣٦].
وَلَمّا كانَ الشَّيْطانُ عَلى نَوْعَيْنِ: نَوْعٍ يُرى عِيانًا، وهو شَيْطانُ الإنْسِ، ونَوْعٍ لا يُرى، وهو شَيْطانُ الجِنِّ، أمَرَ سُبْحانَهُ وتَعالى نَبِيَّهُ ﷺ أنْ يَكْتَفِيَ مِن شَرِّ شَيْطانِ الإنْسِ بِالإعْراضِ عَنْهُ، والعَفْوِ، والدَّفْعِ بِالَّتِي هي أحْسَنُ، ومِن شَيْطانِ الجِنِّ بِالِاسْتِعاذَةِ بِاللَّهِ مِنهُ، والعَفْوِ، وجَمَعَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ في سُورَةِ الأعْرافِ، وسُورَةِ المُؤْمِنِينَ، وسُورَةِ فُصِّلَتْ، والِاسْتِعاذَةِ في القِراءَةِ والذِّكْرِ أبْلَغُ في دَفْعِ شَرِّ شَياطِينِ الجِنِّ، والعَفْوُ والإعْراضُ والدَّفْعُ بِالإحْسانِ أبْلَغُ في دَفْعِ شَرِّ شَياطِينِ الإنْسِ.
قالَ:
؎فَما هو إلّا الِاسْتِعاذَةُ ضارِعًا ∗∗∗ أوِ الدَّفْعُ بِالحُسْنى هُما خَيْرُ مَطْلُوبِ
؎فَهَذا دَواءُ الدّاءِ مِن شَرِّ ما يُرى ∗∗∗ وذاكَ دَواءُ الدّاءِ مِن شَرِّ مَحْجُوبِ
{"ayah":"مِن شَرِّ ٱلۡوَسۡوَاسِ ٱلۡخَنَّاسِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق