الباحث القرآني

{وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَيْهِ ومِن قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ ياقَوْمِ هَؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أطْهَرُ لَكم فاتَّقُوا اللَّهَ ولا تُخْزُونِ في ضَيْفِي ألَيْسَ مِنكم رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨) قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا في بَناتِكَ مِن حَقٍّ وإنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (٧٩) قالَ لَوْ أنَّ لِي بِكم قُوَّةً أوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠) قالُوا يالُوطُ إنّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إلَيْكَ فَأسْرِ بِأهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ ولا يَلْتَفِتْ مِنكم أحَدٌ إلّا امْرَأتَكَ إنَّهُ مُصِيبُها ما أصابَهم إنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ألَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١) فَلَمّا جاءَ أمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وأمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِن سِجِّيلٍ مَنضُودٍ (٨٢) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وما هي مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (٨٣) وَتَأمَّلْ خُبْثَ اللُّوطِيَّةِ وفَرْطَ تَمَرُّدِهِمْ عَلى اللَّهِ حَيْثُ جاءُوا نَبِيَّهم لُوطًا لَمّا سَمِعُوا بِأنَّهُ قَدْ طَرَقَهُ أضْيافٌ هم مِن أحْسَنِ البَشَرِ صُوَرًا، فَأقْبَلَ اللُّوطِيَّةُ إلَيْهِمْ يُهَرْوِلُونَ، فَلَمّا رَآهم قالَ لَهُمْ: ﴿ياقَوْمِ هَؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أطْهَرُ لَكُمْ﴾ [هود: ٧٨]. فَفَدى أضْيافَهُ بِبَناتِهِ يُزَوِّجُهم بِهِمْ خَوْفًا عَلى نَفْسِهِ وأضْيافِهِ مِنَ العارِ الشَّدِيدِ، فَقالَ: ﴿ياقَوْمِ هَؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أطْهَرُ لَكم فاتَّقُوا اللَّهَ ولا تُخْزُونِي في ضَيْفِي ألَيْسَ مِنكم رَجُلٌ رَشِيدٌ﴾، فَرَدُّوا عَلَيْهِ، ولَكِنْ رَدَّ جَبّارٍ عَنِيدٍ: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا في بَناتِكَ مِن حَقٍّ وإنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ﴾ [هود: ٧٩]. فَنَفَثَ نَبِيُّ اللَّهِ مِنهُ نَفْثَةَ مَصْدُورٍ خَرَجَتْ مِن قَلْبٍ مَكْرُوبٍ، فَقالَ: ﴿لَوْ أنَّ لِي بِكم قُوَّةً أوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ فَنَفَّسَ لَهُ رُسُلُ اللَّهِ عَنْ حَقِيقَةِ الحالِ، وأعْلَمُوهُ أنَّهم مِمَّنْ لَيْسُوا يُوصَلُ إلَيْهِمْ، ولا إلَيْهِ بِسَبَبِهِمْ، فَلا تَخَفْ مِنهُمْ، ولا تَعْبَأْ بِهِمْ، وهَوِّنْ عَلَيْكَ، فَقالُوا: ﴿يالُوطُ إنّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إلَيْكَ﴾ وبَشَّرُوهُ بِما جاءُوا بِهِ مِنَ الوَعْدِ لَهُ ولِقَوْمِهِ مِنَ الوَعِيدِ المُصِيبِ فَقالُوا: ﴿فَأسْرِ بِأهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ ولا يَلْتَفِتْ مِنكم أحَدٌ إلّا امْرَأتَكَ إنَّهُ مُصِيبُها ما أصابَهم إنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ألَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ [هود: ٨١]. فاسْتَبْطَأ نَبِيُّ اللَّهِ مَوْعِدَ هَلاكِهِمْ، وقالَ: أُرِيدُ أعْجَلَ مِن هَذا، فَقالَتِ المَلائِكَةُ: ﴿ألَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ فَواللَّهِ ما كانَ بَيْنَ إهْلاكِ أعْداءِ اللَّهِ ونَجاةِ نَبِيِّهِ وأوْلِيائِهِ إلّا ما بَيْنَ السَّحَرِ وطُلُوعِ الفَجْرِ، وإذا بِدِيارِهِمْ قَدِ اقْتُلِعَتْ مِن أصْلِها، ورُفِعَتْ نَحْوَ السَّماءِ حَتّى سَمِعَتِ المَلائِكَةُ نُباحَ الكِلابِ ونَهِيقَ الحَمِيرِ، فَبَرَزَ المَرْسُومُ الَّذِي لا يُرَدُّ مِن عِنْدِ الرَّبِّ الجَلِيلِ، إلى عَبْدِهِ ورَسُولِهِ جِبْرائِيلَ، بِأنْ قَلَبَها عَلَيْهِمْ كَما أخْبَرَ بِهِ في مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ، فَقالَ عَزَّ مِن قائِلٍ: ﴿فَلَمّا جاءَ أمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وأمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِن سِجِّيلٍ مَنضُودٍ﴾ [هود: ٨٢] فَجَعَلَهم آيَةً لِلْعالَمِينَ ومَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ، ونَكالًا وسَلَفًا لِمَن شارَكَهم في أعْمالِهِمْ مِنَ المُجْرِمِينَ، وجَعَلَ دِيارَهم بِطَرِيقِ السّالِكِينَ، ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ - وإنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ - إنَّ في ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الحجر: ٧٥-٧٧]. أخَذَهم عَلى غِرَّةٍ وهم نائِمُونَ، وجاءَهم بَأْسُهُ وهم في سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ، فَما أغْنى عَنْهم ما كانُوا يَكْسِبُونَ، فَقُلِبَتْ تِلْكَ اللَّذَّةُ آلامًا، فَأصْبَحُوا بِها يُعَذَّبُونَ. ؎مَآرِبُ كانَتْ في الحَياةِ لِأهْلِها ∗∗∗ عَذابًا فَصارَتْ في المَماتِ عَذابًا ذَهَبَتِ اللَّذّاتُ وأعْقَبَتِ الحَسَراتِ، وانْقَضَتِ الشَّهَواتُ، وأوْرَثَتِ الشِّقْواتِ، وتَمَتَّعُوا قَلِيلًا، وعُذِّبُوا طَوِيلًا، رَتَعُوا مَرْتَعًا وخِيمًا فَأعْقَبَهم عَذابًا ألِيمًا، أسْكَرَتْهم خَمْرَةُ تِلْكَ الشَّهَواتِ، فَما اسْتَفاقُوا مِنها إلّا في دِيارِ المُعَذَّبِينَ، وأرْقَدَتْهم تِلْكَ الغَفْلَةُ، فَما اسْتَيْقَظُوا مِنها إلّا وهم في مَنازِلِ الهالِكِينَ، فَنَدِمُوا واللَّهِ أشَدَّ النَّدامَةِ حِينَ لا يَنْفَعُ النَّدَمُ، وبَكَوْا عَلى ما أسْلَفُوهُ بَدَلَ الدُّمُوعِ بِالدَّمِ، فَلَوْ رَأيْتَ الأعْلى والأسْفَلَ مِن هَذِهِ الطّائِفَةِ، والنّارُ تَخْرُجُ مِن مَنافِذِ وُجُوهِهِمْ وأبْدانِهِمْ وهم بَيْنَ أطْباقِ الجَحِيمِ، وهم يَشْرَبُونَ بَدَلَ لَذِيذِ الشَّرابِ كُئُوسَ الحَمِيمِ، ويُقالُ لَهم وهم عَلى وُجُوهِهِمْ يُسْحَبُونَ: ﴿ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ - اصْلَوْها فاصْبِرُوا أوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكم إنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الطور: ١٦]. وَقَدْ قَرَّبَ اللَّهُ سُبْحانَهُ مَسافَةَ العَذابِ بَيْنَ هَذِهِ الأُمَّةِ وبَيْنَ إخْوانِهِمْ في العَمَلِ، فَقالَ مُخَوِّفًا لَهم أنْ يَقَعَ الوَعِيدُ: ﴿وَما هي مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: ٨٣]. ؎فَيا ناكِحِي الذُّكْرانِ يَهْنِيكُمُ البُشْرى ∗∗∗ فَيَوْمَ مَعادِ النّاسِ إنَّ لَكم أجْرًا ؎كُلُوا واشْرَبُوا وازْنُوا ولُوطُوا وأبْشِرُوا ∗∗∗ فَإنَّ لَكم زَفَرًا إلى الجَنَّةِ الحَمْرا ؎فَإخْوانُكم قَدْ مَهَّدُوا الدّارَ قَبْلَكُمُ ∗∗∗ وقالُوا إلَيْنا عَجِّلُوا لَكُمُ البُشْرى وَها نَحْنُ أسْلافٌ لَكم في انْتِظارِكُمُ ؎سَيَجْمَعُنا الجَبّارُ في نارِهِ الكُبْرى ∗∗∗ ولا تَحْسَبُوا أنَّ الَّذِينَ نَكَحْتُمُو ؎يَغِيبُونَ عَنْكم بَلْ تَرَوْنَهم جَهْرًا ∗∗∗ ويَلْعَنُ كُلًّا مِنكُما بِخَلِيلِهِ ؎وَيَشْقى بِهِ المَحْزُونُ في الكَرَّةِ الأُخْرى ∗∗∗ يُعَذِّبُ كُلًّا مِنهُما بِشَرِيكِهِ كَما اشْتَرَكا في لَذَّةٍ تُوجِبُ الوِزْرا * (فصل) قال مجاهد لو أن الذي يعمل ذلك العمل - يعني عمل قوم لوط - اغتسل بكل قطرة في السماء وكل قطرة في الأرض لم يزل نجسا وقد ذكر الله سبحانه عقوبة اللوطية وما حل بهم من البلاء في عشر سور من القرآن وهي سورة الأعراف وهود والحجر والأنبياء والفرقان والشعراء والنمل والعنكبوت والصافات واقتربت الساعة وجمع على القوم بين عمى الأبصار وخسف الديار والقذف بالأحجار ودخول النار وقال محذرا لمن عمل عملهم ما حل بهم من العذاب الشديد ﴿وما قوم لوط منكم ببعيد﴾ وقال بعض العلماء إذا علا الذَّكَرُ الذَّكَرَ هربت الملائكة وعجت الأرض إلى ربها ونزل سخط الجبار جل جلاله عليهم وغشيتهم اللعنة، وحفت بهم الشياطين، واستأذنت الأرض ربها أن تخسف بهم، وثقل العرش على حملته، وكبرت الملائكة، واستعرت الجحيم، فإذا جاءته رسل الله لقبض روحه نقلوها إلى ديار إخوانهم وموضع عذابهم فكانت روحه بين أرواحهم، وذلك أضيق مكانا وأعظم عذابا من تنور الزناة، فلا كانت لذة توجب هذا العذاب الأليم وتسوق صاحبها إلى مرافقة أصحاب الجحيم تذهب اللذات وتعقب الحسرات وتفنى الشهوة وتبقى الشقوة وكان الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ينشد ؎تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها ∗∗∗ من الحرام ويبقى الخزي والعار ؎تبقى عواقب سوء في مغبتها ∗∗∗ لا خير في لذة من بعدها النار
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب