الباحث القرآني

(فائدة: في أن الذبيح إسماعيل - عليه السلام - لا إسْحاقُ) وَكَيْفَ يَسُوغُ أنْ يُقالَ: إنَّ الذَّبِيحَ إسْحاقُ، واللَّهُ تَعالى قَدْ بَشَّرَ أُمَّ إسْحاقَ بِهِ وبِابْنِهِ يَعْقُوبَ، فَقالَ تَعالى عَنِ المَلائِكَةِ: إنَّهم قالُوا لِإبْراهِيمَ لَمّا أتَوْهُ بِالبُشْرى: ﴿لا تَخَفْ إنّا أُرْسِلْنا إلى قَوْمِ لُوطٍ - وامْرَأتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإسْحاقَ ومِن وراءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ﴾ فَمُحالٌ أنْ يُبَشِّرَها بِأنَّهُ يَكُونُ لَها ولَدٌ ثُمَّ يَأْمُرَ بِذَبْحِهِ، ولا رَيْبَ أنَّ يَعْقُوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ داخِلٌ في البِشارَةِ، فَتَناوُلُ البِشارَةِ لِإسْحاقَ ويَعْقُوبَ في اللَّفْظِ واحِدٌ، وهَذا ظاهِرُ الكَلامِ وسِياقُهُ. وأيضا فإن الله سبحانه بشر سارة أم إسحاق: ﴿بِإسْحاقَ ومِن وراءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ﴾ فبشرها بهما جمعيا، فكيف يأمر بعد ذلك بذبح إسحاق، وقد بشر أبويه بولد ولده؟! فَإنْ قِيلَ: لَوْ كانَ الأمْرُ كَما ذَكَرْتُمُوهُ لَكانَ " يَعْقُوبُ " مَجْرُورًا عَطْفًا عَلى إسْحاقَ، فَكانَتِ القِراءَةُ ﴿وَمِن وراءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ﴾ أيْ: ويَعْقُوبُ مِن وراءِ إسْحاقَ. قِيلَ لا يَمْنَعُ الرَّفْعُ أنْ يَكُونَ يَعْقُوبُ مُبَشَّرًا بِهِ؛ لِأنَّ البِشارَةَ قَوْلٌ مَخْصُوصٌ، وهي أوَّلُ خَبَرٍ سارٍّ صادِقٍ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمِن وراءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ﴾ جُمْلَةٌ مُتَضَمِّنَةٌ لِهَذِهِ القُيُودِ، فَتَكُونُ بِشارَةً، بَلْ حَقِيقَةُ البِشارَةِ هي الجُمْلَةُ الخَبَرِيَّةُ. وَلَمّا كانَتِ البِشارَةُ قَوْلًا كانَ مَوْضِعُ هَذِهِ الجُمْلَةِ نَصْبًا عَلى الحِكايَةِ بِالقَوْلِ، كَأنَّ المَعْنى: وقُلْنا لَها: مِن وراءِ إسْحاقَ يَعْقُوبُ، والقائِلُ إذا قالَ: بَشَّرْتُ فُلانًا بِقُدُومِ أخِيهِ وثِقَلِهِ في أثَرِهِ لَمْ يُعْقَلْ مِنهُ إلّا بِشارَتُهُ بِالأمْرَيْنِ جَمِيعًا. هَذا مِمّا لا يَسْتَرِيبُ ذُو فَهْمٍ فِيهِ ألْبَتَّةَ، ثُمَّ يُضْعِفُ الجَرَّ أمْرٌ آخَرُ وهو ضَعْفُ قَوْلِكَ: مَرَرْتُ بِزَيْدٍ ومِن بَعْدِهِ عَمْرٍو، ولِأنَّ العاطِفَ يَقُومُ مَقامَ حَرْفِ الجَرِّ، فَلا يُفْصَلُ بَيْنَهُ وبَيْنَ المَجْرُورِ، كَما لا يُفْصَلُ بَيْنَ حَرْفِ الجَرِّ والمَجْرُورِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب