الباحث القرآني

* (فائدة) في دخول الشرط على الشروط وهو صور: أحدها: إن خرجت ولبست فأنت طالق لا يحنث إلا بهما كيفما كانا. الثانية: إن لبست فخرجت لم يحنث إلا بخروج بعد لبس. الثالثة: إن لبست ثم خرجت لا يحنث إلا بخروجها بعد لبسها لا معه ويكون متراخيا هذا البناء على ظاهر اللفظ وأما قصده فيراعي ولا يلتفت إلى هذا. الرابعة: إن خرجت لا إن لبست يحنث بالخروج وحده ولا يحنث باللبس ويحتمل هذا التعليق أمرين: أحدهما: أن يجعل الخروج شرطا ويبقى أن يكون اللبس شرطا فحكمه ما ذكرنا. الثاني: أن يجعل الخروج مع عدم اللبس شرطا فلا يحنث بخروج معه لبس ويكون المعنى إن خرجت لا لابسه أو غير لابسة فإن خرجت لابسة لم يحنث. الخامسة: إن خرجت بل إن لبست فلا يحنث إلا باللبس دون الخروج ويحتمل هذا التعليق أيضا أمرين: أحدهما: هذا. والثاني: أن يكون كل منهما شرطا فيحنث بأيهما وجد ويكون الإضراب إضراب اقتصار لا إضراب إلغاء فكأنه يقول: لا أقتصر على جعل الأول وحده شرطا بل أيهما وجد فهو شرط فعلى التقدير الأول يكون إضراب إلغاء ورجوع وعلى الثاني إضراب اقتصار وإفراد. السادسة: إن خرجت أو إن لبست يحنث بأيهما وجد. السابعة: إن لبست لكن إن خرجت فالشرط الثاني قد لغا الأول بـ (لكن) لأنها للاستدراك. الثامنة: وهي أشكلها إن لبست إن خرجت وهذه مسألة دخول الشرط على ويحتمل التعليق في ذلك أمرين: أحدهما: أن يجعل كل واحد منهما شرطا مستقلا فيكون كالمعطوف بالواو سواء ولا إشكال. والثاني: أن يجعل أحدهما شرطا في الآخر. واختلف الفقهاء في حكم هذه المسألة فقال أصحاب مالك هو تعليق للتعليق ففي هذا الكلام تعليقان: أحدهما إن لبست فأنت طالق ثم علق هذه الجملة المعلقة بالخروج فكأنه قال شرط نفوذ هذا التعليق الخروج فعلى هذا لا يحنت حتى يوجد الخروج بعد اللبس وممن نص عليها ابن شاش في الجواهر وقال أبو إسحاق في المهذب وقد صور المسألة: "إن كلمت زيدا إن دخلت الدار فأنت طالق ثم كلمت زيدا طلقت وإن كلمت زيدا أولا ثم دخلت الدار لم تطلق لأنه جعل دخول الدار شرطا في كلام زيد فوجب تقديمه عليه" وهكذا عكس قول المالكية ورجح أبو المعالي قول المالكية في نهايته. وقد وقع هذا التعليق في كتاب الله عز وجل في مواضع: أحدها: قوله - حكاية عن نوح-: ﴿وَلا يَنْفَعُكم نُصْحِي إنْ أرَدْتُ أنْ أنْصَحَ لَكم إنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أنْ يُغْوِيَكُم﴾ وهذا ظاهر في أن الشرط الثاني شرط في الشرط الأول والمعنى إن أراد الله أن يغويكم لم ينفعكم نصحي إن أردته وهذا يشهد لصحة ما قال الشيخ أبو إسحاق. الموضع الثاني: قوله تعالى: ﴿وامْرَأةً مُؤْمِنَةً إنْ وهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إنْ أرادَ النَّبِيُّ أنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ﴾ قالوا فهذه الآية ظاهرة في قول المالكية لأن إرادة رسول الله ﷺ متأخرة عن هبتها فإنها تجري مجرى القبول في هذا العقد والإيجاب هو هبتها. ونظير هذا أن يقول: إن وهب لي شيئا إن أردت قبوله أخذته فإرادة القبول متأخرة عن الهبة فلا يكون شرطا فيها قال الأولون: يجوز أن تكون إرادة رسول الله ﷺ فلما فهمت المرأة منه ذلك وهبت نفسها له فيكون كالآية الأولى. وهذا غير صحيح والقصة تأباه فإن المرأة قامت وقالت: يا رسول الله إني وهبت لك نفسي فصعّد فيها النظر وصوّبه ثم لم يتزوجها وزوجها غيره. الموضع الثالث: قوله تعالى: ﴿فَلَوْلا إنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَها إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ المعنى: فلولا ترجعونها أي تردون الروح إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مربوبين مملوكين إن كنتم صادقين وهنا الثاني شرط للأول والمعنى إن كنتم صادقين في قولكم فهلا تردونها إن كنتم غير مدينين ويدل عليه قول الشاعر أنشده عبد الله بن مالك: ؎إن تستغيثوا بنا أن تذعروا وتجدوا ∗∗∗ منا معاقل عز زانها الكرم ومعلوم أن الاستغاثة إنما تكون بعد الذعر، فالذعر شرط فيها ومن هذا قول الدريدي: ؎فَإن عَثرتُ بَعدَها إن وألَت ∗∗∗ نَفسِيَ مِن هاتا فَقولا لا لعا. ومعلوم أن العثور مرة ثانية إنما يكون بعد النجاة من الأولى فوالت شرط في الشرط الثاني وعلى هذا فإذا ذكرت الشرطين وأتيت بالجواب كان جوابا للأول خاصة والثاني جرى معه مجرى الفضلة والتتمة كالحال وغيرها من الفضلات قاله ابن مالك. وأحسن من هذا أن يقال ليس الكلام بشرطين يستدعيان جوابين بل هو شرط واحد وتعليق واحد اعتبر في شطره قيد خاص جعل شرطا فيه وصار الجواب للشرط المقيد فهو جواب لهما معا بهذا الاعتبار وإيضاحه أنك إذا قلت إن كلمت زيدا إن رأيته فأنت طالق جعلت الطلاق جزاء على كلام مقيد بالرؤية لا على كلام مطلق وكأنه قال إن كلمته ناظرة إليه فأنت طالق وهذا يبين لك حرف المسألة ويزل عنك إشكالها جملة وبالله التوفيق.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب