الباحث القرآني

«وَسُئِلَ ﷺ عَنْ الكَوْثَرِ، فَقالَ: هو نَهْرٌ أعْطانِيهِ رَبِّي في الجَنَّةِ، هو أشَدُّ بَياضًا مِن اللَّبَنِ، وأحْلى مِن العَسَلِ، فِيهِ طُيُورٌ أعْناقُها كَأعْناقِ الجُزُرِ قِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنّها لَناعِمَةٌ، قالَ: أُكُلُها أنْعَمُ مِنها» . * (فصل) وفي صحيح البخاري من حديث همام عن قتادة عن أنس أن رسول الله ﷺ قال: "بينا أنا أسير في الجنة إذا بنهر حافتاه قباب اللؤلؤ والمجوف فقلت ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك قال فضرب الملك بيده فإذا طينة مسك أذفر" وفي صحيح مسلم من حديث المختار بن فلفل عن أنس بن مالك عن النبي ﷺ قال: "الكوثر نهر في الجنة وعدنيه ربي عز وجل " وقال محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال قال رسول الله ﷺ: "دخلت الجنة فإذا بنهر يجري حافتاه خيام اللؤلؤ فضربت يدي إلى ما يجري فيه من الماء فإذا أنا بمسك أذفر فقلت لمن هذا يا جبريل؟ قال هذا الكوثر الذي أعطاك الله عز وجل" قال الترمذي حدثنا هناد حدثنا محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن محارب بن دثار عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله ﷺ: "الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت، تربته أطيب من المسك، وماؤه أحلى من العسل، وأبيض من الثلج" قال هذا حديث حسن صحيح وقال أبو نعيم الفضل حدثنا أبو جعفر هو الرازي حدثنا ابن أبي نجيح عن مجاهدا ﴿إنّا أعْطَيْناكَ الكَوْثَر﴾ قال الخير الكثير. وقال أنس بن مالك: نهر في الجنة. وقالت عائشة: "هو نهر في الجنة ليس يدخل أحد إصبعيه في أذنيه إلا سمع خرير ذلك النهر" وهذا معناه والله أعلم أن خرير ذلك النهر يشبه الخرير الذي سمعه حين يدخل إصبعيه في أذنيه. * (فصل) اعلمْ أنَّ وُرُودَ النّاسِ الحَوْضَ وشُرْبَهم مِنهُ يَوْمَ العَطَشِ الأكْبَرِ بِحَسَبِ وُرُودِهِمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وشُرْبِهِمْ مِنها، فَمَن ورَدَها في هَذِهِ الدّارِ وشَرِبَ مِنها وتَضَلَّعَ ورَدَ هُناكَ حَوْضَهُ وشَرِبَ مِنهُ وتَضَلَّعَ، فَلَهُ ﷺ حَوْضانِ عَظِيمانِ: حَوْضٌ في الدُّنْيا وهو سُنَّتُهُ وما جاءَ بِهِ، وحَوْضٌ في الآخِرَةِ، فالشّارِبُونَ مِن هَذا الحَوْضِ في الدُّنْيا هُمُ الشّارِبُونَ مِن حَوْضِهِ يَوْمَ القِيامَةِ فَشارِبٌ ومَحْرُومٌ ومُسْتَقِلٌّ ومُسْتَكْثِرٌ والَّذِينَ يَذُودُهم هو والمَلائِكَةُ عَنْ حَوْضِهِ يَوْمَ القِيامَةِ هُمُ الَّذِينَ كانُوا يَذُودُونَ أنْفُسَهم وأتْباعَهم عَنْ سُنَّتِهِ ويُؤْثِرُونَ عَلَيْها غَيْرَها فَمَن ظَمِأ مِن سُنَّتِهِ في هَذِهِ الدُّنْيا ولَمْ يَكُنْ لَهُ مِنها شُرْبٌ فَهو في الآخِرَةِ أشَدُّ ظَمَأً وأحَرُّ كَبِدًا وإنَّ الرَّجُلَ لَيَلْقى الرَّجُلَ فَيَقُولُ: يا فُلانُ أشَرِبْتَ فَيَقُولُ: نَعَمْ واللَّهِ فَيَقُولُ: لَكِنِّي واللَّهِ ما شَرِبْتُ، واعَطَشاهُ. فَرِدْ أيُّها الظَّمْآنُ والوِرْدُ مُمْكِنٌ فَإنْ لَمْ تَرِدْ فاعْلَمْ بِأنَّكَ هالِكُ وإنْ لَمْ يَكُنْ رِضْوانُ يَسْقِيكَ شَرْبَةً سَيَسْقِيكَها إذْ أنْتَ ظَمْآنُ مالِكُ وإنْ لَمْ تَرِدْ في هَذِهِ الدّارِ حَوْضَهُ سَتُصْرَفُ عَنْهُ يَوْمَ يَلْقاكَ آنِكُ. * (فائدة) «وَسَألَهُ ﷺ أنَسٌ أنْ يَشْفَعَ لَهُ، فَقالَ إنِّي فاعِلٌ قالَ: فَأيْنَ أطْلُبُكَ يَوْمَ القِيامَةِ؟ قالَ اطْلُبْنِي أوَّلَ ما تَطْلُبُنِي عَلى الصِّراطِ قُلْتُ: فَإذا لَمْ ألْقَكَ عَلى الصِّراطِ؟ قالَ فَأنا عَلى المِيزانِ قُلْتُ: فَإنْ لَمْ ألْقَكَ عِنْدَ المِيزانِ، قالَ فَأنا عِنْدَ الحَوْضِ، لا أُخْطِئُ هَذِهِ الثَّلاثَ مَواطِنَ يَوْمَ القِيامَةِ» ذَكَرَهُما أحْمَدُ. * (فصل) وَقَوْلُهُ «فَتَطَّلِعُونَ عَلى حَوْضِ نَبِيِّكُمْ» ظاهِرُ هَذا أنَّ الحَوْضَ مِن وراءِ الجِسْرِ فَكَأنَّهم لا يَصِلُونَ إلَيْهِ حَتّى يَقْطَعُوا الجِسْرَ، ولِلسَّلَفِ في ذَلِكَ قَوْلانِ حَكاهُما القرطبي في " تَذْكِرَتِهِ " والغَزالِيُّ وغَلَّطا مَن قالَ: إنَّهُ بَعْدَ الجِسْرِ، وقَدْ رَوى البُخارِيُّ: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ. أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «بَيْنا أنا قائِمٌ عَلى الحَوْضِ إذا زُمْرَةٌ حَتّى إذا عَرَفْتُهم خَرَجَ رَجُلٌ مِن بَيْنِي وبَيْنِهِمْ، فَقالَ لَهُمْ: هَلُمَّ، فَقُلْتُ: إلى أيْنَ؟ فَقالَ: إلى النّارِ واللَّهِ، قُلْتُ: ما شَأْنُهُمْ؟ قالَ: إنَّهُمُ ارْتَدُّوا عَلى أدْبارِهِمْ، فَلا أراهُ يَخْلُصُ مِنهم إلّا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ». قالَ: فَهَذا الحَدِيثُ مَعَ صِحِّتِهِ أدَلُّ دَلِيلٍ عَلى أنَّ الحَوْضَ يَكُونُ في المَوْقِفِ قَبْلَ الصِّراطِ؛ لِأنَّ الصِّراطَ إنَّما هو جِسْرٌ مَمْدُودٌ عَلى جَهَنَّمَ، فَمَن جازَهُ سَلِمَ مِنَ النّارِ. قُلْتُ: ولَيْسَ بَيْنَ أحادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَعارُضٌ ولا تَناقُضٌ ولا اخْتِلافٌ وحَدِيثُهُ كُلُّهُ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وأصْحابُ هَذا القَوْلِ إنْ أرادُوا أنَّ الحَوْضَ لا يُرى ولا يُوصَلُ إلَيْهِ إلّا بَعْدَ قَطْعِ الصِّراطِ، فَحَدِيثُ أبِي هُرَيْرَةَ هَذا وغَيْرُهُ يَرُدُّ قَوْلَهم. وَإنْ أرادُوا أنَّ المُؤْمِنِينَ إذا جازُوا الصِّراطَ وقَطَعُوهُ بَدا لَهُمُ الحَوْضُ فَشَرِبُوا مِنهُ، فَهَذا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ لقيط هَذا، وهو لا يُناقِضُ كَوْنَهُ قَبْلَ الصِّراطِ، فَإنَّ قَوْلَهُ طُولُهُ شَهْرٌ، وعَرْضُهُ شَهْرٌ، فَإذا كانَ بِهَذا الطُّولِ والسَّعَةِ، فَما الَّذِي يُحِيلُ امْتِدادَهُ إلى وراءِ الجِسْرِ، فَيَرِدُهُ المُؤْمِنُونَ قَبْلَ الصِّراطِ وبَعْدَهُ، فَهَذا في حَيِّزِ الإمْكانِ، ووُقُوعُهُ مَوْقُوفٌ عَلى خَبَرِ الصّادِقِ واللَّهُ أعْلَمُ. وَقَوْلُهُ «- واللَّهِ عَلى أظْمَأ - ناهِلَةٍ قَطُّ» النّاهِلَةُ العِطاشُ الوارِدُونَ الماءَ أيْ يَرِدُونَهُ أظْمَأ ما هم إلَيْهِ، وهَذا يُناسِبُ أنْ يَكُونَ بَعْدَ الصِّراطِ، فَإنَّهُ جِسْرُ النّارِ وقَدْ ورَدُوها كُلُّهُمْ، فَلَمّا قَطَعُوهُ اشْتَدَّ ظَمَؤُهم إلى الماءِ فَوَرَدُوا حَوْضَهُ ﷺ كَما ورَدُوهُ في مَوْقِفِ القِيامَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب