الباحث القرآني
* (فصل)
لا خِلافَ أنَّهُ ﷺ وُلِدَ بِجَوْفِ مَكَّةَ، وأنَّ مَوْلِدَهُ كانَ عامَ الفِيلِ، وكانَ أمْرُ الفِيلِ تَقْدِمَةً قَدَّمَها اللَّهُ لِنَبِيِّهِ وبَيْتِهِ، وإلّا فَأصْحابُ الفِيلِ كانُوا نَصارى أهْلَ كِتابٍ، وكانَ دِينُهم خَيْرًا مِن دِينِ أهْلِ مَكَّةَ إذْ ذاكَ؛ لِأنَّهم كانُوا عُبّادَ أوْثانٍ فَنَصَرَهُمُ اللَّهُ عَلى أهْلِ الكِتابِ نَصْرًا لا صُنْعَ لِلْبَشَرِ فِيهِ، إرْهاصًا وتَقْدِمَةً لِلنَّبِيِّ ﷺ الَّذِي خَرَجَ مِن مَكَّةَ، وتَعْظِيمًا لِلْبَيْتِ الحَرامِ.
* (فائدة)
لَما أتى النَّبِيُّ ﷺ بَطْنَ مُحَسِّرٍ، حَرَّكَ ناقَتَهُ وأسْرَعَ السَّيْرَ، وهَذِهِ كانَتْ عادَتَهُ في المَواضِعِ الَّتِي نَزَلَ فِيها بَأْسُ اللَّهِ بِأعْدائِهِ، فَإنَّ هُنالِكَ أصابَ أصْحابَ الفِيلِ ما قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنا، ولِذَلِكَ سُمِّيَ ذَلِكَ الوادِي وادِيَ مُحَسِّرٍ؛ لِأنَّ الفِيلَ حُسِرَ فِيهِ
أيْ أُعْيِيَ وانْقَطَعَ عَنِ الذَّهابِ إلى مَكَّةَ، وكَذَلِكَ فَعَلَ في سُلُوكِهِ الحِجْرَ دِيارَ ثَمُودَ، فَإنَّهُ تَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ، وأسْرَعَ السَّيْرَ.
وَمُحَسِّرٌ: بَرْزَخٌ بَيْنَ مِنًى وبَيْنَ مُزْدَلِفَةَ، لا مِن هَذِهِ ولا مِن هَذِهِ.
وَعُرَنَةُ: بَرْزَخٌ بَيْنَ عَرَفَةَ والمَشْعَرِ الحَرامِ، فَبَيْنَ كُلِّ مَشْعَرَيْنِ بَرْزَخٌ لَيْسَ مِنهُما.
فَمِنًى: مِنَ الحَرَمِ، وهي مَشْعَرٌ، ومُحَسِّرٌ: مِنَ الحَرَمِ، ولَيْسَ بِمَشْعَرٍ، ومُزْدَلِفَةُ: حَرَمٌ ومَشْعَرٌ، وعُرَنَةُ لَيْسَتْ مَشْعَرًا، وهي مِنَ الحِلِّ. وعَرَفَةُ: حِلٌّ ومَشْعَرٌ.
* (فصل)
وَتَأمَّلْ قَوْلَهُ ﷺ «إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الفِيلَ، وسَلَّطَ عَلَيْها رَسُولَهُ والمُؤْمِنِينَ»
كَيْفَ يُفْهَمُ مِنهُ أنَّ قَهْرَ رَسُولِهِ وجُنْدِهِ الغالِبِينَ لِأهْلِها أعْظَمُ مِن قَهْرِ الفِيلِ الَّذِي كانَ يَدْخُلُها عَلَيْهِمْ عَنْوَةً، فَحَبَسَهُ عَنْهُمْ، وسَلَّطَ رَسُولَهُ والمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ، حَتّى فَتَحُوها عَنْوَةً بَعْدَ القَهْرِ وسُلْطانِ العَنْوَةِ، وإذْلالِ الكُفْرِ وأهْلِهِ، وكانَ ذَلِكَ أجَلَّ قَدْرًا، وأعْظَمَ خَطَرًا، وأظْهَرَ آيَةً وأتَمَّ نُصْرَةً، وأعْلى كَلِمَةً مِن أنْ يُدْخِلَهم تَحْتَ رِقِّ الصُّلْحِ، واقْتِراحِ العَدُوِّ وشُرُوطِهِمْ، ويَمْنَعُهم سُلْطانَ العَنْوَةِ وعِزَّها وظَفَرَها في أعْظَمِ فَتْحٍ فَتَحَهُ عَلى رَسُولِهِ، وأعَزَّ بِهِ دِينَهُ، وجَعَلَهُ آيَةً لِلْعالَمِينَ.
* (فائدة)
تَأمل الحِكْمَة في كَون فرج الدّابَّة، جعل بارزا من ورائِها ليتَمَكَّن الفَحْل من ضرابها، ولَو جعل في أسفل بَطنها كَما جعل للْمَرْأة لم يتَمَكَّن الفَحْل من ضرابها إلا على الوَجْه الَّذِي تجامع بِهِ المَرْأة.
وَقد ذكر في كتب الحَيَوان أن فروج الفيلة في أسفل بَطنها، فَإذا كانَ وقت الضراب ارْتَفع ونشز وبرز للفحل، فيتمكن من ضرابها.
فَلَمّا جعل في الفيلة على خلاف ما هو في سائِر البَهائِم خصت بِهَذِهِ الخاصية عَنْها، ليتهيأ الأمر الَّذِي بِهِ دوام النَّسْل.
* (فصل)
ثمَّ تَأمل شفر الفِيل وما فِيهِ من الحكم الباهرة فَإنَّهُ يقوم لَهُ مقام اليَد في تناول العلف والماء وإيرادهما إلى جَوْفه، ولَوْلا ذَلِك ما اسْتَطاعَ أن يتَناوَل شَيْئا من الأشياء من الأرض، لأنه لَيست لَهُ عنق يمدها كَسائِر الأنعام، فَلَمّا عدم العُنُق أخلف عَلَيْهِ مَكانَهُ الخرطوم الطَّوِيل ليسد مسده، وجعل قادِرًا على سدله ورَفعه وثنيه والتَّصَرُّف بِهِ كَيفَ شاءَ، وجعل وعاء أجوف لين الملمس، فَهو يتَناوَل بِهِ حاجته، ويحمله ما أرادَ إلى جَوْفه، ويحبس فِيهِ ما يُرِيد، ويكيد بِهِ إذا شاءَ، ويُعْطي ويتناول إذا أرادَ.
فسل المُعَطل من الَّذِي عوضه؟
وَمن أخلف عَلَيْهِ مَكان العُضْو الَّذِي مَنعه ما يقوم لَهُ مقامه وينوب مَنابه غير الرؤوف الرَّحِيم بخلقه، المتكفل بمصالحهم اللَّطِيف بهم؟
وَكَيف يَتَأتّى ذَلِك مَعَ الإهمال وخلو العالم عَن قيِّمِه وبارئه ومبدعه وفاطره لا إلَه إلّا هو العَزِيز الحَكِيم.
فَإن قلت فَما باله لم يخلق ذا عنق كَسائِر الأنعام وما الحِكْمَة في ذَلِك؟
قيل: - والله أعلم بِحِكْمَتِهِ في مصنوعاته - لأن رَأسه وأذنيه أمر هائل عَظِيم وحمل ثقيل فَلَو كانَ ذا عنق كَسائِر الأعناق لانهدت رقبته بثقله، ووهنت بِحمْلِهِ فَجعل رأسه مُلْصقًا بجسمه لِئَلّا يَنالهُ مِنهُ شَيْء من الثّقل والمؤنة، وخلق لَهُ مَكان العُنُق هَذا المشفر الطَّوِيل يتَناوَل بِهِ غذاءه، ولما طالَتْ عنق البَعِير للحكمة في ذَلِك صغر رَأسه بِالنِّسْبَةِ إلى عظم جثته لِئَلّا يُؤْذِيه ثقله ويوهن عُنُقه.
فسبحان من فاتَت حكمه عد العادين، وحصر الحاصرين.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["أَلَمۡ تَرَ كَیۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصۡحَـٰبِ ٱلۡفِیلِ","أَلَمۡ یَجۡعَلۡ كَیۡدَهُمۡ فِی تَضۡلِیلࣲ","وَأَرۡسَلَ عَلَیۡهِمۡ طَیۡرًا أَبَابِیلَ","تَرۡمِیهِم بِحِجَارَةࣲ مِّن سِجِّیلࣲ","فَجَعَلَهُمۡ كَعَصۡفࣲ مَّأۡكُولِۭ"],"ayah":"وَأَرۡسَلَ عَلَیۡهِمۡ طَیۡرًا أَبَابِیلَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق