الباحث القرآني

* (فصل) وأما شأن المقسم عليه فهو حال الإنسان وهو كون الإنسان كنودًا بشهادته على نفسه أو شهادة ربه عليه وكونه بخيلًا لحبه المال والكنود للنعمة وفعله كند يكند كنودًا مثل كفر يكفر كفورًا والأرض الكنود التي لا تنبت شيئًا وامرأة كندى أي كفور للمعاشرة وأصل اللفظ منع الحق والخير ورجل كنود إذا كان مانعًا لما عليه من الحق وعبارات المفسرين تدور على هذا المعنى قال ابن عباس رضي الله عنهما وأصحابه رحمهم الله تعالى هو الكفور وقيل هو البخيل الذي يمنع رفده وبجيع عبده ولا يعطى في النائبة وقال الحسن هو اللوام لربه يعد المصائب وينسى النعم. وأما قوله ﴿وَإنَّهُ عَلى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ﴾ فقال ابن عباس يريد أن ربه على ذلك لشهيد وقيل إن الإنسان لشهيد على ذلك إن أنكر بلسانه أشهد ربه عليه حاله ويؤيد هذا القول سياق الضمائر فإن قوله ﴿وَإنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾ للإنسان فافتتح الخبر عن الإنسان بكونه كنودًا ثم ثناه بكونه شهيدا على ذلك ثم ختمه بكونه بخيلًا بماله لحبه إياه ويؤيد قول ابن عباس رضي الله عنهما أنه أتى بعلي فقال ﴿وَإنَّهُ عَلى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ﴾ أي مطلع عالم به كقوله ﴿ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ﴾ ولو أريد شهادة الإنسان لأتى بالباء فقيل وإنه بذلك لشهيد كما قال تعالى ﴿ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أنْفُسِهِمْ بِالكُفْرِ﴾ فلو أراد شهادة الإنسان لقال وإنه على نفسه لشهيد فإن كنوده المشهود به ونفسه هي المشهود عليها ثم قال تعالى ﴿وَإنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾ والخير هنا المال باتفاق المفسرين والشديد البخيل من أجل حب المال فحب المال هو الذي حمله على البخل هذا قول الأكثرين وقال ابن قتيبة بل المعنى إنه لشديد الحب للخير فتكون اللام في قوله لحب الخير متعلقة بقوله لشديد على حد تعلق قولك إنه لزيد لضارب ومنعت طائفة من النحاة أن يعمل ما بعد اللام فيما قبلها وهذه الآيات حجة على الجواز فإن قوله لربه معمول لكنود وقوله على ذلك معمول لشهيد ولا وجه للتكلف البارد في تقدير عامل مقدم محذوف يفسره هذا المذكور فالحق جواز إن لزيد لضارب فوصف سبحانه الإنسان بكفران نعم ربه وبخله بما آتاه من الخير فلا هو شكور للنعم ولا محسن إلى خلقه بل بخيل بشكره بخيل بماله. وهذا ضد المؤمن الكريم فإنه مخلص لربه محسن إلى خلقه فالمؤمن له الإخلاص والإحسان والفاجر له الكفر والبخل وقد ذم الله سبحانه هذين الخلقين المهلكين في غير موضع من كتابه كقوله ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هم عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ الَّذِينَ هم يُراؤُونَ ويَمْنَعُونَ الماعُون﴾ فالرياء ضد الإخلاص ومنع الماعون ضد الإحسان وكذلك قوله تعالى ﴿إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَن كانَ مُخْتالًا فَخُورًا الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ويَأْمُرُونَ النّاسَ بِالبُخْلِ ويَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ فاختياله وفخره من كفره وكنوده وهذا ضد قوله ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ ومِمّا رَزَقْناهم يُنْفِقُونَ﴾ وقوله ﴿واعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا﴾ الآية. وكذلك ذكر الخلقين الذميمين في قوله ﴿والَّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوالَهم رِئاءَ النّاسِ ولا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ولا بِاليَوْمِ الآخِرِ﴾ ونظيره ﴿وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ وأنْفَقُوا مِمّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ﴾ ونظيره ما تقدم في سورة الليل من ذم المستغني البخيل ومدح المعطى المصدق بالحسنى ونظيره قوله ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مالًا وعَدَّدَهُ﴾ فإن الهمزة واللمزة من الفخر والكبر وجمع المال وتعديده من البخل وذلك مناف لسر الصلاة والزكاة ومقصودهما. * (فصل) وَلَوْ عَلِمَ هَذا الظّالِمُ الجاهِلُ أنَّ بَلاءَهُ مِن نَفْسِهِ ومُصابَهُ مِنها، وأنَّها أوْلى بِكُلِّ ذَمٍّ وظُلْمٍ، وأنَّها مَأْوى كُلِّ سُوءٍ، و﴿إنَّ الإنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ﴾ [العاديات: ٦] قالَ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، وقَتادَةُ: كَفُورٌ جَحُودٌ لِنِعَمِ اللَّهِ. وَقالَ الحَسَنُ: هو الَّذِي يَعُدُّ المَصائِبَ، ويَنْسى النِّعَمَ، وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: هو قَلِيلُ الخَيْرِ، والأرْضُ الكَنُودُ الَّتِي لا نَبْتَ بِها. وَقِيلَ: الَّتِي لا تُنْبِتُ شَيْئًا مِنَ المَنافِعِ، وقالَ الفَضْلُ بْنُ عَبّاسٍ: الكَنُودُ الَّذِي أنْسَتْهُ الخَصْلَةُ الواحِدَةُ مِنَ الإساءَةِ الخِصالَ الكَثِيرَةَ مِنَ الإحْسانِ. وَلَوْ عَلِمَ هَذا الظّالِمُ الجاهِلُ أنَّهُ هو القاعِدُ عَلى طَرِيقِ مَصالِحِهِ يَقْطَعُها عَنِ الوُصُولِ إلَيْهِ، فَهو الحَجَرُ في طَرِيقِ الماءِ الَّذِي بِهِ حَياتُهُ، وهو السُّكْرُ الَّذِي قَدْ سَدَّ مَجْرى الماءِ إلى بُسْتانِ قَلْبِهِ، ويَسْتَغِيثُ مَعَ ذَلِكَ: العَطَشَ العَطَشَ، وقَدْ وقَفَ في طَرِيقِ الماءِ، ومَنَعَ وُصُولَهُ إلَيْهِ، فَهو حِجابُ قَلْبِهِ عَنْ سِرِّ غَيْبِهِ، وهو الغَيْمُ المانِعُ لِإشْراقِ شَمْسِ الهُدى عَلى القَلْبِ، فَما عَلَيْهِ أضَرُّ مِنهُ، ولا لَهُ أعْداءٌ أبْلَغُ في نِكايَتِهِ وعَداوَتِهِ مِنهُ. ؎ما تَبْلُغُ الأعْداءُ مِن جاهِلٍ ∗∗∗ ما يَبْلُغُ الجاهِلُ مِن نَفْسِهِ فَتَبًّا لَهُ ظالِمًا في صُورَةِ مَظْلُومٍ، وشاكِيًا والجِنايَةُ مِنهُ، قَدْ جَدَّ في الإعْراضِ وهو يُنادِي: طَرَدُونِي وأبْعَدُونِي، ولّى ظَهْرَهُ البابَ، بَلْ أغْلَقَهُ عَلى نَفْسِهِ وأضاعَ مَفاتِيحَهُ وكَسَرَها، ويَقُولُ: ؎دَعانِي وسَدَّ البابَ دُونِي فَهَلْ إلى ∗∗∗ دُخُولِي سَبِيلٌ بَيِّنُوا لِي قِصَّتِي يَأْخُذُ الشَّفِيقُ بِحُجْزَتِهِ عَنِ النّارِ، وهو يُجاذِبُهُ ثَوْبَهُ ويَغْلِبُهُ ويَقْتَحِمُها، ويَسْتَغِيثُ: ما حِيلَتِي؟ وقَدْ قَدَّمُونِي إلى الحُفَيْرَةِ وقَذَفُونِي فِيها، واللَّهِ كَمْ صاحَ بِهِ النّاصِحُ: الحَذَرَ الحَذَرَ، إيّاكَ إيّاكَ، وكَمْ أمْسَكَ بِثَوْبِهِ، وكَمْ أراهُ مَصارِعَ المُقْتَحِمِينَ وهو يَأْبى إلّا الِاقْتِحامَ: ؎وَكَمْ سُقْتُ في آثارِكم مِن نَصِيحَةٍ ∗∗∗ وقَدْ يَسْتَفِيدُ الظِّنَّةَ المُتَنَصِّحُ يا ويْلَهُ ظَهِيرًا لِلشَّيْطانِ عَلى رَبِّهِ، خَصْمًا لِلَّهِ مَعَ نَفْسِهِ، جَبْرِيُّ المَعاصِي، قَدَرِيُّ الطّاعاتِ، عاجِزُ الرَّأْيِ، مِضْياعٌ لِفُرْصَتِهِ، قاعِدٌ عَنْ مَصالِحِهِ، مُعاتِبٌ لِأقْدارِ رَبِّهِ، يَحْتَجُّ عَلى رَبِّهِ بِما لا يَقْبَلُهُ مِن عَبْدِهِ وامْرَأتِهِ وأمَتِهِ إذا احْتَجُّوا بِهِ عَلَيْهِ في التَّهاوُنِ في بَعْضِ أمْرِهِ، فَلَوْ أمَرَ أحَدَهم بِأمْرٍ فَفَرَّطَ فِيهِ، أوْ نَهاهُ عَنْ شَيْءٍ فارْتَكَبَهُ، وقالَ: القَدَرُ ساقَنِي إلى ذَلِكَ، لَما قَبِلَ مِنهُ هَذِهِ الحُجَّةَ، ولَبادَرَ إلى عُقُوبَتِهِ. فَإنْ كانَ القَدَرُ حُجَّةً لَكَ أيُّها الظّالِمُ الجاهِلُ في تَرْكِ حَقِّ رَبِّكَ، فَهَلّا كانَ حُجَّةً لِعَبْدِكَ وأمَتِكَ في تَرْكِ بَعْضِ حَقِّكَ؟ بَلْ إذا أساءَ إلَيْكَ مُسِيءٌ، وجَنى عَلَيْكَ جانٍ، واحْتَجَّ بِالقَدَرِ لاشْتَدَّ غَضَبُكَ عَلَيْهِ، وتَضاعَفَ جُرْمُهُ عِنْدَكَ، ورَأيْتَ حُجَّتَهُ داحِضَةً، ثُمَّ تَحْتَجُّ عَلى رَبِّكَ بِهِ، وتَراهُ عُذْرًا لِنَفْسِكَ؟! فَمَن أوْلى بِالظُّلْمِ والجَهْلِ مِمَّنْ هَذِهِ حالُهُ؟ هَذا مَعَ تَواتُرِ إحْسانِ اللَّهِ إلَيْكَ عَلى مَدى الأنْفاسِ، أزاحَ عِلَلَكَ، ومَكَّنَكَ مِنَ التَّزَوُّدِ إلى جَنَّتِهِ، وبَعَثَ إلَيْكَ الدَّلِيلَ، وأعْطاكَ مُؤْنَةَ السَّفَرِ وما تَتَزَوَّدُ بِهِ، وما تُحارِبُ بِهِ قُطّاعَ الطَّرِيقِ عَلَيْكَ، فَأعْطاكَ السَّمْعَ والبَصَرَ والفُؤادَ، وعَرَّفَكَ الخَيْرَ والشَّرَّ، والنّافِعَ والضّارَّ وَأرْسَلَ إلَيْكَ رَسُولَهُ، وأنْزَلَ إلَيْكَ كِتابَهُ، ويَسَّرَهُ لِلذِّكْرِ والفَهْمِ والعَمَلِ، وأعانَكَ بِمَدَدٍ مِن جُنْدِهِ الكِرامِ، يُثَبِّتُونَكَ ويَحْرُسُونَكَ، ويُحارِبُونَ عَدُوَّكَ ويَطْرُدُونَهُ عَنْكَ، ويُرِيدُونَ مِنكَ أنْ لا تَمِيلَ إلَيْهِ ولا تُصالِحَهُ، وهم يَكْفُونَكَ مُؤْنَتَهُ، وأنْتَ تَأْبى إلّا مُظاهَرَتَهُ عَلَيْهِمْ، ومُوالاتَهُ دُونَهُمْ، بَلْ تُظاهِرُهُ وتُوالِيهِ دُونَ ولِيِّكَ الحَقِّ الَّذِي هو أوْلى بِكَ، قالَ اللَّهُ تَعالى ﴿وَإذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إلّا إبْلِيسَ كانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أمْرِ رَبِّهِ أفَتَتَّخِذُونَهُ وذُرِّيَّتَهُ أوْلِياءَ مِن دُونِي وهم لَكم عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلًا﴾ [الكهف: ٥٠] طَرَدَ إبْلِيسَ عَنْ سَمائِهِ، وأخْرَجَهُ مِن جَنَّتِهِ، وأبْعَدَهُ مِن قُرْبِهِ، إذْ لَمْ يَسْجُدْ لَكَ، وأنْتَ في صُلْبِ أبِيكَ آدَمَ، لِكَرامَتِكَ عَلَيْهِ، فَعاداهُ وأبْعَدَهُ، ثُمَّ والَيْتَ عَدُوَّهُ، ومِلْتَ إلَيْهِ وصالَحْتَهُ، وتَتَظَلَّمُ مَعَ ذَلِكَ، وتَشْتَكِي الطَّرْدَ والإبْعادَ، وتَقُولُ: ؎عَوَّدُونِي الوِصالَ والوَصْلُ عَذْبُ ∗∗∗ ورَمَوْنِي بِالصَّدِّ والصَّدُّ صَعْبُ نَعَمْ، وكَيْفَ لا يَطْرُدُ مَن هَذِهِ مُعامَلَتُهُ؟ وكَيْفَ لا يَبْعُدُ عَنْهُ مَن كانَ هَذا وصْفَهُ؟ وكَيْفَ يَجْعَلُ مِن خاصَّتِهِ وأهْلِ قُرْبِهِ مَن حالُهُ مَعَهُ هَكَذا؟ قَدْ أفْسَدَ ما بَيْنَهُ وبَيْنَ اللَّهِ وكَدَّرَهُ. أمَرَهُ اللَّهُ بِشُكْرِهِ، لا لِحاجَتِهِ إلَيْهِ، ولَكِنْ لِيَنالَ بِهِ المَزِيدَ مِن فَضْلِهِ، فَجَعَلَ كُفْرَ نِعَمِهِ، والِاسْتِعانَةَ بِها عَلى مَساخِطِهِ مِن أكْبَرِ أسْبابِ صَرْفِها عَنْهُ. وَأمَرَهُ بِذِكْرِهِ لِيُذَكِّرَهُ بِإحْسانِهِ، فَجَعَلَ نِسْيانَهُ سَبَبًا لِنِسْيانِ اللَّهِ لَهُ ﴿نَسُوا اللَّهَ فَأنْساهم أنْفُسَهُمْ﴾ [الحشر: ١٩]، ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة: ٦٧] أمَرَهُ بِسُؤالِهِ لِيُعْطِيَهُ، فَلَمْ يَسْألْهُ، بَلْ أعْطاهُ أجَلَّ العَطايا بِلا سُؤالٍ، فَلَمْ يَقْبَلْ، يَشْكُو مَن يَرْحَمُهُ إلى مَن لا يَرْحَمُهُ، ويَتَظَلَّمُ مِمَّنْ لا يَظْلِمُهُ، ويَدَعُ مَن يُعادِيهِ ويَظْلِمُهُ، إنْ أنْعَمَ عَلَيْهِ بِالصِّحَّةِ والعافِيَةِ والمالِ والجاهِ اسْتَعانَ بِنِعَمِهِ عَلى مَعاصِيهِ، وإنْ سَلَبَهُ ذَلِكَ ظَلَّ مُتَسَخِّطًا عَلى رَبِّهِ وهو شاكِيهِ، لا يَصْلُحُ لَهُ عَلى عافِيَةٍ، ولا عَلى ابْتِلاءٍ، العافِيَةُ تُلْقِيهِ إلى مَساخِطِهِ، والبَلاءُ يَدْفَعُهُ إلى كُفْرانِهِ وجُحُودِ نِعْمَتِهِ، وشِكايَتِهِ إلى خَلْقِهِ. دَعاهُ إلى بابِهِ فَما وقَفَ عَلَيْهِ ولا طَرَقَهُ، ثُمَّ فَتَحَهُ لَهُ فَما عَرَّجَ عَلَيْهِ ولا ولَجَهُ، أرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولَهُ يَدْعُوهُ إلى دارِ كَرامَتِهِ، فَعَصى الرَّسُولَ، وقالَ: لا أبِيعُ ناجِزًا بِغائِبٍ، ونَقْدًا بِنَسِيئَةٍ، ولا أتْرُكُ ما أراهُ لِشَيْءٍ سَمِعْتُ بِهِ، ويَقُولُ: ؎خُذْ ما رَأيْتَ ودَعْ شَيْئًا سَمِعْتَ بِهِ ∗∗∗ في طَلْعَةِ الشَّمْسِ ما يُغْنِيكَ عَنْ زُحَلِ فَإنْ وافَقَ حَظَّهُ طاعَةُ الرَّسُولِ أطاعَهُ لِنَيْلِ حَظِّهِ، لا لِرِضى مُرْسِلِهِ، لَمْ يَزَلْ يَتَمَقَّتُ إلَيْهِ بِمَعاصِيهِ، حَتّى أعْرَضَ عَنْهُ، وأغْلَقَ البابَ في وجْهِهِ. وَمَعَ هَذا فَلَمْ يُؤَيِّسْهُ مِن رَحْمَتِهِ، بَلْ قالَ: «مَتى جِئْتَنِي قَبِلْتُكَ، إنْ أتَيْتَنِي لَيْلًا قَبِلْتُكَ، وإنْ أتَيْتَنِي نَهارًا قَبِلْتُكَ، وإنْ تَقَرَّبْتَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنكَ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبْتَ مِنِّي ذِراعًا تَقَرَّبْتُ مِنكَ باعًا، وإنْ مَشَيْتَ إلَيَّ هَرْوَلْتُ إلَيْكَ، ولَوْ لَقِيتَنِي بِقُرابِ الأرْضِ خَطايا، ثُمَّ لَقِيتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا، أتَيْتُكَ بِقُرابِها مَغْفِرَةً، ولَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، ومَن أعْظَمُ مِنِّي جُودًا وكَرَمًا؟ عِبادِي يُبارِزُونَنِي بِالعَظائِمِ، وأنا أكْلَؤُهم عَلى فُرُشِهِمْ، إنِّي والجِنُّ والإنْسُ في نَبَأٍ عَظِيمٍ: أخْلُقُ ويُعْبَدُ غَيْرِي، وأرْزُقُ ويُشْكَرُ سِوايَ، خَيْرِي إلى العِبادِ نازِلٌ، وشَرُّهم إلَيَّ صاعِدٌ، أتَحَبَّبُ إلَيْهِمْ بِنِعَمِي، وأنا الغَنِيُّ عَنْهُمْ، ويَتَبَغَّضُونَ إلَيَّ بِالمَعاصِي، وهم أفْقَرُ شَيْءٍ إلَيَّ. مَن أقْبَلَ إلَيَّ تَلَقَّيْتُهُ مِن بَعِيدٍ، ومَن أعْرَضَ عَنِّي نادَيْتُهُ مِن قَرِيبٍ، ومَن تَرَكَ لِأجْلِي أعْطَيْتُهُ فَوْقَ المَزِيدِ، ومَن أرادَ رِضايَ أرَدْتُ ما يُرِيدُ، ومَن تَصَرَّفَ بِحَوْلِي وقُوَّتِي ألَنْتُ لَهُ الحَدِيدَ. أهْلُ ذِكْرِي أهْلُ مُجالَسَتِي، وأهْلُ شُكْرِي أهْلُ زِيادَتِي، وأهْلُ طاعَتِي أهْلُ كَرامَتِي، وأهْلُ مَعْصِيَتِي لا أُقَنِّطُهم مِن رَحْمَتِي، إنْ تابُوا إلَيَّ فَأنا حَبِيبُهُمْ، فَإنِّي أُحِبُّ التَّوّابِينَ وأُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ، وإنْ لَمْ يَتُوبُوا إلَيَّ فَأنا طَبِيبُهُمْ، أبْتَلِيهِمْ بِالمَصائِبِ، لِأُطَهِّرَهم مِنَ المَعايِبِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب