الباحث القرآني
* (فصل)
تَأمل أحوال هَذِه الشَّمْس في انخفاضها وارتفاعها لإقامة هَذِه الأزمنة والفصول، وما فِيها من المصالح والحكم، إذْ لَو كانَ الزَّمان كُله فصلا واحِدًا لفاتت مصالح الفُصُول الباقِيَة فِيهِ.
فَلَو كانَ صيفا كُله لفاتت مَنافِع مصالح الشتاء، ولَو كانَ شتاء لفاتت مصالح الصَّيف، وكَذَلِكَ لَو كانَ ربيعا كُله أوْ خَرِيفًا كُله فَفي الشتاء تغور الحَرارَة في الأجواف وبطون الأرض والجِبال، فتتولد مواد الثِّمار وغَيرها، وتبرد الظَّواهِر ويستكثف فِيهِ الهَواء فَيحصل السَّحاب والمطر والثلج والبرد الَّذِي بِهِ حَياة الأرض وأهْلها، واشتداد أبدان الحَيَوان وقوتها وتزايد القوى الطبيعية واستخلاف ما حللته حرارة الصَّيف من الأبدان.
وَفِي الرّبيع تتحرك الطبائع وتظهر المواد المتولدة في الشتاء فَيظْهر النَّبات ويتنور الشّجر بالزهر، ويتحرك الحَيَوان للتناسل.
وَفِي الصَّيف يحتد الهَواء ويسخن جدا فتنضج الثِّمار، وتنحل فضلات الأبدان والأخلاط الَّتِي انْعَقَدت في الشتاء وتغور البُرُودَة وتهرب إلى الأجواف.
وَلِهَذا تبرد العُيُون والآبار ولا تهضم المعدة الطَّعام الَّتِي كانَت تهضمه في الشتاء من الأطعمة الغليظة، لأنها كانَت تهضمها بالحرارة الَّتِي سكنت في البُطُون، فَلَمّا جاءَ الصَّيف خرجت الحَرارَة إلى ظاهر الجَسَد، وغارَتْ البُرُودَة فِيهِ، فَإذا جاءَ الخريف اعتدل الزَّمان وصفا الهَواء وبرد فانكسر ذَلِك السَّمُوم، وجعله الله بِحِكْمَتِهِ برزخا بَين سموم الصَّيف وبرد الشتاء لِئَلّا يتنقل الحَيَوان وهلة واحِدَة من الحر الشَّديد إلى البرد الشَّديد فيجد أذاه ويعظم ضَرَره، فَإذا انْتقل إليه بتدريج وترتب لم يصعب عَلَيْهِ فَإنَّهُ عند كل جُزْء يستعد لقبُول ما هو أشد مِنهُ حَتّى تَأتي جَمْرَة البرد بعد استعداد وقبُول حِكْمَة بالِغَة وآيَة باهرة، وكَذَلِكَ الرّبيع برزخ بَين الشتاء والصيف ينْتَقل فِيهِ الحَيَوان من برد هَذا إلى حر هَذا بتدريج وترتيب فَتَبارَكَ الله رب العالمين وأحسن الخالِقِينَ.
* (فصل)
ثمَّ تَأمل حال الشَّمْس والقَمَر وما أودعاه من النُّور والإضاءة، وكَيف جعل لَهما بروجا ومنازل ينزلانها مرحلة بعد مرحلة لإقامة دولة السّنة، وتَمام مصالح حِساب العالم الَّذِي لا غناء لَهُم في مصالحهم عَنهُ، فبذلك يعلم حِساب الأعمار والآجال المؤجلة للديون والإجارات والمعاملات والعدَد وغير ذَلِك.
فلولا حلوك الشَّمْس والقَمَر في تِلْكَ المنازل وتنقلهما فِيها منزلَة بعد منزلة لم يعلم شَيْء من ذَلِك.
وَقد نبه تَعالى على هَذا في غير مَوضِع من كِتابه كَقَوْلِه ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً والقَمَرَ نُورًا وقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ والحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إلّا بِالحَقِّ يُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥)﴾
وَقالَ تَعالى ﴿وَجَعَلْنا اللَّيْلَ والنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِن رَبِّكم ولِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ والحِسابَ﴾
ثمَّ تَأمل الحِكْمَة في طُلُوع الشَّمْس على العالم كَيفَ قدره العَزِيز العَلِيم سُبْحانَهُ، فَإنَّها لَو كانَت تطلع في مَوضِع من السَّماء فتقف فِيهِ ولا تعدوه لما وصل شعاعها إلى كثير من الجِهات، لأن ظلّ أحد جَوانِب كرة الأرض يحجبها عَن الجانِب الآخر، وكانَ يكون اللَّيْل دائِما سرمدا على من لم تطلع عَلَيْهِم والنَّهار سرمدا على من هي طالعة عَلَيْهِم فَيفْسد هَؤُلاءِ وهَؤُلاء.
فاقتضت الحِكْمَة الإلهية والعناية الربانية أن قدر طُلُوعها من أول النَّهار من المشرق فتشرق على ما قابلها من الأفق الغربي ثمَّ لا تزال تَدور وتغشى جِهَة بعد جِهَة حَتّى تَنْتَهِي إلى الغرب فتشرق على ما استتر عَنْها في أول النَّهار، فيختلف عِنْدهم اللَّيْل والنَّهار فتنتظم مصالحهم.
{"ayah":"هُوَ ٱلَّذِی جَعَلَ ٱلشَّمۡسَ ضِیَاۤءࣰ وَٱلۡقَمَرَ نُورࣰا وَقَدَّرَهُۥ مَنَازِلَ لِتَعۡلَمُوا۟ عَدَدَ ٱلسِّنِینَ وَٱلۡحِسَابَۚ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذَ ٰلِكَ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۚ یُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق