الباحث القرآني
(إفراد الرياح وجمعها)
ومن هذا الباب ذكر الرياح في القرآن جمعا ومفردة فحيث كانت في سياق الرحمة أتت مجموعة وحيث وقعت في سياق العذاب أتت مفردة وسر ذلك أن رياح الرحمة مختلفة الصفات والمهاب والمنافع وإذا هاجت منها ريح أنشأ لها ما يقابلها ما يكسر سورتها ويصدم حدتها فينشأ من بينهما ريح لطيفة تنفع الحيوان والنبات فكل ريح منها في مقابلها ما يعدلها ويرد سورتها فكانت في الرحمة ريحا وأما في العذاب فإنها تأتي من وجه واحد وحمام واحد لا يقوم لها شيء ولا يعارضها غيرها حتى تنتهي إلى حيث أمرت لا يرد سورتها ولا يكسر شرتها فتمتثل ما أمرت به وتصيب ما أرسلت إليه ولهذا وصف سبحانه الريح التي أرسلها على عاد بأنها عقيم فقال: ﴿أرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ العَقِيمَ﴾ وهي التي لا تلقح ولا خير فيها والتي تعقم ما مرت عليه ثم تأمل كيف اطرد هذا إلا في قوله في سورة يونس: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكم في البَرِّ والبَحْرِ حَتّى إذا كُنْتُمْ في الفُلْكِ وجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ﴾
فذكر ريح الرحمة الطيبة بلفظ الإفراد لأن تمام الرحمة هناك إنما تحصل بوحدة الريح لا باختلافها فإن السفينة لا تسير إلا بريح واحدة من وجه واحد سيرها فإذا اختلفت عليها الرياح وتصادمت وتقابلت فهو سبب الهلاك فالمطلوب هناك ريح واحدة لا رياح وأكد هذا المعنى بوصفها بالطيب دفعا لتوهم أن تكون ريحا عاصفة بل هي مما يفرح بها لطيبها فلينزه الفطن بصيرته في هذه الرياض المونقة المعجبة التي ترقص القلوب لها فرحا ويتغذى بها عن الطعام والشراب والحمد لله الفتاح العليم فمثل هذا الفصل يعض عليه بالنواجذ وتثنى عليه الخناصر فإنه يشرف بك على أسرار عجائب تجتنيها من كلام الله والله الموفق للصواب.
* (فصل)
يخبر سُبْحانَهُ عَن رياح الرَّحْمَة بِصِيغَة الجمع لاخْتِلاف مَنافِعها وما يحدث مِنها فريح تثير السَّحاب وريح تلقحه وريح تحمله على متونها وريح تغذي النَّبات ولما كانَت الرِّياح مُخْتَلفَة في مهابها وطبائعها جعل لكل ريح ريحًا مقابلتها تكسر سورتها وحدتها ويبقى لينها ورحمتها فرياح الرَّحْمَة مُتعَدِّدَة، وأما ريح العَذاب فَإنَّهُ ريح واحِدَة ترسل من وجه واحِد لإهلاك ما ترسل بإهلاكه فلا تقوم لَها ريح أخرى تقابلها وتكسر سورتها وتدفع حدتها بل تكون كالجيش العَظِيم الَّذِي لا يقاومه شَيْء يدمر كل ما أتى عَلَيْهِ وتَأمل حِكْمَة القُرْآن وجلالته وفصاحته كَيفَ طرد هَذا في البر، وأما في البَحْر فَجاءَت ريح الرَّحْمَة فِيهِ بِلَفْظ الواحِد كَقوله تَعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يسيركم في البر والبَحْر حَتّى إذا كُنْتُم في الفلك وجرين بهم برِيح طيبَة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مَكان﴾
فَإن السفن إنَّما تسير بِالرِّيحِ الواحِدَة الَّتِي تَأتي من وجه واحِد فَإذا اخْتلفت الرِّياح على السفن وتقابلت لم يتم سَيرها فالمقصود مِنها في البَحْر خلاف المَقْصُود مِنها في البر إذْ المَقْصُود في البَحْر أن تكون واحِدَة طيبَة لا يعارضها شَيْء، فأفردت هُنا وجمعت في البر، ثمَّ إنه سُبْحانَهُ أعطى هَذا المَخْلُوق اللَّطِيف الَّذِي يحركه أضعف المَخْلُوقات ويخرقه من الشدَّة والقُوَّة والبأس ما يقلق بِهِ الأجسام الصلبة القوية الممتنعة ويزعجها عَن أماكنها ويفتتها ويحملها على مَتنه فانْظُر إليه مَعَ لطافته وخِفته إذا دخل في الزق مثلا وامتلأ بِهِ ثمَّ وضع عَلَيْهِ الجِسْم الثقيل كالرّجلِ وغَيره وتحامل عَلَيْهِ ليغمسه في الماء لم يطق، ويَضَع الحَدِيد الصلب الثقيل على وجه الماء فيرسب فِيهِ فامْتنعَ هَذا اللَّطِيف من قهر الماء لَهُ، ولم يمْتَنع مِنهُ القوي الشَّديد وبهذه الحِكْمَة أمسك الله سُبْحانَهُ السفن على وجه الماء مَعَ ثقلها وثقل ما تحويه، وكَذَلِكَ كل مجوف حل فِيهِ الهَواء فَإنَّهُ لا يرسب فِيهِ لأن الهَواء يمْتَنع من الغوس في الماء فتتعلق بِهِ السَّفِينَة المشحونة الموقرة.
فَتَأمل كَيفَ استجار هَذا الجِسْم الثقيل العَظِيم بِهَذا اللَّطِيف الخَفِيف وتعلق بِهِ حَتّى أمن من الغَرق وهَذا كالَّذي يهوي في قليب فَيتَعَلَّق بذيل رجل قوي شَدِيد يمْتَنع عَن السُّقُوط في القليب فينجو بتعلقه بِهِ فسبحان من علق هَذا المركب العَظِيم الثقيل بِهَذا الهَواء اللَّطِيف من غير علاقَة ولا عقدة تشاهد.
{"ayah":"هُوَ ٱلَّذِی یُسَیِّرُكُمۡ فِی ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۖ حَتَّىٰۤ إِذَا كُنتُمۡ فِی ٱلۡفُلۡكِ وَجَرَیۡنَ بِهِم بِرِیحࣲ طَیِّبَةࣲ وَفَرِحُوا۟ بِهَا جَاۤءَتۡهَا رِیحٌ عَاصِفࣱ وَجَاۤءَهُمُ ٱلۡمَوۡجُ مِن كُلِّ مَكَانࣲ وَظَنُّوۤا۟ أَنَّهُمۡ أُحِیطَ بِهِمۡ دَعَوُا۟ ٱللَّهَ مُخۡلِصِینَ لَهُ ٱلدِّینَ لَىِٕنۡ أَنجَیۡتَنَا مِنۡ هَـٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق