الباحث القرآني
﴿والضُّحى﴾ ﴿واللَّيْلِ إذا سَجى﴾ ﴿ما ودَّعَكَ رَبُّكَ وما قَلى﴾ .
القَسَمُ لِتَأْكِيدِ الخَبَرِ رَدًّا عَلى زَعْمِ المُشْرِكِينَ أنَّ الوَحْيَ انْقَطَعَ عَنِ النَّبِيءِ ﷺ حِينَ رَأوْهُ لَمْ يَقُمِ اللَّيْلَ بِالقُرْآنِ بِضْعَ لَيالٍ، فالتَّأْكِيدُ مُنْصَبٌّ عَلى التَّعْرِيضِ المُعَرَّضِ بِهِ لِإبْطالِ دَعْوى المُشْرِكِينَ، فالتَّأْكِيدُ تَعْرِيضٌ بِالمُشْرِكِينَ، وأمّا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَلا يَتَرَدَّدُ في وُقُوعِ ما يُخْبِرُهُ اللَّهُ بِوُقُوعِهِ.
ومُناسَبَةُ القَسَمِ بِـ (الضُّحى واللَّيْلِ) أنَّ الضُّحى وقْتُ انْبِثاقِ نُورِ الشَّمْسِ فَهو إيماءٌ إلى تَمْثِيلِ نُزُولِ الوَحْيِ وحُصُولِ الِاهْتِداءِ بِهِ، وأنَّ اللَّيْلَ وقْتُ قِيامِ (p-٣٩٥)النَّبِيءِ ﷺ بِالقُرْآنِ وهو الوَقْتُ الَّذِي كانَ يَسْمَعُ فِيهِ المُشْرِكُونَ قِراءَتَهُ مِن بُيُوتِهِمُ القَرِيبَةِ مِن بَيْتِهِ أوْ مِنَ المَسْجِدِ الحَرامِ.
ولِذَلِكَ قُيِّدَ اللَّيْلُ بِظَرْفِ (﴿إذا سَجى﴾) . فَلَعَلَّ ذَلِكَ وقْتُ قِيامِ النَّبِيءِ ﷺ قالَ تَعالى: (﴿قُمِ اللَّيْلَ إلّا قَلِيلًا﴾ [المزمل: ٢] ﴿نِصْفَهُ أوِ انْقُصْ مِنهُ قَلِيلًا﴾ [المزمل: ٣]) .
والضُّحى تَقَدَّمَ بَيانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: (﴿والشَّمْسِ وضُحاها﴾ [الشمس: ١]) .
وكُتِبَ في المُصْحَفِ (والضُّحى) بِألِفٍ في صُورَةِ الياءِ مَعَ أنَّ أصْلَ ألِفِهِ الواوُ؛ لِأنَّهم راعَوُا المُناسَبَةَ مَعَ أكْثَرِ الكَلِماتِ المَخْتُومَةِ بِألِفٍ في هَذِهِ السُّورَةِ، فَإنَّ أكْثَرَها مُنْقَلِبَةُ الألِفِ عَنِ الياءِ، ولِأنَّ الألِفَ تَجْرِي فِيها الإمالَةُ في اللُّغاتِ الَّتِي تُمِيلُ الألِفَ الَّتِي مِن شَأْنِها أنْ لا تُمالَ إذا وقَعَتْ مَعَ ألِفٍ تُمالُ لِلْمُناسَبَةِ كَما قالَ ابْنُ مالِكٍ في شَرْحِ كافِيَتِهِ.
ويُقالُ: سَجا اللَّيْلُ سَجْوًا بِفَتْحٍ وسُكُونٍ، وسُجُوًّا بِضَمَّتَيْنِ وتَشْدِيدِ الواوِ، إذا امْتَدَّ وطالَ مُدَّةُ ظَلامِهِ مِثْلَ سَجْوِ المَرْءِ بِالغِطاءِ، إذا غُطِّيَ بِهِ جَمِيعُ جَسَدِهِ، وهو واوِيٌّ ورُسِمَ في المُصْحَفِ بِألِفٍ في صُورَةِ الياءِ لِلْوَجْهِ المُتَقَدِّمِ في كِتابَةِ (الضُّحى) .
وجُمْلَةُ (﴿ما ودَّعَكَ رَبُّكَ﴾) إلَخْ، جَوابُ القَسَمِ، وجَوابُ القَسَمِ إذا كانَ جُمْلَةً مَنفِيَّةً لَمْ تَقْتَرِنْ بِاللّامِ.
والتَّوْدِيعُ: تَحِيَّةُ مَن يُرِيدُ السَّفَرَ.
واسْتُعِيرَ في الآيَةِ لِلْمُفارَقَةِ بَعْدَ الِاتِّصالِ تَشْبِيهًا بِفِراقِ المُسافِرِ في انْقِطاعِ الصِّلَةِ حَيْثُ شَبَّهَ انْقِطاعَ صِلَةِ الكَلامِ بِانْقِطاعِ صِلَةِ الإقامَةِ، والقَرِينَةُ إسْنادُ ذَلِكَ إلى اللَّهِ الَّذِي لا يَتَّصِلُ بِالنّاسِ اتِّصالًا مَعْهُودًا.
وهَذا نَفْيٌ لِأنْ يَكُونَ اللَّهُ قَطَعَ عَنْهُ الوَحْيَ.
وقَدْ عُطِفَ عَلَيْهِ (﴿وما قَلى﴾) لِلْإتْيانِ عَلى إبْطالِ مَقالَتَيِ المُشْرِكِينَ إذْ قالَ بَعْضُهم: ودَّعَهُ رَبُّهُ، وقالَ بَعْضُهم: قَلاهُ رَبُّهُ، يُرِيدُونَ التَّهَكُّمَ.
وجُمْلَةُ (﴿وما قَلى﴾) عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ جَوابِ القَسَمِ ولَها حُكْمُها.
(p-٣٩٦)والقَلْيُ (بِفَتْحِ القافِ مَعَ سُكُونِ اللّامِ) والقِلى (بِكَسْرِ القافِ مَعَ فَتْحِ اللّامِ): البُغْضُ الشَّدِيدُ، وسَبَبُ مَقالَةِ المُشْرِكِينَ تَقَدَّمَ في صَدْرِ السُّورَةِ.
والظّاهِرُ أنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ عَقِبَ فَتْرَةٍ ثانِيَةٍ فَتَرَ فِيها الوَحْيُ بَعْدَ الفَتْرَةِ الَّتِي نَزَلَتْ إثْرَها سُورَةُ المُدَّثِّرِ، فَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ جُرَيْجٍ ”احْتَبَسَ الوَحْيُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أوْ نَحْوَها، فَقالَ المُشْرِكُونَ: إنَّ مُحَمَّدًا قَدْ ودَّعَهُ رَبُّهُ وقَلاهُ، فَنَزَلَتِ الآيَةُ“ .
واحْتِباسُ الوَحْيِ عَنِ النَّبِيءِ ﷺ وقَعَ مَرَّتَيْنِ:
أُولاهُما قَبْلَ نُزُولِ سُورَةِ المُدَّثِّرِ أوِ المُزَّمِّلِ، أيْ: بَعْدَ نُزُولِ سُورَتَيْنِ مِنَ القُرْآنِ أوْ ثَلاثٍ عَلى الخِلافِ في الأسْبَقِ مِن سُورَتَيِ المُزَّمِّلِ والمُدَّثِّرِ، وتِلْكَ الفَتْرَةُ هي الَّتِي خَشِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أنْ يَكُونَ قَدِ انْقَطَعَ عَنْهُ الوَحْيُ. وهي الَّتِي رَأى عَقِبَها جِبْرِيلَ عَلى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ كَما تَقَدَّمَ في تَفْسِيرِ سُورَةِ المُدَّثِّرِ، وقَدْ قِيلَ: إنَّ مُدَّةَ انْقِطاعِ الوَحْيِ في الفَتْرَةِ الأُولى كانَتْ أرْبَعِينَ يَوْمًا ولَمْ يَشْعُرْ بِها المُشْرِكُونَ؛ لِأنَّها كانَتْ في مَبْدَأِ نُزُولِ الوَحْيِ قَبْلَ أنْ يَشِيعَ الحَدِيثُ بَيْنَهم فِيهِ وقَبْلَ أنْ يَقُومَ النَّبِيءُ ﷺ بِالقُرْآنِ لَيْلًا.
وثانِيَتُهُما: فَتْرَةٌ بَعْدَ نُزُولِ نَحْوٍ مِن ثَمانِ سُوَرٍ، أيِ: السُّوَرِ الَّتِي نَزَلَتْ بَعْدَ الفَتْرَةِ الأُولى، فَتَكُونُ بَعْدَ تَجَمُّعِ عَشْرِ سُوَرٍ، وبِذَلِكَ تَكُونُ هَذِهِ السُّورَةُ حادِيَةَ عَشْرَةَ فَيَتَوافَقُ ذَلِكَ مَعَ عَدَدِها في تَرْتِيبِ نُزُولِ السُّوَرِ.
والِاخْتِلافُ في سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ يَدُلُّ عَلى عَدَمِ وُضُوحِهِ لِلرُّواةِ، فالَّذِي نَظُنُّهُ أنَّ احْتِباسَ الوَحْيِ في هَذِهِ المَرَّةِ كانَ لِمُدَّةِ نَحْوٍ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا، وأنَّهُ ما كانَ إلّا لِلرِّفْقِ بِالنَّبِيءِ ﷺ كَيْ تَسْتَجِمَّ نَفْسُهُ وتَعْتادَ قُوَّتُهُ تَحَمُّلَ أعْباءِ الوَحْيِ، إذْ كانَتِ الفَتْرَةُ الأُولى أرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ كانَتِ الثّانِيَةُ اثَّنى عَشَرَ يَوْمًا أوْ نَحْوَها، فَيَكُونُ نُزُولُ سُورَةِ الضُّحى هو النُّزُولَ الثّالِثَ، وفي المَرَّةِ الثّالِثَةِ يَحْصُلُ الِارْتِياضُ في الأُمُورِ الشّاقَّةِ ولِذَلِكَ يَكْثُرُ الأمْرُ بِتَكَرُّرِ بَعْضِ الأعْمالِ ثَلاثًا، وبِهَذا الوَجْهِ يُجْمَعُ بَيْنَ مُخْتَلِفِ الأخْبارِ في سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ وسَبَبِ نُزُولِ سُورَةِ المُدَّثِّرِ.
وحُذِفَ مَفْعُولُ (قَلى) لِدَلالَةِ (ودَّعَكَ) عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعالى: (p-٣٩٧)(﴿والذّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا والذّاكِراتِ﴾ [الأحزاب: ٣٥]) وهو إيجازٌ لَفْظِيٌّ لِظُهُورِ المَحْذُوفِ ومِثْلُهُ قَوْلُهُ: (فَآوى)، (فَهَدى)، (فَأغْنى) .
{"ayahs_start":1,"ayahs":["وَٱلضُّحَىٰ","وَٱلَّیۡلِ إِذَا سَجَىٰ","مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ"],"ayah":"وَٱلضُّحَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق