الباحث القرآني
﴿والشَّمْسِ وضُحاها﴾ ﴿والقَمَرِ إذا تَلاها﴾ ﴿والنَّهارِ إذا جَلّاها﴾ ﴿واللَّيْلِ إذا يَغْشاها﴾ ﴿والسَّماءِ وما بَناها﴾ ﴿والأرْضِ وما طَحاها﴾ ﴿ونَفْسٍ وما سَوّاها﴾ ﴿فَألْهَمَها فُجُورَها وتَقْواها﴾ .
القَسَمُ لِتَأْكِيدِ الخَبَرِ، والمَقْصُودُ بِالتَّأْكِيدِ هو ما في سَوْقِ الخَبَرِ مِنَ التَّعْرِيضِ بِالتَّهْدِيدِ والوَعِيدِ بِالِاسْتِئْصالِ.
والواواتُ الواقِعَةُ بَعْدَ الفَواصِلِ واواتُ قَسَمٍ.
وكُلٌّ مِنَ الشَّمْسِ والقَمَرِ والسَّماءِ والأرْضِ ونَفْسِ الإنْسانِ مِن أعْظَمِ مَخْلُوقاتِ اللَّهِ ذاتًا ومَعْنًى، الدّالَّةِ عَلى بَدِيعِ حِكْمَتِهِ وقَوِيِّ قُدْرَتِهِ.
وكَذَلِكَ كُلٌّ مِنَ الضُّحى، وتُلُوِّ القَمَرِ الشَّمْسَ، والنَّهارِ واللَّيْلِ، مِن أدَقِّ النِّظامِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعالى.
والضُّحى: وقْتُ ارْتِفاعِ الشَّمْسِ عَنْ أُفُقِ مَشْرِقِها وظُهُورِ شُعاعِها، وهو الوَقْتُ الَّذِي تَرْتَفِعُ فِيهِ الشَّمْسُ مُتَجاوِزَةً مَشْرِقَها بِمِقْدارِ ما يُخَيَّلُ لِلنّاظِرِ أنَّهُ طُولُ رُمْحٍ.
ومَهَّدَ لِذَلِكَ بِالتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ تَزْكِيَةَ النَّفْسِ سَبَبُ الفَلاحِ، وأنَّ التَّقْصِيرَ في إصْلاحِها سَبَبُ الفُجُورِ والخُسْرانِ.
والتُّلُوُّ: التَّبَعُ، وأُرِيدَ بِهِ خَلْفُ ضَوْئِهِ في اللَّيْلِ ضَوْءَ الشَّمْسِ أيْ: إذا ظَهَرَ بَعْدَ مَغِيبِها فَكَأنَّهُ يَتْبَعُها في مَكانِها، وهَذا تُلُوٌّ مَجازِيٌّ. والقَمَرُ يَتْبَعُ الشَّمْسَ في أحْوالٍ كَثِيرَةٍ مِنها اسْتِهْلالُهُ، فالهِلالُ يَظْهَرُ لِلنّاظِرِينَ عَقِبَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ثُمَّ يَبْقى كَذَلِكَ ثَلاثَ لَيالٍ، وهو أيْضًا يَتْلُو الشَّمْسَ حِينَ يُقارِبُ الِابْتِدارَ وحِينَ يَصِيرُ (p-٣٦٧)بَدْرًا، فَإذا صارَ بَدْرًا صارَ تُلُوُّهُ الشَّمْسَ حَقِيقَةً؛ لِأنَّهُ يَظْهَرُ عِنْدَما تَغْرُبُ الشَّمْسُ، وقَرِيبًا مِن غُرُوبِها قَبْلَهُ أوْ بَعْدَهُ، وهو أيْضًا يُضِيءُ في أكْثَرِ لَيالِي الشَّهْرِ، جَعَلَهُ اللَّهُ عِوَضًا عَنِ الشَّمْسِ في عِدَّةِ لَيالٍ في الإنارَةِ، ولِذَلِكَ قُيِّدَ القَسَمُ بِحِينِ تُلُوِّهِ؛ لِأنَّ تُلُوَّهُ لِلشَّمْسِ حِينَئِذٍ تَظْهَرُ مِنهُ مَظاهِرُ التُّلُوِّ لِلنّاظِرِينَ، فَهَذا الزَّمانُ مِثْلُ زَمانِ الضُّحى في القَسَمِ بِهِ، فَكانَ بِمَنزِلَةِ قَسَمٍ بِوَقْتِ تُلُوِّهِ الشَّمْسَ، فَحَصَلَ القَسَمُ بِذاتِ القَمَرِ وبِتُلُوِّهِ الشَّمْسَ.
وفِي الآيَةِ إشارَةٌ إلى أنَّ نُورَ القَمَرِ مُسْتَفادٌ مِن نُورِ الشَّمْسِ، أيْ: مِن تَوَجُّهِ أشِعَّةِ الشَّمْسِ إلى ما يُقابِلُ الأرْضَ مِنَ القَمَرِ، ولَيْسَ نَيِّرًا بِذاتِهِ، وهَذا إعْجازٌ عِلْمِيٌّ مِن إعْجازِ القُرْآنِ، وهو مِمّا أشَرْتُ إلَيْهِ في المُقَدِّمَةِ العاشِرَةِ.
وابْتُدِئَ بِالشَّمْسِ لِمُناسَبَةِ المَقامِ إيماءً لِلتَّنْوِيهِ بِالإسْلامِ؛ لِأنَّ هَدْيَهُ كَنُورِ الشَّمْسِ لا يَتْرُكُ لِلضَّلالِ مَسْلَكًا، وفِيهِ إشارَةٌ إلى الوَعْدِ بِانْتِشارِهِ في العالَمِ كانْتِشارِ نُورِ الشَّمْسِ في الأُفُقِ، وأُتْبِعَ بِالقَمَرِ لِأنَّهُ يُنِيرُ في الظَّلامِ كَما أنارَ الإسْلامُ في ابْتِداءِ ظُهُورِهِ في ظُلْمَةِ الشِّرْكِ، ثُمَّ ذُكِرَ النَّهارُ واللَّيْلُ مَعَهُ لِأنَّهُما مَثَلٌ لِوُضُوحِ الإسْلامِ بَعْدَ ضَلالَةِ الشِّرْكِ، وذَلِكَ عَكْسُ ما في سُورَةِ اللَّيْلِ؛ لِما يَأْتِي.
ومُناسَبَةُ اسْتِحْضارِ السَّماءِ عَقِبَ ذِكْرِ الشَّمْسِ والقَمَرِ، واسْتِحْضارِ الأرْضِ عَقِبَ ذِكْرِ النَّهارِ واللَّيْلِ، واضِحَةٌ، ثُمَّ ذُكِرَتِ النَّفْسُ الإنْسانِيَّةُ لِأنَّها مَظْهَرُ الهُدى والضَّلالِ وهو المَقْصُودُ.
والضَّمِيرُ المُؤَنَّثُ في قَوْلِهِ: (جَلّاها) ظاهِرُهُ أنَّهُ عائِدٌ إلى الشَّمْسِ، فَمَعْنى تَجْلِيَةِ النَّهارِ الشَّمْسَ: وقْتُ ظُهُورِ الشَّمْسِ.
فَإسْنادُ التَّجْلِيَةِ إلى النَّهارِ مَجازٌ عَقْلِيٌّ، والقَسَمُ إنَّما هو بِالنَّهارِ لِأنَّهُ حالَةٌ دالَّةٌ عَلى دَقِيقِ نِظامِ العالَمِ الأرْضِيِّ. وقِيلَ: الضَّمِيرُ عائِدٌ إلى الأرْضِ، أيْ: أضاءَ الأرْضَ فَتَجَلَّتْ لِلنّاظِرِينَ لِظُهُورِ المَقْصُودِ، كَما يُقالُ عِنْدَ نُزُولِ المَطَرِ: أرْسَلَتْ. يَعْنُونَ: أرْسَلَتِ السَّماءُ ماءَها.
وقُيِّدَ القَسَمُ بِالنَّهارِ بِقَيْدِ وقْتِ التَّجْلِيَةِ إدْماجًا لِلْمِنَّةِ في القَسَمِ.
وابْتُدِئَ القَسَمُ بِالشَّمْسِ وأضْوائِها الثَّلاثَةِ الأصْلِيَّةِ والمُنْعَكِسَةِ؛ لِأنَّ الشَّمْسَ (p-٣٦٨)أعْظَمُ النَّيِّراتِ الَّتِي يَصِلُ نُورٌ شَدِيدٌ مِنها لِلْأرْضِ، ولِما في حالِها وحالِ أضْوائِها مِنَ الإيماءِ إلى أنَّها مَثَلٌ لِظُهُورِ الإيمانِ بَعْدَ الكُفْرِ وبَثِّ التَّقْوى بَعْدَ الفُجُورِ، فَإنَّ الكُفْرَ والمَعاصِيَ تُمَثَّلُ بِالظُّلْمَةِ، والإيمانَ والطّاعاتِ تُمَثَّلُ بِالضِّياءِ، قالَ تَعالى: (﴿ويُخْرِجُهم مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ بِإذْنِهِ﴾ [المائدة: ١٦]) .
وأُعْقِبَ القَسَمُ بِالنَّهارِ بِالقَسَمِ بِاللَّيْلِ؛ لِأنَّ اللَّيْلَ مُقابِلُ وقْتِ النَّهارِ فَهو وقْتُ الإظْلامِ.
والغَشْيُ: التَّغْطِيَةُ، ولَيْسَ اللَّيْلُ بِمُغَطٍّ لِلشَّمْسِ عَلى الحَقِيقَةِ ولَكِنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْ غَشْيِ نِصْفِ الكُرَةِ الأرْضِيَّةِ لِقُرْصِ الشَّمْسِ ابْتِداءً مِن وقْتِ الغُرُوبِ، وهو زَمَنٌ لِذَلِكَ الغَشْيِ، فَإسْنادُ الغَشْيِ إلى اللَّيْلِ مَجازٌ عَقْلِيٌّ مِن إسْنادِ الفِعْلِ إلى زَمَنِهِ أوْ إلى مُسَبَّبِهِ (بِفَتْحِ الباءِ) .
والغاشِي في الحَقِيقَةِ هو تَكْوِيرُ الأرْضِ ودَوَرانُها تُجاهَ مَظْهَرِ الشَّمْسِ وهي الدَّوْرَةُ اليَوْمِيَّةُ، وقِيلَ: ضَمِيرُ المُؤَنَّثِ في (﴿يَغْشاها﴾) عائِدٌ إلى الأرْضِ عَلى نَحْوِ ما قِيلَ في (﴿والنَّهارِ إذا جَلّاها﴾) .
و(إذا) في قَوْلِهِ: (﴿إذا تَلاها﴾) وقَوْلِهِ: (﴿إذا جَلّاها﴾) وقَوْلِهِ: (﴿إذا يَغْشاها﴾) في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الظَّرْفِيَّةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِكَوْنٍ هو حالٌ مِنَ القَمَرِ ومِنَ النَّهارِ ومِنَ اللَّيْلِ فَهو ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ، أيْ: مُقْسِمًا بِكُلٍّ واحِدٍ مِن هَذِهِ الثَّلاثَةِ في الحالَةِ الدّالَّةِ عَلى أعْظَمِ أحْوالِهِ وأشَدِّها دَلالَةً عَلى عَظِيمِ صُنْعِ اللَّهِ تَعالى.
وبِناءُ السَّماءِ تَشْبِيهٌ لِرَفْعِها فَوْقَ الأرْضِ بِالبِناءِ. والسَّماءُ آفاقُ الكَواكِبِ، قالَ تَعالى: (﴿ولَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكم سَبْعَ طَرائِقَ﴾ [المؤمنون: ١٧]) وتَقْيِيدُ القَسَمِ بِاللَّيْلِ بِوَقْتِ تَغْشِيَتِهِ تَذْكِيرًا بِالعِبْرَةِ بِحُدُوثِ حالَةِ الظُّلْمَةِ بَعْدَ حالَةِ النُّورِ.
وطَحْوُ الأرْضِ: بَسْطُها وتَوْطِئَتُها لِلسَّيْرِ والجُلُوسِ والِاضْطِجاعِ، يُقالُ: طَحا يَطْحُو ويَطْحِي طَحْوًا وطَحْيًا، وهو مُرادِفُ (دَحا) في سُورَةِ النّازِعاتِ.
والنَّفْسُ: ذاتُ الإنْسانِ كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: (﴿يا أيَّتُها النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ﴾ [الفجر: ٢٧]) وتَنْكِيرُ (نَفْسٍ) لِلنَّوْعِيَّةِ أيْ: جِنْسُ النَّفْسِ فَيَعُمُّ كُلَّ نَفْسٍ عُمُومًا بِالقَرِينَةِ عَلى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعالى: (﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وأخَّرَتْ﴾ [الإنفطار: ٥]) .
(p-٣٦٩)وتَسْوِيَةُ النَّفْسِ: خَلْقُها سَواءً، أيْ: غَيْرُ مُتَفاوِتَةِ الخَلْقِ، وتَقَدَّمَ في سُورَةِ الِانْفِطارِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: (﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوّاكَ﴾ [الإنفطار: ٧]) .
و(ما) في المَواضِعِ الثَّلاثَةِ مِن قَوْلِهِ: (﴿وما بَناها﴾)، أوْ (﴿ما طَحاها﴾)، (﴿وما سَوّاها﴾)، إمّا مَصْدَرِيَّةٌ يُؤَوَّلُ الفِعْلُ بَعْدَها بِمَصْدَرٍ، فالقَسَمُ بِأُمُورٍ مِن آثارِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى وهي صِفاتُ الفِعْلِ الإلَهِيَّةُ وهي رَفْعُهُ السَّماءَ وطَحْوُهُ الأرْضَ وتَسْوِيَتُهُ الإنْسانَ.
وعُطِفَ (﴿فَألْهَمَها فُجُورَها وتَقْواها﴾) عَلى (سَوّاها)، فَهو مُقْسَمٌ بِهِ، وفِعْلُ (ألْهَمَها) في تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ؛ لِأنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى صِلَةِ (ما) المَصْدَرِيَّةِ، وعُطِفَ بِالفاءِ؛ لِأنَّ الإلْهامَ ناشِئٌ عَنِ التَّسْوِيَةِ، فَضَمِيرُ الرَّفْعِ في (ألْهَمَها) عائِدٌ إلى التَّسْوِيَةِ وهي المَصْدَرُ المَأْخُوذُ مِن (سَوّاها) . ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ (ما) مَوْصُولَةً صادِقَةً عَلى فِعْلِ اللَّهِ تَعالى، وجُمْلَةُ (بَناها) صِلَةُ المَوْصُولِ، أيْ: والبِناءِ الَّذِي بَنى السَّماءَ، والطَّحْوِ الَّذِي طَحا الأرْضَ، والتَّسْوِيَةِ الَّتِي سَوَّتِ النَّفْسَ.
فالتَّسْوِيَةُ حاصِلَةٌ مِن وقْتِ تَمامِ خِلْقَةِ الجَنِينِ مِن أوَّلِ أطْوارِ الصِّبا، إذِ التَّسْوِيَةُ تَعْدِيلُ الخِلْقَةِ وإيجادُ القُوى الجَسَدِيَّةِ والعَقْلِيَّةِ، ثُمَّ تَزْدادُ كَيْفِيَّةُ القُوى فَيَحْصُلُ الإلْهامُ.
والإلْهامُ: مَصْدَرُ (ألْهَمَ)، وهو فِعْلٌ مُتَعَدٍّ بِالهَمْزَةِ، ولَكِنَّ المُجَرَّدَ مِنهُ مُماتٌ، والإلْهامُ اسْمٌ قَلِيلُ الوُرُودِ في كَلامِ العَرَبِ ولَمْ يَذْكُرْ أهْلُ اللُّغَةِ شاهِدًا لَهُ مِن كَلامِ العَرَبِ.
ويُطْلَقُ الإلْهامُ إطْلاقًا خاصًّا عَلى حُدُوثِ عِلْمٍ في النَّفْسِ بِدُونِ تَعْلِيمٍ ولا تَجْرِبَةٍ ولا تَفْكِيرٍ، فَهو عِلْمٌ يَحْصُلُ مِن غَيْرِ دَلِيلٍ سَواءٌ ما كانَ مِنهُ وِجْدانِيًّا كالِانْسِياقِ إلى المَعْلُوماتِ الضَّرُورِيَّةِ والوِجْدانِيَّةِ، وما كانَ مِنهُ عَنْ دَلِيلٍ كالتَّجْرِيبِيّاتِ والأُمُورِ الفِكْرِيَّةِ النَّظَرِيَّةِ.
وإيثارُ الفِعْلِ هُنا لِيَشْمَلَ جَمِيعَ عُلُومِ الإنْسانِ، قالَ الرّاغِبُ: ”الإلْهامُ: إيقاعُ الشَّيْءِ في الرُّوعِ ويَخْتَصُّ ذَلِكَ بِما كانَ مِن جِهَةِ اللَّهِ تَعالى وجِهَةِ المَلَأِ الأعْلى“ اهـ. ولِذَلِكَ فَهَذا اللَّفْظُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِن مُبْتَكَراتِ القُرْآنِ يَكُنْ مِمّا أحْياهُ القُرْآنُ؛ لِأنَّهُ اسْمٌ دَقِيقُ الدَّلالَةِ عَلى المَعانِي النَّفْسِيَّةِ وقَلِيلٌ رَواجُ أمْثالِ ذَلِكَ في اللُّغَةِ (p-٣٧٠)قَبْلَ الإسْلامِ لِقِلَّةِ خُطُورِ مِثْلِ تِلْكَ المَعانِي في مُخاطَباتِ عامَّةِ العَرَبِ، وهو مُشْتَقٌّ مِنَ اللَّهْمِ وهو البَلْعُ دَفْعَةً، يُقالُ: لَهِمَ - كَفَرِحَ -، وأمّا إطْلاقُ الإلْهامِ عَلى عِلْمٍ يَحْصُلُ لِلنَّفْسِ بِدُونِ مُسْتَنَدٍ، فَهو إطْلاقٌ اصْطِلاحِيٌّ لِلصُّوفِيَّةِ.
والمَعْنى هُنا: أنَّ مِن آثارِ تَسْوِيَةِ النَّفْسِ إدْراكَ العُلُومِ الأوَّلِيَّةِ، والإدْراكُ الضَّرُورِيُّ المُدَرَّجُ ابْتِداءً مِنَ الِانْسِياقِ الجِبِلِيِّ نَحْوَ الأُمُورِ النّافِعَةِ، كَطَلَبِ الرَّضِيعِ الثَّدْيَ أوَّلَ مَرَّةٍ، ومِنهُ اتِّقاءُ الضّارِّ كالفِرارِ مِمّا يُكْرَهُ إلى أنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ إلى أوَّلِ مَراتِبِ الِاكْتِسابِ بِالنَّظَرِ العَقْلِيِّ، وكُلُّ ذَلِكَ إلْهامٌ.
وتَعْدِيَةُ الإلْهامِ إلى الفُجُورِ والتَّقْوى في هَذِهِ الآيَةِ، مَعَ أنَّ اللَّهَ أعْلَمَ النّاسَ بِما هو فُجُورٌ وما هو تَقْوى بِواسِطَةِ الرُّسُلِ، بِاعْتِبارِ أنَّهُ لَوْلا ما أوْدَعَ اللَّهُ في النُّفُوسِ مِن إدْراكِ المَعْلُوماتِ عَلى اخْتِلافِ مَراتِبِها لَما فَهِمُوا ما تَدْعُوهم إلَيْهِ الشَّرائِعُ الإلَهِيَّةُ، فَلَوْلا العُقُولُ لَما تَيَسَّرَ إفْهامُ الإنْسانِ الفُجُورَ والتَّقْوى، والعِقابَ والثَّوابَ.
وتَقْدِيمُ الفُجُورِ عَلى التَّقْوى مُراعًى فِيهِ أحْوالُ المُخاطَبِينَ بِهَذِهِ السُّورَةِ وهُمُ المُشْرِكُونَ، وأكْثَرُ أعْمالِهِمْ فُجُورٌ ولا تَقْوى لَهم، والتَّقْوى صِفَةُ أعْمالِ المُسْلِمِينَ وهم قَلِيلٌ يَوْمَئِذٍ.
ومَجِيءُ فِعْلِ (ألْهَمَها) بِصِيغَةِ الإسْنادِ إلى ضَمِيرٍ مُذَكَّرٍ بِاعْتِبارِ أنَّ تَأْنِيثَ مَصْدَرِ التَّسْوِيَةِ تَأْنِيثٌ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ، أوْ لِمُراعاةِ لِفَظِ (ما) إنْ جَعَلْتَها مَوْصُولَةً.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا","وَٱلۡقَمَرِ إِذَا تَلَىٰهَا","وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلَّىٰهَا","وَٱلَّیۡلِ إِذَا یَغۡشَىٰهَا","وَٱلسَّمَاۤءِ وَمَا بَنَىٰهَا","وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا طَحَىٰهَا","وَنَفۡسࣲ وَمَا سَوَّىٰهَا","فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا"],"ayah":"وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا طَحَىٰهَا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق