الباحث القرآني
(p-٣٧٥)﴿فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهم بِذَنْبِهِمْ فَسَوّاها﴾ ﴿فَلا يَخافُ عُقْباها﴾ .
أيْ: صاحَ عَلَيْهِمْ رَبُّهم صَيْحَةَ غَضَبٍ. والمُرادُ بِهَذِهِ الدَّمْدَمَةِ صَوْتُ الصّاعِقَةِ والرَّجْفَةِ الَّتِي أُهْلِكُوا بِها، قالَ تَعالى: (﴿فَأخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ﴾ [المؤمنون: ٤١]) وإسْنادُ ذَلِكَ إلى اللَّهِ مَجازٌ عَقْلِيٌّ؛ لِأنَّ اللَّهَ هو خالِقُ الصَّيْحَةِ وكَيْفِيّاتِها. فَوَزْنُ (دَمْدَمَ) فَعْلَلَ، وقالَ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ: دَمْدَمَ عَلَيْهِمْ: أطْبَقَ عَلَيْهِمُ الأرْضَ، يُقالُ: دَمَّمَ عَلَيْهِ القَبْرَ، إذا أطْبَقَهُ ودَمْدَمَ مُكَرَّرُ دَمَّمَ لِلْمُبالَغَةِ مِثْلُ كَبْكَبَ، وعَلَيْهِ فَوَزْنُ دَمْدَمَ: فَعْفَلَ.
وفُرِّعَ عَلى (﴿دَمْدَمَ عَلَيْهِمْ﴾) (﴿فَسَوّاها﴾) أيْ: فاسْتَوَوْا في إصابَتِها لَهم، فَضَمِيرُ النَّصْبِ عائِدٌ إلى الدَّمْدَمَةِ المَأْخُوذَةِ مِن (﴿دَمْدَمَ عَلَيْهِمْ﴾) .
ومَن فَسَّرُوا (دَمْدَمَ) بِمَعْنى: أطْبَقَ عَلَيْهِمُ الأرْضَ قالُوا: مَعْنى (﴿سَوّاها﴾ [الشمس: ٧]): جَعَلَ الأرْضَ مُسْتَوِيَةً عَلَيْهِمْ لا تَظْهَرُ فِيها أجْسادُهم ولا بِلادُهم، وجَعَلُوا ضَمِيرَ المُؤَنَّثِ عائِدًا إلى الأرْضِ المَفْهُومَةِ مَن فِعْلِ (دَمْدَمَ) فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ تَعالى: (﴿لَوْ تُسَوّى بِهِمُ الأرْضُ﴾ [النساء: ٤٢]) .
وبَيْنَ (فَسَوّاها) هُنا وقَوْلِهِ: (﴿وما سَوّاها﴾ [الشمس: ٧]) قَبْلَهُ مُحَسِّنُ الجِناسِ التّامِّ.
والعُقْبى: ما يَحْصُلُ عَقِبَ فِعْلٍ مِنَ الأفْعالِ مِن تَبِعَةٍ لِفاعِلِهِ أوْ مَثُوبَةٍ، ولَمّا كانَ المَذْكُورُ عِقابًا وغَلَبَةً وكانَ العُرْفُ أنَّ المَغْلُوبَ يُكَنّى في نَفْسِهِ الأخْذُ بِالثَّأْرِ مِن غالِبِهِ فَلا يَهْدَأُ لَهُ بالٌ حَتّى يَثْأرَ لِنَفْسِهِ، ولِذَلِكَ يَقُولُونَ: الثّارُ المُنِيمُ، أيِ: الَّذِي يُزِيلُ النَّوْمَ عَنْ صاحِبِهِ، فَكانَ الَّذِي يَغْلِبُ غَيْرَهُ يَتَّقِي حَذَرًا مِن أنْ يَتَمَكَّنَ مَغْلُوبُهُ مِنَ الثَّأْرِ، أخْبَرَ اللَّهُ أنَّهُ الغالِبُ الَّذِي لا يَقْدِرُ مَغْلُوبُهُ عَلى أخْذِ الثَّأْرِ مِنهُ، وهَذا كِنايَةٌ عَنْ تَمَكُّنِ اللَّهِ مِن عِقابِ المُشْرِكِينَ وأنَّ تَأْخِيرَ العَذابِ عَنْهم إمْهالٌ لَهم ولَيْسَ عَنْ عَجْزٍ، فَجُمْلَةُ (﴿فَلا يَخافُ عُقْباها﴾) تَذْيِيلٌ لِلْكَلامِ وإيذانٌ بِالخِتامِ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: (﴿فَلا يَخافُ عُقْباها﴾) تَمْثِيلًا لِحالِهِمْ في الِاسْتِئْصالِ بِحالِ مَن لَمْ يَتْرُكْ مَن يَثْأرُ لَهُ فَيَكُونُ المَثَلُ كِنايَةً عَنْ هَلاكِهِمْ عَنْ بَكْرَةِ أبِيهِمْ لَمْ يَبْقَ مِنهم أحَدٌ.
(p-٣٧٦)وقَرَأ نافِعٌ وابْنُ عامِرٍ وأبُو جَعْفَرٍ (فَلا يَخافُ عُقْباها) بِفاءِ العَطْفِ تَفْرِيعًا عَلى (﴿فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ﴾) وهو مَكْتُوبٌ بِالفاءِ في مَصاحِفِ المَدِينَةِ ومُصْحَفِ الشّامِ. . . ومَعْنى التَّفْرِيعِ بِالفاءِ عَلى هَذِهِ القِراءَةِ تَفْرِيعُ العِلْمِ بِانْتِفاءِ خَوْفِ اللَّهِ مِنهم مَعَ قُوَّتِهِمْ لِيَرْتَدِعَ بِهَذا العِلْمِ أمْثالُهم مِنَ المُشْرِكِينَ.
وقَرَأ الباقُونَ مِنَ العَشَرَةِ (﴿ولا يَخافُ عُقْباها﴾) بِواوِ العَطْفِ أوِ الحالِ، وهي كَذَلِكَ في مَصاحِفَ أهْلِ مَكَّةَ وأهْلِ البَصْرَةِ والكُوفَةِ، وهي رِوايَةُ قُرّائِها. وقالَ ابْنُ القاسِمِ وابْنُ وهْبٍ: أخْرَجَ لَنا مالِكٌ مُصْحَفًا لِجَدِّهِ وزَعَمَ أنَّهُ كَتَبَهُ في أيّامِ عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ حِينَ كَتَبَ المَصاحِفَ وفِيهِ (﴿ولا يَخافُ﴾) بِالواوِ، وهَذا يَقْتَضِي أنَّ بَعْضَ مَصاحِفِ المَدِينَةِ بِالواوِ ولَكِنَّهم لَمْ يَقْرَءُوا بِذَلِكَ؛ لِمُخالَفَتِهِ رِوايَتَهم.
{"ayahs_start":14,"ayahs":["فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمۡدَمَ عَلَیۡهِمۡ رَبُّهُم بِذَنۢبِهِمۡ فَسَوَّىٰهَا","وَلَا یَخَافُ عُقۡبَـٰهَا"],"ayah":"وَلَا یَخَافُ عُقۡبَـٰهَا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق