الباحث القرآني
﴿فَرِحَ المُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وكَرِهُوا أنْ يُجاهِدُوا بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ في سَبِيلِ اللَّهِ وقالُوا لا تَنْفِرُوا في الحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ﴾
اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ، وهَذِهِ الآيَةُ تُشِيرُ إلى ما حَصَلَ لِلْمُنافِقِينَ عِنْدَ الِاسْتِنْفارِ لِغَزْوَةِ تَبُوكَ، فَيَكُونُ المُرادُ بِالمُخَلَّفِينَ خُصُوصُ مَن تَخَلَّفَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ مِنَ المُنافِقِينَ.
ومُناسَبَةُ وُقُوعِها في هَذا المَوْضِعِ أنَّ فَرَحَهم بِتَخَلُّفِهِمْ قَدْ قَوِيَ لَمّا اسْتَغْفَرَ لَهُمُ النَّبِيءُ ﷺ وظَنُّوا أنَّهُمُ اسْتَغْفَلُوهُ فَقَضَوْا مَأْرَبَهم ثُمَّ حَصَّلُوا الِاسْتِغْفارَ ظَنًّا مِنهم بِأنَّ مُعامَلَةَ اللَّهِ إيّاهم تَجْرِي عَلى ظَواهِرِ الأُمُورِ.
فالمُخَلَّفُونَ هُمُ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ اسْتَأْذَنُوا النَّبِيءَ ﷺ فَأذِنَ لَهم وكانُوا مِنَ المُنافِقِينَ، فَلِذَلِكَ أُطْلِقَ عَلَيْهِمْ في الآيَةِ وصْفُ المُخَلَّفِينَ بِصِيغَةِ اسْمِ المَفْعُولِ لِأنَّ النَّبِيءَ خَلَّفَهم، وفِيهِ إيماءٌ إلى أنَّهُ ما أذِنَ لَهم في التَّخَلُّفِ إلّا لِعِلْمِهِ بِفَسادِ قُلُوبِهِمْ وأنَّهم لا يُغْنُونَ عَنِ المُسْلِمِينَ شَيْئًا كَما قالَ ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكم ما زادُوكم إلّا خَبالًا﴾ [التوبة: ٤٧]
وذِكْرُ فَرَحِهِمْ دَلالَةٌ عَلى نِفاقِهِمْ لِأنَّهم لَوْ كانُوا مُؤْمِنِينَ لَكانَ التَّخَلُّفُ نَكَدًا عَلَيْهِمْ ونَغْصًا كَما وقَعَ لِلثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا فَتابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.
والمَقْعَدُ هُنا مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ أيْ بِقُعُودِهِمْ.
و(خِلافَ) لُغَةٌ في (خَلْفَ) . يُقالُ: أقامَ خِلافَ الحَيِّ بِمَعْنى بَعْدَهم، أيْ ظَعَنُوا ولَمْ يَظْعَنْ. ومِن نُكْتَةِ اخْتِيارِ لَفْظِ خِلافٍ دُونَ خَلْفَ أنَّهُ يُشِيرُ إلى أنَّ قُعُودَهم كانَ (p-٢٨١)مُخالَفَةً لِإرادَةِ رَسُولِ اللَّهِ حِينَ اسْتَنْفَرَ النّاسَ كُلَّهم لِلْغَزْوِ، ولِذَلِكَ جَعَلَهُ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ مَنصُوبًا عَلى المَفْعُولِ لَهُ، أيْ بِمَقْعَدِهِمْ لِمُخالَفَةِ أمْرِ الرَّسُولِ.
وكَراهِيَتُهُمُ الجِهادَ بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ في سَبِيلِ اللَّهِ خَصْلَةٌ أُخْرى مِن خِصالِ النِّفاقِ لِأنَّ اللَّهَ أمَرَ بِذَلِكَ في الآيَةِ المُتَقَدِّمَةِ ﴿وجاهِدُوا بِأمْوالِكم وأنْفُسِكم في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٤١] الآيَةَ، ولِكَوْنِها خَصْلَةً أُخْرى جُعِلَتْ جُمْلَتُها مَعْطُوفَةً ولَمْ تُجْعَلْ مُقْتَرِنَةً بِلامِ التَّعْلِيلِ مَعَ أنَّ فَرَحَهم بِالقُعُودِ سَبَبُهُ هو الكَراهِيَةُ لِلْجِهادِ.
وقَوْلُهم ﴿لا تَنْفِرُوا في الحَرِّ﴾ خِطابُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وكانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ في وقْتِ الحَرِّ حِينَ طابَتِ الظِّلالُ.
وجُمْلَةُ ﴿قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أشَدُّ حَرًّا﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ ابْتِدائِيَّةٌ خِطابٌ لِلنَّبِيءِ ﷺ والمَقْصُودُ قَرْعُ أسْماعِهِمْ بِهَذا الكَلامِ.
وكَوْنُ نارِ جَهَنَّمَ أشَدَّ حَرًّا مِن حَرِّ القَيْظِ أمْرٌ مَعْلُومٌ لا يَتَعَلَّقُ الغَرَضُ بِالإخْبارِ عَنْهُ. فَتَعَيَّنَ أنَّ الخَبَرَ مُسْتَعْمَلٌ في التَّذْكِيرِ بِما هو مَعْلُومٌ تَعْرِيضًا بِتَجْهِيلِهِمْ لِأنَّهم حَذِرُوا مِن حَرٍّ قَلِيلٍ، وأقْحَمُوا أنْفُسَهم فِيما يَصِيرُ بِهِمْ إلى حَرٍّ أشَدَّ. فَيَكُونُ هَذا التَّذْكِيرُ كِنايَةً عَنْ كَوْنِهِمْ واقِعِينَ في نارِ جَهَنَّمَ لِأجْلِ قُعُودِهِمْ عَنِ الغَزْوِ في الحَرِّ، وفِيهِ كِنايَةٌ عُرْضِيَّةٌ عَنْ كَوْنِهِمْ صائِرِينَ إلى نارِ جَهَنَّمَ.
وجُمْلَةُ ﴿لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ﴾ تَتْمِيمٌ، لِلتَّجْهِيلِ والتَّذْكِيرِ، أيْ يُقالُ لَهم ذَلِكَ لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ الذِّكْرى، ولَكِنَّهم لا يَفْقَهُونَ، فَلا تُجْدِي فِيهِمُ الذِّكْرى والمَوْعِظَةُ، إذْ لَيْسَ المُرادُ لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ أنَّ نارَ جَهَنَّمَ أشَدُّ حَرًّا لِأنَّهُ لا يَخْفى عَلَيْهِمْ ولَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ أنَّهم صائِرُونَ إلى النّارِ ولَكِنَّهم لا يَفْقَهُونَ ذَلِكَ.
{"ayah":"فَرِحَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ بِمَقۡعَدِهِمۡ خِلَـٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوۤا۟ أَن یُجَـٰهِدُوا۟ بِأَمۡوَ ٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَقَالُوا۟ لَا تَنفِرُوا۟ فِی ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرࣰّاۚ لَّوۡ كَانُوا۟ یَفۡقَهُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق