الباحث القرآني
﴿المُنافِقُونَ والمُنافِقاتُ بَعْضُهم مِن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمُنْكَرِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المَعْرُوفِ ويَقْبِضُونَ أيْدِيَهم نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهم إنَّ المُنافِقِينَ هُمُ الفاسِقُونَ﴾
يَظْهَرُ أنْ تَكُونَ هَذِهِ الآيَةُ احْتِراسًا عَنْ أنْ يَظُنَّ المُنافِقُونَ أنَّ العَفْوَ المَفْرُوضَ لِطائِفَةٍ مِنهم هو عَفْوٌ يَنالُ فَرِيقًا مِنهم باقِينَ عَلى نِفاقِهِمْ، فَعَقَّبَ ذَلِكَ بِبَيانِ أنَّ النِّفاقَ حالَةٌ واحِدَةٌ وأنَّ أصْحابَهُ سَواءٌ، لِيَعْلَمَ بِذَلِكَ أنَّ افْتِراقَ أحْوالِهِمْ بَيْنَ عَفْوٍ وعَذابٍ لا يَكُونُ إلّا إذا اخْتَلَفَتْ أحْوالُهم بِالإيمانِ والبَقاءِ عَلى النِّفاقِ، إلى ما أفادَتْهُ الآيَةُ أيْضًا مِن إيضاحِ بَعْضِ (p-٢٥٤)أحْوالِ النِّفاقِ وآثارِهِ الدّالَّةِ عَلى اسْتِحْقاقِ العَذابِ، فَفَصَلَ هاتِهِ الجُمْلَةَ عَنِ الَّتِي قَبْلَها: إمّا لِأنَّها كالبَيانِ لِلطّائِفَةِ المُسْتَحِقَّةِ العَذابَ، وإمّا أنْ تَكُونَ اسْتِئْنافًا ابْتِدائِيًّا في حُكْمِ الِاعْتِراضِ كَما سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿كالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ [التوبة: ٦٩] وإمّا أنْ تَكُونَ اعْتِراضًا هي والَّتِي بَعْدَها بَيْنَ الجُمْلَةِ المُتَقَدِّمَةِ وبَيْنَ جُمْلَةِ ﴿كالَّذِينَ مِن قَبْلِكم كانُوا أشَدَّ مِنكم قُوَّةً﴾ [التوبة: ٦٩] كَما سَيَأْتِي هُنالِكَ.
وزِيدَ في هَذِهِ الآيَةِ ذِكْرُ المُنافِقاتِ تَنْصِيصًا عَلى تَسْوِيَةِ الأحْكامِ لِجَمِيعِ المُتَّصِفِينَ بِالنِّفاقِ: ذُكُورِهِمْ وإناثِهِمْ، كَيْلا يَخْطُرَ بِالبالِ أنَّ العَفْوَ يُصادِفُ نِساءَهم، والمُؤاخَذَةَ خاصَّةٌ بِذُكْرانِهِمْ، لِيَعْلَمَ النّاسُ أنَّ لِنِساءِ المُنافِقِينَ حَظًّا مِن مُشارَكَةِ رِجالِهِنَّ في النِّفاقِ فَيَحْذَرُوهُنَّ.
و(مِن) في قَوْلِهِ: ﴿بَعْضُهم مِن بَعْضٍ﴾ اتِّصالِيَّةٌ دالَّةٌ عَلى مَعْنى اتِّصالِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ وهو تَبْعِيضٌ مَجازَيٌّ مَعْناهُ الوَصْلَةُ والوِلايَةُ، ولَمْ يُطْلَقْ عَلى ذَلِكَ اسْمُ الوِلايَةِ كَما أُطْلِقَ عَلى اتِّصالِ المُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ في قَوْلِهِ: ﴿والمُؤْمِنُونَ والمُؤْمِناتُ بَعْضُهم أوْلِياءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة: ٧١] لِما سَيَأْتِي هُنالِكَ.
وقَدْ شَمِلَ قَوْلُهُ: ﴿بَعْضُهم مِن بَعْضٍ﴾ جَمِيعَ المُنافِقِينَ والمُنافِقاتِ؛ لِأنَّ كُلَّ فَرْدٍ هو بَعْضٌ مِنَ الجَمِيعِ، فَإذا كانَ كُلُّ بَعْضٍ مُتَّصِلًا بِبَعْضٍ آخَرَ، عُلِمَ أنَّهم سَواءٌ في الأحْوالِ.
وجُمْلَةُ ﴿يَأْمُرُونَ بِالمُنْكَرِ﴾ مُبَيِّنَةٌ لِمَعْنى الِاتِّصالِ والِاسْتِواءِ في الأحْوالِ.
والمُنْكِرُ المَعاصِي لِأنَّها يُنْكِرُها الإسْلامُ.
والمَعْرُوفُ ضِدُّها؛ لِأنَّ الدِّينَ يَعْرِفُهُ، أيْ يَرْضاهُ، وقَدْ تَقَدَّما في قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿ولْتَكُنْ مِنكم أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ﴾ [آل عمران: ١٠٤] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ.
وقَبْضُ الأيْدِي: كِنايَةٌ عَنِ الشُّحِّ، وهو وصْفُ ذَمٍّ لِدَلالَتِهِ عَلى القَسْوَةِ؛ لِأنَّ المُرادَ الشُّحُّ عَلى الفُقَراءِ.
(p-٢٥٥)والنِّسْيانُ مِنهم مُسْتَعارٌ لِلْإشْراكِ بِاللَّهِ، أوْ لِلْإعْراضِ عَنِ ابْتِغاءِ مَرْضاتِهِ وامْتِثالِ ما أمَرَ بِهِ؛ لِأنَّ الإهْمالَ والإعْراضَ يُشْبِهُ نِسْيانَ المُعْرَضِ عَنْهُ.
ونِسْيانُ اللَّهِ إيّاهم مُشاكَلَةٌ أيْ حِرْمانُهُ إيّاهم مِمّا أعَدَّ لِلْمُؤْمِنِينَ؛ لِأنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ النِّسْيانَ عِنْدَ قِسْمَةِ الحُظُوظِ.
وجُمْلَةُ ﴿إنَّ المُنافِقِينَ هُمُ الفاسِقُونَ﴾ فَذْلَكَةٌ لِلَّتِي قَبْلَها فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ لِأنَّها كالبَيانِ الجامِعِ.
وصِيغَةُ القَصْرِ في ﴿إنَّ المُنافِقِينَ هُمُ الفاسِقُونَ﴾ قَصْرٌ ادِّعائِيٌّ لِلْمُبالَغَةِ لِأنَّهم لَمّا بَلَغُوا النِّهايَةَ في الفُسُوقِ جُعِلَ غَيْرُهم كَمَن لَيْسَ بِفاسِقٍ.
والإظْهارُ في مَقامِ الإضْمارِ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ المُنافِقِينَ﴾ لِزِيادَةِ تَقْرِيرِهِمْ في الذِّهْنِ لِهَذا الحُكْمِ. ولِتَكُونَ الجُمْلَةُ مُسْتَقِلَّةً حَتّى تَكُونَ كالمَثَلِ.
{"ayah":"ٱلۡمُنَـٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَـٰفِقَـٰتُ بَعۡضُهُم مِّنۢ بَعۡضࣲۚ یَأۡمُرُونَ بِٱلۡمُنكَرِ وَیَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَقۡبِضُونَ أَیۡدِیَهُمۡۚ نَسُوا۟ ٱللَّهَ فَنَسِیَهُمۡۚ إِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق