الباحث القرآني
﴿يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها في نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهم وجَنُوبُهم وظُهُورُهم هَذا ما كَنَزْتُمْ لِأنْفُسِكم فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾
انْتَصَبَ ﴿يَوْمَ يُحْمى﴾ عَلى الظَّرْفِيَّةِ لِـ عَذابٍ، لِما في لَفْظِ ”عَذابٍ“ مِن مَعْنى يُعَذَّبُونَ. وضَمِيرُ عَلَيْها عائِدٌ إلى الذَّهَبِ والفِضَّةِ بِتَأْوِيلِهِما بِالدَّنانِيرِ والدَّراهِمِ، أوْ عائِدٌ إلى ”أمْوالِ النّاسِ“ و﴿الذَّهَبَ والفِضَّةَ﴾ [التوبة: ٣٤]، إنْ كانَ الضَّمِيرُ في قَوْلِهِ: ﴿فَبَشِّرْهُمْ﴾ [التوبة: ٣٤] عائِدًا إلى الأحْبارِ والرُّهْبانِ والَّذِينَ يَكْنِزُونَ.
والحَمْيُ شِدَّةُ الحَرارَةِ. يُقالُ: حَمِيَ الشَّيْءُ إذا اشْتَدَّ حَرُّهُ.
والضَّمِيرُ المَجْرُورُ بِعَلى عائِدٌ إلى ﴿الذَّهَبَ والفِضَّةَ﴾ [التوبة: ٣٤] بِاعْتِبارِ أنَّها دَنانِيرُ أوْ دَراهِمُ، وهي مُتَعَدِّدَةٌ وبُنِيَ الفِعْلُ لِلْمَجْهُولِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الغَرَضِ بِالفاعِلِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: يَوْمَ يَحْمِي الحامُونَ عَلَيْها، وأُسْنِدَ الفِعْلُ المَبْنِيُّ لِلْمَجْهُولِ إلى المَجْرُورِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الغَرَضِ بِذِكْرِ المَفْعُولِ المَحْمِيِّ لِظُهُورِهِ: إذْ هو النّارُ الَّتِي تُحْمى، ولِذَلِكَ لَمْ يُقْرَنْ بِعَلامَةِ التَّأْنِيثِ، عُدِّيَ بِعَلى الدّالَّةِ عَلى الِاسْتِعْلاءِ المَجازِيِّ لِإفادَةِ أنَّ الحَمْيَ تَمَكَّنَ مِنَ الأمْوالِ بِحَيْثُ تَكْتَسِبُ حَرارَةَ المَحْمِيِّ كُلَّها، ثُمَّ أُكِدَّ مَعْنى التَّمَكُّنِ بِمَعْنى الظَّرْفِيَّةِ الَّتِي في قَوْلِهِ: ﴿فِي نارِ جَهَنَّمَ﴾ فَصارَتِ الأمْوالُ مَحْمِيَّةً عَلَيْها النّارُ ومَوْضُوعَةً في النّارِ.
(p-١٧٩)وبِإضافَةِ النّارِ إلى جَهَنَّمَ عُلِمَ أنَّ المَحْمِيَّ هو نارُ جَهَنَّمَ الَّتِي هي أشَدُّ نارٍ في الحَرارَةِ فَجاءَ تَرْكِيبًا بَدِيعًا مِنَ البَلاغَةِ والمُبالَغَةِ في إيجازٍ.
والكَيُّ أنْ يُوضَعَ عَلى الجِلْدِ جَمْرٌ أوْ شَيْءٌ مُشْتَعِلٌ.
والجِباهُ جَمْعُ جَبْهَةٍ وهي أعْلى الوَجْهِ مِمّا يَلِي الرَّأْسَ.
والجُنُوبُ جَمْعُ جَنْبٍ وهو جانِبُ الجَسَدِ مِنَ اليَمِينِ واليَسارِ.
والظُّهُورُ جَمْعُ ظَهَرٍ وهو ما بَيْنَ العَنْفَقَةِ إلى مُنْتَهى فَقارِ العَظْمِ.
والمَعْنى: تَعْمِيمُ جِهاتِ الأجْسادِ بِالكَيِّ فَإنَّ تِلْكَ الجِهاتِ مُتَفاوِتَةٌ ومُخْتَلِفَةٌ في الإحْساسِ بِألَمِ الكَيِّ، فَيَحْصُلُ مَعَ تَعْمِيمِ الكَيِّ إذاقَةٌ لِأصْنافٍ مِنَ الآلامِ.
وسُلِكَ في التَّعْبِيرِ عَنِ التَّعْمِيمِ مَسْلَكُ الإطْنابِ بِالتَّعْدادِ لِاسْتِحْضارِ حالَةِ ذَلِكَ العِقابِ الألِيمِ، تَهْوِيلًا لِشَأْنِهِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: فَتُكْوى بِها أجْسادُهم.
وكَيْفِيَّةُ إحْضارِ تِلْكَ الدَّراهِمِ والدَّنانِيرِ لِتُحْمى مِن شُئُونِ الآخِرَةِ الخارِقَةِ لِلْعاداتِ المَأْلُوفَةِ فَبِقُدْرَةِ اللَّهِ تُحْضَرُ تِلْكَ الدَّنانِيرُ والدَّراهِمُ أوْ أمْثالُها كَما ورَدَ في حَدِيثِ مانِعِ الزَّكاةَ في المُوَطَّأِ والصَّحِيحَيْنِ أنَّهُ «يُمَثَّلُ لَهُ مالُهُ شُجاعًا أقْرَعَ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَقُولُ: ”أنا مالُكَ أنا كَنْزُكَ“» وبِقُدْرَةِ اللَّهِ يُكْوى المُمْتَنِعُونَ مِن إنْفاقِها في سَبِيلِ اللَّهِ، وإنْ كانَتْ قَدْ تَداوَلَ أعْيانَها خَلْقٌ كَثِيرٌ في الدُّنْيا بِانْتِقالِها مِن يَدٍ إلى يَدٍ، ومِن بَلَدٍ إلى بَلَدٍ، ومِن عَصْرٍ إلى عَصْرٍ.
وجُمْلَةُ ﴿هَذا ما كَنَزْتُمْ لِأنْفُسِكُمْ﴾ مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ، وحَذْفُ القَوْلِ في مِثْلِهِ كَثِيرٌ في القُرْآنِ، والإشارَةُ إلى المَحْمِيِّ، وزِيادَةُ قَوْلِهِ: ﴿لِأنْفُسِكُمْ﴾ لِلتَّنْدِيمِ والتَّغْلِيظِ. ولامُ التَّعْلِيلِ مُؤْذِنَةٌ بِقَصْدِ الِانْتِفاعِ لِأنَّ الفِعْلَ الَّذِي عُلِّلَ بِها هو مِن فِعْلِ المُخاطَبِ، وهو لا يَفْعَلُ شَيْئًا لِأجْلِ نَفْسِهِ إلّا لِأنَّهُ يُرِيدُ بِهِ راحَتِها ونَفْعِها، فَلَمّا آلَ بِهِمُ الكَنْزُ إلى العَذابِ الألِيمِ كانُوا قَدْ خابُوا وخَسِرُوا فِيما انْتَفَعُوا بِهِ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، بِما كانَ أضْعافًا مُضاعَفَةً مِن ألَمِ العَذابِ وجُمْلَةُ ﴿فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ تَوْبِيخٌ وتَنْدِيمٌ.
والفاءُ في فَذُوقُوا لِتَفْرِيعِ مَضْمُونِ جُمْلَةِ التَّوْبِيخِ عَلى جُمْلَةِ التَّنْدِيمِ الأُولى.
(p-١٨٠)والذَّوْقُ مَجازٌ في الحِسِّ بِعَلاقَةِ الإطْلاقِ، وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿لِيَذُوقَ وبالَ أمْرِهِ﴾ [المائدة: ٩٥] في سُورَةِ العُقُودِ.
و﴿ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ مَفْعُولٌ لِفِعْلِ الذَّوْقِ عَلى تَقْدِيرِ مُضافٍ يُعْلَمُ مِنَ المَقامِ: أيْ ذُوقُوا عَذابَ ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ.
وعَبَّرَ بِالمَوْصُولِيَّةِ في قَوْلِهِ: ﴿ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ لِلتَّنْبِيهِ عَلى غَلَطِهِمْ فِيما كَنَزُوا لِقَصْدِ التَّنْدِيمِ.
{"ayah":"یَوۡمَ یُحۡمَىٰ عَلَیۡهَا فِی نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكۡوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمۡ وَجُنُوبُهُمۡ وَظُهُورُهُمۡۖ هَـٰذَا مَا كَنَزۡتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡ فَذُوقُوا۟ مَا كُنتُمۡ تَكۡنِزُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق